التقرير الوطني للتنمية البشرية

التقرير الوطني للتنمية البشرية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتناول التقرير الوطني الثاني في سوريا محور التعليم والتنمية البشرية، يعرض التقرير واقع السياسات التعليمية السائدة، وبدائل تطويرها في ضوء المفهوم الجديد للعملية التعليمية واتجاهاتها المعاصرة في التأكيد على المهارات العقلية والتعامل مع المرض وتربية الطالب على التفكير المنظم وحل المشكلات والتسلح بالقدرات التقنية النقدية والمبدعة.

يقدم التقرير في نهاية تحليلاته للعملية وآفاقها المستقبلية برؤية استراتيجية لتطوير النظام التعليمي السوري في إطار التغير الذي بات يفرض حتمية الدخول في عصر المعلومات والمعرفة، مقترحاً مشهدين لا ثالث لهما: إما الاستباق واستثمار فرص الاندماج الفاعل والتنافسي في مجتمع عالمي متطور تكنولوجياً ومعرفياً أو التباطؤ ومن ثم التهميش والعزلة. إن المدخل الأساسي

لذلك كله هو الرهان على التعليم بوصفه رافعة بناء رأس المال البشري، وتوسيع الخيارات أمام البشر للمشاركة الحرة والفاعلة في عملية التنمية والتطوير المجتمعي، وعبر هذا التقرير عن رأي نخبة مرموقة من أكاديميين وخبراء ومثقفين ومفكرين سوريين بهدف تقديم رؤيتهم حول محور العلاقة ما بين التعليم والتنمية البشرية في سوريا، واعتماد مبدأ الشفافية في المعالجة واعتماد النقد الصريح والصائب والعلمي والبناء في التقييم وفي طرح للبدائل والسير باتجاه الإصلاح والتحديث والحكم الرشيد.

هي رؤية وطنية سورية في موقعها الملائم في القرن الحادي والعشرين.إن برنامج الأمم المتحدة هو وليد الوعي المتزايد بترابط البشر فيما بينهم واعتمادهم المتبادل، وتشابك مصيرهم في مواجهة قضايا لم يعد ممكناً حلها إلا على مستوى التعاون العالمي.

وبنظر البرنامج إلى هذا الاختلاف كتعبير عن الإثراء الإنساني والتنوع المبدع في إطار وحدة البشرية ويستغل البرنامج هذا الثراء في رفد أعماله العالمية لخبرات نادرة متنوعة تسعى لتعزيز التنمية الإنسانية، وفي صلب اهتمامها نشر ثقافة التعايش والسلم من خلال التنمية.

اشتمل التقرير على التعليم والتنمية البشرية (الأبعاد والاتجاهات المعاصرة)، فقد ناقش التقرير ملف التعليم والتعليم بين الواقع وآفاق التطوير الممكنة، كما يساهم التقرير في تجسيد المجهودات العربية والدولية بشأن آفاق التعليم المستقبلية، وأفرز التعليم تصورات أوسع لمعنى المواطنة، غير أن الدخول إلى الاقتصاد والمعرفة يتطلب تخطيطاً مغايراً للنظم التعليمية، فالنظام التعليمي كان ولم يزل قائماً على مبدأ «وفرة المعلومات» والمنهج مفتوح الطرق، ويعطي أوليات للمهارات العقلية على المهارات اليدوية كي نصل إلى بناء الشخصية

ويؤكد على تنمية التفكير النقدي وتدريب الطفل على ممارسة الديمقراطية والوعي بالحقوق والواجبات واحترام الرأي المغاير... لقد أصبحت عملية الإصلاح التربوي مهمة وعاجلة، ويجب أن تتبع من الحوار الوطني الداخلي، والتعليم القائم على المشاركة يعني القدرة على التواصل والتعبير عن الذات، وتطوير الصوت المسموع لدى المواطن، ويجب أن يركز التعليم في المستقبل على بناء الشخصية الوطنية الجديدة ذات الفعل المستقل والرؤية الكونية والتقنيات المتطورة.

ثم تناول التقرير «تقويم واقع التوسع الكمي والأفقي»، فسياسة الباب المفتوح أدت إلى تسارع التوسع الكمي الأفقي، وليس لدينا سياسة وطنية واضحة لتعزيز التعليم للجميع واستثمار عال يقابله إهدار عال، وتوصل التقرير إلى النهوض بنوعية التعليم سيكون رهان المستقبل في تطوير مؤسساتنا التربوية، فإذا أردنا الارتقاء بنوعية العملية التعليمية علينا أن نبتعد عن التلقين وأن ننشيء علاقة تفاعلية جديدة بين المعلم والمتعلم،

لأن العملية التعليمية وتعزيز الكفاءة الداخلية عملية كلية غير قابلة للتجزئة، وتزويد الطالب بمهارات التحليل والتركيب والتفكيك والتغير والافتراض والاكتشاف الذاتي وتكوين مهارات المشاهدة النقدية للظواهر، ونصل إلى نتيجة تقول إن إعادة تأهيل الكادر التدريبي من بين الأولويات الملحة لتحسين الكفاءة الداخلية وزيادة المردود التعليمي.

ولابد من اعتماد المعلوماتية كجزء لا يتجزأ من المنهج التعليمي لأنها تربط بين التعليم والتعلم. ويجب أن نتخلى عن العلاقة التسلطية بين الأستاذ والطالب، لصالح علاقة ديمقراطية وتفاعلية جديدة، فلا مكان للعنف المسلط على الطالب، وتزويد الطلاب بأساسيات المعرفة وتوجيهه نحو الاستقصاء والتأمل والاستكشاف والتجريب.

إن الباب الأول للمرتبات والأجور والتعويضات يعتبر متضخماً قياساً إلى الاعتمادات غير الكافية، فهناك نقص في كمية القرطاسية وحجم الإنفاق على البناء المدرسي وأثاثه ومحروقاته وصيانة الآلات والآليات والمختبرات والوسائل التعليمية ووسائط النقل، كما أن سيطرة الربحية على مدارس التعليم الخاص تضعف من مصداقيتها ويحجب عنها فرص التطوير النوعي،

وغالبية أبنية رياض الأطفال مفتقرة للشروط التربوية والصحية. كما أن غالبية الأبنية المدرسية تفتقر إلى قاعة خاصة بالمكتبة المدرسية، ونماذج الأبنية المدرسية القائمة تحتاج إلى إعادة نظر، والمدارس والوسائل التعليمية المساعدة يقتصر وجودها على المدارس الكبيرة نسبياً في المدن، مع أن المخبر جزء عضوي في صميم العملية التعليمية وهو أساس لتحديث العملية التعليمية.

ضم التقرير أيضاً: «السياسات التعليمية الواقع وبدائل التطوير» فاعتبر أن مخرجات التعليم في جميع مراحله لم تزل متواضعة كمياً ونوعياً، والعائد المادي المتدني لا يشكل حافزاً لزيادة كفاءة المخرجات، وعدم التطابق بين مخرجات التعليم وسوق العمل سبب واضح لتدني الكفاءة الخارجية، إن ابتعاد المنهج الدراسي عن واقع سوق العمل وإغراقه في الجوانب النظرية يؤثر في الكفاءة الإنتاجية، والربط الوثيق بين المؤسسات التعليمية وبين المؤسسات الإنتاجية أمر ضروري لتحقيق الانتفاع الأمثل،

إذاً لابد من استراتيجيات لتطوير القوى العاملة والبيئة التحتية للعلوم التقنية، وتشكيل حاضنات تكنولوجية للمشاريع الاقتصادية، ومعظم الأبنية الجامعية غير مهيأة، مما يفرض على المدرس طريقة التدريس التقليدية التي لا تساعد على الحوار والابتكار، يرافق ذلك ضعف واضح في المجلات العلمية والبحوث المحكمة في الجامعات، أضف إلى ذلك أن الأساتذة السوريين لا يتنافسون على نشر البحوث، والعلاقة بين مؤسسات البحث العلمي والخدمات الاستشارية لتطوير الأعمال، نسبتها منعدمة.

في الفصل الذي يحمل عنوان التعليم ومشكلات السوق، أعتبر أن معدلات النشاط الاقتصادي الخام في سوريا منخفض بالمقارنة مع الدول الأخرى، ويختلف معدل المشاركة في سوق العمل بين الريف والحضر، يرافق ذلك أن هناك نسبة مرتفعة من الأميين في قوة العمل، وفروق بين المحافظات في التوزيع النسبي للسكان حسب المستويات التعليمية، فإن المحافظات الشرقية هي الأكثر تدنياً،

وتوضح البيانات حول التوزيع حسب الحالة المهنية أن نحو 35% يعملون في خدمات النقل وورش الصيانة والصناعة، ونحو 5,22% يعملون في الأنشطة الزراعية وتربية الحيوانات والصيد، أما المهنيون والفنيون والمشتغلون المرتبطون بهم لا يشكلون إلا نسبة 5. 10%، وهناك تراجع ملحوظ وزيادة في عدد العاملين الزراعيين،

وعلى ذلك تبقى الصورة المهنية دون المستوى الملائم للاقتصاديات الحديثة، كما أن هناك خللاً واضحاً بين نسبة الاختصاصيين والفنيين المهرة وأنصاف المهرة والقيمة المضافة التي يولدها قطاع الصناعة يأتي معظمها من قطاع النفط، الأمر الذي لا يولد حافزاً لتفعيل الطلب المحلي على العلم والمعرفة.

إن قطاع الصناعة التحويلية يعاني من سوء الإدارة وعدم المواكبة والتحديث وقلة التمويل، وانخفاض الطلب المحلي على الكوادر العلمية والفنية هو من نتائج بنية الاقتصاد السوري، وازدادت نسبة الأميين والملمين بمعدل كبير، كما أن الازدواج الوظيفي والاشتغال بأكثر من مهنة واحدة يؤثر في إنتاجية العمل، وارتفاع معدل البطالة لا يرجع بالدرجة الأولى إلى زيادة النمو السكاني بقدر ما هو نتيجة لضعف عملية التطوير الاقتصادي، إن ضيق فرص العمل للخريجين ناتج عن ضعف ارتباط مخرجات التعليم بسوق العمل وعن ضعف بنية المنشآت الإنتاجية، فالمطلوب سياسة وطنية جديدة لتشغيل قائمة على قوانين العرض والطلب.

الفصل الذي يليه تناول التعليم وتمكين المرأة، فقذ أخذت المناهج التربوية السورية تتخطى صورة التحيز والتمييز والنمطية المتعلقة بالنوع الاجتماعي، وهو الأمر الذي يعني الانتقاص من الحقوق الأساسية المرتبطة بمواطنيتها، ومن هنا نجد الناشطات السوريات يبدين اتجاهات إيجابية لاستيعاب مفهوم النوع الاجتماعي إن 84% من النساء يرين أن البيت هو الموقع الأساسي للمرأة كأم وربة منزل، وأن 78% من النساء يرين أن عمل المرأة خارج المنزل يضعف من امتيازات الرجل داخله،

وهذا المفهوم الخاطيء للقوامة عنصر في عدم إكمال الإناث للتعليم، يضاف إلى ذلك أن جزءاً كبيراً من خريجات المرحلة التعليمية يعزفن عن متابعة التعليم إما بسبب الزواج المبكر أو سياسات القبول، وإن عدم تقويم معظم عمل المرأة يفقدها تقريباً كيانها في المعاملات الاقتصادية، ومعظم عمل النساء ينحصر في درجات منخفضة من السلم الوظيفي وفي عدد محصور من المهن، و71% من الرجال لا يؤيدون عمل المرأة المتزوجة خارج المنزل.

خلال الفصل الأخير التعليم والتنمية في إطار التحول الشامل «رؤية استراتيجية»، فقد اعتبر أن لا حلول لإصلاح التعليم إلا في إطار الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الأوسع، وأن نقاط القوة والضعف في النظام الاقتصادي انعكست على أداء النظام التعليمي، وأن النظام التعليمي وبناء رأس المال البشري أعمدة رئيسية يستند عليها مشروع التحول المجتمعي، وزيادة القدرة التنافسية وتحقيق معدلات عالية للنمو يمر عبر إصلاح النظام التعليمي، فالمطلوب سياسة وطنية تؤسس للانتقال إلى الاقتصاد القائم على المعرفة وتحديد دور التعليم لتحقيق ذلك.

وتحرير العقل في ظل الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان شروط أساسية لنجاح الإصلاح التعليمي، إن مستقبلنا ليس مكاناً نذهب إليه، بل مكان نصنعه بأنفسنا.. لكن الطريق إليه لن يكون إلا عن طريق الاستثمار البشري، والديمقراطية ليست مجرد أداة أو آليات، بل عقلية تدمج الجميع في إطار مفهوم حديث للمواطنة، إننا بحاجة إلى بناء القدرات الوطنية المعاصرة في مجالات العلم والتكنولوجيا واستجابة النظام التعليمي لذلك،

وإن بناء مدن سورية للتكنولوجيا تمثل بيئة جاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي ونقل التقنيات وامتصاصها، كما أن عدالة الفرص وتحقيق تنمية إقليمية متوازنة تتطلب سياسة تعليمية تستهدف المناطق الأكثر فقراً، وردم الفجوات التمييزية القائمة أساساً على تميزات النوع الاجتماعي بين الرجل والمرأة، والمطلوب شراكة حقيقية بين الدولة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني في رسم السياسة التعليمية الجديدة،

وإصلاح جهاز الخدمة المدنية وتعزيز أبعاد المساءلة والشفافية شروط أساسية لتحقيق الانتفاع الأمثل برأس المال البشري وعوائد التعليم، والحكم الرشيد يقوم على دولة المؤسسات واحترام القانون والمشاركة المجتمعية الفاعلة واللامركزية، كما إن إنشاء شبكات وطنية للباحثين والمؤسسات في مختلف الاختصاصات يزود من مردود العائد التعليمي، إن تحقيق معدلات عالية للتنمية البشرية والنهوض بمستوى الرفاه الاجتماعي يشكل التعليم أحد أطرافها الرئيسية. وقد ضم التقرير ملاحق وبيانات وجداول تتعلق بالتعليم وسياساته والنهوض به.

فيصل خرتش

الكتاب: التقرير الوطني للتنمية البشرية - سوريا ـ 2005

تأليف: مجموعة باحثين، جمال باروت وآخرون

الناشر: هيئة الأمم المتحدة 2005

الصفحات: 216 صفحة من القطع الكبير

Email