الإسلاميون الجدد.. إلى أين؟

الإسلاميون الجدد.. إلى أين؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلف هذا الكتاب هو الباحث والصحافي المصري أسامة عبدالحق، ويعد كتابه الصادر منذ أيام كتاباً مختلفاً عن غالبية الكتب التي تطرقت لموضوع الجماعات الإسلامية وتنامي الدور الذي تلعبه على الساحة العربية والعالمية فرغم كثرة ما كتب عن الظاهرة إلا أن الكتاب الذي نتعرض له اليوم من الكتب القليلة التي تقدم بالفعل دراسات متخصصة في فكر ومنهج الجماعات الإسلامية »الراديكالية« في مصر عبر ما يقرب من أربعة عقود، منذ ما عرف بـ»تأصيل العنف« كمبدأ للتغيير لدى هذه الجماعات الإسلامية، والمنابع التي استقت منها منهجها في العمل المسلح ضد النظام الحاكم في مصر.

الكتاب قدم لنا أيضا قراءة نقدية رصينة للمراحل التاريخية التي مرت بها جماعة الإخوان المسلمين، حيث خرجت من عباءتها هذه التنظيمات السرية الراديكالية وأهم قياداتها، وصولا إلى التحول التاريخي في فكر هذه القيادات، وانتهاج مبدأ جديد في التغيير الذي ينشدونه، وهو العمل السياسي العلني، والتقدم بمشروعات سياسية تحمل توجههم، في محاولة منهم لتأسيس أحزاب إسلامية سياسية، حيث يقدم المؤلف لأول مرة قراءة نقدية لما جاء في البرامج السياسية للمشروعات الثلاثة: الوسط –الشريعة –الإصلاح.

وكذلك حوارات مع مؤسسي هذه المشروعات حول معطيات هذا التغيير في فكر وأسلوب القيادات التاريخية للجماعات الإسلامية،وهل يعد تغييرا تكتيكيا للهروب من المواجهات الأمنية، أم تحولاً حقيقياً في الأفكار والمبادئ، ومن ثم جاءت كتب المراجعات الفكرية للقادة التاريخيون لهذه التنظيمات لتؤكد هذا التوجه الجديد لهم؟

الكتاب يطرح أيضا تساؤلاً مهماً: هل كانت موافقة الحكومة المصرية على تأسيس أحزاب إسلامية سياسية يمكن أن تقضي على ظاهرة العنف لدى هذه التنظيمات الإسلامية السرية، ومن ثم تمنع ظهور "تنظيم القاعدة العالمي"؟

المؤلف عمد - بجهد وثائقي وميداني وتحليلي متضافر- للتصدى لقضية الإسلاميين الجدد في مصر، وهو يرى أن هؤلاء الإسلاميين يمتلكون قدرات ثقافية وتنظيمية وسياسية أعلى من الأجيال القديمة في الحركة الإسلامية والتي ترهلت وأصابها الوهن. وهو ما يتفق مع رأي الدكتور رفعت سيد أحمد الذي ركز في مقدمته الوافية للكتاب على أن الخطاب السياسي لدى الإسلاميين الجدد ورغم تفاوته في بعض القضايا الداخلية والخارجية.

إلا انه انطلق من أرضية مشتركة تمتاز بالوضوح والصفاء والراديكالية السياسية أكثر من تلك التي تميز الجيل القديم من الإسلاميين وبخاصة الإخوان المسلمين وكان تميزه في مسألة الحريات والشريعة الإسلامية ومواجهة المشروع الصهيوني واضحا، لكن هذا التميز لم يشفع لهم، بل ربما أضرهم لدى النظام السياسي الحاكم الذي حجب الشرعية عنهم وهم يعبرون عن قوى وتيارات حقيقية في المجتمع.

وللإجابة عن السؤال إلى أين تتجه ظاهرة الإسلاميين الجدد قال الدكتور رفعت أيضا: يرتبط ذلك بمدى قدرة قادة الجماعات على المراجعة السياسية والفكرية الشاملة، كما يرتبط بجدلية العلاقة مع النظام السياسي، والعلاقة بين هذه التيارات والتيارات الإسلامية القديمة.

ويؤكد أسامة عبد الحق أن نقطة البداية المنطقية عند التصدى لهذا الموضوع تتمثل في دراسة تاريخ وتطور الحركات الإسلامية والراديكالية في مصر، حيث خصص لها بالفعل قسما كبيرا من الفصل الأول من دراسته أوضح فيه أنه بالإضافة للجنوح للانقلابات حددت الحركة الإسلامية الراديكالية تصورا كاملا لمن تنطبق عليهم شروط الاغتيال وفقا لرؤيتهم الخاصة في هذا الشأن على النحو التالي:

1- قيادات الدولة العلمانية الجاهلية.

2- القيادات التي تتصدى لدعوة الإسلام بالتحريف.

3- القيادات الصليبية التي تمارس التبشير.

4-اليهود والأميركيون. ومن بعدهم كل من يكمل دورهم من الغربيين.

وبعد استعراض أسامة عبد الحق لأهم الأحداث الإرهابية في مصر ونتائجها تناول بالتحليل كتب المراجعات الفكرية لقادة الجماعة الإسلامية والتي اعتبرها تحولا فكريا وسياسيا مهما، والمقصود هنا سلسلة تصحيح المفاهيم والتي حملت عناوين :

*أ-مبادرة إنهاء العنف.

*ب- حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين.

*ج- تسليط الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء.

*د-النصح والتبيين في تصحيح المحتسبين.

كما رصد بروح انتقادية ما صاحب صدور تلك المراجعات من تشكيك واصفا من هاجم تلك المراجعات بأنهم "بعض العلمانيين الكارهين للإسلام".

ومن هذا المنطلق فقد وصف الحوار المطول الذي أجراه الصحافي الكبير مكرم محمد أحمد مع قادة الجماعة الإسلامية في الذكرى الخامسة لإعلان مبادرة إيقاف العنف بأنه جاء لكي يلقم هذا الفريق العلمانيين (المشكك في المبادرة والمراجعة) حجرا. وأكد المؤلف أن المشككين تحالفوا مع ما وصفه بأنه »الفريق الإسرائيلي« داخل الحكومة المصرية باعتبار أن هذا الفريق غضب من التحولات السلمية للجماعة الإسلامية.

و بناء على ما سبق يرى المؤلف أن الأسباب الحقيقية وراء مبادرة وقف العنف وتحولات الجماعة الإسلامية (ثاني أكبر فصيل إسلامي في مصر بعد الإخوان المسلمين) يكمن في أن تحولا بنيويا رئيسيا قد حدث في طبيعة الجماعة، على خلفية وعي بالمخاطر العالمية، جعلها تتحول لجماعة دينية سياسية منفتحة، تطرح رؤى إصلاحية وتطالب بالحوار، والتطبيع مع المجتمع.

ونقل أسامة عن كتب المراجعات فقرة تقول:" إن الإصرار على القتال، سواء كان في مصر أو غيرها من البلدان طالما أنه جلب من المفاسد العظيمة على الدين والدنيا ولم يحقق أية مصلحة تذكر، كان هذا القتال محرما وممنوعا شرعا وعقلا".

انتقل بنا الكتاب بعد ذلك لرصد عميق للتحولات التي طرأت على جماعة الإخوان المسلمين، خاصة في ظل تبلور فكر وحركة تيار الوسط الإسلامي الإخواني، وعلى خلفية بروز تيارات الوسط الناصري (حمدين صباحي ورفاقه) والوسط اليساري (أحمد بهاء الدين شعبان ورفاقه) فقد برز من هذا الجيل الإخواني الوسطي: عصام العريان وعبدالمنعم أبوالفتوح وأبو العلا ماضي، وإبراهيم الزعفراني ومحمد عبد القدوس وصلاح عبد المقصود وجميعهم قيادات طلابية سابقة (أراد السادات أن يوظفها لمصلحته داخل الجامعة لكنها خرجت عن الطوق بسرعة).

وبين عامي 1995 و1996 وافق قادة الإخوان التاريخيين على فكرة إنشاء حزب لكنهم سرعان ما تراجعوا بناء على المنطق القديم الذي تبنوه لعقود وهو (العجز والاستضعاف) عن المواجهة العنيفة تجاه الدولة. فتقدم المهندس أبو العلا ماضي ورفاقه بأوراق تأسيس حزب الوسط في يناير 1996، وهو الحزب الذي رُفض من قبل الدولة في مايو 1998.

فتقدم المؤسسون على الفور بأوراق تأسيس حزب الوسط المصري، مبرهنين على دأبهم وديناميكيتهم المرتكز على الاعتدال (حسب تأكيد المؤلف). فبرنامج الحزب يرتكز على خمسة مبادئ أساسية تشكل المرجعية العامة للحزب وهي تنطلق من "إيمان راسخ بتميز الحضارة الإسلامية وصلاحيتها للعصر، وهو ينطلق من ضرورة السعي لاتفاق وطني، يجيب عن الأسئلة المشروعة لدى القوى الوطنية وضرورة التوفيق بين جهود التطوير وجهود الإحياء".

وفي السياق نفسه تناول الكتاب، بصورة متجاوبة، تجربة حزب الشريعة الذي اعتبر أن القراءة المتأنية لبرنامجه السياسي تكشف لنا جليا عمقه فهو ينقسم إلى أربعة أقسام رئيسية هي المبادئ العامة- قضايا المجتمع المصري- العلاقات الخارجية وأخيرا الصراع العربي الصهيوني.

وتنطلق الفلسفة الحاكمة للرؤية السياسية لحزب الشريعة من ثلاثة منطلقات تدور حولها حركة الحزب وأفكاره وهي الإيمان بالشريعة الإسلامية، الإيمان بالتعددية في إطار النسق الحضاري الإسلامي، محورية دور الأمة في النهضة السياسية والحضارية.

وعلى صعيد العلاقات الخارجية أوضح برنامج الحزب أن البشرية تمر بمخاض عسير يلزم معه تشجيع الدراسات الاستراتيجية والعسكرية المتخصصة في الصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك دراسات الأمن القومي، والإقليمي، وزيادة الاهتمام برصد ومتابعة التحركات والاستراتيجيات (الإسرائيلية) في المنطقة.

ولكي تكتمل الخريطة المعرفية للإسلاميين الجدد في مصر استعرض أسامة عبد الحق البرنامج السياسي لحزب الإصلاح (الاجتماعي الإسلامي سابقا) وأسسه التي تنطلق من ثلاث كليات رئيسية وهي: الإيمان بالشريعة الإسلامية والسعي لتطبيقها في المجتمع المصري،الإيمان بالتعددية داخل النسق الحضاري الإسلامي، وأهمية الدور السياسي للأمة في إحداث النهضة السياسية والحضارية.

وقد أسهب البرنامج في تفصيل ذلك على صعيد، الإصلاح الاقتصادي، وحقوق الإنسان، ودعم العمل الأهلي وقضايا الإصلاح الديني حيث اقترح: إعادة النظر في إعداد الدعاة، وإبعاد الأمن عن اختياراتهم ومنحهم حصانة قانونية صريحة ضد العزل الوظيفي، وأخيرا العمل على وقف تأميم المساجد.

وعلى الصعيد الوثائقي اهتم المؤلف برصد التحولات والبرامج، والمواجهات من خلال سلسلة من البيانات والوثائق والحوارات يتصدرها حوارات مطولة مع: الدكتور محمد سليم العوا(محامي حزب الوسط) ومع المحامي منتصر الزيات، والمستشار مأمون الهضيبي.

حيث شدد "العوا" على أن العنف السياسي ضد السائحين والمسيحيين محرم لأنها دماء معصومة، مشددا على أن الأحزاب الإسلامية لا تسهم في تنمية الفكر الإسلامي، بل تسهم في تنمية الحركة السياسية التي تستلهم روح الإسلام، لذا نؤيد ظهور أحزاب إسلامية ولو تعددت، فالنشاط السياسي يهدف للوصول للحكم والحصول على أصوات الناخبين.

كما اعتبر منتصر الزيات أن انسداد قنوات التفاهم بين الإسلاميين والسلطة، واستخدام دوائر معينة داخل السلطة في خندقة قطاعات من التيار الإسلامي في العنف والعنف المضاد، هو فخ منصوب للحركة الإسلامية، وهو ما دعا بعض أبناء هذه الحركة ممن انتهت علاقتهم التنظيمية بها للتحرك تحركات سياسية لقطع الحصار الحكومي عليها باعتبار أنها تنظيمات سرية غير شرعية.

من جانبه قال المستشار مأمون الهضيبي (المرشد العام السابق لجماعة الإخوان) عن فكرة إنشاء أحزاب ذات مرجعية إسلامية في مصر: هذا يؤكد أن الإحساس العام لدى الشعب المصري يتطلع إلى العودة للمرجعية الإسلامية التي شرعها الله، والتي تبناها الإخوان المسلمون منذ أكثر من سبعين سنة.

وردا على السؤال لماذا لم يتقدم الإخوان بطلب رسمي لتأسيس حزب سياسي باسمهم قال الهضيبي: ليس من السياسة ولا من الكياسة أن تقدم شيئا أنت تعرف مقدما نتيجته، ما دام رئيس الجمهورية مصراً على موقفه بأنه يرفض هذا الحزب. هذا على الرغم من أنه يوجد لدينا أكثر من مشروع ودراسة جاهزة للتقديم.

* أحمد فؤاد أنور

الكتاب: الإسلاميون الجدد.. إلى أين؟

الناشر : مركز الحضارة العربية –القاهرة 2005

الصفحات: 222 صفحة من القطع المتوسط

Email