لويس السادس عشر

لويس السادس عشر

ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤلف هذا الكتاب هو الناقد الفرنسي جان كريستيان بيتيفيس الذي كان قد نشر سابقاً كتباً عدة، ومعظمها عبارة عن سيرة حياة العظماء من أمثال الملك لويس الرابع عشر وقد نال عليها جائزة الأكاديمية الفرنسية كأفضل كتاب في رواية سيرة العظماء.

وقد أصبح هذا الفن شائعاً جداً في فرنسا في السنوات الأخيرة، فالناس تحب قراءة سير الأبطال التاريخيين والشخصيات المهمة وفي هذا الكتاب الجديد يتحدث المؤلف عن شخصية ملك آخر لا يقل أهمية عن سلفه الأكبر لويس الرابع عشر، هو لويس السادس عشر، ومعلوم أن الثورة الفرنسية أطاحت به وقطعت رأسه تحت المقصلة الشهيرة.

كما وقطعت رأس زوجته الملكة ماري انطوانيت، وهي التي قالت عبارتها الشهيرة عندما هاج شعب باريس وسار على القصر الملكي، فخرجت إلى الشرفة وقالت: لماذا يغضبون؟ ماذا يريدون؟ فأجابوها: يريدون أن يأكلوا ولا يجدوا خبزاً، فقالت: لماذا لا يأكلون البسكويت!!

ومعلوم ان البسكويت أغلى من الخبز بكثير، فإذا كان الشعب لا يستطيع أن يشتري الخبز فكيف يمكن له أن يشتري البسكويت؟!

هذا ما لم تفكر به ملكة فرنسا التي كانت تعيش في قصور مزودة بكل ما لذّ وطاب من طعام وشراب، وبالتالي فلا تعرف حالة الشعب ولا تفهم كيف يمكن ألا يستطيع الناس شراء الخبز أو البسكويت، فهذه أشياء رخيصة جداً بالنسبة لها.

وقد اعتمد المؤلف في هذا الكتاب على أرشيف ضخم من الوثائق الجديدة وغير المعروفة، وقدم لنا بالتالي صورة أخرى عن لويس السادس عشر، ومعلوم ان الصورة التقليدية السائدة عنه في فرنسا هي أنه كان ضعيف الشخصية ولا يفهم في شؤون الحكم ولا يعرف شيئاً يذكر عن السياسة الخارجية، صحيح انه كان طيباً، ولكنه كان غبياً وخجولاً جداً.

كما صوروه لنا على أساس انه رجل تقليدي لا يعرف معنى التجديد في الفكر والسياسة، ولا يدرك حجم المستجدات والتطورات التي طرأت على المملكة الفرنسية، وبالتالي فلقد كان في واد والواقع في واد آخر.

وقد فاجأته الثورة وهو نائم تقريباً أو شبه نائم، ولم يكن يعرف ما يحدث حوله، لأنه كان مشغولاً بمجلداته الخاصة، وبالصيد، والقنص، والحاشية، وبالتالي فقد أهمل شعبه إلى حد أنه نسي وجوده ثم صوروه لنا على أساس أنه كان يفكر في التحضير لثورة مضادة بعد اندلاع الثورة الفرنسية، وانه كان يتآمر مع العروش الأجنبية للانقضاض على النظام الجديد وخيانة بلاده..

ثم يردف المؤلف قائلاً: كل هذه الصورة السائدة عن لويس السادس عشر، آخر ملوك فرنسا، ليست صحيحة على الإطلاق. بل على العكس لقد كان شخصاً مثقفاً وذكياً، وكان يهتم بالعلم بالمعنى الطبيعي والفيزيائي للكلمة. كما وكان مولعاً بسلاح البحرية والأساطيل الفرنسية بالإضافة إلى الاكتشافات العلمية.

يضاف إلى ذلك انه لعب دوراً كبيراً في تحديد السياسة الخارجية لفرنسا ورسم خطوطها العريضة. وقد لعب دوراً حاسماً في الانتصار على انجلترا ونيل الولايات المتحدة لاستقلالها بعد معاركها الضارية مع الانجليز، وكل ذلك بمساعدة الفرنسيين ومهارة لويس السادس عشر في إدارة دفة العمليات السياسية والعسكرية والدبلوماسية. ففرنسا هي التي ساعدت أميركا على نيل استقلالها نكاية بالإنجليز أعدائها التاريخيين.

من المعلوم أن هذا الملك الذي انتهى بشكل مأسوي فاجع كان قد حكم فرنسا منذ عام 1774 وحتى عام 1789 تاريخ اندلاع الثورة الفرنسية ولم يكن ملكاً محافظاً أو رجعياً على عكس ما أشيع عنه وإنما كان يريد إصلاح أمور فرنسا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في العمق. ولكن الظروف لم تسمح له بذلك.

ثم يقدم المؤلف (بورتريه)، أي صورة شخصية عن طبائع لويس السادس عشر وصفاته النفسية، ثم يتجاوز الحالة الشخصية للملك لكي يقدم لنا صورة عامة عن أحوال فرنسا طيلة السنوات الخمس عشرة التي سبقت الثورة الفرنسية مباشرة.

والكتاب يصور من خلال فصوله المتتابعة السنوات الأولى من عهد لويس السادس عشر والوزراء الذين عينهم في الحكم والإصلاحات التي اقترحها على الإدارة وفشل في تطبيقها.

ثم يصور لنا كيفية اندلاع الثورة الفرنسية كالبركان الهادر، وكيف قبض الثوار على الملك بعد أن هدموا سجن الباستيل واستولوا على السلطة. ثم يصل المؤلف إلى أهم فصل: أي الفصل الذي يروي فيه كيفية إعدام ملك فرنسا تحت المقصلة الشهيرة.

فالفصل الذي يحمل عنوان «الموت» يبتدئ على النحو التالي: في يوم الأحد، عشرين يناير من عام 1793 وصل إلى المكان الذي سجن فيه الملك مع عائلته وفد يضم كبار رجال السلطة.

وقد قرأوا عليه قرار المحكمة الثورية الذي ينص على الآتي: أنت، يا لويس كابي، يا آخر ملك لدى الفرنسيين. إننا نعلن انك مذنب لأنك تآمرت على حرية الأمة وشكلت خطراً على أن الدولة بتصرفاتك وحقدك على الثورة الفرنسية والجمهورية الوليدة التي أطاحت بك وبعائلتك كلها.

إننا نعلن هنا أمامك بأننا سنطبق عليك حكم الإعدام خلال الأربع والعشرين ساعة التي تلي هذا الإعلان..

ماذا كان رد فعل الملك على هذا الإعلان الخطير؟

يقال بأنه هز رأسه نافياً أن يكون قد تآمر على وطنه، ونظر نظرة عميقة إلى من حوله. ثم طلب من رئيس الدولة أن يمهله ثلاثة أيام لكي يستطيع أن يرى شخصاً ما يهمه جداً أن يراه.

ثم طلب من المجلس الثوري الذي يحكم البلاد بعد سقوط النظام الملكي أن يسمحوا له برؤية عائلته بدون حرس أو مراقبة. ثم طلب بأن يسمحوا لزوجته ماري انطوانيت وأولاده أن ينسحبوا من الحياة العامة ويذهبوا إلى المكان الذي يريدونه لكي يعيشوا بحرية وبأمان بعد موته.

ثم طلب من المسؤولين ألا يسيئوا إلى الأشخاص الذين كانوا في خدمته وأن يتركوهم يعيشون أيضاً بأمان. فهو الذي يتحمل المسؤولية وليس هم. وأخيراً طلب من رئيس المجلس الثوري أن يسمح له بمقابلة الكاهن إيد جورث وأن يرافقه طيلة الفترة التي تسبق قتله تحت المقصلة. وذلك لكي يصلي معه ويقوم بأداء الفرائض الدينية. ثم أعطاه عنوان الكاهن في باريس.

وبعد أن تركوه وحيداً وذهبوا ظل الحرس يراقبون تصرفات الملك من ثقب الباب. فرأوه يقف ويجمد في مكانه للحظات طويلة وهو سارح النظرات.. ثم راح يجوب الغرفة ذهاباً وإياباً وكأنه لا يستطيع أن يستقر على حال بعد أن عرف بأمر مقتله أو إعدامه.

وعندما حان وقت العشاء قالوا له بأنه لا يستطيع بعد الآن أن يستخدم الشوكة والسكين في الأكل. لماذا؟ لأنهم يخشون أن ينتحر. فنظر إليهم مذهولاً وقال:

وهل تعتقدون أني جبان إلى حد أن أقتل نفسي؟! إنكم مجانين.. لقد فقدتم عقولكم.. أنا ملك فرنسا!

لقد نسبوا لي بعض الجرائم وأدانوني وأنا بريء. ولكن إذا كان دمي سيحمي فرنسا من المصائب والويلات فلا بأس بأن أموت.. ثم تعشى بسرعة، أي ببضع دقائق، قاطعاً اللحم المسلوق بالملعقة لأنهم منعوه من استخدام السكين.

وعندما دخل عليه الكاهن وخرج الجميع وتركوهما وحيدين مع بعضهما البعض ألقى الكاهن بنفسه على قدمي الملك وراح يبكي بكاء مراً. وعندئذ ساعده لويس السادس عشر على النهوض، ثم انهار هو الآخر أيضاً وأخذ يبكي.

ثم نزلت عائلة الملك من الطابق الأعلى لكي تودعه لآخر مرة. وكانت ماري انطوانيت على يمينه وأخته اليزابيث على يساره وبنته التي تبلغ الرابعة عشرة أمامه وابنه ولي العهد (سبع سنوات) بين أحضانه. ومن شق الباب سمع الناس الزفير والشهيق، فقد كانت عائلته تعرف انها لن تراه بعد الآن.. وكانوا يقبلون الملك ويقبلهم وهم يبكون وينتحبون. وفي أثناء ذلك ذهب الكاهن إلى الغرفة المجاورة لكيلا يحرجهم بحضوره.

ثم فجأة دخل الحرس عليهم وقالوا: انتهت المقابلة وأخرجوا عائلته من عنده بالقوة وتركوه وحيداً. وعندئذ عاد الكاهن لكي يرافقه طيلة الساعات المتبقية له من الحياة. وكان يتلو معه الصلوات لكي يهدئ من روعه. وعلى الرغم من ان عمره لم يكن يتجاوز الثامنة والثلاثين إلا أن المحنة كبرته عشرين سنة إضافية فأصبح يبدو وكأنه في الثامنة والخمسين.

ثم جاء الحرس الجمهوري بالمئات في اليوم التالي واقتحموا عليه غرفته واقتادوه إلى ساحة الجمهورية (أي ساحة الكونكورد حالياً والواقعة في أسفل الشانزيلزيه) لكي ينفذ فيه حكم الإعدام.

وخافوا من أن تخور عزيمته بعد أن يصعد إلى المنصة ويرى المقصلة الشهيرة التي تقطع رأسك عن جسدك بثوان.. ولكنه تمالك نفسه وتقدم برباطة جأش من الجلادين المكلفين بقتله، وكان عددهم خمسة.

وقبل أن تسقط على عنقه شفرة المقصلة لفظ العبارة التالية: أموت بريئاً من كل الجرائم التي نسبوها لي، وأغفر لمن قتلني، وأدعو الله ألا يرتد دمي الذي سفكتموه ظلماً وعدواناً على فرنسا وبالاً.. ثم فصلوا رأسه عن جسده في لحظة واحدة وانسال دمه غزيراً على المنصة.

الكتاب: لويس السادس عشر

تأليف: جان كريستيان بيتيفيس

الناشر: بيران ـ باريس 2005

الصفحات: 1115 صفحة من القطع الكبير

LOUIS XVI

JEAN - CHRISTIAN PETITFILS

PERRIN - PARIS 2005

P. 1115

Email