بعد تجاوز العمليات الاسرائيلية للخطوط الحمراء، مخاوف فلسطينية من تكرار سيناريو النكبة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاربعاء 24 شعبان 1423 هـ الموافق 30 أكتوبر 2002 ذكريات النكبة تطارد الذاكرة الوطنية الفلسطينية منذ خمسين عاما، خلال حرب 1948 اقتلع نصف أبناء الشعب الفلسطيني من اراضيهم ومنازلهم وتحولوا الى لاجئين. واليوم ايضا يوجد فلسطينيون يعتقدون ان تاريخ 1948 قد يكرر نفسه، وذلك لاعتقادهم ان الدافع الاسرائيلي الى طرد العرب عن اراضي البلاد مغروس في صميم الصهيونية ودولة اسرائيل، بما ان الاغلبية تدرك ان الواقع السائد اليوم في الضفة وغزة يختلف كليا عما كان موجوداً في السابق والخوف هو ان تظهر أوضاع وظروف على خلفية الصدامات الدموية تتيح لدولة اسرائيل ان تجبر العرب على مغادرة منازلهم.ولا يدور الحديث عن إبعاد للخارج، اذ ان الدول المجاورة لن تسمح به. ولكن من المحتمل تدمير قرى وأحياء وربما بلدات يضطر سكانها للبحث لانفسهم عن سقف يأويهم في تجمعات سكنية اخرى. لا أحدا يشك مثلا برئيس «جهاز الشاباك» السابق عامي أيلون في انه من أنصار الترانسفير، لذلك يمكن تفسير ما قاله خلال مقابلته الاخيرة مع صحيفة «القدس» على انه تحذير «اذا هاجمت الولايات المتحدة العراق، وحدثت عملية (ارهابية) كبيرة خلال ذلك، فان ارييل شارون قد يستغل انفجار الغضب في الشارع الاسرائيلي من اجل تنفيذ (ترانسفير) جماعي للفلسطينيين».ولكن بدلا من محاولة رسم سيناريوهات (ترانسفير) مستقبلية يجدر بنا ان نصف ما يحدث الآن في المناطق. ليست هناك معطيات واضحة حول عدد الفلسطينيين الذين غادروا منازلهم في العامين الاخيرين، ولكن هناك اماكن يمكن ان نلمس فيها وجود هذه الظاهرة. ففي منطقة رام الله مثلا نجد ان الكثير من مواطني القرى والبلدات المحيطة بالمدينة قد هاجروا في السابق الى ما وراء البحار (اميركا في الاغلب)، اغلبية المواطنين المحاصرين في اماكن مثل جفنا والطيبة وعابود وبيرزيت وعين عريك قد رحلوا للخارج قبل عدة سنوات، وقد حدث الامر نفسه مع القرى المسلمة المجاورة مثل عين يبرود وبيتونيا وترمسعيا حيث جرت الهجرة قبل الانتفاضة. والكثير من مواطني هذه القرى لديهم جوازات سفر اميركية نتيجة لذلك. ولديهم في حالات كثيرة مساكن وأعمال في الخارج. عندما تتحول الحياة هنا الى مسألة لا تطاق يقوم هؤلاء باغلاق منازلهم ويسافرون للخارج الى ان تمر موجة الغضب. وفي المناطق المسيحية ايضا من بيت لحم يلمس وجود مثل هذه الظاهرة، فكم هو عدد الذين غادروا منذ اندلاع الانتفاضة؟ من الصعب ان نعرف.الشعور السائد في اوساط الجمهور الفلسطيني هو ان عمليات الجيش الاسرائيلي في المناطق قد تجاوزت منذ مدة الهدف الأمني المحدود المتمثل في ملاحقة القائمين بالعمليات الفلسطينية، وان اسرائيل عازمة في الواقع على تنغيص حياة الناس قدر المستطاع. المتحدثون الاسرائيليون كانوا حتى عملية «السور الواقي» (مارس 2002) يقولون ان الهدف هو دفع السكان الذين يعانون للضغط على سلطة عرفات حتى توجه أوامرها لاجهزة امنها بملاحقة منفذي العمليات. ولكن منذ ان أعيد احتلال الضفة من جديد لم تعد لعرفات المحاصر اجهزة اخرى، وأصبح الحكم الفلسطيني مشلولا، ولم يعد هناك أي معنى للادعاء الاسرائيلي سالف الذكر. «هدف عمليات الاحتلال الاسرائيلي هو تصفية الوجود الفلسطيني في الوطن»، مثل هذا العنوان يظهر يوميا في وسائل الاعلام الفلسطينية. والعناوين تترافق مع فيض من التقارير حول حظر التجول والحواجز وتدمير المنازل وشل المصانع وإتلاف الاراضي الزراعية، وهذه مسائل لا علاقة لها بالقضايا الأمنية. المستوطنون يستطيعون دائما ان يقولوا انهم يطلقون النار على قاطفي الزيتون لأسباب أمنية لان هؤلاء الفلاحين هم مجرد فرق استطلاع لتنفيذ العمليات. الا ان ذلك في نظر الفلسطينيين ما هو إلا تحضير للترانسفير. لا يوجد في نظر الفلسطينيين تفسير آخر لقضية النقاط الاستيطانية وللعقاب الاسرائيلي واسع النطاق في المناطق سوى تفسيرها بأنها محاولة للتضييق على الفلسطينيين حتى يضطروا للبحث عن مكان آخر لأنفسهم. بقلم: داني روبنشتاين عن« هآرتس»

Email