أسلوب البلطجة الذي تتبعه واشنطن سيفجر المزيد من العداء لها، بقلم : ناثان غاردلر

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاحد 4 صفر 1424 هـ الموافق 6 ابريل 2003 درجة حدة نزعة معادات اميركا في السنوات المقبلة سوف تعتمد على ما اذا كان سيصار إلى اضفاء الشرعية على نظام ما بعد 11 سبتمبر، ينبغي لذلك النظام أيضاً ان يكون قادراً على تقديم الشكل نفسه من الامن والاستقرار الذي قدمته المنظومة المنهارة للأمم المتحدة وحلف الشمال الاطلسي، على مدار العقود الخمسة الماضية اما اذا كان يخدم المصالح الأميركية وحدها، متجاهلاً مصالح الأمم الأخرى، فانه سوف يفشل في التماسك وسيولد مقاومة من الاصدقاء والخصوم على حد سواء. النظام القديم آخذة بالانهيار بسبب نهوض الإرهاب وانتشار اسلحة التدمير الشامل إلى دول معادية للحضارة الليبرالية. وحقيقة ان التحديات الكبيرة في الماضي القريب ـ من التطهير العرقي في كوسوفو إلى قيام طالبان بحماية تنظيم القاعدة إلى فشل صدام في نزع اسلحته ـ لزم معالجتها خارج اطار الأمم المتحدة تعني ان مؤسسة دولية تقدس السيادة الوطنية وتضعها فوق كل الاعتبارات الاخرى ليس لها فائدة تذكر في حفظ السلام في العصر الجديد ومهما كانت المزايا الاخرى للأمم المتحدة بما في ذلك برامجها الانسانية، فانه في الصعب تصور كيف يمكن لها ان تبقى حجر زاوية في النظام العالمي في المستقبل. وفي هذا السياق يتبنى الصقور الانسانيون رؤية لايمكن تجاهلها. وكذلك فإن مفكرين من المحافظين الجدد مثل ريتشارد بيرل وجين كيركباتريك تساءلوا: لماذا ينبغي اعتبار الأمم المتحدة ـ التي تمتلك فيها دولة مستبدة باعتدال مثل الصين حق النقض «في مجلس الأمن، وتتولى فيها دولة مثل ليبيا رئاسة لجنة حقوق الانسان ـ افضل في تحالف يضم دولاً ليبرالية ديمقراطية عندما يتعلق بالأمر باضفاء الشرعية على استخدام القوة؟ وكذلك فإن حلف الناتو لايمكن ان يكون في قلب النظام الجديد. فنظراً لان التهديد الرئيسي للأمن الاميركي والعالمي لم يعد في أوروبا، بل مصدره الان جماعات ارهابية تسعى لامتلاك اسلحة تدمير شامل، فان تشكيل «شبكة عالمية جديدة في القوى»، سوف يلائم على الارجح المصالح الأميركية. وفي حين انه يتعين على الولايات المتحدة ان تناضل لابقاء أوروبا إلى جانبها في اي مسعى عالمي لاننا نشترك في القيم الليبرالية نفسها «على الرغم من اختلافنا الحاد عن الاوروبيين في تصوراتنا الخاصة بنمط الحياة»، فإن الاتحاد الأوروبي في القرن الواحد والعشرين، الذي يشهد حالة انسجام تام بين فرنسا والمانيا اللتين تعيشان حالة مودة وصداقة مع روسيا، لم يعد بحاجة لحلف الناتو لحمايته من ذاته. لكن لسوء الحظ فإن مفهوم بوش في بناء نظام جديد ولد عدائية اكثر مما ولد تعاطفاً مع الولايات المتحدة ان حق شن حرب استباقية في عصر الإرهاب مبدأ حيوي لامن القرن الواحد والعشرين لكن بشن الحرب ضد العراق بدون تقديم براهين مقنعة على وجود خطر وشيك في نظام صدام، فإن بوش ساعد على اضعاف الثقة في ذلك المبدأ، معززاً بذلك المخاوف من انه سيستخدم كغطاء لاخفاء دوافع خفية. الاضرار الجانبية كانت عظيمة فالصورة التي رسمتها اميركا لنفسها بالنوايا الحسنة والاستخدام المشروع للقوة خلال الحرب الباردة وفترة ما بعد الحرب الباردة اصبحت الآن بحق موضع شكوك كبيرة. وأسلوب البلطجة الذي اتبعته ادارة بوش في حربها مع العراق منح الصدقية لأقبح المشاعر المعادية لاميركا في انحاء العالم، تلك المشاعر، التي يصفها الفيلسوف الفرنسي برنار هنري ليفي بأنها الخيط التاريخي المشترك الذي يوحد الدكتاتورية باشكالها الثلاثة: الفاشية والشيوعية والإسلامية «الإسلام السياسي». وفضلاً عن ذلك الثمن الباهظ الذي تدفعه اميركا جراء هذه الحرب، فإن الخسائر الاقتصادية عظيمة أيضاً. كيف يمكن لأميركا، التي سقطت بسرعة البرق في حالة الفائض التجاري الضخم إلى حالة العجز الهائل، ان تكون مستعدة لانفاق مئات المليارات من الدولارات لفتح العراق ومن ثم اعادة بنائه، في وقت تضطر فيه السلطات إلى اطلاق سراح آلاف الاشخاص في سجون كاليفورنيا وتسريح المدرسين في المدارس العامة بسبب تقليص الميزانيات المحلية؟ وعلى أي حال، فإن الحرب الاستباقية ضد العراق اثارت سؤالاً حساساً عن النظام الجديد الناشيء: اذا اعطت القوة العظمى الوحيدة لنفسها شرعية استخدام القوى ضد الآخرين، الا يوحي ذلك بأن القوة تفرض الحق؟ من اذن سيكبح جماح القوة الاعظم؟ اذا لم يأت الكابح من مؤسسة عالمية للأمن الجماعي، فهل سيأتي من توازن جديد للقوى؟ ـ هل ستستمد تلك القوة المقابلة مبرر وجودها من نزعة معاداة أميركا؟ يبدو اننا نسير في هذا الطريق. فبرغم اسهاماتهما الكبيرة حقاً في الحرب ضد تنظيم القاعدة، فإن فرنسا والمانيا انضمتا إلى روسيا غير الليبرالية والصين غير الديمقراطية لكبح جماح الولايات المتحدة، بعد ان استنتجنا ان وجود قوة عظمى غير مقيدة ـ حتى لو كانت ديمقراطية يشكل تهديداً اعظم من تهديد أسلحة الدمار الشامل في الايدي المعادية. هذا التضليل لأي فهم حقيقي لعلاقات القوة الضرورية للمحافظة على نظام ليبرالي على مستوى العالم هو خطأ تاريخي تفاداه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، حتى عندما تطلب منه ذلك المجازفة بتأييد حماقات بوش. وبرغم كل شيء فإن نزعة معادات اميركا في المانيا وفرنسا هي التي ساهمت أكثر في افول نجم الأمم المتحدة وحلف الشمال الاطلسي. ومن الواضح ان الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الالماني جيرهارد شرويدر يريان في الأمم المتحدة ميداناً يستطيعان فيه التعويض عن ضعفهما بالوقوف في وجه القوة الأميركية، رغم ان مصداقية وفعالية الأمم المتحدة ذاتها تستندان إلى تلك القوة الأميركية! ومن نابع اعتقادهما بأن القوة لا يمكن ان تكون على صواب، قررا فعل الشيء الخاطيء في محاولة لوقفها. خدمة « لوس انجلوس تايمز » خاص لـ « البيان »

Email