روايات خالدة

عمر البراءة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر الروائية إيديث جونز وارتون من أهم الكتاب الأميركيين في أوائل القرن العشرين. ولا تنحصر شهرتها في كونها انتقدت مجتمع نيويورك المخملي وكشفت للقارئ فضائحه، بل لهيمنة أسلوبها على عدد كبير من الكتاب المعاصرين لها وتأثيرها الملهم للأدباء من الأجيال اللاحقة وحتى يومنا هذا.

ووارتون التي حازت على جائزة بوليتزر عام 1921 عن روايتها «عمر البراءة»، ولدت في مدينة نيويورك في كنف عائلة ثرية. ونشأت في بيت تضم مكتبته ما يقارب من سبعمئة كتاب، كما اهتمت عائلتها بثقافتها مع الانفتاح على الثقافة الأوروبية من خلال دراسة كبار أدبائها، مثل شكسبير وميلتون وغيرهم. وأسوة بمجتمع الطبقة الراقية، لم تدخل إيديث المدرسة، بل تلقت ثقافتها في المنزل على يد مدرسات شجعنها على حب الأدب. وهكذا كتبت إيديث أول رواية لها حينما كانت في الحادية عشرة من عمرها، واستمرت في الكتابة على الرغم من أن مجتمع نيويورك لا يعتبر الكتابة مهنة ملائمة للمرأة.

وفي عام 1891 نشرت أول قصة لها، لتنتج بعدها ما يزيد عن اثنين وأربعين كتابا من ضمنها روائع الروايات، مثل «بيت المرح» عام 1905، ورواية «إيثان فروم» عام 1911، ورواية «الصيف» عام 1917. وفي الوقت الذي انفصلت فيه عن زوجها عام 1913 كانت قد استقلت اقتصاديا معتمدة على دخلها من كتبها. وانتقلت بعد ذلك إلى باريس وتابعت الكتابة.

وتناولت في روايتها «عمر البراءة» أسوة بمعظم روايتها عهد التغيرات في المجتمع النيويوركي سيما بعد الحرب الأهلية، ورصدت صعوبات التعامل بين المجتمع القديم الذي تحكمه العائلات الثرية بنفوذها الكبير وعلى مدى عشرات السنين وبين أثرياء الحرب الجدد وما يحملونه من مفاهيم متغيرة.

وتعد رواية «عمر البراءة» عملا تاريخيا. وتقع أحداثها عام 1870 خلال مرحلة طفولة إيديث. وتبدأ أحداث الرواية في أوبرا نيويورك حيث يرقب المحامي الشاب نيولاند آرشر خطيبته، ماي ويلاند، في المقصورة المقابلة في صالة الأوبرا حيث يجلس الأثرياء. ينظر آرشر إلى خطيبته بإعجاب وفخر، فقد تربت بما يرضي ويثير إعجاب الطبقة الارستقراطية.

ومنذ الصفحات الأولى تأسر إيديث القارئ من خلال تقديمها لشخصية البطلة ابنة عم ماي الكونتيسة إيلين أولينسكا التي كانت تجلس برفقتها. يشعر المحامي الشاب بالضيق لما يرويه أصدقاؤه في المقصورة من شائعات حول تلك الكونتيسة التي عادت إلى نيويورك بعد الفضيحة التي أثارتها حينما طلقت زوجها الكونت الأوروبي وهربت مع سكرتيره.

يحاول آرشر حماية عائلة خطيبته من خلال اتفاقه مع خطيبته بإعلان خطوبتهما في وقت أبكر عما خططوا له، وذلك للحفاظ على مكانة عائلة ماي في المجتمع.وفي ذات الوقت تبين الكاتبة رفض المجتمع النيويوركي لهذه الفضيحة التي يحار في التعامل معها.

فمن جهة تعد إيلين من أفراد أهم وأكثر العائلات نفوذا في المدينة، ومن جهة أخرى يرى بأن إيلين تتمرد على أعراف المجتمع من عدة نواح. ويتجلى ذلك حينما أقامت لها عائلتها حفل استقبال بمناسبة عودتها حيث رفض جميع المدعوين تلبية الدعوة.

كان قرار إيلين في المضي بإجراءات الطلاق من زوجها أمرا يفوق قدرة المجتمع على احتماله. ويتدخل مدير آرشر ويطلب منه التحدث مع إيلين على انفراد، وإقناعها بالعدول عن قرارها. وبعد تردد طويل من آرشر يقبل بتنفيذ المهمة.

وخلال لقائه بالكونتيسة، يعلم آرشر بالماضي الأليم الذي عاشته إيلين خلال زواجها البائس من زوج لا تحبه. ويشعر خلال حوارهما بالقرب منها. فإيلين فتحت عينيه على هرطقة المجتمع النيويوركي الذي يعيش فيه.

وحينما توافق إيلين على إلغاء فكرة الطلاق من ذهنها، لا يشعر آرشر بالراحة، إذ يبدأ بالتفكير باتجاه نقد المجتمع الذي يعيش في محيطه ويتساءل عن مدى صحة رؤية المجتمع للزواج المقبول والطلاق. والأهم من كل ذلك استمراره في التفكير بها لزمن طويل منذ مغادرته لمنزلها.

تنشأ بينهما صداقة، ويدرك آرشر بأنه يشعر بحرية أكبر مع إيلين مقارنة بأي شخص آخر وعلى الأخص مع ماي. ولا يتردد في اللحاق بها إلى سكوتيركليف بيت العائلة الصيفي. ويكتشف هناك بأنه يهتم بها أكثر من خطيبته. يرعبه هذا الاكتشاف ويدفعها للحاق بخطيبته في فلوريدا حيث يحاول جاهدا إقناعها ووالدتها بتقديم موعد الزواج على غير المألوف.

وللأسف لا يعي حبه الحقيقي لإيلين إلا بعد عودته إلى نيويورك، وحصوله على موافقة عائلة ماي في تقديم موعد الزفاف. يذهب الزوجان في شهر عسل إلى أوروبا. وفي تلك الأثناء تنتقل إيلين إلى واشنطن دي سي.

وحينما يتوجه الزوجان إلى جزيرة رود لقضاء الصيف الثاني بعد زواجهما مع عائلة زوجته، يفاجأ بوجود إيلين. وهكذا تعود مشاعره التي حاول تجاهلها تجاه إيلين طيلة الفترة الماضية بقوة أكبر. وحينما يعلم مصادفة بأن إيلين ستذهب إلى بوسطن يلحق بها مباشرة.

وفي بوسطن، يعرف بأن زوج إيلين يحاول إعادتها، مما يدفعها للشعور بالكآبة والإحباط. وهنا يحاول آرشر الوقوف بجانبها. ويكشف الاثنان عن تعلق وحب أحدهما للآخر. وتوافق إيلين على البقاء في أميركا طالما استمر آرشر في حبه لها. وهكذا تعود إيلين إلى واشنطن وآرشر إلى نيويورك مع قناعتهما بهذا الحب عن بعد.

ويتابع آرشر حياته الزوجية وإن كان قد بدأ يشعر بخواء داخلي. وحينما تصاب جدة ماي بأزمة صحية. تستدعى إيلين للحضور، ويذهب آرشر لاصطحابها من محطة القطار. وفي العربة يتحدثان عن استحالة حبهما.

فيغادر آرشر محبطا خائبا. وعلى الرغم من سعادته بقرار إيلين البقاء في نيويورك لرعاية جدتها إلا أنه يدرك صعوبة الظروف واستحالة اللقاء.

تقترح إيلين أخيرا، أن يمضيا معا ليلة واحدة، لتغادر على أثرها إلى أوروبا للعيش مع زوجها. يوافق آرشر أخيرا على اقتراحها بعد صراع مرير مع نفسه.

لكنه يفاجأ قبل بضعة أيام من اليوم الموعود، برحيل إيلين إلى أوروبا من دون إعطائه أي تفسير. ويدرك بعد مضي زمن سبب رحيلها المفاجئ وذلك حينما أخبرته ماي بحملها الذي كانت إيلين أول من أخبرت به.

وبعد مضي ستة وعشرين عاما من الغياب، تموت ماي، ويخبره ابنه الأكبر الذي أخذه في رحلة إلى باريس بمعرفته بقصة حبه لإيلين، التي أسرت بها له والدته وهي على فراش الموت.

وحينما يتجه الاثنان إلى شقة إيلين يتوقف آرشر في الجوار ويرفض زيارتها، وحينما يخبره الابن بأن إيلين تنتظرهما، يصمت آرشر ويجلس على أحد مقاعد الطريق العام، وحينما يطلب الابن مساعدته في إيجاد عذر لها، يجيبه والده بعد فترة صمت، «قل لها إنني رجل تقليدي». وهكذا يدرك آرشر بأن ذكرى إيلين في داخله أكثر واقعية من شخصها في الحياة.

Email