يهود الجزيرة العربية

يهود الجزيرة العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعتبر الأحداث التاريخية ذات الصلة باليهود، من القضايا التي تشغل فكر الكثير من الباحثين وتستحوذ على الجانب الأكبر من اهتماماتهم وطاقاتهم، وهي في الأصل ليست دعوة للعودة إلى الماضي بقدر ما هي استشراف للمستقبل، لاسيما في هذه المرحلة الحرجة من الصراع العربي ـ الإسرائيلي. يتصدى المؤلف لإشكاليات حساسة، لكنها مهمشة من حيث الزمان والمكان،

كما يحاول كشف النقاب عن زيف الادعاءات اليهودية ذات النزعة العنصرية وهو ما يعتبر بالطبع ذا أهمية كبيرة في إدارة هذا الصراع. يتكون الكتاب من أربعة فصول إضافة إلى المقدمة والخاتمة والملاحق والخرائط. يقدم المؤلف في الفصل الأول إطلالة عامة على اليهود، من خلال استعراضه للتاريخ اليهودي بداية من عصر الآباء وهو عصر الأنبياء الأوائل وفيه خضعوا لسلطة الأمم التي كانوا يعيشون فيها.

وعصر الخروج وهو خروجهم من مصر مع النبي موسى عليه السلام، بعد خضوعهم لحكم فرعون لمدة 430 عاماً. وعهد القضاة وهو دخول اليهود إلى أرض الميعاد على يد «يشوع» بعد موت موسى عليه السلام، وكان حكامهم في هذه المرحلة من الكهنة الذين يفصلون في المنازعات، وقد استمر هذا العهد أربعة قرون. وعهد الملوك وقد استمر لمدة 80 عاماً تقريباً.

وعهد الانقسام والنهاية وفيه تعرضوا للتشريد والسبي على يد الرومان والبابليين وغيرهم. كما يستعرض المؤلف المصطلحات التي عرف بها اليهود ومنها: الصهاينة (نسبة إلى جبل صهيون في أورشليم، أقام عليها اليبوسيون من أبناء عمومة الكنعانيين العرب حصناً قبل ظهور بني إسرائيل بحوالي 2000 عام). وتطلق كلمة صهيونية على المنظمة السياسية التي أقامها يهود روسيا (حاييم وايزمان ـ ديفيد بن غوريون) في نهاية القرن التاسع عشر لاستعمار فلسطين باعتبارها وطناً قومياً لليهود.

والعبرانيون وهي المشتقة من كلمة عبري أو عبراني وأصلهما إبري وأبيرو وهبيري والتي ورد ذكرها في النقوش والبرديات المصرية القديمة والتي تعود إلى القرنين الخامس عشر والرابع عشر قبل الميلاد، كما أن أول من استخدم هذا المصطلح هو «أمنحوتب الرابع(إخناتون)» )9731 ـ 1362 ق .م) والذي حاول صد هجمات قبائل العبيرو على أرض كنعان التي كانت تحت الحكم المصري آنذاك.

وبنو إسرائيل وتعنى عبد الإله الواحد وأطلقتها التوراة على يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم أبو الأسباط الإثني عشر

ومنهم يوسف عليه السلام. واليهود، وقد تكونت مملكة يهوذا بعد نزوح قوم موسى إلى فلسطين بعد عصر يعقوب بحوالي 1000 عام وقد انتشر إطلاق اسم اليهود نسبة إلى تلك المملكة على كل من يدين باليهودية. وأول تسمية لليهود جاءت على لسان الملك الآشوري «سنحاريب» )507 ـ 681 ق.م) حيث سمى ملك يهوذا «حزقيا» بـ «حزقيا اليهودي».

ثم يتعرض الكتاب إلى موضوع الادعاء النسبي الزائف حيث يدعي اليهود أنهم ينتسبون إلى النبي إبراهيم بن تارح بن ناخور بن سروج بن فالج بن عابر بن شالح بن أوفكشاد بن سام بن نوح.

المولود قبل الميلاد بحوالي 2000 عام في مدينة «أور» جنوب بابل في العراق.

كما يشير إلى إرهاصات فكرة التمييز العنصري لدى اليهود وبداياتها لدى «سارة» زوجة إبراهيم عليه السلام على هاجر، الزوجة الثانية والتي أنجبت إسماعيل عليه السلام، وحينما بلغ إسماعيل الرابعة عشرة من عمره، أنجبت سارة أخيه إسحاق.

وقد تحدثت إلى إبراهيم قائلة : اطرد هذه الجارية وابنها، فإنه لا ينبغي له أن يرث مع ابني إسحاق. ويشير التاريخ إلى ارتكابهم الموبقات والخطايا، بدايةً من تحايل زوجة يعقوب «رفقة» لولدها إسحاق ليكون له حق البكورية على ولدها الثاني عيسو، واعتداء راؤبين (الولد البكر ليعقوب) على زوجة أبيه، وأن يهوذا قد زنى بابنته تامارا وولدت من الزنى «فارض» و«زارخ»، وتآمرهم على أخيهم يوسف ليباع فيما بعد عبداً لعزيز مصر.

ويتناول الكتاب التقسيمات اليهودية القديمة (الفريسيون ـ الصدوقيون ـ القراؤون)، والحديثة مثل (الأشكيناز ـ والسفارديون). وعن لغة اليهود يشير الكاتب إلى أنها كانت «الآرامية» والتي تحولت فيما بعد إلى العبرية والتي كانت تكتب بها التعاليم الدينية والتوراة مما أضفى عليها بعض القدسية أي أن اليهود كانوا يتداولون الآرامية فيما بينهم ويتحدثون لغة الشعوب التي يعيشون فيها مع أهلها ويكتبون التوراة بالعبرية. وهى بالطبع ليست لغة موسى الأصلية (المصرية) التي نزلت بها التوراة الأصلية (كتبت التوراة في السبي البابلي بعد موت موسى بحوالي 600 عام).

وفى الفصل الثاني يقدم المؤلف وصفاً تحليلياً لمدينة يثرب وتحولاتها السياسية مستعرضاً موقعها الجغرافي وأساس تسميتها (نسبة إلى يثرب بن قانية بن مهلهل بن أرم بن عبيل بن عوص بن أرم بن سام بن نوح)، وأهميتها الزراعية وسكانها سواء من القبائل والبطون التي عاشت فيها قديماً (عبيل ـ صعل ـ فالج ـ والعماليق بنو عملاق بن أرفخشد بن سام بن نوح).

وقد اختلفت الروايات حول سبب قدوم اليهود إلى يثرب والعيش بها، وإن كانت تلك الروايات قد تركزت على السبب الديني بوصفها بلداً في وسط أرض العرب سوف يظهر بها خاتم الأنبياء كما أخبرتهم التوراة.

وسبب سياسي يتعلق بالملاحقة التي تعرضوا لها عبر التاريخ. وأهم القبائل اليهودية هي: بنو النضير وبنو قريظة وبنو قينقاع. ومن القبائل العربية (الأوس ـ الخزرج) ومنهما خرجت بطون عديدة مثل:

(مرة ـ ثعلبة ـ لوزان ـ بنو الظفر ـ بنو عبد الأشهل ـ كعب ـ عمرو ـ جشم ـ الحارث). ويتحدث الكاتب عن العلاقات السياسية والاقتصادية والتحالفات في يثرب مركزاً على دور اليهود السياسي والاقتصادي.

وبعد وصول النبي صلى الله عليه وسلم تباينت مواقف اليهود وتوجهاتهم، وكانت كالتالي: التوجه الأول وقد عبر عنه بعض أحبار اليهود ووجهائهم وقد صدقوا الرسالة تماشياً مع ما ذكر في كتبهم المقدسة. والتوجه الثاني مثلته غالبية اليهود، من أحبارهم وزعمائهم وعلية القوم، وكان رفضاً قاطعاً وعداوةً شديدةً. والتوجه الثالث وهم من أسلموا ظاهراً وظلوا على شركهم سراً. والتوجه الرابع وهو موقف المخلصين ممن ضحوا بالغالي والنفيس لحماية الدين الجديد.

وفى الفصل الثالث يستعرض الكاتب موضوع تنظيم العلاقات الإسلامية اليهودية من خلال قراءة تحليلية لنص الوثيقة (الصحيفة) والتي كتبها الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار واليهود وأهل المدينة، وقد كانت تلك الوثيقة بمثابة دستور للدولة الناشئة، كما رسمت العلاقات الداخلية بين المسلمين أنفسهم ووضعت أسس العلاقات مع اليهود الموجودين ضمن إطار المجتمع الإسلامي، واعتبار قيادته هي المرجع الأخير في حل جميع المشكلات.

وقد قننت الوثيقة التعاملات الخارجية لليهود بعيداً عن مجتمع المدينة وفرضت عليهم أخذ الإذن في حالة الرغبة في الخروج من المدينة. كما أطلقت الوثيقة لليهود حرية ممارسة طقوسهم الدينية بشرط عدم التآمر على المسلمين وموالاة أعدائهم، في الوقت نفسه الذي اعترفت فيه الوثيقة بوجودهم وأشركتهم في القرار باعتبارهم يشكلون جزءاً مهماً فى المنظومة الديمغرافية الجديدة.

إلا أن اليهود وكالعادة لم يلتزموا بها وقفزوا عليها ونقضوها، مما دفع المسلمين للصدام المسلح معهم، وهذا ما يناقشه الكاتب في الفصل الرابع، حيث كان اليهود (وكالعادة) ينتظرون تدخل قوى أخرى (قريش) لإجهاض المشروع الإسلامي، ولكن ذلك لم يحدث بل حدث تدعيم لأركان الدولة الناشئة، مما دفعهم لإظهار ما يضمرونه من عداء، كما لجأوا لممارسة الضغوط الاقتصادية على الناس من خلال الربا والاحتكار وأساليب الابتزاز الممنوعة والمتأصلة فى أعماقهم.

وبدأ الصراع الفعلي المسلح من خلال ضربات مركزة لبعض ناشطيهم في عداء الرسول والإسلام وللدولة كلها حيث قتل كعب بن الأشرف وابن سنينة وأبي رافع والعصماء بنت مروان. وبدأت الحرب على القبائل اليهودية (النضير ـ قريظة ـ قينقاع) والمتحالفين معهم مثل الخزرج وزعيمهم ابن أبي.

وكانت آخر المعارك العسكرية هي فتح حصون خيبر، حيث كانت تضم مجموعة كبيرة من الحصون المنيعة مثل: النطاة ـ الصعب بن معاذ ـ ناعم ـ قلعة الزبير ـ الشق ـ أبي ـ النزار ـ الكتيبة ـ القموص ـ الوطيح ـ السلالم. وتم ذلك بعد صلح الحديبية ونقضه من قبل اليهود.

وكان من نتائج تلك الحروب انتهاء الكيان اليهودي في الجزيرة العربية بعد ما كانوا يتمتعون به من هيمنة سياسية واقتصادية، فتشتتوا في البلاد البعيدة عن سلطان المسلمين، واندمجوا مع شعوبها، وذابوا فيها مع احتفاظهم بالعادات القديمة والمتأصلة فيهم.

محمد جمعة

الكتاب : يهود الجزيرة العربية

مسار العلاقات الإسلامية اليهودية في

عهد النبي قراءة متأنية في الفكر الإسلامي السياسي

تأليف : د. حسن كاظم العاملي

الناشر : دار الهادي ـ بيروت 2005

الصفحات: 180 صفحة من القطع المتوسط

Email