كاتب وكتاب..

سائحو الروح

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحت عنوان «سائحو الروح» أصدرت الروائية البريطانية «برناردين إيفارستو» روايتها الثالثة، دار هاميش هاميلتون للنشر، لندن . كسابقاتها تستند رواية إيفارستو الجديدة إلى رؤية شخصية وفنية عميقة تسمح لها بالتأمل وبالتعبير عن أفكارها بأسلوب يكاد يكون متفرداً في تجاوزه الحدود الفاصلة بين الأشكال الفنية المختلفة ( الشعر والمسرح والموسيقى والرواية ) ولغته الموجزة . أماكن، ووجوه من الماضي ومن الحاضر تتوزع على نحو ما يمكننا مشاهدته في شريط سينمائي .

فيما يبدو الموضوع الرئيسي لرواية إيفارستو في بدايته عادياً، يومياً، غير محتو على شيء من الاستثنائية . تدور تفاصيل رواية « سائحو الروح»، حول قصة شخصين، مغنية سابقة وممثلة كوميدية تدعى جيسي وموظف مصرفي، ستانلي وليامز ابن أسرة كاريبية مهاجرة، يلتقيان في أحد الملاهي الليلية سنة 1989،

فتتأسس بينهما علاقة غرامية، ينطلقان بعد ذلك مباشرة في جولة سياحية فيما تسميه المؤلفة، البحث في التاريخ الأوروبي، أو ما يمكن أن يسميه القارئ مغامرة تلك الأرواح الغجرية المتعطشة إلى معرفة الذات . ومن هنا فإن« سائحو الروح» جولة سياحية عاطفية وثقافية تطوف بالقارئ في فضاءات الفانتازيا، التاريخ، الأسطورة، والميتافيزيقا لكي يكتشف في نهايتها أن ما تقوم به شخوصها هو البحث عن الهوية من خلال البحث في العلاقات الواسعة التي تربط بين الناس .

تكشف إيفارستو عن موهبة شخصية يتمتع بها بطلها ستانلي هي التواصل مع الأشباح . أما كيف يسخر هذه الملكة غير العادية لخدمة هدفه الشخصي المتمثل في البحث عن الذات، فإن ذلك يظل مرهوناً ببراعتها في حمل التاريخ على أن يرسم بريشته صورة مغايرة لنفسه.

في صيف سنة 1989 . بعد وصولهما إلى تركيا، يستقل كل من ستانلي وجيسي حافلة متوجهة إلى اسطنبول فيجلس ستانلي في المقعد الخالي الوحيد لكي يكتشف أن الشخص الجالس إلى جواره لم يكن سوى شبح الممرضة البريطانية السوداء، ماري سيكول، بطلة حرب القرم . ليكون ذلك المشهد الذي يعود فيه التاريخ إلى الوراء، بمثابة المفارقة التاريخية .

حيث يلتقي بطل الرواية بالعديد من الشخصيات التي عاشت في أزمنة بعيدة والتي ينساها الكثيرون . وفي أثنائه يدور الحوار التالي بين كل من ستانلي، وسيكول الشبح الرهيب الذي يتفقد أنحاء القسطنطينية من على متن حافلة عصرية، يقول ستانلي مازحاً مخاطباً سيكول: «أيتها السيدة، أرى أنك بهذا الشكل تسبقين عصرك .

فتجيبه» : أعتقد أنك مصيب، أيها الوقح السابح في عالم آخر ! «هذا الشبح على وجه التحديد لا يتوانى عن تسديد الضربات القاسية» إن الحياة مسألة خطيرة للغاية . خاصة عندما تتوقف عن سد احتياجاتك الأساسية، وعوضاً عن احتضانك تتخلى عنك لتصبح مجرد متفرج غير قادر إلا على التعاطف بدلاً من التقمص العاطفي .

بالطريقة نفسها التي يلتقي بها كل من ستانلي وسيكول يلتقي ستانلي وبوشكين . يقول بوشكين مستخدماً اللهجة الأميركية أثناء قيامه بحركات استعراضية مضحكة «إنني أبحث عن أجدادي» . و شخصيات أخرى كثيرة تضمها إيفرستو إلى القائمة مثل امرأة شكسبير المزعومة ذات البشرة الداكنة التي هام بها عشقاً في سوناتاته .

ولوسي نيغرو أوف كليركنويل . وكل من هنيبعل، وزرياب الذي طور آلة العود وأدخل معجون الأسنان إلى قصر قرطبة . أو جوزيف بولون أول كولونيل أسود في الجيش الفرنسي، الملكة شارلوت زوجة الملك جورج الثالث . غير أن، ستانلي، هذا الشاب الذي يتورط فيما يمنحه إياه أبواه المهاجران من موروث ثقافي يستند إلى الغيبيات والأساطير على الرغم من مقاومته الشديدة «لا يمكنني القيام بهذا، بل يمكنك» يترك شقته اللندنية الفخمة لكي يقوم بجولة سياحية هي الأولى في حياته متمنياً أن تتفتح له أبواب التاريخ .

كما يحدث في إحدى وقفاته التأملية أثناء المرور بمضيق جبل طارق بعدما يثور بينه وبين جيسي من جدل حول ما إذا كانا سيعبران بقارب يحملهما إلى طنجة المغربية «لو أن أوروبا سمحت بوصول الكثير مما يساعد على معرفة تاريخها، لكان ذلك قد سمح لأفريقيا بفتح أبوابها على نحو ربما لن يتيح له العودة إلى حيث أتى ».

خلال التسعينات برزت إيفارستو كصوت إبداعي بريطاني شاب. أما خلفيتها العائلية فهي مصدر مهم من مصادر إبداعها الروائي . ولدت إيفارستو في لندن لأب أفريقي وأم إنجليزية . في حين يقارن وعيها، لا سيما الوعي بالذات ومسألة الاختلاط الجنسي التي تشكل الموضوعات الرئيسية في أعمالها الروائية بمثيله لدى الكتاب البريطانيين الملونين الجدد من أمثال، أندريا ليفي، و جاكي كي، وحنيف قريشي الذي يقول عنه كاريل فيليبس أن لديه شعوراً بأنه «من هذه البلاد وليس منها ».

في حين تستمد رواياتها حيويتها من هذه الخلفية القائمة على التعددية الثقافية والموروث الذي أسهمت في صياغته تجربة الشتات كما تسميها ومنه تفتقت كل من هويتها البريطانية الأوروبية وهويتها كواحدة من كتاب ما بعد الكولونيالية . وبالنسبة لها كما يبدو فإن أياً من هاتين الهويتين لا تشكل تضارباً مع الأخرى فهي على وجه الدقة كاتبة إنجليزية سوداء .

إن ما تتمحور حوله روايتها هو سؤال ... ما الذي يعنيه أن تكون ملوناً وتكون هنا في أوروبا! وهو ما يعمل على إيجاد أجواء مناسبة لمرحلة دولة ما بعد القومية التي تظهر فيها بريطانيا كمفترق طرق لعدد من الحركات والهجرات التي تحدث على مدى قرون عدة .

وكما تؤكد روايتها فإنه لا سبيل إلى العودة إلى المرحلة السابقة لمرحلة الهجرة إلى بريطانيا. وبناءً على ذلك فإن ما تعرف به كتابة إيفارستو هو تجاوزها الحدود الفاصلة بين مكونات المجتمع الواحد بالإضافة إلى تجاوزها الحدود الفاصلة بين الأشكال الفنية والأدبية . أما مؤلفاتها فتتضمن في بداياتها المسرحيات التي يتذكر القارئ أهمها، مسرحية «الارتحال» التي عرضت على مسرح، رويال كورت أبستيرس اللندني .

من الأعمال التي تؤسس لبداياتها الإبداعية ديوان شعري «أرض إبراهيم» 1994 . إلا أن ما يعرف عن رواية «سائحو الروح» هو عدم التزامها التام بتقاليد النوع الأدبي، فهي عمل تم إخراجه ضمن إطار شعري، روائي، موسيقي، ومسرحي، وهو يشكل بذلك انقلاباً على نظرية الأنواع الفنية التي نعرفها من أجل الوصول إلى ما يمكن وصفه بالرواية بقالب شعري.

بعدما حققت روايتها الأولى« لارا« (1997) وهي رواية تمتزج فيها كل من الفانتازيا والحقيقة والشعر والنثر والأسطورة والتاريخ نجاحها على المستوى النقدي رشحت لكي تظهر على قوائم العديد من الجوائز الأدبية ثم تحصل على جائزة، «إيما» لأفضل عمل روائي لسنة (1999).

تقع أحداث الرواية في السبعينيات، وتدور تفاصيلها حول قصة حياة فتاة ملونة تنشأ في إحدى ضواحي البيض في إنجلترا، إلا أنه لا يمكن اعتبارها رواية تاريخية أو جغرافية من جهة فهي تسلط الضوء على رحلة اكتشاف الذات عبر تجاوزها حدود المكان والزمان. رواية، طفلة الإمبراطور ( 2001) لا تختلف كثيراً عن رواية، لارا، فهي عمل روائي محرض على اكتشاف الذات . أما تحريضيته فهي تتكئ على محاولة إيقاظ، أو بث روح المغامرة في كل من الأصوات التي ينتابها اليأس، والتاريخ، والأماكن الكثيرة التي تتنقل فيها شخصياتها.

تقع أحداث الرواية في لندن عام 2001 ميلادية، وتتمحور حول قصة حياة بطلتها زليخة ابنة عائلة سودانية مهاجرة . ومن خلالها تبعث إيفارستو برسالة تاريخية خطيرة تتعلق بتجربة الملونين في إنجلترا وهي تجربة تخلو من إشكاليات مثل العنصرية والطبقية والتقسيم الاجتماعي الجنسي .

حقائق عن برناردين

ـ برناردين إيفارستو روائية بريطانية من الجيل الشاب، من أب نيجيري وأم إنجليزية.

ـ عملت في مجال التمثيل والمسرح بعد حصولها على مؤهل جامعي في اللغة والدراما في الثمانينات. ساهمت في تأسيس مسرح المرأة البريطانية السوداء.

ـ بدأت حياتها الإبداعية بالكتابة الشعرية والتأليف المسرحي والإذاعي ثم تحولت نحو الكتابة الروائية في بداية التسعينات.

ـ نشرت لها ثلاثة أعمال روائية «لارا» (1997)، «طفلة الإمبراطور« (2001) «سائحو الروح».

ـ حازت على عدة جوائز أدبية أهمها، جائزة إيما لأفضل عمل روائي، عن رواية، لارا. وجائزة مجلس الفنون لعام 2000.

الكتاب: سائحو الروح

الناشر: دار هاميش هاملتون نيويورك 2006

الصفحات: 304 صفحات من القطع الكبير

Soul Tourists

Bernardine Evaristo

Hamish Hamilton - N.Y 2006

p.304

Email