كتب في الذاكرة

أخبار الظراف والمتماجنين

ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلف كتاب «أخبار الظراف والمتماجنين»، هو أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي البكري البغدادي «المعروف» بابن الجوزي، المولود في بغداد سنة إحدى عشرة وخمس مئة للهجرة، وقد نشأ يتيماً، ولما ترعرع حملته عمته إلى مسجد الحافظ أبي الفضل محمد بن ناصر، فاعتنى به وأسمعه الحديث، ثم حفظ القرآن، وقرأه على جماعة من القرّاء، وقد ذكر «ابن الجوزي» حين صار شيخاً عالماً، أن له سبعة وثمانين شيخاً.

وقد عرف عنه حبّه للعلم منذ أوائل عمره، ولم يقتصر علمه على فن واحد من فنونه وهو القائل: «إنني رجل حُبب إليَّ العلم زمن الطفولة فتشاغلت به، ثم لم يحبب إليّ فن واحد منه، بل فنونه كلها، ثم لا تقتصر همتي في فن على بعضه، بل أروم استعصاءه، ولم أترك أحداً ممن يروي ويعظ، ولا غريباً يقدم إلا وأحضره وأتخير الفضائل ولقد كنت أدور على المشايخ لسماع الحديث، فينقطع نفسي من العدو لئلا أسبق، وقد قيل إنه ورث عن أبيه عشرين ديناراً، فاشترى بها كلّها كتباً، وقد كان كثير الحرص على الوقت، لأن الوقت عمر الإنسان، وهو الذي يحاسب عليه.

عاصر «ابن الجوزي» عدداً من خلفاء بني العباس، حتى أن الخليفة «المستضيء» كان يحضر دروسه، ويستمع إلى مواعظه ونصائحه، ويكرمه. وقد تعرض «ابن الجوزي» في أواخر حياته لمحنة، آذته وآلمته، ونغَّصت عليه عيشه، ولكنه تلقّاها بالصبر والحمد والشكر. وقد توفي سنة 597هـ في داره ببغداد، تاركاً أكثر من ثلاث مئة كتاب في فنون مختلفة.

يعتبر كتاب «أخبار الظراف والمتماجنين» أحد الفنون الأدبية التي تتضمن خصائص معينة، تختلف في بعض جوانبها عن خصائص الفنون الأدبية الأخرى، وقد تناول هذا النوع، عدد من الأدباء قبل «ابن الجوزي»، «كابن قتيبة وابن عبد ربه، والجاحظ.. ». ولعل السبب الرئيس في ذلك، هو أن النفس تملّ من الجد الدائم المتواصل، فلا بد من استراحة ولو قليلة بين الحين والحين، ترويحاً عن القلب، وليس الغرض من ذلك اللهو المطلق، وهذا اللهو أمر لا يقدر عليه كل إنسان، بل هو هبة يجعلها الله في نفس المرء،

فما يقدر عليه فلان لا يقدر الآخر، والظرف أثر من آثار الحضارة، وقد عرفت بعض المجتمعات به، كأهل الحجاز وأهل بغداد، والظرف سلوك يلتزمه المرء، بحيث يبدو نبيلاً في أعين الناس، وينظر إليه بمنظار الهيبة والجلال، مع اللطف والظرف، فينتهي بصاحبه ليكون محبوباً بين الناس، وقد اجتمع في هذا الكتاب عدد من الخصائص، لعل من أهمها،

أن المؤلف عرض عدداً كبيراً من الأخبار ذات طرافة نادرة، عن عدد من الناس، منهم الأنبياء ـ سلام الله عليهم ـ والصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ وأهل العلم ـ رحمهم الله ـ والعامة والنساء والصبيان.

كما أكثر من الأخبار التي كان أكثرها مسنداً، وباعتبار تنوّع من روى أخبارهم وطرفهم، ليدل على ظرفهم، تنوعت لغة عرض هذه الأخبار، فبعضها يسمو بأسلوبه إلى مستوى أدبي عال رفيع، وبعضها يعرضه بأسلوب عادي كما ينقل إلينا كثيراً من الأخبار التي تتضمن بعض الأشعار، إمّا على سبيل الاستشهاد بها، أو على سبيل نقد ما جاء فيها، ويبدو أنه ينحاز أحياناً لبعض المجّان العابثين ويغلّبهم على أهل العلم الثقات،

فيوقع هؤلاء في الحرج ويجعلهم ضحكة للآخرين، كذلك يعطي بعض أهل الغفلة والبلاهة، شيئاً من الفطنة والذكاء، مما يجعلهم يتفوقون على أهل الفطنة، وقد يأتي بأقوال على لسان أهل المجون والزندقة، يضمّنها آية من القرآن الكريم، أو الحديث الشريف، تخرج عن معناها الحقيقي إلى معان من المجون والزندقة وهذا سقط في الكتاب، فأخبار الظرفاء كثيرة وفيها كفاية.

محمد سطام الفهد

Email