الدروس الغائبة عن الاذهان في العراق

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاحد 3 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 4 مايو 2003 في مقالة حديثة تذكرت انه من اجل المضي قدما في حرب ضد اليابان استدعت القيادات العليا الاميركية عالمة اختصاصية في الاخلاقيات هي روث بنديكت، لفهم عقلية شعب كان عليهم اولا الانتصار عليه ومن ثم مساعدته على السير في طريق الديمقراطية ولاحظت في الظاهر ان جورج بوش لم يفعل الشيء نفسه وفي مهلة اسبوعين اثنين تأكدت من دقة هذه الملاحظة. احد دوافع الذهول من القيادات العليا البريطانية والاميركية (الذين يقبلون الآن بأن ما ارادوه ان يكون حربا خاطفة آخذ بالتحول الى شراكة اكثر طولا وكلفة) تمثل في انه كان من المفترض مع بداية الهجوم ان تستسلم تشكيلات عسكرية بكاملها وان تندمج مع قوات التحالف وان يثور الناس في المدن العراقية ضد الطاغية. هذا لم يحدث والتفسير لا يكمن في انه لا الجنود ولا باقي ابناء الشعب اقدموا على التمرد لانهم خشوا من القمع الوحشي من جانب حكومتهم، فاذا قسنا الاشياء بهذا المنطق فسنجد انه ما كان يجب على الايطاليين تنظيم المقاومة لان الالمان شنقوا الناس بينما الحقيقة هي ان الكثير من هؤلاء الناس قرروا الذهاب الى الجبال بسبب القمع على وجه التحديد. من الواضح ان مبدأ من المفترض ان التاريخ علمنا اياه قد غاب عنهم فهو ان النظم المستبدة تحقق اجماعا وانها تدعم نفسها به. في ايطاليا تمت محاولة نفي تأكيد رينزو دي فيليس الذي يقول ان الفاشية لم تقم على حفنة من المتعصبين الذين اضطهدوا 40 مليون من المنشقين فاذا كانت الفاشية قد استمرت عشرين عاما فذلك لانها بالضبط وجدت بطريقة ما ضمن اجماع واسع، ربما كان اجماعا متأصلا في الخمول اكثر منه في الحماس لكنه وجد.الدرس الثاني للتاريخ هو انه في النظم المستبدة خصوصا عندما توجد اشكال للتباين في الرأي اذا حدث صدام حدودي مع عدو اجنبي، تظهر اشكالا تتطابق مع البلد نفسه. فهتلر كان طاغية وحشيا لكن ليس جميع الالمان كانوا نازيين، ومع هذا قاتل الجنود الالمان حتى النهاية وكان ستالين طاغية مستبدا لكن ليس جميع المواطنين السوفييت كانوا شيوعيين ومع ذلك قاوموا بروحهم وحياتهم الجيوش الالمانية والايطالية وانتصروا في النهاية، بل ان الايطاليين الذين انضموا بعد عام 1943 للأميركيين او قاتلوا في المستعمرات تصرفوا في العلمين بشجاعة. يمكننا الاستمرار مع اليابانيين ومع الفيتناميين ومع جميع الامثلة التي تريدون الاشارة اليها لكن أليس من الصعوبة للغاية بمكان فهم ان يستدعي هجوم جيش اجنبي، على الاقل بشكل مؤقت تماسكا للجبهة الداخلية؟ ومع ذلك اكرر انه لم يكن من الضروري ازعاج اساتذة جامعة هارفارد او كولومبيا اذ كان يكفني الاختيار بالقرعة لأي جامعة قصية في الغرب للعثور على شابين او ثلاثة من المعيدين الاختصاصيين في التاريخ او علم الانسان الثقافي على استعداد لشرح حقائق اساسية بهذا القدر.من الصعب القول ان الحرب تنتج ثقافة لان حيل المنطق احيانا (كما كان من الممكن ان يقول هيجل) تكون غريبة فهناك يوجد الرومان وهم يشنون الحرب ضد اليونان ولعلهم كانوا يفكرون في اضفاء الطابع اللاتيني عليها ما يدعو الى الاستنتاج، كما كتب هوراشيو ان «اليونان المهزومة غزت بشكل ثقافي المنتصر البربري» وفي المقابل تنتج الحرب مرات اخرى، بربرية. لكنها اذا لم تنتج ثقافة ألا يتعين عليها على الاقل ان تمر بتأملات ثقافية اولية؟ بكل تأكيد كان ثمة تأمل ثقافي بعيد حملات يوليوس قيصر، وعلى الاقل حتى الامبراطورية، تحرك نابليون عبر اوروبا عارفا اية بواعث للأمل كانت موجودة في البلدان العديدة التي جاء بجيوش الثورة اليها. اتخيل انه كان بامكان غاربالدي ان تكون لديه فكرة حول ضعف القوات الفرنسية والدعم الذي يمكن ان تجده في بعض الطبقات الاجتماعية الصقلية على الرغم من انه في قصص موجزة يظهر انه لا غاريبالدي ولا كافور توقعا ان تظهر في الجنوب فورا مقاومة قوية وذلك الشكل من الرفض الاجتماعي الشعبي الذي عبر عن نفسه باللصوصية. من المؤكد ان خطأ في الحسابات ادى الى ذبح المسكين كارلو بيساكان على يد اولئك الذين انتظر منهم استقبالا حارا، وبما اننا خضنا غمار هذه المواضيع لابد لنا من الاشارة الى ان مأساة الجنرال كوستر ربما تعود الى نقص جدي في المعلومات حول نفسية الهنود. سيكون مفيدا ادراك (من المؤكد انه يحدث وحدث ببساطة، فأنا لست خبيرا بهذا الموضوع) اي حروب شنت بدون ازدراء او بدون تجاهل مساهمة الثقافة واي منها في المقابل كانت ملغمة منذ البداية بتأثير الجهل حيث من البديهي ان حرب العراق تبدو صراعا بدأته الجيوش بدون استشارة الجامعات وذلك بسبب الارتياب القديم من جانب اليمين الاميركي في المثقفين او كما قال سبيرو اغنيو الـ «المنحطين المتعاظمين» انه لمن المؤسف حقا ان البلد الاقوى في العالم ينفق هذا القدر من المال لتدريس افضل عقوله ومن ثم لا يصغي اليها. بقلم: أمبرتو ايكو _ ترجمة: باسل ابو حمدة عن «لاناسيون» ـ الارجنتين

Email