الأوروبيون ليسوا من الزهرة والأميركيون لم يهبطوا من المريخ، العواصم الأوروبية يجتاحها شعور عميق لم يأت من فراغ بالقلق إزاء واشنطن

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاربعاء 13 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 14 مايو 2003 نعيش أوقاتاً صعبة، فالحرب على العراق ومما جلبته من معاناة وخسائر في الأرواح البشرية تؤجج العواطف، وتزيد المشاعر حدة واحتداما، انها اوقات صعبة، نعم لكنها أيضاً أوقات تأمل ينبغي أن تتسم قبل كل شيء بالوضوح. الرئيس الاميركي الاسبق جون فيتزجيرالد كيندي قال ذات مرة: «نحن الأميركيين لا نعتبر أوروبا واحدة وموحدة ومنافسا قويا، بل نعتبرها شريكاً لنا، ولم يقف الأمر بالنسبة لكيندي عند هذا الحد، وانما وصل الامر به حد اقتراح إعلان تبعية متبادلة بين «الاتحاد الجديد الناشيء في أوروبا مع الاتحاد الاميركي القديم». ولاشك في ان هذا يعكس مشاعر رائعة من الصعب العثور عليها في أيامنا هذه. شكَّل الوضع الحالي هدفاً لتحليلات لا تعد ولا تحصى حول اختلافاتنا، مثل التحليل الذي يقدمه روبرت في كتابه «الفردوس والقوة.. اميركا وأوروبا في ظل نظام عالمي جديد» والذي يحاول ان يضفي طابعاً شعبياً على أفكار حاذقة، الأمر الذي لايبدو سهلاً، حيث لم تنقض المبالغات ولا التبسيطات التي تسلط الضوء على مشهد يوحي بأن الاوروبيين والاميركيين لا يعيشون في قارتين منفصلتين فحسب، بل في كوكبين مختلفين، متجابهين بإدراك مختلف تماما للعالم، وكأن الاوروبيين قدموا من كوكب الزهرة، مما يعني حسب المنتقصين انهم جبناء وضعفاء سياسياً وعسكرياً. وعلى عكس ذلك، فإن الاميركيين قادمون من المريخ، اي انهم جبابرة وفحول وديناميين، الأرض التي يسيطر فيها الوضوح الاخلاقي والفعل الحاسم، لكن في العالم الحقيقي يوجد كوكب واحد، هو الأرض، حيث نتقاسم الحاضر، وعلينا بناء المستقبل. لماذا تبدو مقترحات التبعية المتبادلة بالنسبة للرئيس كيندي خارج السياق الى هذا الحد في يومنا هذا؟ وهل نواجه حقاً أزمة في العلاقات بين شاطيء الاطلسي؟ إذا قمنا بتحليل الوضع بمنظور جدي فسوف نتيقن من ان تلك ليست المرة الأولى في التاريخ الحديث التي باعدت فيها وجهات النظر بين جانبي الاطلسي، حيث لم يكن الأوروبيون دائماً الأكثر شرعية ودهاء، فقبل ايام قلائل فقط، جرت في المحيط الهندي عملية جسورة بشكل حقيقي وذلك عندما كانت سفينة تشق طريقها في اعالي البحار وتصدت لها طائرة مروحية، تلك السفينة كانت تنقل صواريخ من كوريا الشمالية الى اليمن. والذي حدث هو أن خبراء بلد آخر قرروا أن هذا العمل كان غير قانوني، وبالتالي يجب اجهاضه، ومن هم الذين تصدوا للسفينة كانوا أوروبيين وعلى وجه التحديد كانوا من الاسبان بالصدفة، ومن الذي اصر على وضع حد للعملية استناداً للمعايير القانونية الدولية؟ انها حكومة الولايات المتحدة الأميركية. نجد أنفسنا نحن من نمثل كلا جانبي الاطلسي متحصنين خلف متراس منيع من وجهات نظر مختلفة، كما اننا نركز انتباهنا للاسف على المسائل الحادة، بحيث لا نعير غالباً انتباها للنقاط المشتركة وللميدان الذي نتقاسمه، مع ان الرأي العام لا يأخذ شكلاً احادياً، ففي الولايات المتحدة هناك من يعارض الحرب تماماً مثلما يوجد هنا في أوروبا من يدعمها. واذا سألنا حول هدف انجاز نزع الاسلحة العراقية في مكان سؤالنا حول الوسائل المختارة لتحقيق ذلك الهدف، فسنجد انفسنا امام تقاطع كبير لوجهات النظر. وإنطلاقا من منظور اقتصادي، نستطيع أيضا الوصول إلى نتيجة مفادها ان اقتراح التبعية المتبادلة للرئيس كيندي اصبح واقعاً. فدرجة التكامل الاقتصادي المحققة بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي غير مسبوقة. ومع اننا نتحدث كثيراً عن معاهدة التجارة الحرة لأميركا الشمالية وعن «القرن الآسيوي» لكن الحقيقة هي انه في السنوات الثماني الاخيرة بلغت الاستثمارات الاميركية في هولندا ضعف نظيرتها في المكسيك وبلغت عشرة أضعاف ما وصلت اليه في الصين. والاستثمارات الأوروبية في «تيجاس» هي ضعف مثيلاتها الاميركية في اليابان. في الميدان السياسي، تعززت الصلات ايضا، وسوف اشير في هذا السباق الى الحالة البلقانية. ففي بداية الستعينيات كانت أوروبا مقسمة والأمم المتحدة كذلك والناتو مشلولة وكانت تمر العلاقات بين شاطيء الاطلسي بلحظة سيئة، وكانت منطقة البلقان مسرحاً للمآسي والفظاعات. في الوقت الحالي، اصبح المشهد العام مغايراً تماماً، حيث يتمتع التعاون بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بالثبات، وحيث تلعب الأمم المتحدة دوراً نافعاً للغاية في دعم الجميع. لماذا يراودنا هذا الشعور إذن، اذا كنا قد تمكنا من العمل جيداً في بعض الميادين؟ لاننا نمر بلحظة حاسمة. ونحن لا نجافي الحقيقة إذا قلنا اننا نعيش لحظة تاريخية حاسمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وأنا على اقتناع بان هذا التأكيد هو اليوم أكثر يقينية من أي وقت مضى. فنحن الأوروبيين يجتاحنا شعور عميق بالقلق والاضطراب. اما الحرب على العراق فهي جديدة بشكل كامل ويمكن لها ان تكون الأولى في العصر الجديد، إذ أن الامر يتعلق باستعراض دراماتيكي للسيطرة الاميركية في لحظة تشعر الولايات المتحدة انها منيعة اكثر من اي وقت مضى، ومع ان المسألة بالنسبة للاميركيين تتعلق بالحرب الاستباقية الا ان الكثير من الاوروبيين يتساءلون عكس ذلك ويشككون في انه لم تكن هناك امكانية للحيلولة دون وقوع الحرب وفي ان جميع الخيارات قد استنفدت من اجل الحل السياسي. لقد قسمت الازمة العراقية الاتحاد الاوروبي والناتو والامم المتحدة، وفي بعض الحالات فصلت الحكومات عن شعوبها. والحكومات الاوروبية التي دعمت الحرب فعلت ذلك في مواجهة رأيها العام، معرضة نفسها لحظر سياسي كبير، حيث لم تقنع حجج الولايات المتحدة الغالبية العظمى من الأوروبيين، ولقد علقنا في «مبادلات صرفة» لوجهات النظر بحيث لم نكن نتصور أبداً انه يمكن ان المواجهة يمكن ان تبلغ هذا المستوى، لكن الحرب تضعنا جميعاً أمام قضية جدية جداً: كيف يتم تناول تهديد انتشار اسلحة التدمير الشامل. في هذا الجانب من الاطلسي، تسبب لنا الانقسامات كرباً كبيراً نريد له ان ينتهي، لكن يتعين ان لا يخلط رد الفعل الأوروبي مع العدوانية او مناهضة الاميركيين السلمية، ذلك انه يجب توفر امكانية ان نكون غير متفقين وسنواصل في الوقت نفسه كوننا شركاء وأصدقاء. لذلك علينا مواصلة العمل من اجل ترميم الحوار الحضاري والرؤية المشتركة. علينا ان نكون قادرين على استغلال الفرصة التي تقدمها لنا التطورات الراهنة حيث لدينا امكانية ايضاح قضايا عميقة يتعين علينا ايجاد الحلول لها سوياً اذا اردنا بناء علاقة بين شاطئي الاطلسي مستعدة لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين. بعض هذه القضايا، لا أكثر ولا أقل، تخص النظام العالمي الجديد. والقضية الاولى التي تلفت انتباهي هي ان مشكلات عالم اليوم هي مشكلات مشتركة: اسلحة دمار شامل، ارهاب، فقر، دول ميتة، ازمة الشرق الاوسط.. وجميعها يؤثر بشكل عميق سواء على أوروبا أم على الولايات المتحدة. وتقع اوروبا اكثر من الولايات المتحدة في مرمى صواريخ قادمة من بلدان معادية بشكل كامل يمكنها حتى ان تحمل اسلحة دمار شامل، كما اننا نعاني وكنا قد عانينا من الارهاب لسنوات طويلة. صحيح أننا لم نتعرض لهجوم كارثي بحجم ذلك الهجوم الذي بدل أميركا بشكل عميق في الحادي عشر من سبتمبر، لكن يمكن أن نكون ضحاياه في أي لحظة. الازمة الكبيرة في الشرق الاوسط، التي تؤثر بطريقة مختلفة على المنطقة بكاملها، من افغانستان حتى المغرب، شكلت منذ سنوات احد الموضوعات المركزية في العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا، فمع ان الولايات المتحدة هي القوة المسيطرة في الشرق الاوسط منذ الحرب العالمية الثانية الا ان هذه المنطقة جارتنا وكل ما يحدث هناك له وقع كبير في أوروبا ، ولقد عملنا سوياً لحل هذه الازمة. فقبل عامين كنت عضواً في لجنة ميتشل، وكانت الاقتراحات التي قدمناها جيدة وكنا نعرف باي اتجاه كان يجب التقدم. لكن بقي القطار متوقفا في المحطة، بينما سقط أكثر من 2000 شخص. لذلك نقول أن هذه هي لحظة كسر هذه الدينامية والبدء بتغييرها، ولذلك أيضاً، تسلمت برضى الاعلان الذي طرحه بوش حول «خارطة الطريق» وهذه هي لحظة وضعها قيد التنفيذ. لكن المشكلات المشتركة تتطلب حلولاً مشتركة، فالأمر لا يتعلق بان تكون الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي مدرجان في الحل. ذلك اننا بحاجة الى مساعدة اليابان وروسيا والصين وبلدان أخرى لمواجهة هذه القضايا، اذ لا يمكنني تخيل اننا قادرين على فعل ذلك من دون ان نتقاسم الاهداف ونوفر تعاوناً وتنسيقاً بشكل أكبر. كيف نستطيع استعادة فكرة ذلك الهدف المشترك؟ مع التزام متجدد بالمباديء الاساسية الاربعة التي شكلت القاعدة لعلاقتنا منذ 50 عاماً خلت. أولاً علينا الاعتراف باننا حلفاء وشركاء، وان كلينا قام بمساهمات واضحة ونافعة، على أن نواجه الاسباب الحقيقية للمشاكل. وليس الوقوف عند اعراضها فقط. وأخيراً ان نتصرف متحدين لصالح عالم يقوم على معايير مشتركة ومقبولة من قبل الجميع. واذا كنا حلفاء وشركاء، علينا بناء علاقتنا على هذا الاساس حيث عليك معاملة أصدقائك كحلفاء وعليهم الاستجابة لك ايضا. والتحالفات تسمح لاضفاء الشرعية على القيادة مقدمة خلفية للحديث والاستماع من اجل تحديد مهام مشتركة وشكل جعلها حقيقية. فالتحالف يجب ان يحدد المهمة في كل حالة. الامر الذي يجب الا يعني عمليا اعتراض (فيتو) أوروبي على المبادرات الاميركية. ذلك هو افضل رهان من اجل ترميم هدفنا المشترك. ومع ان الخيار يمكن ان يقوم على اساس اختيار الشركاء كما يتم اختيار الادوات النافعة في صندوق عدة، الا ان غالبيتنا تفضل اعتبارها «حلفاء» أو «شركاء» بدل ان تكون مجرد عدة في صندوق. وكي تكون التحالفات والشراكات فاعلة، فانها تحتاج الى امكانيات فاعلة ايضا، على جميع الاعضاء المساهمة بها، وهذا يجب ان يمثل مبدأنا الثاني: المساهمة كحليف كي تعتبر حليفاً. وأوروبا كانت محل انتقاد شديد في أميركا كونها لم تقم بفعل ما هو كاف في موضوع الدفاع، وبعض هذه الانتقادات مبرر. وانا اقف في صفها عندما أقول ان اوروبا تحتاج الى انفاق اكثر وأفضل. والزعماء الأوروبيون يبذلون جهداً لجعل الامكانيات العسكرية اكثر عملياتية حيث يشكل الامن اليوم مفهوماً متعدد الابعاد وتوفير وضمان السلام والنظام والاستقرار هو اسلوب فعال لوقف سيلان الدم من الجروح. مع علمنا بأن إعادة بناء امة ليس امراً بسيطاً، كما كنا قد تحققنا في افغانستان ومن المؤكد اننا سنشاهد ذلك في العراق أيضاً. المبدأ الثالث له معنى مشترك صرف ويتمثل في انه يتعين علينا استخدام الامكانيات المشتركة كي نواجه الاسباب والاعراض. لكن تطبيق المعنى المشترك لا يبدو سهلاً دائماً. فلقد اشار الرئيس بوش الى انه «علينا مواجهة اسوأ التهديدات قبل ان تظهر، لأنه اذا انتظرنا ان تتجسد مادياً، فإننا سننتظر زيادة عن اللزوم». من وجهة نظرنا، هذا مطبق إلى حد كبير على مشكلات مثل التغيير البيئي او التنمية المستدامة او الاندماج الاقليمي. فنحن نحتاج إلى سياسات نشطة لاستباق هذه المشكلات التي تؤثر كذلك على امتنا بالمعنى الواسع وبالتالي نحتاج إلى تبني استراتيجيات وقائية. ان تحليل الأسباب يعني أيضاً التصرف حول الوسط البيئي الذي يشرك الإرهاب بالحزم نفسه الذي نتصرف به حيال الاخير. ذلك انه لا يوجد اي سبب يبرر الإرهاب، لكن ذلك لا يعني انه علينا تجاهله. وبدون ان نزدري امكانيات اعدائنا، علينا دراسة الدوافع التي تؤدي إلى امتلاكها. علينا ان نقلق بسبب اسلحة الدمار الشامل ولماذا يمكنها ان تصل إلى ايدي الإرهابيين حيث يجب فعل كل ما هو ممكن للحيلولة دون ذلك. لكن وكما اثبت لنا بشكل كارثي الحادي عشر من سبتمبر، فإن الدافع هو اسوأ سلاح للدمار الشامل حتى لو لم يتمتع بتقنية عالية. وان جعل الاخرين يريدون ما ترغب به انت ربما يكون نافعاً اكثر من جعل الاخرين يفعلون ما تريده انت. ولاثبات ذلك، يكفي ان نضرب مثالاً واحداً. وهو الحفل الذي وقعت فيه عشر دول معاهدات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مؤخراً، وثماني من هذه الدول كانت تشكل جزءاً مما يسمى بالـ «الكتلة السوفييتية». وهذا يعني ان خيار العضوية في الاتحاد الأوروبي يشكل حافزاً كبيراً كي تقوم جميع هذه الدول بتنفيذ تحولات سياسية عميقة في سياساتها واقتصاداتها وانظمتها القانونية. ولقد ساعدناها وشجعناها، لكن الدافع كان يخصها، وهذه هي القاعدة لنجاحها حيث انها لم تتمكن من تغيير نظام الحكم وحسب، بل النظام كله. هذا يقودني الى المبدأ الرابع والاخير: نتصرف سوياً للحفاظ وتوطيد عالم يقوم على المعايير المشتركة والمقبولة من قبل الجميع «تعددية القطبية». فهذه هي أفضل طريقة للقضاء على الدوافع والامكانيات بالنسبة للتدمير الذي نخشاه كثيراً. يلمح البعض إلى وجود فصل بين «القوة»، وسيلة الولايات المتحدة، و«القانون»، وسيلة أوروبا، لكن عملياً القانون والقوة هما وجهان لعملة واحدة. فالقوة ضرورية لتثبيت القانون والقانون هو الوجه الشرعي للقوة. وفي بعض المناسبات كانت البلدان الأوروبية تميل إلى نسيان ان القانون والشرعية الدولية يجب ان تساندهما القوة. وفي الوقت نفسه، كنا قد سمعنا أيضاً أصواتاً في اميركا يبدو انها نسيت ان القوة يجب ان تلقى دعم الشرعية كي تكون فاعلة. لذلك نقول ان الدفاع الحقيقي عن قيم شاطئي الاطلسي تعتمد على قبول ودعم المعايير والمقاييس المقبولة بشكل مشترك. لكن رؤية تقوم على الشرعية والقانونية لا يمكن لها ان تكون محددة لتحرك الولايات المتحدة. فلقد كتب الأميركيون جزءاً كبيراً من القانون الدولي، الذي كان نافعاً لنا كثيراً في مرحلة ما بعد الحرب. لذلك فإن دعم الشرعية الدولية هو أفضل طريقة لاحتفاظ أميركا بموقعها كقوة عظمى مقبولة ويمكنها مواصلة نشر قيمها. خيارات اخرى مثل العزلة أو السيطرة بالقوة، ليس قابلة للحياة على المدى الطويل. لقد التقت مفاهيم مثل القوة والمقاييس والشرعية في الأزمة العراقية حيث لابد لنا من الاعتراف بأن ليس العالم كله يؤمن بأن الحرب شرعية. لكن لابد لنا أيضاً من التأكيد على ان يكون السلام شرعياً. لهذا السبب بالذات هو مهم دور الأمم المتحدة في اعادة الاعمار السياسي. ففي حالة تم عكس ذلك، سوف نواجه ما اسماه هيجل «عجز النصر» مشيراً إلى نابليون في اسبانيا. ان مفهوم القوة نسبي. فالقوة الأميركية هي أيضاً ضعف اوروبي وهي ضرورة لكلا الطرفين، اميركيين واوروبيين، عملية إعادة توجيه مسار هذا التوازن. ومع ان هذا سيستغرق وقتاً طويلاً، لكن بناء الولايات المتحدة تطلب ذلك أيضاً. ومع ان أوروبا مشروعاً مختلفاً، لكن بعض عناصر التقدم المحققة في السنوات الخمسين الأولى من تطورها هي مشهدية أكثر من التقدم الذي احرزته الولايات المتحدة في السنوات المئة الأولى من حياتها، وعلى الرغم من كل شيء، لم تمتلك الولايات المتحدة عملة موحدة حتى عام 1862 ولم تنشيء بنكاً مركزياً حتى عام 1913. انني أدرك انه ليس من السهل دائماً التعامل مع الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك سيكون خطأ ترتكبه الولايات اذا اختارت بين حلفائها الأوروبيين، لأن ذلك يفترض تجاهل ان الاتحاد الأوروبي لديه بشكل جماعي امكانيات يخلو منها أعضاؤه بشكل فردي، والولايات المتحدة قامت تاريخياً بجهود كبيرة لوضع حد للمواجهات بين البلدان الأوروبية. لذلك سيشكل فشلاً للجميع ان نعود اليوم إلى التقاتل. ومحاولة تقسيم أوروبا لا تقدم إلا سبباً لاؤلئك الذين يدعون ان الهوية الأوروبية تتركز في معارضة الولايات المتحدة. ان سياسة «فرق تسد» يمكن ان تصب في سياسة «فرق تفشل». لذلك فإن مانريده هو أوروبا أكثر وليس أميركا أقل. ففي العالم الذي نعيش تحت سمائه لن تجد لا الولايات المتحدة ولا أوروبا حليفاً نتقاسم معه هذا القدر الرفيع من القيم والمصالح. ومع أني لست خبيراً في المادة، لكن حسب الميثولوجيا، فإن المريخ لم يجد السلام إلا بين ذراعي الزهرة، ومن اتحادهما ولدت رفرفة التناغم. بقلم : خافيير سولانا _ ترجمة: باسل أبو حمدة عن «البايس» ـ اسبانيا

Email