خارطة الطريق تعاني من مصاعب في التوجيه، بقلم: دان مرغليت

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 29 محرم 1424 هـ الموافق 1 ابريل 2003 الوزير عوزي لانداو سأل شاؤول موفاز لماذا شطب الجيش الاسرائيلي من موقع الانترنت التابع له، اقتباسا من مقابلة صحافية مع ابي مازن، يؤيد فيه استمرار (الارهاب) الفلسطيني ضد المستوطنين. كان تخوف الوزير بلا وزارة، ان الجيش الاسرائيلي قام باخفاء جانب في شخصية رئيس الحكومة الفلسطيني الجديد. اما وزير الامن فقد كان رده مقتضبا. ما الذي حدث فعلا؟ احد الضباط بث اقوال ابي مازن في المقابلة الصحفية على الشاشة، فقام نظيره بلفت نظر الناطقة باسم الجيش البريغادير روت يارون، الى انه لا يجدر ان يشتمل موقع انترنت عسكري على تصريحات سياسية. فدرست الموضوع باهتمام وقررت شطبها. لو ان تلك الاقوال اقتبست على لسان الناطق باسم حماس، عبد العزيز الرنتيسي، لما كانت شطبت. فليعرف الجميع مع من نتعامل. لكن ابا مازن هو الآن الفتى المدلل لدى العالم الغربي. تبادل الكلام في الحكومة هو صوت الخرير فقط. فهي في الواقع تنذر بسيل عرم جارف، يحمل الغموض الذي ستجد الحكومة الاسرائيلية نفسها في خضمه لدى تشكيل حكومة ابي مازن وطرح خارطة الطريق التي تنتظرها فاليمين سيقيم الحواجز على المفترقات وكذلك في الحكومة. طيلة الوقت كان ابو مازن يرى في ياسر عرفات زعيما مبجلا، واضمر له كرها. وقد درج على التصريح بانه لن يكون بديلا عنه. والآن نكث بوعده، ربما لانه يعتقد ان عرفات اوصل شعبه الى حافة الهاوية، وربما لتصفية الحساب معه. لابي مازن خصوم كثيرون. بيد ان له مهابة واحتراما. عندما يلتقي بضابط اسرائيلي معروف، فهناك التحيات والعناق. انه شيء ما مثل موشي ديان في ايام عزه. ينشر سحره على الانصار والخصوم. بطبيعته هو امير اذا كان دان مريدور وسري، نسيبة يطلبان خدماته؟ فاهلا وسهلا والا فهو يتصرف بجر اذيال الخجل. قياديون في السلطة الفلسطينية على اقتناع بانه لا يرغب في ان يكون رئيس حكومة، وذلك لانه يقدر ان لدى قدومه الى مزرعة هشكميم بقائمة من الطلبات المتواضعة، فسوف يخرج صفر اليدين. وهذا اخفاق مضمون سلفا. بيد ان شخصا مثله لا يهرب الا بصورة مهذبة. ثمة لديه اسباب كثيرة للمماطلة وعدم استكمال تشكيل حكومته. احدها وليس آخرها، هو تخوفه من ان يتلقى بعد تشكيلها بيوم واحد خارطة الطريق في علبة ذهبية. سيكون رده ايجابيا، لكن من شأن الاسرائيليين ان يخجلوه ويخذلوه بتقديمهم مئة تحفظ.سيتراجع عن مواجهة فورية مع خارطة الطريق. والكابوس الرئيسي هو ان يدعوه جورج بوش الى التقاط صورة على خميلة البيت الابيض. قبل ثلاثة اشهر كانت مثل هذه الدعوة حلمه الجميل. لكنها الآن اضغاث احلام فهذا الذي كان ينقصه، الابتسام لبوش في التلفزيون العراقي. لقد اعرب عن رضاه حين وصفه يوسي بيلين بالخصم الشديد لكن العملي، والمتطرف ايضا. فبعد ان صنع اتفاق اوسلو، قام بالتعاون مع د. بيلين باعداد وثيقة للتسوية الدائمة. ومما يناسب طبيعته الا يوقع عليها ابدا. وفقط منذ سنوات صادق في منزل السفير الاميركي في اسرائيل، على انه كانت في سنة 1995 وثيقة بيلين ـ ابو مازن. لم يتنازل عن مبادئه ابدا. تنازل فقط عن تطبيق جزء منها. وهكذا تتجمع فيه اسس متناقضة ظاهريا. هو طرف في جميع المساعي للاتفاقات الثابتة، لكنه يعتقد ان فكرة التسوية المرحلية ليست بالفكرة السيئة ابدا. فهو يفضل اقامة دولة فلسطينية ضمن حدود مؤقتة من غير التنازل عن حق العودة للاجئين، على اهمال هذا المطلب. في مثل هذه الاوضاع، فهو يعتقد ان بديل الانتفاضة هو التسوية المرحلية مع اسرائيل. واذا كان ارييل شارون يقصد مبادرته بصورة جدية فربما يكون كل منهما قد وجد الشريك المناسب في المكان المناسب وفي الزمن المناسب. هذه هي خارطة الطريق. قامت بتخطيطها الولايات المتحدة واوروبا في اعقاب الانجاز البارز لشارون في ابعاد عرفات عن مركز الحلبة، وانتخاب ابي مازن بدلا عنه. هل هو انتصار في التوزيع؟ هذا احتمال، لكن حاليا هناك سبب للابتهاج. يذكر شارون لابي مازن مؤلفه الذي ينكر الكارثة، وتشبثه بحق العودة واستمرار الانتفاضة ضد المستوطنين. وحين تم انتخابه ابتسم له بمرارة. فطعم حلاوة اقصاء عرفات امتزج بمرارة استقبال العالم لانتخاب ابي مازن. اذ ازدحمت خطوط الهاتف الى وزارة الخارجية في القدس باسداء النصح لاسرائيل كي تستقبل ابا مازن بالاحضان. و مسلح بخارطة الطريق. ويرى فيها شرطا ضروريا للتسوية، لكن غير كاف. مضمونها اشكالي بالنسبة لاسرائيل. فلسطين تقوم، بدون الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، وبدون التنازل عن حق العودة. وتسيبي لفني، المعتدلة من بين منتخبي الليكود اطلقت صرخة استغاثة، واستيقظت القدس على البحث. ثمة عدة مواقف. احدها يزعم ان بوش لن يمس خارطة الطريق الا بعد ان يتم انتخابه ثانية للرئاسة سنة 2004. والآخر يعتقد بان خارطة الطريق ستطرح قريبا. مستشار الامن القومي، افرايم هليفي يرى فيها املاء في حين رئيس ديوان شارون، دوف فايسغلس، على قناعة بامكانية ادخال تعديلات عليها. على هذا الاساس اعدت اسرائيل مئة تحفظ. وساعة «بيغ بن» اللندنية اصدرت رنينا سمعته القدس جيدا. ان مئة تحفظ هي فرط كامل للخارطة، قال الانجليز، وعلى اسرائيل الاكتفاء بحفنة منها. وكلمتهم الافتتاحية هي ان على اسرائيل ان تسهم في الخارطة. والجميع في وزارة الخارجية التي تستعد حسب قياسات سلفات شالوم، يسيرون وفق قاموس بايديهم للعثور على تفسيرات لينة للكلمة مُِّّقيَُُّْك ُش وهم اذ ان معناها هو «التبرع» لا مساومة ولا جدال تبرع. ولا اكثر من بعض الملاحظات الهامشية. ان الزيارة السياسية التي يقوم بها وزير الخارجية الجديد شالوم، ترمي الى تقصي من هو الصحيح في الجدال الداخلي الدائر في ديوان رئيس الحكومة وما هي خارطة الطريق؟ هل هي معروضة بروح «هذا ما رآه وقدسه»ام انها مفتوحة للمنازلة بالاذرع؟ سيقوم سلفان شالوم بمتابعة الوثيقة، ويقوم الاميركيون بمتابعته وتعقبه لقد يقتنعوا بانه حمامة من صنف الليكود. اذا كان بالامكان المساومة على خارطة الطريق ـ يكون فايسغلس قد حقق مأربه. والا فهو في ضائقة. من الجهة المقابلة تشرق شمس هليفي. فهو يتقزز من الخارطة التي هي في نظره اخطر حتى من اتفاق اوسلو الذي على الحكومة الحالية الا ترثيه بنغمة مؤيدة. اذ انه في خاتمة اوسلو، ومع انشاء الدولة الفلسطينية، ثمة اعتراف باسرائيل ونهاية لحق العودة. بينما ترتيب الامور في خارطة الطريق معكوس. فقط فلسطين، والباقي - يأتي فيما بعد، وهي بمثابة «نبيع فقط». موفاز شكل طاقم بحث بمشاركة قادة الجيش واذرع المخابرات. ومع دخوله الى المنصب ادعى انه ينبغي الاستعداد للتفاوض مع الفلسطينيين. فبرؤيته، كوزير للامن، هكذا شرح الامر، اوسع من رؤيته كرئيس لهيئة الاركان العامة. هليفي كان مناسبا لهذا الطاقم مثل قفاز على مقاس الكف. ذات يومن في ساعات ما بعد الظهر التي لا تساعد على التركيز، بسط خطته، وقطع هليفي شوطا واسعا. فمقابل دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة، طلب تعهدا من ابي مازن، بالتنازل عن حق العودة. في الواقع كانت خطته تشتمل على اكثر من ذلك، فهل ثمة امكانية للتنازل عن مستوطنات نائية هنا وهناك؟ في غوش قطيف على سبيل المثال؟ شارون ليس معنيا باقتراحات تتضمن بوادر حسن نية مع اخلاء مستوطنات حتى البعيدة منهاز وليس معنيا (ولا فايسغلس ولا وزارة الخارجية ايضا) باقتراحات بديلة لخارطة الطريق. اذ من شأنها ان تغضب الاميركيين. ابو مازن معني بخارطة الطريق. وهو لا يؤمن بان بوش وشارون سيستنفدانها بيد انه بحاجة الى تغطية حال البدء بالمسار. و هذه التغطية قد تكون مسودة الاتفاق الدائم الخاصة ببيلين وياسر عبد ربه.مصانع بيلين انتجت وثيقة تفصيلية اساسية. قبل نحو شهر سافرت مجموعة من الاسرائيليين للالتقاء مع فلسطينيين في لندن. وانضم الى بيلين كل من امنون ليبكين شاحك، جدعون شيفر وغيورا عنبار. وضمن الوفد تمثيلا امنيا لائقا. انقسموا الى مجموعات وتدارسوا التفاصيل. قضايا الدفاع وتحرير الاسرى كانت جوهرية ومثيرة. نتهى كل شيء تقريبا. وبقيت مسألة حق العودة مفتوحة. بالاساس بسبب امور تتعلق بالصياغة لا بالتطبيق. في هذه النقطة بالذات، بامكان براغماتية ابي مازن ان تعثر على حل للطريق المسدود، برغم كونه عنيدا في تشبثه بمبادئه. هو معني بان الوثيقة التي سيوقعها (اذا حدث ذلك) 17اسرائيليا وفلسطينيا من ذوي النية الصادقة، تكون ملازمة لخارطة الطريق كالظل، وترفرف روح الاتفاق الدائم فوق التسوية المرحلية. ليس هو وحده المعني بالوثيقة المتبلورة المكتسية غموضا، بل ميجيل مواتينوس وخافيير سولانا معنيان بها ايضا. وطوني بلير معني بها اكثر. وقبل بضعة ايام كادوا يعرضون الوثيقة على بيل كلينتون، لكن الحرب في العراق عرقلت ذلك. لا احد يعرف الى اين يميل شارون. لقد نجح ضد عرفات ويقف في امتحان امام ابي مازن. وليس واضحا ما اذا كان بمقدوره كبح الارهاب الفسلطيني وما اذا كان معنيا بذلك. هذا مهم لكنه ليس حاسما. ما هو اكثر اهمية هو موقف اسرائيل العملي من انتخابه يجدر بها ان تكون سخية. وعلى جرس ما ان يصدر رنينا من النية الحسنة من الجانب الاسرائيلي للجبهة. يكون صوتا يبشر بوقف مؤقت للعمل العسكري اسبوعا او اسبوعين، بل دائما. واذا امكن فلتتح الفرصة لتحقيق وقف النار. عن «معاريف»

Email