هكذا تحدث .. بولينغر!، بقلم: روبرت صامويلسون

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 2 ربيع الاول 1424 هـ الموافق 3 مايو 2003 نحن من قطاع الاخبار نعاني من عدة مشكلات: تراجع الشهية للاخبار بين جيل الشباب، انقسام بين قيم «الاخبار» و«التسلية»، ارتياب الناس في نفوذنا وموضوعيتنا. لكن الآن لدينا مشكلة جديدة، أو بالاحرى مصدر ازعاج جديد يتمثل في شخص لي بولينغر، فهذا الرجل الذي يشغل منصب رئيس جامعة كولومبيا، مقر جوائز بوليتزر وكلية كولومبيا للصحافة، يتصور انه مخلص الصحافة العظيم. انه سوف يرتقي بمستوانا جميعاً من خلال تطوير مناهج الكلية واعطاء مثال ملهم للجميع.. ما عدانا! ترقى رؤية بولينغر الى مستوى الصحافة المتكبرة، صحافة يكتبها النخبة للنخبة وهو يعتقد ان معظم الصحفيين يجب ان تكون لديهم اوراق اعتماد في الجامعات ويقترح اطالة فترة آلية التخرج من عام الى عامين. ويقول ان الصحافة يجب ان ينظر اليها ك«مهنة» ـ مثل الطب والقانون والمحاسبة. هذه كلها اخطار رديئة، اذا تم تبينها، فسوف تقلص نفع الصحافة وتزيد الارتياب الشعبي بها، كما ان هذه الافكار قد تفاقم ايضا مشكلة الصحافة المركزية اليوم، وهي فقدان الجمهور. ان الصحافة سواء كانت رديئة ام جيدة، لن تكون لها اهمية كبيرة اذا لم يقرأنا او شاهدنا احد، وهذا يحدث بشكل متزايد. ان بولينغر يسيء فهم التهديدات التي تواجه قطاع الاخبار فهو يلمح الى الخوف من ان يؤدي تركيز الملكية الى تضييق افق المناظرات العامة. هذه هي النظرة الرائجة فكرياً هذه الايام وهي خاطئة ايضا. ففي واقع الامر، ان لا مركزية النفوذ ـ مضاعفة مصادر الاخبار والتسلية ـ هي التي تكثف الضغوط التجارية. ومن الديمقراطيات المزدهرة، مثل الديمقراطية الاميركية يجد الناس امامهم خيارات اكثر، ومشكلة وسائل الاعلام الاخبارية ان الناس يتحولون الى خيارات اخرى غير الاخبار. ولذلك فإن اقتراحاته لن تحسن الامور، وافضل طريقة لتعلم الصحافة هي ممارستها، في المقام الاول يحتاج المراسل الصحفي الى عمل يفضل ان يكون لدى رئيس تحرير دقيق ويعرف بالضبط ما يريد، يحاول الصحفي ان يكون دقيقاً وواضحا، سريعاً ومتبصراً. وهذه ليست مهارات نظرية يمكن تعلمها في غرفة الصف، كليات الصحافة في افضل الاحوال هي شر لابد منه فهي تقدم تدريبات اساسية ـ عادة من خلال غرف اخبار زائفة ـ لاتقدمها معظم الصحف ومحطات البث. البعض يحصل على هذا التدريب في صحف ومحطات البث الصغيرة التي تديرها الجامعات المختلفة بجهود طلابها. إذن فكلية الصحافة هي خيار بديل، وليس الخيار الوحيد. لكن بصورة عامة فإن الجامعات هي اماكن لها حصانة خاصة. ومعظم الاساتذة يتمتعون بالامن الوظيفي، ولذلك فإن سياساتهم لا تعكس السياسة الوطنية «أقل من 20 بالمئة من الاساتذة الجامعيين يعتبرون انفسهم محافظين». ويبرر بولينغر الحاجة الى اطالة برنامج التخرج من كلية الصحافة الى عامين في ان ذلك سيوفر قدرا اكبر مما يحتاج الصحافيون البارزون معرفته .. الاحصائيات، مفاهيم علم الاقتصاد الاساسية .. تقدير اهمية التاريخ وادراك المناظرات الجوهرية في الجوانب النظرية والفلسفية الحديثة للسياسة». الكلمة المضلله هنا هي «الصحافيون البارزون» فأنت لا تصبح صحفيا «بارزا» عن طريق الدراسة في كلية الصحافة وافضل طريقة لاكتساب التخمّر الفكري الذي يحتاجه العديد من الصحافيين هي من خلال الفترة التي يقتطعها الصحفي لنفسه في منتصف حياته المهنية للدراسة او السفر ومن خلال البرامج الجامعية (التي يوجد العديد منها). وحتى يومنا هذا، فان سمة الاعتداد بالنفس التي يظهرها الصحفيون تثير امتعاض الناس .. وسيفاقم بولينغر هذه المشكلة باصراره على اننا «مهنة». الصحافة هي عمل وحرفة وفي احيان كثيرة هي هواية. العيب في كلامه هو ان جمهورنا في اكثريته ليس من الاطباء والمحامين ـ ليس من المهنيين ـ والتسمية التي يقترحها تضفي علينا جواً اضافيا من الترفع والتكبّر. يقول بولينغر ان من شأن هذا النعت ان يخلق «معايير وقيماً اقوى» في مواجهة الضغوط التجارية القذرة معظم الصحافيين الجيدين يؤمون بالدقة والاستقلالية والحياد. لكن هذه المعايير النظرية لا تحمي دائما من الصحافة الموجهة، والاثارية (اللجوء الى معالجة المواضيع المثيرة) واللامبالاة. والدوافع البغيضة الرئيسية وراء ذلك هي الطموح ا لشخصي، الضغوطات في مواعيد تسليم المواد الصحفية، المنافسة الاعلامية، الانحياز اللاواعي. ونعت الصحافة بـ «المهنة» لن يفضي على هذه العوامل. والى جانب اخراج المطبوعات والنشرات الاخبارية في الموعد المحدد لها، فان المهمة الرئيسية لرؤساء تحرير الصحف والمحطات التلفزيونية الاخبارية هي استعادة جمهورهم الآخذ بالاضمحلال، وفعل ذلك من دون الافراط في اللجوء الى وسائل التحايل والطرق المختصرة والبلاهات. وهذه قضية اكبر يجب ان تشغل بولينغر ورؤساء الكليات الآخرين، ويوماً عن يوم يزداد عدد الشباب المتجة للدراسة في الجامعات والمعاهد. ومن المفترض ان احدى مهام تلك المؤسسات التعليمية اشراك الطلاب في الافكار والاحداث الكبيرة في عصرهم، لكن ذلك لا يحدث، لماذا، وماذا يجب على الجامعات ان تفعل حيال ذلك؟ ترجمة : علي محمد خدمة «واشنطن بوست» خاص لـ «البيان»

Email