من المكتبة العربية...

سينما تبحث عن ذاتها

ت + ت - الحجم الطبيعي

عدنان مدانات ناقد سينمائي أردني، له العديد من المقالات والدراسات منشورة في الصحف والدوريات العربية، من مؤلفاته: «تحولات السينما المعاصرة»، «غرائب الأيام في خفايا الأفلام»، «الهوية القومية في السينما العربية «بالاشتراك مع مجموعة من المؤلفين. وفي كتابه الجديد «سينما تبحث عن ذاتها«يرصد الباحث واقع السينما العربية

ويؤكد أن السينما التي تريد أن تتميز وتكتسب صفة قومية محددة وأن تلعب دورها في تشكيل الوعي القومي الخاص بجهودها، أن تجد حلولاً خاصة بها على مختلف الأصعدة الجمالية والثقافية العامة والقانونية والاقتصادية. وتتأكد ضرورة هذا الأمر عند النظر إلى الوعي القومي ليس فقط من زاوية واحدة أو في اتجاه واحد، أي النظر إلى الوعي القومي ليس باعتباره وعياً سياسياً فقط أو وعياً إيديولوجيا فقط أو اجتماعياً بل كل ذلك معاً، إضافة إلى الوعي الجمالي الفني.

وهذا يعني أن على هذه السينما أن تتعامل مع الوعي القومي باعتباره وعياً شاملاً، وأن على السينما أن تجيب على مسألة الأصالة والمعاصرة، الحداثة والتراث بطرقها الخاصة وبما يتلاءم مع تركيبتها.يتألف الكتاب من عدة عناوين. عن «أسئلة الهوية في السينما العربية «يطرح الباحث سؤالاً يعتبره إنصافاً للسينمائيين العرب:

هل ان غياب هوية تراثية فنية جمالية خاصة بالسينما العربية دليل عجز صناعة السينما العربية، وكذلك عجز السينمائيين العرب عن تحقيق مثل هذه الهوية، أم هو نتاج كون سؤال الهوية والخصوصية الفنية في السينما بحدّ ذاته سؤالاً مستحيلاً وفرضية غير قابلة للتحقيق ؟ هذا السؤال المستحيل عن الهوية والخصوصية الفنية المميزة لقومية دون غيرها، لم يُطرح، في الحقيقة، عبر تاريخ السينما في أي من أقطار العالم.

بدلاً من هذا السؤال المستحيل، على ما يبدو، عرفت مسيرة السينما العالمية أسئلة أخرى وجدت أجوبتها عبر تيارات ومدارس سينمائية نشأت في مناطق معينة في البداية ثم انتشرت بعد ذلك في مناطق أخرى، مثل المدرسة التعبيرية الألمانية أو الواقعية الاجتماعية البريطانية أو الواقعية الايطالية الجديدة أو الموجة الجديدة في السينما الفرنسية أو السينما السياسية أو السينما الجديدة البرازيلية الخ...

أما السؤال الأهم الذي يطرحه الباحث، والذي لم يتخلّف السينمائيون العرب عن طرحه وعن البحث عن أجوبة له، فيظل سؤال علاقة السينما بالواقع ومدى نجاحها في التعبير عن قضايا المجتمع والإنسان العربي المعاصر بصدق ؟

وعن «السينما الوطنية وإشكالية الإنتاج المشترك» يشير الباحث إلى فشل السينمائيين في تحقيق السينما البديلة، كما فشلوا أيضا في تحقيق البديل عنها، أي السينما الوطنية.

وتسبّب هذا، مع الأيام، في التوقف عن محاولات البحث الجماعية عن سينما جديدة، أي البحث عن حلول جماعية. وهكذا بدأ السينمائيون، كلٌّ على حدة، في البحث عن حلول فردية خاصة به وحده. ويؤكد الأستاذ مدانات ان الإنتاج السينمائي المشترك هو احد الحلول الممكنة.

وقد تحققت عبر الإنتاج السينمائي المشترك مع الدول الأوروبية مجموعة من الأفلام العربية المهمة التي أوصلت صوت السينما العربية إلى المحافل والمهرجانات السينمائية العالمية وبعض قنوات التوزيع والعرض الأوروبية.

وهنا نشأت المعضلة الأخلاقية والتي قادت إلى توجيه الاتهامات لأفلام الإنتاج المشترك بالابتعاد عن الطابع الوطني والهمّ الوطني والتوجّه نحو المواضيع والأفكار التي ترضي الجانب الآخر. ويعتبر الباحث شعار «السينما المستقلّة في العالم العربي» هو الحلقة الخيرة من سلسلة شعارات رفعها السينمائيون العرب على مدى أكثر من ربع قرن وكان أبرزها على الإطلاق شعار «السينما العربية البديلة».

كانت الشعارات السابقة على شعار «السينما العربية المستقلّة» ذات مضمون فني / إيديولوجي وتعكس حالة من التمرّد على السينما السائدة في العالم العربي بخاصة من حيث مضامينها التي اعتُبرت مزيفة لقضايا الواقع والإنسان العربي شكلاً ومضمونا. أما شعار «السينما العربية المستقلّة «فهو لا يستند إلى خلفية إيديولوجية ولا يحمل بُعداً إيديولوجيا، بل هو نتاج ظروف مستجدّة سبّبتها التطورات والانجازات التقنية في المجالات السمعية / البصرية،

وعلى رأسها تقنيات إنتاج الأفلام بواسطة الفيديو الرقمي. كما يعرب الأستاذ مدانات عن أسفه حول «الثقافة السينمائية والإعلام العربي «بأن الثقافة السينمائية الجادة لم تراوح، فقط، في مكانها بل إنها تراجعت القهقرى إلى الوراء بخطوات حثيثة وعلى نحو ملموس بوضوح.

والحق يُقال ان تجاهل الصحافة العربية للنقد السينمائي الجاد وللكتابات المتعمقة في قضايا السينما العربية بخاصة، ساهم الى حدّ كبير في تراجع حركة النقد السينمائي في العالم العربي وأجهض الدور الذي لعبه النقّاد السينمائيون العرب في الستينات والسبعينات من أجل تطوير السينما العربية شكلاً ومضموناً وصناعةً وعلاقةً حيّة ومتفاعلة مع المشاهدين.

كان النقد السينمائي في فترة ما قضية معرفية وقضية ثقافية وطنية وكان هذا النقد يجد منابر دائمة له في الصحف اليومية أو الأسبوعية أو في المجلات الشهرية، والأهم من ذلك كله أيضاً، من خلال المجلات السينمائية المتخصصة والتنويرية الجادة، كذلك من خلال نشرات نوادي السينما التي تأسست وعملت بنشاط في أكثر من بلد عربي.

وعن «السينما العربية بين الرواية والسيناريو الأصلي «يؤكد الباحث بأن اعتماد السينما العربية ككل على اقتباس مواد مواضيعها، أو بتعبير أدق «أفلَمة» الحكايات التي ترويها من نصوص الأدب العربي عامة والأدب العربي المحلي الخاص بكل قطر عربي على حدة، قديمه وحديثه، كان ضعيفاً، إذ ما جرت المقارنة مع حالات الاقتباس التي عرفتها السينما العربية عن الأدب العالمي الروائي والمسرحي أو حتى عن أفلام عالمية نالت نجاحاً جماهيرياً.

هذا التعتيم ينطبق بشكل ملحوظ على الأفلام العربية المنتَجة خارج مصر، في حين انه ينطبق بنسبة أقل على السينما المصرية ذات التاريخ الأقدم والزخم الإنتاجي الأغزر والانتشار التوزيعي الأوسع عربياً وبالتالي الشعبية الأكبر.

ويخلص الباحث الأستاذ عدنان مدانات في دراسته إلى أن «السينما ممارسة اجتماعية» وهي ظاهرة اجتماعية وثقافية. ويمكن دراسة السينما كظاهرة اجتماعية وثقافية في علاقتها بالوعي الجماهيري العربي العام من خلال ملاحظة آليات استقبال النص وقراءة واقع الإنتاج السينمائي ثم متابعة أوضاع صالات العرض السينمائي وأساليب العرض السينمائي وأحواله وطرق الدعاية المحيطة به، وبخاصة الكيفية التي تتم بواسطتها برمجة عروض الأفلام ويتم تبعاً لها اختبار عناوين الأفلام المحلية أو التي تحدّد كيفية ترجمة عناوين الأفلام الأجنبية.

كما يمكن دراسة السينما كظاهرة وممارسة اجتماعية من خلال ملاحظة تقاليد وأنماط وسلوك المتفرجين أثناء مشاهدة الفيلم.

د. وانيس باندك

الكتاب : سينما تبحث عن ذاتها

الناشر : وزارة الثقافة - دمشق 2005

الصفحات : 142 صفحة من القطع الكبير

Email