من المكتبة العالمية

التوحش

ت + ت - الحجم الطبيعي

تخرجت «تيريز ديلبيش» مؤلفة هذا الكتاب من مدرسة المعلمين العليا، وهي إحدى أهم المدارس الفنية العليا، إذ كان من بين خريجيها جان بول سارتر وريمون آرون وغيرهما. وهي أستاذة في الفلسفة وباحثة في مركز الدراسات والأبحاث الدولية وعضو المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن.

سبق لها أن نشرت العديد من الكتب من بينها «الإرث النووي» و«الحرب الكاملة» و«سياسة الفوضى». كذلك نشرت الكثير من الدراسات في المجلات المختصة مثل «السياسة الدولية» و«السياسة الخارجية» حول المسائل الاستراتيجية والمسائل الدفاعية. كتاب تعتمد مؤلفته كتاريخ مفصلي عام 1900.

حيث كانت أشكال التقدم الاجتماعي والانجازات التكنولوجية والمحاولات الجارية آنذاك للحد من الحروب بين الدول، أموراً قد أدت بمجملها إلى تبرير القيام بتشخيص متفائل بالنسبة لمنظمة المستقبل. لكن بعد خمس سنوات فقط نشبت بوادر الحرب اليابانية الروسية وعرفت روسيا ما تسميه المؤلفة ب«ثورتها» الأولى، وهي المعروفة باسم «الأحد الدامي».

كما نشبت أزمة طنجة بين فرنسا وألمانيا، هذه المظاهر كلها رأت بها المؤلفة المؤشرات الأولى للحرب الكونية الكبرى عام 1914 والتي كان بعض المراقبين القلائل قد رأوا بأنها تلوح في الأفق.

ومثلما كان الأمر عشية 1905 ترى مؤلفة هذا الكتاب أن البشرية مهددة من جديد بمرحلة أخرى يسود فيها التوحش، وذلك في سياق حركة متسارعة للتاريخ بدأت منذ قرنين من الزمن.

حيث تبدو الإنسانية منذ ذلك التاريخ وقد دخلت في «ملحمة مجنونة» لم تعد تفهم كثيراً آليات مسارها، هنا تفتح المؤلفة قوسين لتقول ان الروائي الروسي الكبير «ليو تولستوي» هو أفضل من قدم تقلصات هذه الملحمة وصورها، خاصة في عمله الكبير الشهير «الحرب والسلام»، حيث يبدو أن «التاريخ يتقدم بواسطة فأسه الكبيرة».

لكن بعد الحربين الكونيتين، الأولى والثانية،أدت عمليات التدمير والإضرابات التي شهدتها العلاقات الدولية بالقوى الكبرى إلى العمل كي «تعيد وضع العالم على قدميه».

وتشير المؤلفة في هذا السياق إلى مؤتمر باريس عام 1919 في نهاية الحرب العالمية الأولى حيث بذل المنتصرون جهوداً كبيرة من أجل إعادة تعمير أوروبا. لكن هذه الجهود كلها لم تمنع نشوب حرب عالمية طاحنة كبرى بعد عشرين سنة فقط.

وبعد هذه الحرب الثانية كانت هناك اتفاقيات جنيف حول «قوانين الحروب» و«محاكمات نورمبرغ» لمحاكمة مسؤولي النظام النازي، لكن لم يحدث أي شيء من هذا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي «سلمياً»، وهذا يعود إلى حد كبير، كما ترى المؤلفة إلى ان الحرب الباردة كانت بين خبراء وجواسيس أكثر مما هي بين الشعوب.

وفي نهاية سنوات الثمانينات الماضية أدى تدفق المهاجرين وانهيار «أشهر جدار معاصر»، أي جدار برلين إلى استيقاظ مشاعر قوية خاصة لدى البلدان التي كانت قد عانت من التجزئة. لكن هذه المشاعر لم تمس أعماق الضمير الإنساني.

كما كان الأمر قبل أربعين سنة، لكن هذا لا يعني بأنه يمكن للشعوب التي عانت ان تنسى بسرعة ما عاشته ذلك ان أربعين سنة من الحرب «وان كانت باردة» لها آثارها المقيمة في منازل الذين عاشوها.

وضمن السياق نفسه احتاجت فرنسا إلى قرن كامل، هو القرن التاسع عشر، كي «تشفى» من عنف الثورة الفرنسية الكبرى التي قامت عام 1789، هذا مع تأكيد المؤلفة بأنه لا مجال لمقارنة الآلام التي ترتبت عليها مع ما شهده الروس والصينيون والكمبوديون خلال القرن الماضي، وحيث «لا يزال هذا الماضي يزمجر في أعماق الضمائر.

وتصل تيريز ديلبيش، مؤلفة هذا الكتاب، في محصلة رؤيتها للاحداث المؤلمة الكبيرة التي شهدتها الإنسانية خلال القرن العشرين بان «العالم بمجمله لا يزال يعاني من فقدان بوصلة التوجه».

وعلى مدى فصل كامل تشرح المؤلفة كيف ان القرن الحادي والعشرين يتسم أكثر من أية فترة سابقة بالقلق والتخوف من المستقبل، هذا على الرغم من ان العالم الغربي له تقاليد طويلة في عدم رؤية الكوارث المقبلة، فهو لم ير قدوم الحربين الكونيتين ولم يترقب الثورة الروسية ولا سقوط طوابق برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك..

وتتم الإشارة في هذا السياق إلى ان الأوروبيين قد ذاقوا ويلات الحرب أكثر بكثير من الأميركيين ذلك أنهم عرفوا نزاعاً كبيراً كل جيل منذ القرن السابع عشر، ثم إذا كانت رغبة السلام هي «بذاتها» احدى أكثر العواطف نبلاً، فان هذا لا يعني القبول به بأي ثمن فالحرب هي «أسوأ الأمور» .

ولكنها قد تفرض نفسها احياناً، بل وربما تبدو «فكرة جيدة» حيث تضرب المؤلفة مثالاً على ذلك الحروب «الإنسانية» مثل التي قام بها الحلف الأطلسي من اجل انقاذ شعب من الإبادة على أساس اثني في كوسوفو.

وتحت العنوان العريض «العالم عام 2025» اختارت المؤلفة لتصدير تحليلاتها كلمة قالها الشاعر الألماني الكبير «هنريش هاينه» قبل قرون وجاء فيها: «ان الفكر يسبق الفعل كما يسبق البرق الرعود».

إنها تؤكد بان العديد من الإشارات الموجودة في الحاضر تسمح بإلقاء الضوء على المستقبل.. وحيث كانت قدرة قراءة هذه الإشارات هي احد أهم الفنون وأكثرها دقة لدى القدماء، خاصة عندما كان يراد اتخاذ قرارات مهمة.

وتشير في هذا السياق إلى كتاب للمدعو «جيبون» تصور فيه ماذا كانت ستؤول إليه الأمور لو لم ينتصر شارل مارتل عام 732 على الجيوش الإسلامية التي كانت قد انطلقت من اسبانيا، حيث أكد بان اجتياز نهر الراين ما كان له ليكون أصعب من اجتياز نهر النيل أو نهر الفرات سابقاً، ولربما ان أوروبا كلها كانت قد أصبحت تحت راية الإسلام.

وبالاعتماد على دروس الماضي وقراءة الحاضر واستشراف المستقبل من هذا وذاك تشير المؤلفة إلى وجود عدة رهانات أساسية بالنسبة للمستقبل. أنها تعتمد أولاً على كتاب «مارتن ريس» الأستاذ لعلم الفلك الفيزيائي في جامعة كامبردج، والذي يحمل عنوان: «هل هذا هو قرننا الأخير؟».

ويرى «ريس» في هذا الكتاب أن المستقبل مهدد جداً بسبب تطور التكنولوجيات الجديدة مع زيادة عدم قدرة السيطرة عليها، وحيث تعاظمت درجة هشاشة عالم أصبح موصولاً بنيته إلى درجة كبيرة، وحيث ان أية نواقص في الأنظمة الفرعية يمكن ان يكون لها عواقب كبيرة وخطيرة على النظام الشامل كله:

ولا يستبعد أيضا احتمال قيام مواجهة دولية جديدة، قد تكون السيطرة عليها أقل بكثير مما كانت عليه السيطرة على الحرب الباردة في المحصلة تبدو صورة المستقبل كما يرسمها «ريس» متشائمة إلى درجة أنهم اطلقوا عليه تسمية «صاحب نبوءة نهاية العالم».

بالمقابل ترى المؤلفة انه انطلاقاً من الحاضر يمكن القيام بثلاثة رهانات جريئة.. الرهان الأول هو انه ستكون هناك امكانيات كبيرة في عام 2025 لمكافحة الارهاب الدولي بكل صوره ومكوناته، وثانياً هو رهان مختلف حيث يشير إلى القدرة الاستثنائية التي تتمتع فيها شبكات الإرهاب المختلفة في اعادة بناء قوتها، وخاصة من خلال تأثيرها على أجيال الشباب..

وثالثا وجود فارق كبير بين التقدم الذي حققته المجموعات التي تمارس العنف وبين التقدم الذي حققته الحكومات لاسيما بعد القرارات الجديدة التي اتخذتها البلدات الغربية بعد 11 سبتمبر 2001 في ميادين الاستخبارات والقضاء والشرطة لكن تبقى نقطة الضعف الكبيرة لدى المعسكر الغربي، كما تحددها المؤلفة هي تلك التي تظهر على صعيد معركة الأفكار.

هذا لاسيما وان التجربة الأميركية قد برهنت على صعوبة إيجاد سياسات فعالة للهجرة عندما تكون هذه الهجرة كبيرة وتجري في مدة زمنية قصيرة. هذا بالإضافة إلى فارق أن المهاجرين يقدمون إلى أميركا في أفق أن يصبحوا مواطنين أميركيين، والأمر ليس نفسه بالنسبة لأوروبا.

وبالإضافة إلى المشاكل المطروحة على صعيد تعامل النسيج الاجتماعي الداخلي لدى البلدان المتقدمة، كان هناك مسائل أخرى ترى المؤلفة بأنها سوف تحدد مصير الحرب والسلام خلال العقدين المقبلين..

وفي مقدمة هذه المسائل تحدد ما سيؤول إليه «الوضع النووي» لكل من إيران وكوريا الشمالية، وما سيحل بمسيرة السلام في الشرق الأوسط وما ستفعله اليابان وتايوان في الشرق الأقصى.. والعلاقات الأميركية ـ الصينية. بل وترى المؤلفة في هذه العلاقات إلى جانب ملف الإرهاب وانتشار الأسلحة النووية أهم العوامل المؤثرة على الاستقرار والأمن الدوليين في أفق عام 2025.

وتحدد المؤلفة عشر «مسائل مفتوحة»، كما جاء في عنوان أحد الفصول بالنسبة للمستقبل تتمثل في:

ـ السيطرة على تطور التكنولوجيات وخاصة في ميدان تكنولوجيات علم الوراثة والأجنة حيث يسود الإحساس بأن الأمر يتعلق في هذا المجال بإخراج «العفريت» من الزجاجة وفقدان قدرة السيطرة عليه.

ـ الإرهاب غير التقليدي، لا سيما وأنه كانت قد جرت محاولات سابقة مثلما جرى في مترو طوكيو خلال شهر مارس 1995.

ـ النتائج المترتبة على تحلل القارة الإفريقية. إذ ما بين عام 1975 وعام 2000 لم تعرف إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء (إفريقيا السوداء) أي زيادة في الدخل بالنسبة للفرد. وما بين عام 1972 وعام 1989 هناك 72% من الحكومات الإفريقية أطيح بها بواسطة أعمال عنف.

ـ زيادة عدد الدول النووية في الشرق الأوسط، هذا لا سيما وأن العلاقات بين البلدان العربية وإسرائيل، وبين تركيا وإيران قد تتدهور. وتضيف المؤلفة: «إن أمن الأمم الأوروبية سوف يضطرب نظراً لمدى المقذوفات النووية أو المحمولة جواً في المنطقة، ويمكن أيضاً خشية أن تؤدي تعددية القوى الفاعلة النووية آجلاً أوعاجلاً إلى فناء إسرائيل».

ـ العلاقات الإسرائيلية ـ الفلسطينية حيث ترى المؤلفة أن هناك ثلاثة شروط لإحراز تقدم هي أن تقوم الولايات المتحدة وأوروبا بالضغط على العسكر الذين لديهم ثقل ونفوذ أكبر.

وعلى الولايات المتحدة أن تكون حازمة حول مسألة المستعمرات وينبغي على الأوروبيين ألا يغذوا لدى الفلسطينيين الأمل الكاذب بأن تل أبيب قد توقع نصاً تصيغه المجموعة الدولية. والشرط الثاني هو أن تدعم دول المنطقة وخاصة مصر العملية، والشرط الثالث هو أن يستفيد الطرفان من الخطوط إذا أتيحت لإقامة دولتين.

ـ تركيا وأوروبا ولا سيما بأن هذه المسألة تطرح على أوروبا قضية هويتها وحدودها.

ـ نهاية باكستان حيث ترى المؤلفة ان مسألة تفسخ هذه البلاد مطروح بالنسبة للعقدين المقبلين على خلفية صعود القوى الإسلامية حتى داخل الجيش وحيث يمكن لهذا التهديد بالتحلل أن يؤدي إلى نشوب نزاع كبير تكون الهند أحد أطرافه.

ـ الحروب السريعة حيث ترى المؤلفة بأن القرن الحادي والعشرين قد يشهد حروباً خاطفة خاصة في منطقة الشرق الأقصى، وفي مقدمتها بين الصين وتايوان.

ـ تعايش القوى الكبرى لا سيما وأن هذا القرن سوف يشهد بروز قوى كبرى جديدة على رأسها الهند والصين.

ـ هل سيكون القرن الحادي والعشرين هو قرن الخوف؟ وهل يشهد عودة البربرية؟

الكتاب :التوحش

عودة البربرية في القرن 21

الناشر: غراسيه ـ باريس 2005

الصفحات: 366 صفحة من القطع المتوسط

L'ENSAUVAGEMENT

LE RETOUR DE LA BARBARIE

AU XXI SIECLE

HCEPLED ESEREHT

GRASSET - PARIS 2005

P. 366

Email