ثقافة التسرّع وراء استعجال الأميركيين لنهاية الحرب في العراق، بقلم: بول كنيدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 3 صفر 1424 هـ الموافق 5 ابريل 2003 بعث لي المؤرخ وليام هيتشكوك، مؤخراً رسالة ساخطة بالبريد الالكتروني يقول فيها: ألا تجد ان من الفاضح الى حد ما ان الرأي العام الاميركي يزداد قلقه من ان الحرب في العراق ، لا تسير على ما يرام؟ ولماذا يفترض الجزء الأكبر من وسائل الاعلام والجمهور ان النصر سيكون حليفنا منذ الآن؟ لقد كانت خمسة ايام من عمليات الانزال في نورماندي قد مضت ولم تصل القوات الأميركية حتى الى المناطق المقابلة للشواطيء. وفي كوريا، كانت القوات الاميركية قد اوشكت على ان تبادر قبل غزو انتشون. وفي عام 1999، احتاجت ادارة كلينتون الى 58 يوما من القصف لحمل الصرب على الموافقة على الانسحاب من كوسوفو. ومتى قررنا أن الحرب قصيرة؟ وهل كانت كذلك في اي وقت مضى؟ واذا اردنا ذلك، فبمقدورنا ان نعطي دفعة أخرى لمراجع هيتشكوك التاريخية، فكر في تلك اليوميات الشخصية للبريطانيين في اوائل القرن التاسع عشر التي تشير بحزن الى انها كانت السنة الخامسة عشرة من الحرب ضد فرنسا (وفي الواقع ان التحالف احتاج الى 23 عاما وتكبد العديد من النكسات لالحاق الهزيمة بفرنسا الثورية والنابليونية) وفكر بالصراعات الدينية الكبيرة التي اجتاحت اوروبا خلال القرن السابع عشر والمعروفة باسم حرب المئة عام. وفكر في الحرب الفرنسية ـ الانجليزية التي استمرت مئة عام. الآن، فان الرد الواضح على استخدام تلك الامثلة البصيرة ينبغي ان يكون ان حلول الثورتين الصناعية والتكنولوجية ـ البخار والكهرباء والطائرات، كان يعني ان كل شيء كان يعمل بوتيرة اسرع بكثير مما كان عليه الحال في فترة ما قبل الثورة الصناعية، ولم يكن هذا الامر اكثر وضوحا مما كان عليه في مجال الحروب. ففي عصر اجهزة الرادار والتصوير بواسطة الاقمار الصناعية والصواريخ العابرة للقارات والقنابل الدقيقة وجميع الاسلحة العجيبة الاخرى، فان من الصواب التوقع بان الصراع سيكون قصيراً وسريعا وحاسما، ومع ذلك، هل ينبغي علينا ان نتوقع بان يكون بتلك الدرجة من القصر والحسم؟ فالامثلة المستقاه من نورماندي وكوريا والبلقان ناهيك عن فيتنام، ـحيث كانت قوة النار الاميركية اكبر بكثير مما لدى العدو، تقدم مبررا لوقفة مع النفس. وهذا كله لا يعني ان المعركة للسيطرة على بغداد ستكون نسخة أخرى عن الاعوام الاربعة من الصراع على الجبهة الغربية بين عامي 1914 و 1918. فما لم تحدث نكسات مذهلة للحملة العسكرية للتحالف، فإننا بالتأكيد نتحدث عن بضعة شهور، قبل ان ينتهي القتال الرسمي في العراق. ولكن ما لا ينبغي ان نتحدث عنه هو حسم المعركة في غضون ايام، الامر الذي يعيدنا الى سؤال هيتشكوك، وهو: متى قررنا ان الحرب قصيرة؟ والامر الذي لا شك فيه هو ان واشنطن لديها مسئولية. «فمزاج» الحكومة الاميركية الذي تم تحفيزه من مؤدلجي الجناح اليميني وصقوره، لا يمكنه ان يتحمل بقاء صدام حسين في السلطة فترة اطول او الانتظار لاجراء المزيد من عمليات التفتيش عن الاسلحة من الامم المتحدة. وقد كان هناك شعور بالفخر والاعتزاز بالاسلحة العجيبة الجديدة في الترسانة الاميركية وبقدرة الجيش على التوجيه السريع للقوة والاعتقاد (المشجّع من قبل الصقور من المفكرين) بأن معظم العراقيين كانوا ينتظرون الفرصة للانتفاض ضد بغداد. وقد كان هناك تجاهل للتحذيرات الصادرة عن الغرباء بأنه قد يكون هناك مقاومة هائلة من العراقيين. ففي نهاية المطاف، كان اولئك النقاد المتشائمين مخطئين في تنبؤاتهم عام 1991. ولكن يبدو لي ان تلك الاسباب لا تفسر سوى جزئياً الحقيقة المزعجة وهي انه وبعد نهاية اسبوع واحد من بعض النكسات في الميدان، انخفضت نسبة الاميركيين الذين كانوا يتوقعون مضي الحرب بسهولة بشكل كبير. وليس اعادة التفكير هذه هي المفاجأة، وانما حقيقة ان التوقع بنصر سريع كان امراً كبيراً جداً على البداية. وقد اذهب الى القول ان اسس هذا الامر قد تكمن ايضاً في الثقافة الشعبية الاميركية وما يعتبر الآن شعوراً عميقاً ومتجذراً بنفاد الصبر في انتظار النتائج والذي يحيط بنا جميعاً. خذ، على سبيل المثال، القياس الزمني القصير لمحطات التلفزة الاميركية بوجه خاص، ولكن ايضاً القياس المتعلق بصحافة التابلويد، فمعظم البنود يتم تقديمها بمقاطع صوتية مقتضبة ومعظم التعليقات لاهثة ومستعجلة، بحيث تحول قضية معقدة الى اخرى بسيطة. وقد سمحت شبكات التلفزة الرئيسية لمضيفي البرامج الحوارية بأن يصبحوا مشاكسين وهجوميين في كلامهم وجهله. وتشير الاعلانات الى ان المشكلات الشخصية يمكن حلها بين عشية وضحاها ـ «بسطوا معاملاتكم المالية من خلال حساب مصرفي واحد» و«افقدوا 30 رطلاً من وزنكم في غضون ايام!» وهلم جرا. وتدافع عشرات الالوف من الاميركيين الاذكياء الى المساهمة في شركات الانترنت في منتصف التسعينيات لأنهم ارادوا ان يكونوا ثروة قبل بلوغهم سن الثلاثين. وفوق كل ذلك، هناك ميزة نفاد الصبر الخاصة بثقافة الرياضات الاميركية التي باتت راسخة وتؤخذ كأمر مسلم به لدرجة ان عدداً ضئيلاً من المواطنين يقدرون مظاهرات من الخارج ـ اللغة شبه العسكرية ونفاد الصبر في حالة التسجيل القليل للأهداف والتوتر بشأن اللعب الهجومي، والحجم والقوة الكاسحة لمعظم لاعبي كرة السلة وكرة القدم، والنظام الموجه بصورة تجارية والمتعلق بتكرار «الوقت المستقطع»، والذي يزيد من التوتر في الجو والاستعجال والتسابق مع الزمن. ولو ان احداً اقترح ان يتم حظر جميع مباريات كرة السلة والقدم لمدة شهر، ودعوة المشجعين بدلاً من ذلك إلى مشاهدة مباريات بالشطرنج او لعبة السهام المريشة او السنوكر او تسجيلات لمباراة في الكريكيت بين استراليا والهند، فإننا سنشهد على الارجح ثورة اميركية اخرى. ففي تلك الحالة نكون قد حرمنا من حاجتنا النفسية لاعمال سريعة وحاسمة، وذلك امر لا يمكن تحمله. ليس من الصعب وصف وتفسير هذه الثقافة المتعلقة بنفاد الصبر، والامر الاصعب هو تخمين مدى الاهمية التي قد تحملها هذه المضامين. ان وجدت. والآن يؤكد المتحدثون باسم الحكومة الاميركية من الرئيس نزولاً على ان الحرب قد لا تكون سهلة، وان الخسائر قد تتعاظم، وانه قد تكون هناك هزائم، وان كانت ذات طبيعة مؤقتة. ويبدو هذا الكلام حكيماً بالنسبة لي، ان جاء في وقت متأخر من اليوم. ومن خلال جميع الحوارات والنقاشات التي اسمعها في المقاهي والمشارب المحلية، يمكن القول ان المزاج الاميركي اخذ يتحول بالفعل الى التزام مزيد من الحذر والاقتراب اكثر من الواقعية. اذن، بالنسبة لي، لايزال هناك سؤالان اولاً، هل سيمنح الوعي بأن الجمهور قد تمت معاقبته خلال الاسبوع الماضي تشجيعاً في غير محله لاعداء اميركا، وبخاصة القيادة العراقية بالطبع، التي تعلق آمالها على حدوث ردة فعل قوية على الخسائر البشرية والجمود العسكري على غرار ما حدث ابان حرب فيتنام؟ ثانياً، هل كان المزاج الذي بدأت به الحرب حول نتيجة سريعة وبلا آلام لهذا الصراع متفائلاً جداً؟ يوجد هنا، على ما اعتقد، درس ينبغي على اولئك الذين يقودون الشعب الاميركي ويبلغونه الاخبار ويرفهون عنه ويعلمونه ان يفكروا فيه ملياً. ترجمة: ضرار عمير عن «جارديان»

Email