أما قبل

معتقل أو خائن

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلال النصف الأول من القرن الماضي عاش جيل تلك الفترة وهم القومية والوطن الكبير الخالد، ثم ما لبث ذلك الجيل أن عاش وهما آخر هو وهم الثروة، وهو الجيل الذي يرى بعينيه كيف تراجعت أحلامه وانتهى به المطاف إلى ما نراه اليوم من يأس قاتل. جيل أورثنا الخوف ضمن جملة الأوهام التي صدرها إلينا.

نعم الجيل الحالي تربى عقائدياً على الخوف، فلا الثقافة حمته ولا التاريخ خلصه، جيل يتطلع للأمان ولا يعرف الطريق الذي يسلكه ويتطلع إلى الخروج من المحنة ولكن بأسلحة الآخرين وخططهم ، إلى درجة يصبح فيها التحالف مع الأعداء شكلاً من أشكال الوطنية!

إن اتهام الجيل الحالي بقلة الوطنية ليس شتيمة، فالشتائم هي عندما تتعرض كرامة الشخص للإهانة والتعرية ولكن قلة الوطنية سببها ذلك الزرع الذي لم يبذر بشكل جيد ولم يسق من ماء الكرامة، ويمكن عبر العودة إلى بعض مناهجنا في التربية الوطنية والقومية نجد ان الإنسان من صغره يتعلم مبادئ خاطئة

حيث يعمل مدرسوه على حشو رأسه بالتاريخ الناصع والمجيد، بالفتوحات والانتصارات، بالإمبراطورية التي امتدت من الصين إلى أوروبا، فيعيش الطفل في قرون سابقة لعدة سنوات وعندما يصل إلى الحاضر لا يجد أحفادا أبطالا، بل يجد هزائم تتلاحق وأشخاصاً يتمجدون ونموراً من ورق يسيطرون على أفكاره وحريته ويخططون له مستقبله فيفشلون ويفشل معهم لأنه نتاج حالة التردي التي عاشها أجداده.

قبل الشروع في بناء الأوطان كان يجب التفكير في بناء الإنسان ولا يمكن للإنسان أن يصاغ إذا لم يكن حراً والحرية كلمة مرعبة في وطن تحول إلى معتقل كبير. عملية بناء الإنسان تبدأ عبر تعليمه وتثقيفه بحيث يتحول معه الوطن إلى قيمة عالية مستعد للدفاع عنه بدمه وبذلك يكون الإنسان حراً يبذل روحه للدفاع عن وطن منحه الحرية.

لكن للأسف في وطننا العربي الحرية لا تمنح لأحد إلا بشروط وإذا أخلَّ بها المرء يتهم بالخيانة الوطنية وهي تهمة تقود إلى دمار الأوطان! فالأجيال الحالية تعلق على مشجب ماضيها وعلى رموز ذلك الماضي كل ما نعانيه الآن من خيبات وأزمات، فقد تكرست القطرية وزادت البطالة والفقر وعمَّ الخوف وتراجعت الديمقراطية وانتشرت السجون، والآن هذا الجيل مهدد باستعمار جديد باسم الديمقراطية. وللأسف بعض هذا الجيل ينظر إلى تلك الديمقراطية بعين حالمة.

إذا لم تحمنا الثقافة، فما نفع كل ما حبره الأجداد وكل ذلك التاريخ وتلك الإمبراطورية. اذا لم تجعلنا الثقافة أقوياء. وما نفع العنتريات التي أورثونا إياها وملاحم «مكر مفر» و«إذا بلغ الفطام لنا صبي» ما نفعها اليوم ونحن نخاف المرور قرب شرطي حتى لا يعتقلنا ونخاف المرور قرب سفارة أجنبية حتى لا نتهم بالخيانة .

Email