على ايقاع التهديدات الموجهة إلى بن اليعازر، المواقع الاستيطانية تتدفق بالحياة والتحدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاثنين 22 شعبان 1423 هـ الموافق 28 أكتوبر 2002 عشرات رسائل التهديد وصلت الى مكتب وزير الدفاع الاسرائيلي بنيامين بن اليعازر في الايام الاخيرة. كان فيها كل شيء: شتائم، تهديدات، اهانات، اعلانات غريبة. بالمقابل رن جرس الهاتف. كما لو ان احدا (من الاعلى؟) اصدر امرا لعشرات الافواه للاتصال واغراق المكتب وموظفيه بمكالمات مضمونها التهديد والشتائم. واكثر الرسائل غرابة هو الكتاب الذي ارسل بالفاكس في 21 اكتوبر بعنوان «الموضوع: أوامر ولعنات في التوراة». يوجه المرسل على صفحة كاملة ومكتظة، بخط طباعة واضح، الشتائم واللعنات وتمنيات الموت لوزير الدفاع. الجزء الغريب في الرسالة هو نهايتها: المرسل يوقع اسمه: زرعزي شموئيل، ويضيف رقم الهاتف في حال اراد المرسل اليه الاستيضاح. لم يتصل بزرعزي. «صحيح انا ارسلت الكتاب» اعترف زرعزي في حديث هاتفي «انا لا ارى ان هذه مشكلة هكذا» وقال: «كل شيء مأخوذ من التوراة. كل واحد يستطيع ان يفسر الكلمات حسبما يشاء. الكل أوامر من التوراه. مقاطع كتبت. من أنا حتى اغير شيئا ما». في هذه الاثناء وصل الكتاب الى جهاز الشاباك. لم يسمعهم زرعزي حتى الان. ومن الممكن ان لا يسمعهم. انه شاب نسبيا (40 عاما) عاطل عن العمل، غير متدين (حسب اقواله) نجا للتو من ازمة قلبية ويتظاهر بانه طبيعي تماما. جهاز الشاباك يأخذ هذا بجدية بالغة. موكب وزير الدفاع يذكر، في الاسبوع الاخير، بموكب رئيس الحكومة. افكار سخيفة تماما وزير الدفاع يكافح الان من أجل شرعيته السياسية. قبل وقت قصير بعد ان انتصر على ابراهام بورغ، كان يبدو (ربع ساعة تقريبا) ان حزب العمل سلم بقيادته. بعد ذلك اتضح ان هذا لم يحدث. يجب على بن اليعازر ان يثبت كل صباح من جديد انه مناسب. القضية هي انه ليس جميعهم يوافقونه الرأي. مثلا يتضح الان ان فؤاد اعتاد طرح اقتراحات غريبة تماما في الفترة التي كان فيها مراقبا في المجلس الامني المصغر في حكومة باراك. كانت هذه ايام بداية الانتفاضة وبدء انتشار الارهاب القاتل باشد اشكاله. حاول عدد من الاعضاء في المجلس الوزاري تذكر كيف اقترح وزير الدفاع الحالي، الذي كان آنذاك وزير الاعلام، بوضع سيارات مفخخة في مراكز المدن الفلسطينية «كان يطرح افكاراً سخيفة تماما» قال احد المشاركين في الجلسات المذكورة «انه لحسن الحظ لم يكن له حق التصويت في المجلس الوزاري، لم يهتم به احد. اصغينا له، تململنا في مقاعدنا وواصلنا الى الامام». اليوم يتمتع بن اليعازر بحق التصويت وصلاحية اصدار اوامر للجيش ومسئولين على جهاز الامن ودور اساسي في القرارات الامنية الحساسة في اسرائيل. انه لا يحب تذكر الحالات المذكورة. ورجاله يقللون من اهميتها. «يدور الحديث عن لحظات صعبة من فقدان الاحاسيس» قال احد مستشاريه الحاليين «الدم كان يغلي، وقد يكون طرح افكارا في لقاءات مغلقة وغير ملزمة». بن اليعازر نفسه يتذكر تسلسل الامور. ادعى انه قال آنذاك ان الرد الوحيد للارهاب هو الارهاب المضاد وفقط السيارات المفخخة في وسط المدن الفلسطينية هي التي توقف السيارات المفخخة والانتحاريين عندنا. حتى اليوم يتمتع بن اليعازر بحظ المنتصرين. الان يتولد الانطباع ان الامور انقلبت رأسا على عقب. الادعاء الاساسي لمعارضيه هو انه ببساطة ليس الانسان المناسب لتحمل المسئولية واتخاذ القرارات. ومؤيدوه مقتنعون انه لا يوجد احد اكثر ملاءمة منه. بن اليعازر نما داخل المنصب والمسئولية، يقولون. والان كل ما يجب فعله هو اقناع 24 الف ناخب للتصويت لصالحه في 19 نوفمبر المقبل. هذا الرقم السحري، على الاقل حسب حسابات وايزمن شيري، الذي سيمنح بن اليعازر 40 في المائة من اصوات الناخبين في الجولة الاولى. الحساب بسيط: 50 في المائة نسبة تصويت تعني حوالي 60 الف ناخب يصلون الى صناديق الاقتراع. 40 في المئة من بينها تعني 24 الف ناخب. حسب شيري الاستطلاعات مضللة، انصار بن اليعازر ركزوا وبلوروا انفسهم وسيظهرون للتصويت بنسب اعلى مما يرد في الاستطلاعات. واذا لم يحدث ذلك. لا ينوي شيري نشر سيارات مفخخة في أي مكان بل فقط الانسحاب من حزب العمل. اقصاء وزير الدفاع سيكون، على الاقل بالنسبة لواترمان شيري، اقصاء طبقة اسرائيلية كاملة وبصقة في جبين الطوائف الشرقية. وهذا امر لا يغتفر، يقول في لقاءات مغلقة، هذا ظلم دائم، بكاء للاجيال. انا نفسي انوي التفرغ للاعمال الخاصة ولن انظر الى الوراء. «في النهاية هم لن يبقوا هنا، ليس ثمة سبيل آخر، في النهاية جميعكم ستفهمون هذا» قال شموئيل شوهام بلطف وابتسامة جافة ترتسم على وجه، شوهام متزوج من ميخال، ابنة موشي زار، الاخت الثكلى لجلعاد زار الذي تحول منذ مقتله الى احد الرموز «لشبيبة التلال» في السامرة. حين يقول شوهام «هم» فانه يعني العرب، اينما كانوا، في كل مكان على ارض اسرائيل. منزل عائلة شوهام هو كرفان صغير اقيم في أعلى تلة جرداء تطل على السهل الساحلي كله. في المكان تسكن عائلتان فقط مؤخراً وعندما كانت اعين الدولة تتجه صوب الضجة الاعلامية في مزرعة جلعاد (المقامة على مقربة) استمر الهدوء، في التلة التي اقيم فيها حي رامات جلعاد. اقيم الحي غداة مقتل جلعاد، على التلة القريبة جدا من المزرعة العائلية المشهورة التي اقامها موشي زار على التلة المسماه «النقطة العسكرية»، والمحاذية للجهة الجنوبية من شارع 55. لا يدور الحديث عن موقع غير قانوني بل عن حي قانوني تماما، وهو بمثابة توسيع لكارني شومرون. ولكن ولما كان الحديث يدور عن تلة منفصلة بعيدة ومعزولة عن المستوطنة نفسها يجب الدفاع عن العائلتين الطليقتين اللتين اقامتا الكرفانات هناك. لذلك، ثمة هناك كرافان اخر يعيش فيه بسعادة، اربعة جنود احتياط. تلة مهجورة، حاوية نفايات، كبيرة، مليئة، تزين مدخلها، دجاجة تنقر بحثا عن الغذاء، خردوات مختلفة منتشرة هنا وهناك. كرفان خاص اقيم فيه كنيس، وكرفانان اثنان لاستخدام العائلات وجهد لايجاد جو منزلي: شجر، اشتال صغيرة، آمال كبيرة. ثمة عدة كرافانات فارغة جاهزة لاستيعاب العائلات المقبلة. وكرافان واحد للجنود وبرج كبير. هذا ليس برجاً عسكرياً بل برج لراديو خاص، كما يبدو «راديو بارسليف». محطة دينية متشددة، تبث من مكان ما في اسرائيل وخارجها خلافا للقانون. البرج مقام بين الصخور، يرتفع عاليا، رسمت عليه نجمة داود الحمراء وأصوات المحرك الكهربائي تشير الى بث سليم وكما يبدو مثير للاهتمام. الان ثمة للراديو الخاص حراسة دائمة. اربعة من جنود الدولة الاسرائيلية اليهود يراقبون ويحرسون هذا البرج كي لا يحدث له سوء. المنظر خلاب، في اليوم الصافي تشاهد من تلة جلعاد كل السهل الساحلي، ابراج الخضيرة، سهل مرج بن عامر. شموئيل يتفاخر حين قرأ بواسطة المنظار الكبير المركب في مقدمة التلة اللافتات في واجهة الحوانيت. «على الاقل ثمة هواء نقي لديكم هنا» قلت له ولم يتردد واقترح علي الكرافان الفارغ. «تعالوا. نحن نستوعبكم الان. قريبا سيكون هنا حي كبير ينبض بالحياة». في هذه الاثناء، توجد فقط عائلتان واربعة جنود. انهم يقضون خدمتهم الاحتياطية هنا، يدركون السخافة ويعيشون معها بوئام. في الليل، المكان مخيف. في دورة الاحتياط السابقة كان هناك من تذمر من الوضع الغريب والخطير هذا. «كل من يريد يستطيع ان يأتي في الليل ويذبح الجميع» قال رجال الاحتياط، الذين انهوا خدمتهم وعادوا الى البيت بسلام. في البداية وضع الجيش هنا سرية كاملة، بعد ذلك تقلصت القوة الى خلية. هذا ما هو متوفر، ومع هذا سنحاول الانتصار او على الاقل البقاء. في الاسفل، في سفح التلة توجد الكرافانات التي اخليت في بداية الاسبوع في مزرعة جلعاد. يمكن ان تشاهد من خلال المنظار الكرافانات المنتشرة تقريبا على كل التلة في المنطقة. المواقع الاستيطانية، التوسيع، الاضافات، ابراج الرقابة، والمزرعة. مئات النقات التي اقيمت على وجه السرعة، كل واحدة منها مزودة باربعة جنود. دولة اسرائيل تلاحق الريح التي لا تزال تنشب بقوة بين تلال الضفة الغربية، بين الكرافانات. الموقع على تلة 777، قرب ايتمار، اخلاه قبل عامين جلعاد زار بنفسه. ولكن الكرافانات التي اخليت ازيحت على بعد مئات الامتار وتم اشغالها من جديد وتحولت الى موقع استيطاني جديد. بعد عدة اشهر عاد المستوطنون الى التلة نفسها التي سجلت كموقع تم اخلاؤه ولكنه ينبض بالحياة. المقربون لشارون يقولون ان كل كرفان في المنطقة، غال على قلبه مثل الابن الضائع. من ناحية اخرى هذا مهم جدا لبن اليعازر ايضا. في هذه الاثناء يواصل الجنود الذين يحرسون حراسة التلة بدل البحث عن سيارة مفخخة اسفل الشارع، لعب الشيش بيش. بقلم: بن كسفيت عن «معاريف»

Email