تاريخ روسيا

تاريخ روسيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلفا هذا الكتاب هما المؤرخان نقولا ريازانوفسكي ومارك ستينبرغ. وكلاهما مختص بتاريخ روسيا وحضارتها وثقافتها على مدار القرون، والأول مختص بالتاريخ القديم لروسيا، أي قبل أن تصبح مسيحية .

وبعد أن أصبحت، وأما الثاني فمختص بالتاريخ الحديث لروسيا: أي منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى اليوم، وكلاهما أكاديمي جامعي معروف وصاحب أبحاث ومؤلفات عديدة. ويمكن القول بأن التاريخ الروسي ابتدأ عام (862) مع وصول ملك الفايكنغ «راوريك» إليها.

وهو الذي أسس أول سلالة مالكة هناك، وعلى مدار القرن التاسع الميلادي غادر شعب الفايكنغ البلاد الاسكندنافية لكي يستقر في الجزء الأوروبي من روسيا. وفي أثناء الغزوات البربرية للبلاد كانت الشعوب السلافية قد هاجرت إلى روسيا من الشرق أيضاً.

وكان ذلك في القرن السابع الميلادي. ثم توحدت هذه الشعوب المختلفة بعد دخول الدين المسيحي إلى البلاد، والواقع ان الأمير الكبير فلاديمير القديس اعتمد عام (988) الدين المسيحي في مذهبه الارثوذكسي بصفته الدين الرسمي للدولة الروسية.

ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن لا يمكننا الفصل بين الشعب الروسي والمذهب الأرثوذكسي، فهما متداخلان ومنصهران مع بعضهما البعض بشكل لا ينفصم.ثم يردف المؤلفان قائلين: وطيلة القرن الحادي عشر لعبت إمارة كييف دوراً كبيراً في المنطقة كلها.

ولكن الغزاة من التتار والمغول استباحوها عام 1240 ودمروا مدينة كييف بشكل كامل تقريباً، وعندئذ تم تقسيم روسيا إلى عدة إمارات منفصلة عن بعضها البعض، وامتدت الامبراطورية المغولية لكي تشمل جزءاً كبيراً من روسيا الآسيوية بل وحتى روسيا الأوروبية.

ثم أخذت موسكو تكبر وتكبر طيلة القرنين التاليين حتى أصبحت مدينة مهمة جداً، والواقع انها أصبحت عاصمة إقليمية كبيرة والمركز الأساسي للأرثوذكسية الروسية، وفي نهاية القرن الخامس عشر استطاع القيصر ايفان الثالث أن يحرر روسيا نهائياً من سيطرة المغول ونير استعمارهم للبلاد.

ثم جاء بعده القيصر ايفان الرهيب (1533 ـ 1584) وكان أول قيصر يختار موسكو عاصمة له، وهكذا جعل من مدينته عاصمة للإمبراطورية الروسية عن طريق تصفية كل الأمراء المنافسين له وتوحيد البلاد.

ثم يردف المؤلفان قائلين: وفي عام 1613 أسس ميخائيل رومانوف سلالة آل رومانوف التي حكمت روسيا طيلة أربعة قرون متتالية، وكان حفيد ميخائيل رومانوف، بطرس الأكبر (1689 ـ 1725).

هو الذي أدخل التحديث الأوروبي إلى روسيا وجعل من بلاده القوة العظمى المهيمنة في أوروبا الشمالية، واستطاع بفضل انتصاره على ملك السويد شارل الثاني عام 1709 أن يوسع من حدود امبراطوريته باتجاه الغرب، ثم جاءت بعده الامبراطورة كاترين الثانية التي حكمت بين عامي (1762 ـ 1796).

وقد واصلت سياسته نفسها في الانفتاح على أوروبا التي كانت مركز الحضارة الحديثة ولاتزال، وقد وسّعت من حدود الامبراطورية الروسية عن طريق احتلال منطقة كريميا وجزء من أوكرانيا، بل وحتى شرق بولونيا، وكانت روسيا قد أصبحت عندئذ نظاماً ملكياً مطلقاً ومستبداً.

نقول ذلك على الرغم من أن كاترين الثانية كانت مستبدة مستنيرة وصديقة للفلاسفة الفرنسيين، وبالأخص فولتر وديدرو، ولكن بقية القياصرة لم يكونوا كذلك.

ولم فولتيرالقيصر بولس الأول (1796 ـ 1801) من أن يرسل جيشه إلى إيطاليا لمحاربة الجيش الثوري الفرنسي، والواقع ان هذا القيصر كان رجعياً جداً على عكس كاترين الثانية.

ثم جاء دور القيصر الاسكندر الأول لكي يحكم روسيا بين عامي (1801 ـ 1825)، واستطاع أن يصدّ هجمات نابليون على بلاده، ومعلوم انه غزا روسيا بجيوش جرارة وحقق انتصارات كبيرة في البداية، ولكنه هزم في نهاية المطاف.

ولكن البعثات العسكرية التي قادت بعض الضباط الروس إلى الإقامة في باريس والتعرف على الحضارة الفرنسية والأفكار الليبرالية ساهمت بعد عودتها إلى البلاد في نشر هذه الأفكار بالذات، ومعلوم انها كانت مضادة لتوجهات القيصر الذي شكل تحالفاً رجعياً يضم كل ملوك أوروبا لمحاربة الثورة الفرنسية وأفكارها الهدامة، بحسب وجهة نظره.

وهكذا وقع الحكم في تناقض مع ذاته، فالنخبة التي أرسلها للتعلم في الخارج عادت وهي تحمل أفكاراً معادية له، وسوف يساهم ذلك لاحقاً في اسقاط سلالة آل رومانوف على يد الاشتراكيين والشيوعيين.

ثم يردف المؤلفان قائلين بما معناه: والواقع ان الحرب العالمية الأولى برهنت على عجز النظام الروسي عن إصلاح نفسه بنفسه والقضاء على الفساد الذي ينخر فيه من الداخل أو مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة.وكلها عوامل تضافرت مع بعضها البعض وساهمت في إفقار الشعب الروسي إلى درجة مخيفة.

ولهذا السبب اندلعت اضطرابات في البلاد عام 1914، وقد أدت في النهاية إلى إقامة جمهورية ديمقراطية بعد إجبار القيصر نقولا الثاني على التنازل عن العرش يوم (15) مارس عام 1917.

ثم أرسلوه مع عائلته إلى المنفى بتاريخ (16) يوليو في عام 1918. ثم سيطر الحزب البلشفي، أو الجناح الراديكالي من الحركة الاشتراكية على الأمور، وظهر على مسرح التاريخ الروسي قادة جدد من أمثال لينين وتروتسكي، وهكذا انتصرت ثورة اكتوبر على النظام الملكي السابق وحكمت البلاد باسم الشيوعية لمدة سبعين عاماً قبل سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991.

وفي (30) ديسمبر من عام 1922 توحدت كل الجمهوريات السوفييتية داخل دولة كبيرة واحدة هي: الاتحاد السوفييتي، وتم تأميم كل شيء طبقاً للمبادئ الشيوعية، وأصبحت الأرض ملكاً للدولة.

ولكن موت لينين في (21) يناير عام 1924 فتح المجال لصراع الأجنحة داخل الحزب الشيوعي الحاكم، وكان هناك جناحان كبيران: الأول يتزعمه جوزيف ستالين، والثاني بقيادة ليون تروتسكي.

وقد استطاع ستالين أن يحسم الأمور لصالحه وينفي خصمه اللدود إلى الخارج، ثم قاد سياسة قمعية وإرهابية ضد خصومه. وأرسل مخابراته لاغتيال تروتسكي في المكسيك، ونجح في ذلك بعد محاولات فاشلة عدة.

وكان ذلك في (21) أغسطس من عام 1940. وأثبت ستالين بذلك أنه إرهابي حقيقي، فهو لا يكتفي بملاحقة أعدائه في الداخل وإرسالهم بعشرات الآلاف إلى معسكرات الفولاغ وإنما يصل إليهم في الخارج حتى ولو كانوا على بعد آلاف الكيلومترات!

ولكن ستالين عرف كيف يدافع عن بلاده أثناء الحرب العالمية الثانية، واستطاع دحر جيوش هتلر الجرارة بعد معارك طاحنة منها معركة ستالينغراد.

ثم مات ستالين عام 1953 وحل محله خروتشوف الذي كشف عن جرائمه في تقريره الشهير المقدم إلى مؤتمر الحزب الشيوعي، وبعدئذ عاش العالم لفترة أخرى في ظل الحرب الباردة بين القوتين الأعظم: الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأميركية.

ولكن عجز النظام السوفييتي عن إصلاح نفسه من الناحية الاقتصادية كان السبب في انهياره لاحقاً، وبعد أن وصل غورباتشوف إلى السلطة واتبع سياسة الشفافية والصراحة تسارعت الأحداث وانهار الاتحاد السوفييتي في مارس من عام 1991، واستقلت الدول الأخرى عن روسيا. وحصلت انتخابات في هذه الأخيرة أدت إلى وصول بوريس يلتسين إلى قمة السلطة.

وقد فاجأ انهيار الاتحاد السوفييتي جميع المراقبين، فلم يكن أحد يتصور أن ينهار بمثل هذه السرعة والسهولة، لاريب في أن اتباع النظام القديم حاولوا المحافظة عليه عن طريق القيام بانقلاب عسكري عندما كان غورباتشوف في عطلته الصيفية على شواطئ البحر الأسود.

ولكن رد الفعل الشعبي على هذه المحاولة أجهضها، يضاف إلى ذلك أن يلتسين برهن على شجاعة حقيقية عندما قاوم دبابات الانقلابيين بصدره العاري بل وصعد على ظهر إحداها لمخاطبة الجمهور المحتشد.

وهكذا خرج من المواجهة منتصراً بعد أيام عدة من القلق والخوف والاضراب، وانتصرت الحرية والديمقراطية على الشيوعية التي تحكمت برقاب الشعوب عقود عدة من السنين.

ثم يردف المؤلفان قائلين: وهكذا انتهت الحرب الباردة بين الشرق والغرب بعد خمسين سنة من الصراع والتحدي، انتصر الغرب الرأسمالي على الشرق الشيوعي، وكانت النتيجة هيمنة الولايات المتحدة على مقدرات العالم بصفتها القوة العظمى الوحيدة.

ولكن الكتاب لا يكتفي باستعراض التاريخ السياسي لروسيا، وإنما يتوقف مطولاً عند التاريخ الاقتصادي والاجتماعي وحتى الثقافي، وهناك صفحات مضيئة عن الأدباء الروس الكبار من أمثال بوشكين، أوغوغول، أوتولستوي، أو دستويفسكي، أو سواهم عديدين.

ومعلوم ان الطبقة الثقافية الروسية أو ما يدعى بالانتلغنسيا انقسمت على نفسها إلى قسمين أثناء القرن التاسع عشر. فكان هناك تيار السلافيين التقليديين المعادين للاستغراب والداعين إلى القيم الارثوذكسية الشرقية وحتى الآسيوية لروسيا.

وكان هناك تيار الليبراليين التحديثيين الداعين إلى تقليد أوروبا والغرب من أجل اللحاق بركب الحضارة الحديثة، بمعنى آخر فإن روسيا شهدت الصراع بين الأصالة والمعاصرة، أو التقليد والحداثة، مثل بقية الشعوب الأخرى كالشعوب العربية والإسلامية والهندية والصينية واليابانية... الخ.

الكتاب: تاريخ روسيا منذ عام 1855 وحتى اليوم

الناشر: مطبوعات جامعة اوكسفورد 2005

الصفحات: 496 صفحة من القطع الكبير

A HISTORY OF RUSSIA SINCE 1855

NICUOLAS V. RIASANOVSKY AND MARK STEINBRG

OXFORD UNIVERSITY PRESS 2005

P. 496

Email