كتاب ـ في كواليس عالم صدام حسين ـ استمد «حكمته» من ستالين، صدام يخرج من عزلته السياسية في الثمانينيات على يد رامسفيلد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس 14 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 15 مايو 2003 كتاب مهم هو الذي نقلب صفحاته الآن ونتناقل عبره عالم صدام حسين بكل ما فيه من أسرار شائكة وتعقيدات مذهلة، وهناك عشرات الكتب ضختها المطابع في السنوات الماضية وبصفة خاصة في الشهور الأخيرة تناولت سيرة صدام حسين وحياته الخاصة ومغامراته السياسية وانقلاباته وعداواته وتحالفاته، لكن هذا الكتاب يجمع كل ذلك بين دفتيه وأكثر، حيث يتناول سيرة الرئيس العراقي السابق منذ ولادته، ويتعقب نشأته الفقيرة والخلاف حول يوم مولده. ويدلل المؤلف على تلك النشأة الفقيرة في تأثيرها على تكوين شخصيته التي تميزت بفقدان الثقة في الجميع، حتى في أقرب الناس اليه. وسيتناول المؤلف الصحافي كون كوفلن في هذا الكتاب كيفية صعود صدام الى الحكم وكيفية مبادرته إلى التخلص من أقرب الناس اليه، من أصدقاء وزملاء ورفاق، سائراً في ذلك على خطى استاذه ومعلمه جوزيف ستالين، كما يتناول ايضاً علاقة صدام حسين بالولايات المتحدة صعوداً وهبوطاً. ويكتسب هذا الكتاب جانباً من أهميته في أن مؤلفه يعمل محرراً في صحيفة «ديلي تلغراف» اللندنية، ويعد أحد الخبراء في العالم في مجال المتطرفين، وله كتابان مهمان هما «الرهائن» الذي تناول خلاله أزمة الرهائن الأميركيين في لبنان و«الحوض الذهبي مليء بالعقارب» ويتناول فيه قضية القدس. وفي سبيل اصدار هذا الكتاب حرص المؤلف على الوصول الى شخصيات مهمة، واستطاع اقناعها بالحديث وصولاً الى الحقيقة، مع أخذ تعهد عليه بعدم ذكر أسمائهم خوفاً من غضب صدام الذي لا يعرف أحد مداه. واستطاع المؤلف ايضاً الحصول على وثائق مهمة، خاصة تلك التي تتعلق بتاريخ ميلاده وكذا بعض الصور النادرة التي تتناول مراحل مختلفة من حياته أودعها بين دفتي هذا الكتاب. ويعد هذا الكتاب وثيقة بالنسبة لكل من أراد ان يعرف كل شيء وأي شيء عن صدام حسين منذ ولادته وحتى حربه الأخيرة ضد التحالف الأميركي. ويُحسب للمؤلف شجاعته النادرة وتحليله المتميز الذي يكاد يكون هو الوحيد الذي يؤكد ان صدام حسين لايزال حياً يرزق، رغم التأكيدات الأميركية برحيله عن عالم البشر الفانين. الطريق إلى الحرب قبل أسبوعين من أحداث 11 سبتمبر 2001 وضع صدام حسين قواته على أهبة الاستعداد، بل في أقصى درجات الاستعداد منذ حرب الخليج الأولى، وعندما بدأ الهجوم المنسوب إلى القاعدة ضد برجي مركز التجارة العالمي كان صدام حسين مستعداً للدخول في حرب ثانية مع الولايات المتحدة. والسؤال الذي يطرحه المؤلف هو: كيف لصبي بائس من احدى قرى تكريت أن يصبح أكبر عدو للغرب، بل وأحد أخطر طغاة العصر الحديث؟ يلتقط المؤلف طرف خيط الاجابة عن هذا السؤال بالاشارة إلى ان كتابه السيرة الذاتية لصدام حسين أشبه بمحاولة إعداد ملف قضية اعدام لأحد أفراد عصابة دولية، فالشهود أما أن يكونوا قد لقوا مصرعهم أو انهم خائفون من التحدث في هذا الموضوع، وحتى من زاملوا صدام والذين لم يروه لأكثر من عشرين عاماً، بل ويعيشون بعيداً عنه آلاف الأميال، يخشون الحديث ايضاً عنه حتى لا يجدوا أنفسهم أمام زيارة من فرق الإعدام الكثيرة التابعة له، أو على الأقل فإن بعض أقربائهم الأحياء الذين يعيشون في العراق قد يدفعون ثمن حماقتهم. ويضيف المؤلف انه على مدى السنوات الثلاث التي استغرقها تأليف هذا الكتاب، فإن عدداً من زملاء صدام السابقين الأحياء وافقوا على الحديث، فقط أولئك الذين وافقوا على ذكر أسمائهم علمت المخابرات العراقية بأمرهم في معظم الحالات، وبالتالي لم يكن من الممكن ذكر هذه الأسماء. وكذلك فإن العشرات من المسئولين الحكوميين والدبلوماسيين ورجال المخابرات السابقين الذين خدموا مع صدام ثم أحيلوا للتقاعد ويعيشون في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط والذين قدموا بعض المعلومات المهمة في هذا الكتاب طلبوا عدم ذكر أسمائهم. ويشير المؤلف إلى انه بعض انقضاء هذه المدة وانتهاء الحرب على العراق، فإن مصير صدام لا يزال محل نقاش، وقد تعمق الغموض عندما كان الزعيم العراقي يتأهب للحديث إلى شعبه في خطاب متلفز ولكن في آخر لحظة ألقى الخطاب بدلاً منه وزير إعلامه محمد سعيد الصحاف، ويحاول الأميركيون اقناع العراقيين بأن صدام قد مات، لكن صداماً لا يدع أي شخص يعرف على وجه الدقة أي شيء عنه. ويؤكد المؤلف انه مقتنع بأن صدام لا يزال حياً يرزق، ويعزو ذلك الى المقاومة التي أظهرها شعبه، ولم يكن ذلك ليحدث إذا كان صدام ميتاً. ويطرح المؤلف سبباً آخر لاعتقاده يؤكد من خلاله ان صدام لايزال حياً وهو انه لو كان صدام ميتاً لحدثت معارك وفتن بين أفراد أسرته وعائلته حول الميراث، حيث ان صدام له ثلاثة اخوة غير أشقاء يعتبرون أنفسهم ورثة شرعيين له! ويخلص المؤلف إلى ان خطة صدام هي عدم الظهور علانية، فبعد ان قصفت القوات الأميركية مخبأه بالصواريخ، لن يغامر بالظهور مرة أخرى لأن المخابرات الأميركية تتعقبه، وأصبح يعلم بأنه محاط بشبكة واسعة من الجواسيس. يقول المؤلف: في الحرب النفسية فإن الضربة القاصمة التي وجهتها قوات التحالف الى صدام كانت الضربة الجوية لسبب ان صدام أصيب فيها، لكن لأن هذه الضربة أثارت العديد من الشكوك والتساؤلات في ذهنه: كيف عرف الأميركيون مكاني؟ هل هناك خونة في الدائرة الداخلية الضيقة حولي؟ كيف استطاعت وسائل الاتصال تحديد مكاني؟ أي أمان هذا الذي أعيش فيه؟ هذه الأسئلة وما شابهها مضت تنخر في عقل صدام. ويؤكد المؤلف ان صدام قد أصيب بصدمة من الطريقة التي بدأت بها الحرب، فقد قامت هذه الحرب ضد صدام شخصياً، وهذا شيء مختلف تماماً عما واجهه طوال السنوات الأخيرة وهو لا يحب أن يكون هدفاً. البداية المبكرة يبدأ مؤلف الكتاب بتعقب السيرة الذاتية لصدام منذ ولادته، فيشير الى ان الصبي صدام حسين عاش في فقر مدقع في قرية غاية في الفقر تقع على ضفاف نهر دجلة قرب مدينة تكريت. وبعد سنوات من ولادته أصبح صدام يتيماً وذهب ليعيش مع خاله الذي تولى رعايته وتعليمه. ولسنا في حاجة الى التعمق في دراسة علم النفس لكي نعرف مدى تأثير هذه الظروف على نشأة هذا الطفل وتطور حياته. وشأن الطاغيتين هتلر وستالين اللذين تغلبا على ظروفهما الصعبة في بداية حياتهما، واستطاعا الوصول الى مقاليد الحكم في ألمانيا وروسيا، كذلك استطاع صدام ايضاً أن يعلو على نشأته الفقيرة ليصبح سيد العراق بلا منازع. وكانت أصوله المتواضعة والفقيرة بمثابة قوة دافعة لتحقيق طموحاته، لكن الشعور بعدم الأمان الذي لازمه طوال طفولته المعذبة جعله غير قادر على امتداد حياته أن يثق في أي شخص حتى أقرب المقربين إليه. وبتلك الظروف القاسية التي عاشها صدام في طفولته، فإنه ـ كما يقول المؤلف ـ يستحق التقدير لتغلبه على هذه الظروف والعقبات الاجتماعية لكي يصل إلى أعلى قمة هرم السلطة في العراق. ولد صدام حسين في قرية العوجة وسميت بهذا الاسم بسبب موقعها على جزء ملتو من نهر دجلة على بعد ثمانية كيلومترات جنوب تكريت شمال وسط العراق، وكانت هذه القرية عبارة عن مجموعة من الاكواخ المصنوعة من الطمي وبعض البيوت التي عاش ساكنوها في فقر مدقع، لم يسمع سكان هذه القرية عن كثير من الاشياء التي تشكل جزءا من حياة كثيرين مثل المياه الجارية او الكهرباء او الطرق المعبدة، وعلى الرغم من ان هناك بعض ملاك الاراضي يعيشون في تلك القرية الا ان القرية نفسها كانت قاحلة، وكانت نسبة الوفيات مرتفعة بين الاطفال، ومجرد توفير القوت اليومي للحياة كان يتطلب الكدح طوال اليوم. وكانت الأراضي الشاسعة الواقعة في منطقة الهلال الخصيب تنتج العديد من المحاصيل مثل الارز والذرة والخضروات والتمر والعنب كما ان ملاك هذه الاراضي الذين كانوا يسكنون بالقرب من تكريت او في ضواحي بغداد كانوا يحظون باحترام شديد في المجتمع العراقي الذي كان مجتمعا اقطاعيا. كانت وظيفة سكان قرية العوجة الفقراء هو توفير العمالة الرخيصة للعمل كأجراء في هذه الاراضي او كخدم في تكريت، ولم تكن هناك مدارس في القرية وكان الرجل الثري يرسل ابنه الى المدرسة في تكريت، لكن غالبية سكان القرية لم يقدرون على ذلك وان اطفالهم الحفاة تركوا وشأنهم. وفي حين ان معظم سكان القرية تم توظيفهم في هذه الاعمال الدنيا، الا ان بعضا منهم فضّل عدم العمل واللجوء الى بعض الانشطة غير القانونية، مثل السرقة والقرصنة والتهريب. ومن الناحية التاريخية، فان العوجة كانت ملجأ ومأوى لقطاع الطرق الذين كانوا يسرقون المراكب التي تحمل البضائع بين الموصل وبغداد بطول نهر دجلة احد اهم الشرايين التجارية في العراق، وكان قطاع الطرق ينشطون في فصل الصيف عندما تضطر المراكب الى ان تسير ببطء، كما انتشرت في القرية سرقة الدجاج والبيض والمنتجات الحيوانية من المزارع المجاورة. موعد الغموض رسميا ولد صدام في 28 ابريل 1937 ومن اجل توثيق هذا التاريخ جعله صدام اعتبارا من عام 1980 عطلة قومية، واذا عرفنا طبيعة المجتمع العراقي الخاصة بالمواعيد في ذلك الوقت، فسوف تصيبنا الدهشة اذا علمنا من بعض الاشخاص الذين عاصروه وفي بعض المناسبات الاخرى ان صدام حسين ربما يكون قد ولد عام 1935 او عام 1939. ففي ذلك الوقت كان تسجيل المواليد والوفيات والزواج يتم بطريقة بدائية، وكانت السلطات تسجل المواليد من ابناء المزارعين في الاول من يوليو من كل عام ايا كان يوم مولده ولهذا السبب فان احدى وثائق السيرة الذاتية لصدام حسين تحمل تاريخ 1/7/1939. وفي الواقع كما يقو ل المؤلف ـ فان صدام حصل على تاريخ ميلاده الرسمي من صديقه عبد الكريم الشيخلي الذي تحدر من اسرة غنية ومعروفة في بغداد، والذي كان يتمتع بميزة ان له تاريخ ميلاد رسميا وموثقا في شهادة رسمية وكان صدام دائم الغيرة منه لهذا السبب. ببساطة شديدة قام صدام بوضع اسمه مكان اسم الشيخلي. واصبح معروفا لدى العراقيين ان صدام قام بتغيير سنة ميلاده حتى يبدو انه اكبر من سنه، وهو يتقلد المنصب تلو الآخر في صفوف حزب البعث. وهذا يفسر ايضا زواجه من زوجته الاولى، ساجدة، التي ولدت عام 1937 حيث من المعروف انه ليس مستحبا في بعض الاعراف القبلية ان يتزوج العربي من زوجة تكبره في السن. وحقيقة ان صدام لا يستطيع حتى ان يفصح بدقة عن تاريخ ميلاده. تكشف الكثير عن شخصيته، واذا كان تاريخ الميلاد يمكن التنازع عليه فان مكان الميلاد لا يمكن ان يكون محلا للنزاع. ولد صدام في احد الاكواخ الطينية التي يملكها خاله خير الله طلفاح الوطني النزعة الذي اودع السجن فيما بعد لمدة خمس سنوات بسبب تأييده ودعمه للحركة الوطنية العراقية ضد الانجليز خلال الحرب العالمية الثانية وكان صدام من قبيلة سنية مسلمة تنتمي الى قبيلة بو ناصر التي كانت مسيطرة في منطقة تكريت . وكان الولاء القبلي احد الاشياء التي لعبت دورا مهما في تصعيد صدام الى السلطة. وفي الثمانينيات كان نحو ستة اشخاص من قبيلة بو ناصر من بينهم صدام ـ يحتلون مناصب حكومية رفيعة. مسيرة شائكة على مدى اربعين عاماً، استطاع صدام حسين ان ينتشل نفسه من واقع طفل فقير حد البؤس ليصبح حاكم العراق بلا منازع. كان من الممكن ان يضيع صدام في خضم الحركات الثورية والانقلابات في محاولة للوصول للحكم، بعد ان نصب الانجليز نظاما صوريا في بغداد عام 1922، تسلق صدام السلطة الى ان اصبح الرجل الثاني في حزب البعث وقد أراد البعثيون ان يصلوا الى تملك ناصية التقنية الحديثة وخاصة التقنية الخاصة بالحروب. وفي الوقت نفسه كانوا يرفضون حكم الماركسيين وقاموا مرتين في فترة الستينيات بمحاولة انقلاب للاطاحة بحكومة رأوها تجسيدا للفساد. الانقلاب الاول كان عام 1963 وكان ذلك بمساعدة جنرالات عراقيين ساخطين الى جانب المساعدة الاكبر والاهم من وكالة الاستخبارات الاميركية التي رحبت بخط حزب البعث المعادي للشيوعية، كان الانقلاب دمويا وحل نكبة على البعثيين. هؤلاء الجنرالات كانوا يمثلون القوة لهذا الانقلاب ثم قاموا فيما بعد بمحاولة الاطاحة بالرئيس عبد السلام عارف ودخلوا السجن ومن بينهم صدام حسين، لكن خلال سنوات قليلة استطاع البعثيون تجميع انفسم مرة اخرى تحت زعامة احمد حسن البكر الذي كان الاب الروحي السياسي لصدام وأحد ابناء عشيرته. الانقلاب الثاني كان اقل دموية من سابقه وحقق نجاحا عن سابقه حيث اصبح احمد حسن البكر رئيسا للعراق في 17 يوليو عام 1968 ووضع صدام في منصب رئيس الامن الداخلي لحزب البعث وذلك تأكيدا على الروابط التكريتية التي تجمع بينهما، واعجابا بالصرامة التي كان يتمتع بها صدام،(الذي كان من الأعمال السياسية التي قام بها بعد عشر سنوات اغتيال مسئول شيوعي في تكريت). في ذلك الوقت اراد البكر ومستشاروه التأكد من ان الجنرالات الذين اوصلوهم للحكم لن ينقلبوا عليهم. وكان هذا ا لانقلاب داخل الانقلاب يتطلب براعة ومكراً وشراسة، فاتجهوا الى صدام، الذي بادر بترشيح اثنين من القادة للاطاحة بهما، هما عبد الرزاق نايف رئيس الوزراء وابراهيم داود وزير الدفاع . عندما غادر داود بغداد لتفقد قواته في الاردن بعد 12 يوماً من الانقلاب اعادت هذه القوات الموالية للبكر وزير الدفاع الى بغداد مرة اخرى وبعد فترة وجيزة ذهب داود الى منفاه في المملكة العربية السعودية. في اليوم التالي تمت دعوة نايف على الغداء في القصر الرئاسي واثناء الغداء دخل صدم حسين وفي يده بندقية ومعه اثنان من الحراس وقال لنايف سيكون ابناؤك في مأمن ما لم تمثل اي خطر علينا. وبعد ان اعطى صدام محاضرة لرئيس الوزراء حول الخطأ الذي ارتكبه بفرض نفسه على الحكومة الجديدة، اصطحبه الى المطار لكي يستقل الطائرة الى المغرب للعمل كسفير ضد رغبته. وفي الطريق الى المطار وفي السيارة التي كان يركبها مع نايف جلس هذا الرجل نصف المتعلم والذي فشل بالالتحاق بالجيش واضعا المسدس في خصره محذرا نايف، رئيس الوزراء والرجل العسكري المرموق من ان اي حركة سيقوم بها ستكلفه حياته، ثم اجلسه في الطائرة بنفسه، وبعد ان خرج من الطائرة اخذ صدام يبكي بصوت مرتفع! عالم المكائد يقول المؤلف: ان هذه الدموع لم تكن دموع الندم ولكن دموع الارتياح فلو كان نايف ورجاله المخلصون يدركون ما يحدث حولهم لكان صدام لقي مصرعه في الحال وطرد البعثيون من الحكم. وبدلا من ذلك وبمساعدة صدام حسين اكتسب البكر سيطرة كاملة على الجيش. وبدأت المكائد تظهر علنا امام العالم، واستطاع صدام ان يقضي على كل من يشك فيه وتبنى افكار ستالين الشهيرة ومن بينها مبدأ «اذا لم يكن هناك اي شخص فلن تكون هناك اية مشكلة». وكان نايف ـ في رأي صدام ـ هو الشخص الذي يمثل مشكلة وبعد عشر سنوات وبالتحديد في عام 1978 لقي نايف مصرعه في لندن بأوامر من صدام. وقائمة الذين لقوا نفس المصير على يد صدام طويلة. آخرون في حزب البعث ادركوا اخيرا انهم لن يستطيعوا ان يكبحوا جماح صدام. فعندما اعلن البكر اعتزاله الحكم عام 1979 عين صدام حسين نفسه رئيسا للعراق ورئيسا للاركان. وبالحكمة (!) التي استمدها صدام من ستالين، قام بالتخلص من زملائه ورفاقه واحداً تلو الآخر غدراً واغتيالاً.. كان يتم اعدامهم أمام أعين زملائهم المرتعدين الخائفين. مجرد أمثلة والحديث عن حالات القتل والاغتيال والغدر والخيانة طول حكم صدام لا ينتهي لكن الأمثلة السابقة واللاحقة لا تعدو ان تكون مجرد أمثلة. خلال اجتماع لمجلس الوزراء عام 1982 اقترح وزير الصحة ان يتقاعد صدام عن الحكم ويعود البكر مرة أخرى رئيساً للعراق للدخول في مفاوضات للسلام مع ايران بدلاً من شبح الحرب التي ستكون كارثة على البلدين. بهدوء شديد دعا صدام وزير الصحة للخروج من القاعة معاً لكي يناقش معه هذا الاقتراح على انفراد. وبعد ان أطلق عليه النار وأرداه قتيلاً، عاد صدام ليواصل في هدوء رئاسته لاجتماع مجلس الوزراء من دون تعليق. ويقول المؤلف ان بعد هذا الاقتراح الذي كلّف صاحبه حياته، قام بتعيين طبيب قام بدوره بحقن البكر بالانسولين حتى يصاب باغماءات متكررة لا يستطيع بعدها أن يرشحه أحد بالدخول في مفاوضات أو شيء من هذا القبيل يعكر صفو رئاسة صدام. وفي الثمانينيات عندما قام البعض في الولايات المتحدة باحتضان صدام ومساعدته باعتباره أملاً في تحقيق الاستقرار في منطقة الخليج أحدث صدام نوعاً من الهدوء في العراق حيث قام بتصعيد أبناء عشيرته تكريت الى الحلم وقام بقمع الشيعة في الجنوب والأكراد في الشمال حيث قام بترويع الأكراد عن طريق قصفهم بقنابل الغاز رجالاً ونساء واطفالاً وذلك في القرى المتمردة. في عام 1983 قام دونالد رامسفيلد الذي شغل في ذلك الوقت منصب المبعوث الخاص للشرق الأوسط في ادارة الرئيس ريغان والذي يشغل حالياً منصب وزير الدفاع، قام بزيارة صدام حسين من منطلق الصداقة. ويقول المؤلف انه لمن السخرية ان رامسفيلد الذي قاد الحملة للاطاحة بصدام قبل أسابيع هو نفسه الذي لعب دوراً مهماً في اخراج العراق من عزلته السياسية في الثمانينيات. لكن العلاقات الوثيقة بين العراق والولايات المتحدة تمزقت في أواخر الثمانينيات وحتى العام الماضي عندما قام صدام بغزو الكويت عام 1990 واستمر في صراع مع الولايات المتحدة لمدة تزيد على عشر سنوات، ومن ثم دخل النفق الذي قاده الى النهاية. تأليف: كون كوفلن

Email