كاتب وكتاب

الروائية الأميركية أرسولا لوغين: لغتي قريبة من ملحمة جلجامش

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مقتطف من حوار أجرته محررة الغارديان الثقافية مع الروائية الأمريكية «أرسولا لو غين» مؤلفة روايات الأطفال والفتية حول إصداراتها الأخيرة ألقت خلاله الضوء على سلسلة روايات حوليات «الشاطئ الغربي» التي تدشنها لو غين برواية «مواهب» (2006) دار هاركورت لكتب الأطفال .

لقد تهيأت لأرسولا لو غين كافة الوسائل المساعدة على تأليف رواياتها الخيالية بما في ذلك الثروة الطبيعية والأدبية. وعلى الرغم من قسوة الظروف الطبيعية التي كانت تحيط بمنزلها المشرف على التلال الغربية لبورتلاند، أعلى نهر أوريغون ويلاميت سابقاً، إلا أن الظروف قد تهيأت لها في هذه المرحلة لكي تنعم بقدر من الهدوء الغريب.

في هذا المنزل الموشوري السطح الواقع شمال غربي المحيط الهادئ، الذي يناهز عمره قرابة النصف قرن، قامت بتأليف أعمالها الروائية التي أكسبتها التقدير والشهرة كإحدى أهم مؤلفات الفنتازيا الخيالية إضافة إلى روايات الخيال العلمي.

قبل ثلاثين سنة من صدور روايات هاري بوتر، نشرت لو غين رواية «الساحر البرمائي» 1968، في هذه الرواية أرسلت ساحرها، غيد، إلى مدرسة لتعلم السحر، كانت تقع في أحد الأرخبيلات التي تهيمن عليها الكائنات الخرافية والمشعوذين وأشياء كالسحر والموت والتلاعب بالكلمات.

تقول لو غين التي تكتب أيضاً كل من الرواية الواقعية والشعر والمقالة «على الرغم من أنني لا أطيق التعامل مع الكتب حسب تصنيفها إلى أنواع أدبية.

إلا أننا لو استطعنا أن نوقف ممارسات النقاد الخاطئة التي تنم عن الجهل، فإن هذا النوع من الكتابة الخيالية سيكون رائعاً» على الرغم من شعورها بالامتنان، إلا أن لو غين التي تؤكد بأن الفضل في تعزيز وشهرة هذا النوع الكتابي يعود برمته «إلى جي. كي. رولينغ» إلا أن هذا الامتنان يشوبه شعور بالأسى.

تضيف بنبرة هادئة: «على الرغم من أن من الممكن لها أن تصبح أكثر تهذيباً تجاه من سبقوها، وعلى الرغم من عدم شعوري بتاتاً بأنها قد أزاحتني إلا أن شكوكي تحوم حول النقاد الذين كانوا يعتقدون بأن روايتها الأولى كانت تمثل على نحو شديد الروعة النموذج الأصلي لرواية الفنتازيا الخيالية. الحقيقة أن أعمال رولينغ تتمتع بالكثير من المميزات إلا أن تلك الأصالة ليست إحداها.

يالها من حقيقة مؤلمة». تتألف رباعية الساحر البرمائي التي استطاعت أن تشد إليها إعجاب كل من الأطفال والبالغين في أجزائها الأربع رواية «مقابر أتون» 1971، ورواية «الشاطئ الأقصى» 1973، ورواية « تيهانو» 1990.

في حين استطاعت رواية «يد العتمة اليسرى» 1969 أن تكون إشارة البدء لكتابة سلسلة روايات الخيال العلمي ومنها انطلقت سلسلة روايات «إكيومن»، ورواية «موباليس» أو المكتشفين القادمين من كوكب هين الفائزة بجائزتي نيبولا وهوغو.

وكذلك فعلت رواية «الطريد» 1974. في حين تدور أحداث رواية «مخرطة السماء» 1971 حول مغامرة رجل يتمتع بموهبة عجيبة تمكنه من تحويل أحلامه إلى حقيقة.

من وجهة نظر مارغريت أتوود فإن لو غين «تجسد النموذج الأمثل للكاتبة الأمريكية، الموهوبة بلا شك، التي تسعى إلى تحقيق المزيد من التقدم».

أما عوالمها فهي كما تقول بنفسها، ليست مبتكرة بقدر ما هي مكتشفة «الحقيقة أنني أحدق فيما حولي فأرى مشهدا قد يحتوي على شخص، على سبيل المثال فأسعى إلى اكتشافه».

وسواء تعلق البحث بعالمه الداخلي أو الخارجي فإن ذهن، غين، يظل ملتصقاً باللحظة الحاضرة. تبلغ لوغين الآن 76 سنة، ومن بين اهتماماتها الأخرى موضوعات السلام والحركة النسائية، تقول: «الواقع أنني أشعر بالغبطة غير الصحية حينما أطلق على نفسي اسم مؤيدة لكل من مبدأ المساواة بين الجنسين والتاوية».

بينما ينتظر صدور روايتها رقم 20 « مواهب» تكون لو غين قد بدأت بكتابة سلسلة جديدة من الأعمال الموجهة إلى الأطفال والشباب تحت عنوان « الشاطئ الغربي» ثاني روايات هذه السلسلة تحمل عنوان «أصوات» سبتمبر 2006.

تعلق على هذه الإصدارات بقولها» على الرغم من أن قصص الفنتازيا الخيالية لا تصنف كقصص أطفال، إلا أنها تزيل الفوارق الموجودة بينها وبين هذا النوع ، فهي نوع إبداعي يمكن بواسطته مخاطبة عقول كل من الأطفال والشباب. الواقع أن معظم الأعمال الخيالية تتمحور حول موضوع القوة.

انظر إلى أعمال، تولكن، على سبيل المثال. إنها في الحقيقة وسيلة اختبار لما يمكن أن تفعله هذه الموهبة في الأشخاص الذين يملكونها، وكذلك في من حولهم من الأشخاص.

تضيف «إنني من المؤمنين مع الشاعر الشهير، شيلي، بأن الخيال هو أعظم أداة أخلاقية. إن لم يكن باستطاعتك أن تتخيل نتائج أفعالك، فإنه لا توجد وسيلة أخرى لحملك على التصرف الملتزم أو المسؤول.

والحقيقة أن الأطفال لا يمكنهم القيام بذلك، فهم لا يستطيعون فهم هذه الأمور في سن مبكرة. لذا ينبغي لنا أن ندربهم على التبصر في عواقب الأمور وعلى التقمص العاطفي «ومما يبدو فإن هذه ليست مهمة سهلة كما أشارت إليها سابقاً بقولها «على الرغم من أن من السهل عليك أن تكتب للطفل، إلا أن ذلك لا يختلف عن قيامك بتربيته في واقع الأمر».

كغيرها من رواياتها السابقة، يدور الموضوع الرئيسي لرواية « مواهب » حول مجتمع عبودي مهووس بفكرة النقاء والأفضلية. تعلق على ذلك «الحقيقة أن هذه الممارسة ما زالت موجودة في الكثير من المجتمعات ـ خاصة تلك التي يؤمن أفرادها بفكرة النقاء الموروث. وعلى الرغم من أن هنالك من يقول إن هذه الممارسة قد «ولت» إلا أنني أتساءل «أين يعيش هؤلاء؟».

ولدت لو غين سنة 1929 في بيركلي، كاليفورنيا، حيث أسس أبوها، ألفريد كروبر، وهو مهاجر ألماني، قسماً للأنثروبولوجيا بجامعة بيركلي، وحسب تعبيرها «كان يقوم بدراسة الآثار المتبقية من الحضارات، واللغات، التي سحقتها الثقافات الأحادية.

كانت أمها، تيودورا، تشاطره الإهتمام بالثقافة الأمريكية الأصلية، وهو ما عبرت عنه في كتابها» أيشي بين عالمين» 1961، وفيه تتحدث عن مواجهة هنود الياهي «للحضارة» تضيف لو غين التي ترى أن الفواصل بين الشعوب المتحضرة والشعوب غير المتحضرة «ما هي إلا فواصل فكرية في الأساس. لقد كان منزلنا مليئاً بالقصص؛ وكنت مغرمة بالاسكندنافيين أكثر منه باليونان».

في الصيف، أثناء وجودها في مزرعة الخيول والمواشي التي تديرها العائلة بمنطقة، نابا فالي، كان بعض، الرجال المقربين إليها، من السكان الأصليين يثيرون انتباهها إلى كل من موروثهم الثقافي الشفاهي الثري والعنصرية التي يعاملهم بها الآخرون.

وقد استلهمت منهم ومن حياتها في ذلك المكان أحداث روايتها الأولى«العودة دائماً» 1985، التي يدور موضوعها حول حياة سكان كاليفورنيا ما بعد المحرقة النووية «لم يكن لون البشرة مهماً بالنسبة لي، فليست البشرة البيضاء رمزاً للإنسانية، أو ما يعادل ذلك. لقد تسنى لي اتخاذ خيار واع بأن تكون شخصياتي متعددة الألوان».

في مجموعة، برمائي، كان لون بشرة غيد أحمر نحاسياً غامقاً في حين كان لون بشرة صديقه فيتش أسود. تقول «لقد أدخلني ذلك في خلافات كبيرة مع مصممي الأغلفة، كانت شخصياتي تزداد قتامة». وعلى الرغم من أن السلسلة الأولى من المجموعة كانت قد أجيزت لقناة تلفزيونية أمريكية تقوم بعرض أفلام الخيال العلمي، إلا أن التعامل معها كان مجحفاً.

بعد دراستها كلاً من الأدب الفرنسي والإيطالي بكلية رادكليف، جامعة كولومبيا، حصلت على منحة دراسية في فرنسا. هناك التقت تشارلز لو غين، أحد زملائها القادمين من جورجيا «لقد تزوجنا على ظهر السفينة كوين ماري، كان ذلك في باريس سنة 1953، ثم انتقلنا بعد ذلك إلى الجنوب.

كان الانتقال إلى مجتمع يمارس العزل العنصري بمثابة الصدمة بالنسبة لي. إلا أنني نجحت في جره إلى الغرب». حسب طبيعة عمله كمؤرخ، أتيح له أن يتسلم وظيفة لدى جامعة بورتلاند ستيت، كان ذلك في سنة 1958. وكان زواجهما قد أثمر عن ثلاثة أبناء لكي يصبحا جدين لثلاثة آخرين.

ولأنها شاعرة في الأساس، فقد أتى نشر باكورة أعمالها الروائية في سن الـ 37. تضيف «لقد تعلمت من قراءتي لتولكن» لعبة التلميح إلى خلفية معينة بأكملها باستخدام اقل عدد من الأسماء، على نحو يجعلني على علاقة بعالم حقيقي.

إن ما يفعله هذا الكاتب هو الأقرب إلى الواقع، حين يقسم الحياة إلى خير وشر على نحو مختلف عما نراه لدى سي. أس. لويس على سبيل المثال، حيث يبدأ الشر لدى تولكن على نحو مجازي، دون تسليط الضوء على المظهر الخارجي للناس كما كان يفعل لويس».

على الرغم من أن الفنتازيا التي تكتبها لو غين كثيراً ما يساء فهمها لتفسر على أنها نوع من الهروب من الواقع، إلا أن هذه اللغة بالنسبة لها هي «اللغة الحقيقية المعبرة عن الرحلة الروحية والصراع بين الخير والشر الذي يحدث بداخل النفس البشرية». تضيف: «الواقع أن هذا يبدأ بتجسيد الحلم البشري، أما رموزه فهي تبدو أقرب إلى الكونية وأسهل في الوصول إلى الجميع.

إنه شيء متشابه مشترك على مدى العصور: فقد قرأنا «ملحمة جلجامش» ووجدنا أنها تحتوي على هذه اللغة الرمزية المعبرة. وعلى الرغم من أنها لغة أساسية بسيطة، إلا أنها ليست لغة عفوية أو طفولية؛ هذه اللغة مؤسسة على تركيبة من القواعد النحوية العميقة الواعية».

** حقائق عن أرسولا لوغين

* أرسولا لوغين (1929) روائية وشاعرة أميركية من أهم كتاب روايات الأطفال والشباب الغربيين.

* من مواليد بيركلي ، كاليفورنيا لأب أنثروبولوجي وأم مؤلفة. تخرجت من رادكليف كوليج سنة 1951 ، حصلت على شهادة الماجستير في اللغات الفرنسية والإيطالية وأدب عصر النهضة. عملت استاذة للتاريخ الفرنسي بكلية بورتلاند ستيت.

* يصل عدد مؤلفاتها في القصة القصيرة إلى مئة قصة موزعة على ثماني مجموعات أهمها «الموسيقى القديمة والنسوة القيان»؛ صدرت لها في المقالة ثلاث مجموعات، وفي الشعر خمسة دواوين أهمها «الشوفان البري» 1988، «الرحيل مع الطواويس» 1994 إضافة إلى 20 رواية.

* أهم أعمالها الروائية : روايات الخيال العلمي : الطريد(1974) يد العتمة اليسرى (وهما حائزتان على جائزتي هوغو ونيبولا) فنتازيا البرمائي (1968ـ 2001) فنتازيا حولية «الشاطئ الغربي»: مواهب (2006) أصوات (2006).

مريم جمعة فرج

Email