صحافة فلسطين

صحافة فلسطين

ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلفة هذا الكتاب باحثة وكاتبة في القضايا السياسية والاجتماعية حاصلة على درجة الدكتوراه في الفلسفة من كلية وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري جامعة سيراكيوز في نيويورك ولها العديد من الأبحاث والدراسات المنشورة في الإعلام والقضايا السياسية والاجتماعية وهي عضو رابطة الكتاب الأردنيين ومنتدى الفكر العربي ولجنة يوم القدس.

ويقدم الكتاب دراسة تحليلية مفصلة حول صحافة فلسطين والحركة الوطنية في النصف الأول من القرن العشرين وخاصة منذ أن زرعت بريطانيا بذور المعضلة بصكها وعد بلفور للصهيونية عام 1917 ونفذته بإقامة إسرائيل عام 1948.

ويتناول الكتاب العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع الفلسطيني التي أثرت على نشأة الصحافة وتطورها اذ أهملتها الدراسات القليلة في هذا المجال لتترك فراغا يطمح الكتاب في سده.

ويعالج الكتاب من خلال تسعة فصول الصحافة منذ نشأتها من حيث الكم والنوع والمهنية والدور الذي لعبته بشكل مواز للتطورات السياسية ونشاطات الحركة الوطنية .

كما يبرز الصحافة كمرآة تعكس صورة نضال الشعب الفلسطيني بطبقاته كافة من عمال وفلاحين ومثقفين في رفضه للاستعمار الأنجلو صهيوني وذلك من خلال دراسة أجندة الصحافة وأولوياتها.

تشير المؤلفة الدكتورة عايدة النجار إلى أن الصحافة الفلسطينية نشأت في مطلع القرن العشرين وبعد إعلان الدستور العثماني 1908 الذي سمح بالتعبير عن حرية الرأي بشكل نسبي وصدرت جريدتان رائدتان هما الكرمل 1909 وفلسطين 1911 من بين صحف عربية فلسطينية أخرى حملت لواء التصدي وفضح الحركة الصهيونية وأهدافها واستمرت في هذا الهدف تحت الانتداب البريطاني الذي شهد نمو وتطور صحافة وطنية فاعلة.

ونقلت عنها صحف مصر ودمشق وبيروت التي عملت على فضح أهداف الصهيونية، كما أنبرت للرد على ادعاءات الصحف المناصرة للصهيونية وأهمها المقطم في القاهرة. واستمرت الصحافة الفلسطينية التي نمت وتطورت في مراحل ثلاث تحت الانتداب البريطاني في لعب دور وطني، سجلت على صفحاتها الأحداث.

وعكست ووثقت نضال الشعب الفلسطيني الذي لم يأل جهدا في الدفاع عن أرضه أمام عدو قوي منظم ومدعوم من بريطانيا. بدا ذلك واضحا باحتجاج الصحافة التي عكست ومجدت ثورات 1920، 1921، وهبة البراق 1929، وثورة القسام 1935، ثم الثورة الفلسطينية الكبرى 1926 ـ 1939.

وتعتبر الصحافة الفلسطينية وثيقة مهمة لتلك المرحلة التاريخية كما تعتبر مرآة للمجتمع الفلسطيني بما فيه من وضع اجتماعي وسياسي وثقافي ولعبت دورا وطنيا إيجابيا في رسالتها الوطنية التي عبرت عن التزام الأحزاب السياسية وصحافتها بين 1932 ـ 4391 والتي كانت موحدة وتمكنت من رصد ممارسات السلطة البريطانية وقوانينها الصارمة ضد الصحافة في محاولة لإسكاتها.

ومنه قانون 1933 سيئ الذكر والمادة 19 منه والتعديلات عليه. كما عكست مراحل الخلافات والانشقاقات في الحركة الوطنية وزعمائها التي عادت على المسيرة النضالية بالسلبية.

وسجلت الصحافة مرحلة الركود والهزيمة السياسية (1940 ـ 1948) في مرحلتها الأخيرة بسبب عدم استعداد العرب لمواجهة الحرب (1947 ـ 1948 ).

وعدم قدرتهم على الوقوف في وجه الصهيونية وعصاباتها المنظمة التي تمكنت من تحقيق إقامة الوطن القومي بمساعدة بريطانيا التي صكت وعد بلفور ونفذته.

وظلت القضية تزداد تعقيدا بفضل تدخل الولايات المتحدة الأميركية التي مدت الحياة لإسرائيل بدعمها المتواصل وتحيزها ولتظل القضية على أجندة الصحافة الفلسطينية والعربية والعالمية كأولوية.

ويحاول الكتاب على حد ما تشير مؤلفته معالجة الكثير من الجوانب التي لم يتم معالجتها بشكل متكامل في دراسات سابقة ومن ذلك إيفاء حق الصحافيين والكتاب الذين لعبوا دوراً مهماً أولا في تأسيس وتطوير صحافة متطورة وملتزمة وثانيا بجعلها منبرا لردود الفعل الشعبية والطبقة البرجوازية الوطنية التي لعبت دورا قياديا في الحركة الوطنية تحت الانتداب رغم تنافس الزعامات على المراكز والسلطة.

ومن أجل القيام بإعداد مادة هذا الكتاب اطلعت المؤلفة على الصحافة والمجلات الفلسطينية والدوريات العربية الصادرة خلال فترة الانتداب والتي أصبحت اليوم متوفرة في أكثر مكتبات الجامعات الأجنبية والعربية.

في البداية تتناول المؤلفة الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمجتمع الفلسطيني منذ مطلع القرن وتحت الانتداب البريطاني، فتشير إلى أن التركيب الاجتماعي الفلسطيني الذي بني تحت الحكم العثماني ساهم في تبلور الطبقات الاجتماعية المختلفة فيما بعد تحت الانتداب البريطاني فقد أوجدت الطبقة البرجوازية الغنية المالكة لمساحات شاسعة من الأراضي.

مما ساهم في إيجاد النظام الإقطاعي على حساب الفلاحين أصحاب الأراضي الذين كانوا يزرعونها وأجبروا على التخلي عنها بسبب الضرائب مما خلق صراعا طبقيا كان قد بدأ منذ العهد العثماني وأفرز مجتمعا فيه هوة واسعة بين الغني والفقير.

وتشير الدكتورة عايدة النجار في هذا الصدد إلى تطور الوعي القومي والوطني والذي ساهم في انخراط المثقفين والسياسيين الفلسطينيين والذين قاموا بتأسيس الجمعيات السياسية سواء في الآستانة أو دمشق أو بيروت أو الجمعيات الوطنية في فلسطين.

كما تعرض لنشأة الصحافة الفلسطينية الرائدة قبل 1914 ودورها في تنبيه العرب للخطر الصهيوني الذي استمرت في فضحه ووضعته على أجندتها بشكل متواصل بعد ذلك.

وتلقي المؤلفة بعد ذلك الضوء على الواقع الجديد لفلسطين في العشرينيات حيث طبق الانتداب البريطاني وفيه تطورت الحركة السياسية وبرزت الزعامات والكتل وعقدت فيه المؤتمرات والانتفاضات الشعبية بين 1920 و1929 التي رفضت وعد بلفور والهجرة اليهودية وتسريب الأراضي لليهود.

وفي بيئة جديدة تطورت الصحافة في مراحلها الأولى تحت الانتداب في العدد والمهنة واتخذ بعضها مواقف تدعم الكتل السياسية وزعاماتها وأهمها كتلتا الحسيني والنشاشيبي المتنازعتين على السلطة مما جعل دورها سلبيا حتى عام 1929.

حيث بدأت المرحلة الثانية تحت الانتداب بعد هبة البراق التي استمدت قوتها من التحدي الشعبي في مواجهة الاستعمار البريطاني الصهيوني. وقد فضحت الصحافة الفلسطينية الصهيونية كما وثقت أحداث هبة البراق والاعتداءات اليهودية على العرب والممارسات الوحشية ضد العرب ومحاولة اليهود تغيير الحقائق.

كما ساندت الصحافة اللجنة العربية العليا في احتجاجاتها ونشرت تقاريرها للرد على المزاعم اليهودية وتقرير لجنة شو. كما عرضت المؤلفة في هذا الإطار لنبذة عن الصحافة والمرأة الفلسطينية التي كان دورها وطنيا وسياسيا شاركت الرجل فيه رغم الظروف الاجتماعية التقليدية السائدة.

ثم عرضت المؤلفة بعد ذلك لدخول الصحافة الفلسطينية للمرحلة الثانية من تاريخها تحت الانتداب بعد هبة البراق عام 1929 وحتى ثورة القسام 1935 .

حيث أصبح للصحافة دور وطني مهم انطلق وتنامى مع تطور النضال الفلسطيني الذي وقف يتحدى سلطات الانتداب ويعتبرها عدوا كالحركة الصهيونية. وتنبهت بريطانيا لهذه القوة التي اعتبرتها أداة تحريض للشعب. كما غطت الصحافة آنذاك ثورة القسام واحتفت بنضاله بعد استشهاده.

وفي هذه المرحلة (1930 ـ 1934) وضعت السلطات قوانين صارمة لقمع حرية التعبير وأيضا حسبت حساب التطور الإيجابي في الحركة الوطنية بعد تأليف الأحزاب السياسية بين (1932 ـ 1934) وقد اتخذ كل حزب له جريدة تنطق باسمه.

وقد أوردت المؤلفة في سياق استعراض هذه الفترة اقتباسات مكثفة من الصحافة تعرض نضال جميع طبقات الشعب الفلسطيني وهو يقوم بدوره الوطني ووضعت قضايا مهمة على أجندتها منها متابعة هبة البراق، والشهداء، ثم صدور الكتاب الأبيض 1930.

والكتاب الأسود 1931، ومؤتمر لندن، ومؤتمر نابلس، وعكست على صفحاتها النزاعات السياسية بين الصحافيين أنفسهم، كما شهدت الصحافة في هذه المرحلة وضع قانون الصحافة لعام 1933 الذي قيد من حريتها وقوانين الطوارئ التي أحاقت بالشعب والصحافة عقابات شديدة.

ثم تناولت المؤلفة تطور الصحافة إلى الحد الذي جعلها من أهم العوامل التي تقلق السلطة. وقد عكست الصحافة دورها الوطني بفخر ومساندتها للثورة الفلسطينية الكبرى في مرحلتها الأولى وهي إضراب عام 1936 التي أشعلتها ثورة القسام عام 1935 كما عكست الصحافة بطولات الشعب وخاصة الفلاحين الذين صنعوا أطول إضراب في التاريخ وكان الإضراب بأيامه الـ 176 مادة غنية لعناوين الصحف.

كما كان مناسبة لنشاطات الصحافيين واجتماعاتها كونهم قادة رأي عام تعرض الكثيرون منهم للسجن والضرب وإقفال صحفهم وبرز تطور الصحافة في هذه المرحلة إذ صدرت صحف اقتصادية وفنية وإعلانية بالإضافة للتطور في إخراجها واستعمال الصور والرسوم الكاريكاتيرية التي كانت تساند الكلمة المكتوبة في تحديها للسلطة وانتقاداتها اللاذعة.

وضمن استعراض المؤلفة لتفاصيل تاريخ الصحافة الفلسطينية الذي عاشت سنين المرحلة الثانية من الثورة الفلسطينية الكبرى (1937 ـ 1939) تشير إلى أنه لوحظ استمرار صدور الصحف في كل سنة، كما انتشرت ظاهرة صدور صحف بديلة لفترات قصيرة تسد محل الصحف التي توقفها السلطة طبقا لقوانين منع الجرائم والقوانين القمعية المعدلة بشكل مستمر.

وحسبما تذكر الدكتورة عايدة فإن الصحافة في هذه المرحلة تناولت كل ما يهم الشعب الفلسطيني من أخبار ووضعتها كأولوية على أجندتها ومنها مشروع التقسيم 1937، ومؤتمر بلودان، والمؤتمر النسائي الشرقي 1938 والكتاب الأبيض. وبرز اهتمام الصحافيين بتعظيم دور الفلاحين في الثورة .

ونشر بيان اللجنة العربية للفلسطينيين في المدن والقرى لتوحيد لباس الرأس بالكوفية والعقال لحماية الثوار والتمويه عليهم. وضمن ما تتطرق إليه المؤلفة في كتابها تسجيل تعاطف الصحافة مع المعتقلين ومن بينهم الصحافيون والكتاب والزعامات السياسية والعمال والفلاحون والموظفون.

كما تؤكد أهمية الصحافة كمصدر للمعلومات وأخبار الثورة للمعتقلين الذين كانوا يعتبرون الجريدة أهم من الطعام كما تشير إلى صور من معاناة المعتقلين وتعذيبهم وهي العمليات التي كانت الصحافة الوطنية والعربية تفضحها، كما أبرزت الصحافة دور الشعراء في تمجيد المعتقلين وتفاخرت بعقاب السلطة لها واعتبرته أوسمة.

بعد ذلك قامت المؤلفة بدراسة آليات مراقبة الصحافة وقمعها وقوانينها الصارمة بين 1920 و1948 من خلال وصف وتحليل لإنشاء مكتب المطبوعات ومسؤولياتها وموظفيه وقد وثق الكتاب تناوله لهذا الجانب بتقارير سرية كانت ترسل لوزارة الخارجية البريطانية.

وإذاء الدور المتميز للصحافة فقد سعت السلطة إلى إنشاء دار الإذاعة الفلسطينية 1936 في محاولة للوصول إلى أوسع شريحة من الناس كبديل فاشل للصحافة المكتوبة.

ثم تختتم الدكتورة عايدة موضوعها بتناول المرحلة الأخيرة للصحافة الفلسطينية 1940 - 8491 تحت الانتداب قبل انتهاء دورها وتشردها بعد النكبة مع شعبها. وتناولت المؤلفة في هذا الصدد وصفا للصحافة التي حاولت تجديد نفسها مع الحركة الوطنية في مرحلة هدوء وركود سياسي بعد الحرب.

وظهرت صحف جديدة بشكل واضح ومنها صحف وطنية للشباب القروي المتعلم وناقشت المؤلفة ما جاء في الصحافة من أحداث عكست النشاطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتغيرة .

ومنها موضوعات مثل صندوق الأمة، وآليات الدعاية والإعلام والصهيونية التي كانت تعمل لإقامة دولة إسرائيل التي أسست في 15 مايو 1948 بعد خسارة العرب لحرب 1947 ـ 1948 التي لم يستعدوا لها لمواجهة عدو قوي وظهرت أحداث آخر سنين الانتداب وتحيزه للصهيونية حتى تمكن من إيصال القضية للأمم المتحدة عام 1947 التي وافقت بدورها على التقسيم وعلى إقامة دولة إسرائيل

ألفت عبد الله

الكتاب: صحافة فلسطين والحركة الوطنية في نصف قرن

الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر

بيروت 2005

الصفحات: 543 صفحة من القطع الكبير

Email