الحقائق تظهر بعد صمت المدافع، من الذي خدع الآخر وراء كواليس الإدارة الأميركية ؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 20 صفر 1424 هـ الموافق 22 ابريل 2003 في الرابع والعشرين من سبتمبر الماضي، وفيما كان الكونغرس الأميركي يستعد للتصويت على قرار يمنح الرئيس جورج بوش حق شن حرب ضد العراق، قامت مجموعة من كبار مسئولي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الـ «سي. آي. إيه» ومن بينهم جورج تينيت، مدير الوكالة، باطلاع لجنة الشئون الخارجية التابعة للكونغرس على معلومات بشأن قدرات الأسلحة العراقية. وقد كان هذا الطرح مهماً لادارة بوش. فقد كان بعض الديمقراطيين يقومون علناً بالتشكيك في ادعاد الرئيس الأميركي بأن العراق لايزال وقتها يملك اسلحة دمار شامل تمثل تهديداً فورياً للولايات المتحدة. وقبل ذلك بيوم، كان نائب الرئيس الأميركي السابق آل غور ينتقد بشدة ترويج الادارة للقيام بحرب استباقية وصفها بأنها اسلوب ومنهج يحلان «فكرة انه ليس هناك قانون غير ما يقرره رئيس الولايات المتحدة» حمل فكرة وجود عالم تعتبر فيه الدول أنفسها خاضعة للقانون. وكان هناك عدد قليل من الديمقراطيين يفكرون كذلك بتقديم قرار بديل للحرب إلى الكونغرس. وطبقاً لما قاله اثنان من هؤلاء الذين حضروا هذا الاجتماع، الذي كان فائق السرية وانعقد في غرفة الاستماع المؤمنة للجنة، فإن تينيت اعلن، كما فعل سابقاً، أن شحنة أنابيب الالمنيوم عالية التحمل التي تم اعتراضها وهي في طريقها للعراق كان الهدف منها انشاء خرازات طاردة تعمل بالضرد المركزي، يمكن استخدامها لانتاج يورانيوم مشع. وكان قد تم في السابق التشكيك في ملاءمة هذه الانابيب للقيام بهذا الغرض، ولكن في تلك المرة ظهرت حقيقة جديدة ومفاجئة دعمت الادعاء بأن العراق لديه برنامج نووي. هذه الحقيقة تمثلت في ان وكالة الاستخبارات الاميركية قد تلقت معلومات توضح انه بين عامي 1999 و2001، حاول العراق شراء 500 طن من اكسيد اليورانيوم من النيجر، هذا البلد الذي يعد واحدا من اكبر منتجي العالم لليورانيوم. ويمكن ان يتم استخدام هذا اليورانيوم الذي يعرف باسم الكعك الاصغر في عمل وقود للمفاعلات النووية. واذا تمت معالجته بشكل مختلف فإنه يمكن كذلك تخصيبه لانتاج اسلحة. ويمكن لخمسة اطنان من هذه المادة انتاج نوع من اليورانيوم يصلح لانتاج قنبلة نووية.عندما طلب من المتحدث باسم «السي اي ايه» وليام هارلو التعليق على هذه الامر انكر ان يكون تنيت قد قام باخبار اعضاء مجلس الشيوخ عن موضوع النيجر.وفي اليوم نفسه في العاصمة البريطانية لندن اعلنت حكومة توني بلير عن حصولها على ملف يحتوي على كثير من المعلومات التي كانت قد اعطيت للجنة مجلس الشيوخ المذكورة اعلاه سرا وهي المعلومات التي تفيد بأن العراق حاول شراء «كميات كبيرة من اليورانيوم من دولة افريقية ـ لم يتم الاعلان عن اسمها ـ على الرغم من انه لا يملك اي برنامج نووي سلمي يمكن ان يتطلب تشغيله هذه المادة» وقد اشار هذا الادعاء موجة من الاهتمام وهو ما دفع صحيفة الجارديان اللندنية الى كتابة عنوان رئيس يقول: «عصابات افريقية تقدم طريقا للحصول على اليورانيوم».وبعد ذلك بيومين اشار وزير الخارجية الاميركي كولن باول اثناء اجتماع مغلق للجنة نفسها الى محاولة العراق الحصول على اليورانيوم من النيجر على انها دليل على طموحاته الحثيثة للحصول على قو ة نووية. وجاءت شهادة تدين تنيت وباول في هذا الخصوص لتهديء من معارضة الديمقراطيين وبعد ذلك بأسبوعين تم تمرير قرار يمنح بوش تفويضا من الكونغرس لشن حرب على العراق، وذلك بأغلبية ساحقة.وفي التاسع عشر من ديسمبر اعلنت واشنطن لاول مرة عن اسم النيجر على انها الدولة التي تبيع مواد نووية وذلك من خلال مذكرة صدرت عن وزارة الخارجية تتساءل عن «لماذا يخبيء النظام العراقي سعيه للحصول على اليورانيوم؟» وقد نفى كل من العراق والنيجر هذه التهمة في حينه وأخبرني مسئول سابق كبير من وكالة الاستخبارات المركزية بأن المعلومات الخاصة بالنيجر تم الحكم عليها بأنها خطيرة للغاية بحيث تم وضعها في وثيقة موجز الرئيس اليومي والتي يشار اليها اختصارا بالحروف «بي دي بي» والتي تعد من اكثر الوثائق الاستخبارية حساسية وسرية من النظام الاميركي. ومن المفترض ان تكون المعلومات التي تحتويها هذه الوثيقة قد تم تحليلها بعناية فائقة وينحصر توزيع التقرير الصباحي اليومي المكون في صفحتين او ثلاث والذي يتم اعداده من قبل السي اي ايه على الرئيس وعدد قليل من كبار المسئولين. ولا يتم اطلاع اي اعضاء من لجان الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ او مجلس النواب على موجز الرئيس اليومي هذا وقد اخبرني احد المحللين من وزارة الخارجية قائلا: «لا اعتقد ان اي شخص هنا يرى هذا التقرير. فأنت تعلم ما بداخل هذا الموجز وحسب وذلك لان اسمه لديه صدى عند الناس ويتحدث الناس عنه». وقد تكلم الرئيس بوش عن صفقة اليورانيوم هذه وكذلك موضوع انابيب الالومنيوم في خطاب حالة الاتحاد في 28 يناير الماضي وأثنى على بريطانيا في هذا السياق بوصفها مصدر المعلومات. فقد قال بوش: «لقد علمت الحكومة البريطانية ان صدام حسين حاول مؤخرا ان يحصل على كميات كبيرة من اليورانيوم من افريقيا. ولم يقم صدام حسين بشكل يمكن تصديق بتفسير قيام بهذه الانشطة. فمن الواضح ان لديه الكثير من الاشياء التي يحاول اخفادها. ثم انكشف زيف القصة، ففي السابع من مارس الماضي اخبر محمد البرادعي، المدير العام لوكالة الطاقة الذرية الدولية مجلس الامن الدولي ان الوثائق الخاصة بصفقة اليورانيوم بين العراق والنيجر كلها كاذبة. وقال: «لقد خلصت الوكالة، وباجماع الخبراء الخارجيين، الى ان هذه الوثائق ليست صحيحة في واقع الامر». وذهب مسئول كبير بالوكالة الى ابعد من ذلك وقال لي: «هذه الوثائق ضعيفة للغاية بحيث انني لا استطيع تصور انها صدرت من وكالات استخبارات حقيقية. لقد أحبطني انه في ضوء فقر المعلومات المطروحة من الوثيقة، لم يتم وقف تداولها. ففي ضوء المستوى الذي وصلت اليه، كنت اتوقع ان تخضع هذه الوثائق لمزيد من التدقيق».وقد قامت وكالة الطاقة بالبحث في صحة هذه الوثائق لاول مرة من الخريف الماضي وذلك بعد وقت قصير من اعلان الحكومة البريطانية عن حصولها على هذه الوثائق. وبعد مرور اشهر ظلت الوكالة خلالها تتوسل للولايات المتحدة للحصول عليها لدراستها، قامت الادارة الاميركية بتسليم الوثائق إلى جاك بوت، مدير مكتب التحقق من القدرات النووية العراقية من الوكالة.ولم يستغرق الامر من فريق بوت الا ساعات قليلة كي يتأكد من ان الوثائق كلها مزيفة. فلقد اعطيت الوكالة حوالي نصف دزينة من الرسائل ومراسلات اخرى بين المسئولين من النيجر والعراق، عدد كبير منها مكتوب على صفحات تحمل رؤوسها اسم الحكومة في النيجر. وقد كانت هناك مشكلات جسيمة من هذه الوثائق. فأحد الخطابات كان بتاريخ 15 اكتوبر 2000 وتم توقيعه باسم أليل هابيبو، وهو وزير الشئون الخارجية، والتعاون في النيجر. وتبين ان هذا الوزير خرج من الخدمة منذ عام 1989. وكان هناك خطاب آخر يقال انه من رئيس النيجر تانجا مامادو، وقد تم توقيعه بشكل ينم عن تزوير واضح، وكان مليئا بالمغالطات الفادحة حتى ان مسئول الوكالة قال ان هذه المغالطات يمكن ان يكتشفها شخص يتصفح على محرك غوغل عبر الانترنت. لقد كان ينبغي ان تكون كمية اليورانيوم الكبيرة المنصوص عليها في هذه التقارير علامة انذار آخر. فالكيك الاصفر» للنيجر يأتي من منجمين لليورانيوم تسيطر عليها شركة فرنسية ويتم بيع انتاجها بالكامل وبشكل مسبق لشركات الطاقة النووية في فرنسا واليابان واسبانيا. واخبرني مسئول آخر بالوكالة انه «لا يمكن ان يتم استقطاع 500 طن من دون ان يلاحظ احد». واخبرني المسئول كذلك بأن الوكالة لم تستطع ان تحدد من هو الشخص الذي قام بالفعل باعداد هذه الوثائق. واستطرد قائلاً: «يمكن ان يكون شخصاً ما قام باعتراض رسائل الفاكس في اسرائيل، او شخصا ما في مقر وزارة الخارجية في النيجر بنيامي فنحن لا نعرف بالتحديد. فيمكن ان يكون هذا الشخص لديه اوراق مراسلات قديمة عليها اسم الحكومة في النيجر وتوقيعات مسئولي الحكومة وقام بعملية قص ولزق ويشك بعض المحققين التابعين للوكالة في ان سبب التفكير في تزوير هذه الرسائل هو الرحلة التي قام بها الوزير العراقي من ايطاليا الى عدة دول افريقية منها النيجر في فبراير 1999. ويشك هؤلاء ايضا ان فرع الاستخبارات البريطانية المسئولة عن العمليات الخارجية والذي يعرف باسم «ام أي 6» تورط في هذا الأمر ربما من خلال اتصالات له في ايطاليا بعد عودة السفير الى روما. وعلى حد قول مسئول وكالة الطاقة فان بوت واجه الولايات المتحدة بالتزوير الحاصل في هذه الوثائق وقال لهم «ماذا لديكم لتقولوه؟» وقال لي مسئول وكالة الطاقة انهم «لم يكن لديهم شيء ليردوا عليه به». ولم يشك اي مسئول في الاستخبارات او من الحكومة الاميركية او البريطانية فيما قاله البرادعي بشأن زيف الوثائق. وعندما سئل كولن باول عن تزييف هذه الوثائق في مقابلة تلفزيونية بعد يومين من اعلان البرادعي للحقيقة، اكتفى بالقول بانه اذا كانت القضية قد تمت تسويتها فإن الامر قد تمت تسويته، وبعد ذلك بايام قليلة واثناء اجتماع في مجلس النواب الاميركي، نفى باول ان يكون هناك اي احد من الحكومة الاميركية له علاقة بما تم من تزوير. وقال باول: «لقد تم التزوير من اطراف خارجية، وتم اعطاء الوثائق للمحققين بنية صادقة وسليمة». وقد كانت قضية التزوير والسرقة هذه مثار تساؤلات مريرة انتشرت على نطاق واسع حول مصداقية الولايات المتحدة الاميركية. ولكن في بداية الامر أثار الموضوع قصصاً خبرية قليلة في اميركا وبعض التساؤلات حول كيف يمكن للبيت الابيض ان ينخدع بهذه الطريقة ويقر هذا التلفيق الواضح على انه حقيقة. ففي الثامن من مارس نقل عن مسئول اميركي قام بدراسة ومراجعة هذه الوثائق قوله بشأن الواقعة في صحيفة «واشنطن بوست» وبأننا «خدعنا». غير ان اعتماد ادارة بوش على وثائق النيجر هو امر ربما نبع من اكثر من مجرد مبالغة سياسية أو عدم اكتراث بيروقراطي، فالوثائق المزيفة والاتهامات الباطلة كانت ولاتزال عنصراً في السياسة الاميركية والبريطانية تجاه العراق على الاقل منذ خريف 1997 وذلك بعد احدى المشكلات حول مفتشي الامم المتحدة، واثناء تلك الفترة، كما هي الحال الآن، كان مجلس الامن منقسماً على نفسه، حيث كان الفرنسيون والروس والصينيون يخبرون اميركا وبريطانيا انهما يتبعان طريقة قاسية بشكل مفرط في التعامل مع العراقيين وبعد ان ضعف مركزه بسبب تهديدات اسقاطه من السلطة على خلفية فضائح اخلاقية ألمح الرئيس السابق بيل كلينتون الى اللجوء الى قصف مجدد للعراق، غير ان الاميركيين والبريطانيين، كما هي الحال الآن ايضا، كانوا يخسرون آنذاك معركة الرأي العام الدولي وقال لي مسئول سابق في ادارة كلينتون ان لندن لجأت ـ بين اشياء اخرى ـ الى نشر معلومات كاذبة عن العراق. وكان برنامج الدعاية الكاذبة البريطاني معلوماً لعدد قليل من كبار المسئولين في واشنطن، وقال لي المسئول عن جهود البريطانيين في هذا الصدد: كنت اعلم ان هذا الامر يجري حدوثه، لقد كنا نبتعد لعمل شيء في العراق وكنا نريد من البريطانيين ان يستعدوا!!وخلال العام التالي قال لي مسئول سابق في الاستخبارات الاميركية انه على الاقل قام عضو واحد من فريق التحقيق التابع للامم المتحدة كان من ضمن مؤيدي الموقف البريطاني والاميركي باعداد عشرات من التقارير والتحذيرات الاستخبارية غير المؤكدة والتي لا يمكن ان تثبت صحتها ـ وهي كلها بيانات تعرف باسم معلومات استخبارية غير موجبة لاقامة دعوى ضد بغداد، وارسالها الى مسئول «ام أي 6» وتسريبها بهدوء الى الصحف في لندن ودول اخرى، يقول المسئول: لقد كانت معلومات رديئة لا يمكن ان نتحرك من خلالها، غير ان البريطانيين ارادوا ان يلفقوا قصصاً في بريطانيا وحول العالم. وقد كانت هناك سلسلة من الاجتماعات السرية مع مسئول «إم اي 6» تم خلالها تقديم وثائق بجانب عقد اجتماعات هادئة كان من المعتاد ان تتم في منازل آمنة في منطقة واشنطن، وحدث ان علم بعض اعضاء فريق التفتيش الدولي على العراق في النهاية بمشروع الدعاية البريطانية ضد العراق. وقد اعترف مسئول لايزال يعمل في مقر الامم المتحدة الاسبوع الماضي قائلاً: لقد كنت اعلم ببعض ما يحدث ولكن لم يتم ابداً ابلاغي رسمياً بالامر.ولم يصرح احد ممن التقيتهم من المسئولين السابقين او الحاليين بشكل قاطع أن الوثائق المزورة، تم تلفيقها او نشرها عن طريق مكتب الدعاية في «إم اي 6» الذي كان يلعب دوراً في حروب الدعاية التي استهدفت العراق في اواخر التسعينيات. وقد رفض مصدر في «إم اي 6» التعليق على الامر، وألمحت التقارير الصحافية في اميركا وبلدان اخرى الى امكانية وجود مصادر اخرى يمكن ان تكون وراء ترويج هذه الوثائق الملفقة، من بينها الجماعات العراقية المعارضة في الخارج، والايطاليون والفرنسيون، وقال لي احد اعضاء لجنة الاستخبارات في الكونغرس ان الامر الذي تم الاتفاق عليه بشكل عام هو ان الوثائق تم توزيعها في البداية عن طريق البريطانيين ـ كما قال الرئيس بوش في خطاب حالة الاتحاد ـ وان «البريطانيين اضافوا اليها اشياء اكثر من الاشياء التي اضفناها نحن»، على حد قول المسئول نفسه. وكان من الواضح ايضاً، كما اخبرني المسئول نفسه، ان «شيئاً غريباً مثل موضوع النيجر هذا، يثير شكوكاً في كل مكان». ولكن ماذا حدث؟ هل نجحت محاولات دعائية رديئة وفقيرة من قبل الاستخبارات البريطانية التي كانت ممارساتها معلومة منذ سنوات لكبار المسئولين الاميركيين، ان تصل من دون ان تواجه اي مشكلات كبيرة الى الدهاليز العليا للاستخبارات الاميركية، والى اكثر تقارير الرئيس سرية وخصوصية واهمية؟ ومن الذي سمح لهذه المعلومات بأن تضمن في خطاب حالة الاتحاد؟ فهل توصيل رسالة التهديد الذي كان يمثله العراق امر اكثر اهمية من مصداقية العملية الاستخبارية ومدى استقامتها؟ هل كانت الادارة تكذب على نفسها، ام انها لجأت عن عمد الى توصيل معلومات خاطئة الى الكونغرس والى الشعب الاميركي؟ وعندما طلب منه التعليق، قال هارلو المتحدث باسم الـ «سي اي ايه»، ان الوكالة لم تحصل على الوثائق الحقيقية الا من اوائل العام الجاري وذلك بعد خطاب حالة الاتحاد وبعد اطلاع الكونغرس وبالتالي فإن مسئولي الوكالة لم يكونوا قادرين على تقويم هذه المعلومات في الوقت المناسب. ورفض هارلو ان يرد على اسئلة بشأن دور جهاز «ام آي سي» البريطاني. ولم يفسر بيان هارلو بالطبع لماذا تركت الوكالة مهمة فضح التزييف هذه الى وكالة الطاقة الذرية. وجاءت الفرصة للاستخبارات الاميركية كي تتحقق من صحة تلك الوثائق عندما كانت الادارة تناقش ما اذا كانت ستعطيها للبرادعي ام لا. وقال لي المسئول الكبير من جهاز الاستخبارات ان بعض كبار مسئولي الـ «سي آي ايه» كانوا عالمين بأن الوثائق غير موثوق فيها. ويقول هذا المسئول: «ان الامر لم يكن له علاقة بأن المعلومات هامشية ام لا. فالامر لم يكن متعلقاً بأن المعلومات شبه غامضة او شبه سيئة. لقد كانوا يعلمون ان الامر خدعة وان هذه المعلومات لا فائدة منها. لقد حاول كل فرد منهم ان يكظم غيظه، وقال: «ألم يكن رائعاً ان يقول وزير الخارجية هذا؟ لكن وزير الخارجية لم ير الوثائق قط»، واضاف لي المسئول نفسه ان وزير الخارجية كان «صامتاً بشكل كلي حيال الامر». ولم يقدر المتحدث باسم وزارة الخارجية على التعليق على الامر. وقال لي مسئول سابق في وكالة الاستخبارات ان هناك بعض التساؤلات اثيرت في الحكومة من قبل بعض المحللين بشأن مدى مصداقية وثائق النيجر ولكن لم يتم الانتباه الى هذه التحذيرات. واضاف المسئول السابق الكبير في جهاز الاستخبارات قائلاً: «هناك شخص ما قام بشكل متعمد بتسريب هذه الوثائق لتصل الى ما وصلت فلا يمكن ان تصل هذه المعلومات الى ما وصلت اليه من دون تدخل الوكالة، ولذلك فقد تم الامر بشكل متعمد من الداخل فلقد قام شخص ما بخداع شخص ما. وقد رفض البيت الابيض ان يعلق على الامر.وقد كان بالطبع تأكيد واشنطن على ان النظام العراقي فشل في الالتزام بتعهداته للتخلي عن اسلحة الدمار الشامل يعتمد على اكثر من مجرد وثائق قليلة هناك شك فيها وتم الحصول عليها من دولة افريقية صغيرة ولكن حرب بوش على العراق تسببت في قدر هائل من القلق والانزعاج من جميع ارجاء العالم وهو الامر الذي يرجع في جزء منه الى حقيقة ان احد المتحاربين قوة عظمى في حين ان الآخر ليس كذلك فالامر لا يساعد قضية الرئيس الاميركي او موقفه الدولي عندما يقوم مستشاروه باخباره بمعلومات خاطئة سواء بشكل متعمد او بشكل خاطيء. وفي الرابع عشر من مارس طلب عضو مجلس الشيوخ جاي روكفيلر بشكل رسمي من روبرت مولر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي ان يقوم بعمل تحقيقات بشأن الوثائق المزورة وقد كان روكفيلر قد صوت لصالح قرار استخدام القوة ضد العراق في الخريف الماضي، والآن كتب لمولر قائلا: «هناك امكانية في ان تكون عملية تلفيق هذه الوثائق جزءا من حملة خداع اكبر تهدف الى التلاعب بالرأي العام والسياسة الخارجية بشأن العراق» وحث روكفيلر ال«اف. بي. اي» للتأكد من مصدر هذه الوثائق ومستوى المهارة الذي تمت به عملية التزوير ودوافع الذين يقفون وراء هذه العملية ولماذا لم تعلم دوائر الاستخبارات ان الوثائق ملفقة». وقال لي مساعد روكفيلر ان الـ «اف بي اي» وعد بالتحقيق في الامر». بقلم: سيمور هيرش _ ترجمة: حاتم حسين عن «نيويوركر»

Email