العمران يلتهم المزارع في «الكرك»

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس غرة صفر 1424 هـ الموافق 3 ابريل 2003 تشكل ظاهرة الزحف العمراني على حساب الرقعة الزراعية في محافظة الكرك «جنوب المملكة» مخاوف لدى العديد من ابناء المحافظة ، خاصة المزارعين الذين اكدوا تناقص كميات المحاصيل الحقلية. حيث تواجه سهول محافظة الكرك المشهورة بانتاج المحاصيل الحقلية وبخاصة محصول القمح خطراً كبيراً نتيجة الزحف العمراني والاهتمام الشعبي والرسمي الموجه لزراعة الاشجار المثمرة وبخاصة اشجار الزيتون في هذه السهول، هذا الى جانب ما ادى إليه الاهمال المتعاقب من قبل الحكومات بهذه السهول الى انخفاض كميات الانتاج الى مستويات دنيا لا تغطي 10% من حاجة المواطن وهذا معناه ان نتحول من مصدرين الى مستوردين لسلعة استراتيجية. وتشير الارقام الرسمية من محافظة الكرك ان سهول مؤاب ونجاحه في مناطق مؤتة والمزار تتآكل سنويا بمعدل 521 دونماً لكل منها بينها في الثنية 64 دونم سنة والقصر 65 دونماً سنة والربة 63 دونماً سنة. ويؤكد كبار السن بالاضافة الى المزارعين ان محافظة الكرك كانت تورد القمح الى مناطق الخليج والمناطق المجاورة وكانت المحافظة مكتفية ذاتيا من جميع انواع الحبوب وبخاصة القمح ويتم تخزين الفائض عن حاجة الناس في ـ محكمة الاغلاق ـ والكواير المصنوعة من التراب. وأشاروا الى ان التسهلات في اعطاء رخص الابنية خاصة خارج حدود تنظيم المدن والقرى ساهم في القضاء على مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية التي كانت لسنوات خلفت مساحات خضراء ومستودعات للحبوب كالقمح والشعير وغيرهما. إلا أن بلدية الكرك الكبرى وعلى لسان رئيس لجنتها المهندس محمد المعايطة نفى ذلك وقال أن البلدية تسعى للحد من التوسع خارج حدود التنظيم وتعمل جاهدة على الحد من البناء العشوائي في الوقت الذي تنحصر فيه اختصاصاتها في مجال رخص البناء داخل حدود التنظيم. وبات يلاحظ المواطنون والزائرون لسهول الكرك ممكن يعرفونها قديما تلاشيها مؤكدين أن سهول محافظة الكرك الشهيرة بانتاج المحاصيل الحقلية كسهول حوران وعمان ومأدبا طالها العمران والكتل الاسمنتية لتتجزأ عبر السنين وتنقص مساحتها الى اقل من النصف. البناء في السهول ويستهجن أحد المهندسين المدنيين المختصين اصرار المواطنين على البناء في المناطق السهلية ويقول أن تكلفة البناء في هذه المناطق عالية للغاية في مقابل تكلفة البناء في المناطق الأخرى. ويقول المهندس المدني محمد فوزي النجار ان المواطنين يجهلون على ما يبدو التكاليف العالية للبناء في المناطق السهلية فيبادرون الى البناء فيها مع توفر الاراضي البورية والصخرية التي يقل فيها تكاليف البناء. وبحسب البعض فإن بإمكان الحكومة ان توجه المواطن نحو البناء في المناطق الصخرية عن طريق توفير الخدمات فيها ومنع البناء في المناطق الزراعية والسهول لكن يبدو ان الحكومات المتعاقبة غير معنية بذلك ولا تولي هذا الامر جدية تذكر علما بان هذه السهول من اشهر السهول انتاجا لمحصول استراتيجي وهو القمح الذي يساهم في توفير الامن الغذائي للمواطن. مديرة هندسة البلديات في محافظة الكرك المهندسة لما المجالي نفت هي الاخرى هذا القول وأكدت على ان الاستراتيجية الوطنية لاصلاح البلديات هدفت الى الحد من التوسع العشوائي للتنظيم والابنية ضمن مناطق متناثرة ومتابعة تؤدي الى الضغط على موارد البلديات والحد من الاعتداء على الاراضي الزراعية. واوضحت ان اعطاء التراخيص والافرازات ومراقبة الاشادات واصدار اخطارات التنفيذ والحفاظ على استعمالات الاراضي ضمن حدود الألوية هي من صلاحيات اللجان اللوائية المشتركة موضحة انه تم التأكيد على رؤساء اللجان بمتابعة ومراقبة الانشاءات ومراعاة تطبيق القوانين والانظمة وقرارات مجلس التنظيم الاعلى الصادرة بخصوص ضبط عمليات الانشاء ضمن المناطق الواقعة خارج حدود التنظيم. ونوهت انه تم حصر اقامة الصناعات بمناطق مؤسسة المدن الصناعية والمناطق التنظيمية المصدقة حفاظا على عدم انتشار المصانع دون تخطيط مسبق ودون مراعاة اسس الحفاظ على البيئة ولمنع الانتشار العشوائي للصناعات والابنية. ويتحدث المزارعون عن ذكرياتهم وكيف كانت سهول شيحان والتي تضم اراضي القصر والربة والياروت وقرى الحمايدة من اشهر السهول انتاجا للقمح، حيث كان البدو يبقون اكثر من ثلاثة شهور في عملية جمع المحصول لتبدأ بعد ذلك عملية البيادر والدراس انتهاء بتخزين المحصول وبيع جزء منه لشراء احتياجات العائلة البسيطة. أما سهول مؤاب والتي تقع قرب مؤاب ومؤقتة والمزار وسول والعرانية فقد اصبحت الآن عبارة عن مبان سكنية. حزن المزارعين ويعرب المزارعون عن حزنهم لهذا الوضع مؤكدين أن المواطنين في الماضي كانوا اكثر ارتباطاً بالارض لانها تمثل لهم كل شيء فما أن ينتهوا من عملية زراعية حتى تبدأ اخرى وكانت الارض تعطي العامل فيها خيراً كثيراً وكانوا يعتمدون على خير الرحمن وما يجود به وجهه الكريم ويسعون على التنبؤات الجوية وكمية الامطار الهاطلة. أما فيما يتعلق بسهول وسط الكرك التي تضم منطقة التينة والرقانية وبراكين والمنشية والتي كانت تزرع كاملة بالقمح والشعير والعدس والحمص والذرة فقد كان الاهتمام بالارض وتربية الاغنام مصدر فخر لابناء القاطنين هناك وكانت الارض تمثل للجميع الامان وتوفير الغذاء للانسان والحيوان ويوضح ان دخول الاغنام الى الاراضي وتغذيتها على بقايا المحاصيل تزيد من انتاجية الارض نتيجة التسميد الذي يحصل من مخلفات الاغنام. ويتحدث عدد من كبار السن حول الحداثة في العمليات الزراعية فيؤكدون ان اكثر من 5% من الانتاج يذهب في الارض بسبب التكنولوجيا حيث يتم الحصاد بواسطة آلات لا تتناسب ومستوى الأرض والحراثة خاصة وان اغلب المحاصيل يكون ارتفاعه قليل ولا يمكن جمعه بواسطة آلات ويشيرون الى ان الحصاد اليدوي له عدة فوائد اهمها جمع كامل المحصول وجمع التبن وتفتيت الارض مشيرين الى ان المزارع القديم كان يستغل كامل اراضيه وبخاصة الوعرية عن طريقة حرثها بواسطة المحراث. ويتهمون الاشراف الحكومي بالغياب وينتقد هؤلاء اضافة الى ذلك دور وزارة الزراعية والاشراف الزراعي مؤكدين انها لم تؤد دورها في الحد من الاعتداء على السهول في محافظة الكرك عن طريق سن تشريع يحدد استخدامات الاراض ويمنع البناء على الاراضي الصالحة للزراعة ويشيرون الى ان الاشراف الزراعي كان بامكانه ومنذ سنوات توجيه أصحاب الاراضي نحو ذلك وتوعيهم بأهمية بقاء السهول لانتاج الحبوب بدل اقامة المزارع والابنية عليها. انتاج غير مصنّف ويؤكد المزارعون ان وزارة الزراعة لم تصل بعد الى تصنيف انتاج المزارع من الحبوب وبخاصة من الحبوب التي تدخل في صناعة البسكويت والمعجنات مما يؤدي الى خسائر كبيرة للوطن والمزارع حيث يتم استيراد القمح القاسمي بمبالغ كبيرة بينما انتاج المزارعين من هذا النوع يتم خلطه مع بقية الانواع دون الاستفادة من حصره عالميا مع ان الانتاج في محافظة الكرك ومناطق الوطن انتاج مميز. وقد بلغ انتاج محافظة الكرك خلال العام الماضي من محصول القمح ما يقارب 10 آلاف طن وهو انتاج جيد مقارنة مع السنوات الخمس الماضية نتيجة الجفاف لكن هذا الرقم لا يمثل نسبة كبيرة من انتاج القمح في الكرك قبل سنوات مضت. ويشير البعض الى ان بعض الجهات الدولية التي تقدم قروضاً دوارة تساهم في تشجيع المزارع للتوجه نحو زراعة سهوله بالاشجار المثمرة خاصة وانها توجه المزارع نحو عملية الحصاد المائي واقامة آبار جمع المياه وتقديم الاشجار المثمرة مجاناً. في المقابل فان مزارع المحاصيل الحقلية يواجه تضييقاً من خلال اجراءات حكومية والتي كان اخرها ما حدث خلال ازمة القمح الكركي حيث تم تحويل المزارعين على المؤسسات الاقراضية من اجل اخذ جزء من مبالغها المترتبة على المزارعين. مطالب مشروعه ويطالب عدد من المزارعين في محافظة الكرك والاكثر تعاملاً مع المحاصيل الحقلية باعتبار قضية انتاج الحبوب قضية ذات اولوية ودعم المزارعين وتوفير البذار المحسن ووضع خطة من قبل الحكومة لمواجهة الوضع القائم خاصة وان القمح سلعة استراتيجية لا يمكن بأي حال من الاحوال الاستغناء عنها خاصة وان الكميات لا تأتي من دول الجوار على انه يمثل الاساس في الأمن الغذائي ويؤكدون على اهمية وضع قانون لتحديد استعمالات الاراضي وتطبيقه بشكل فوري من اجل الحفاظ على ما تبقى من سهول الاردن الخضراء التي كانت مصدراً للخير والغذاء لأبناء الوطن.

Email