الحل لا يأتي عبر عصا سحرية، تجربة إيرلندا الشمالية تؤكد ضرورة الرهان على الوقت

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 16 شعبان 1423 هـ الموافق 22 أكتوبر 2002 وصل النزاع في ايرلندا الشمالية مؤخراً الى طريق مسدود. حيث للمرة الرابعة منذ التوقيع على اتفاق السلام «يوم الجمعة الطيبة» عام 1998، اعلنت حكومة بريطانيا عن تقليص مؤقت لمؤسسات السلطة المحلية في بلفاست واعادت السلطة البريطانية المباشرة. في المرات الثلاث السابقة الغي التعليق بعد وقت قصير. هذه المرة بدا ان الازمة اعمق بسبب الشبهات، المدعومة كما يبدو، بوجود نشاطات تجسس تآمرية من قبل رجال «الشين فين» الذراع السياسي للمنظمة الكاثوليكية «آي.آر.ايه» المشاركة في مؤسسات السلطة المحلية مع حزب البروتستانت. منذ بداية سنوات السبعينيات رأى الكثيرون النزاع بين البروتستانت والكاثوليك في ايرلندا الشمالية كانعكاس لوضعنا. شعبان/قبيلتان أبناء ديانات مختلفة، وأصل مختلف، يتقاتلون على الارض نفسها بحجة أنها «ارض الاجداد». والفصل الاخير في الصراع الايرلندي، بدأ في نهاية سنوات السيتنيات، وربما الفصل الاخير في الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني بدأ بعد ذلك بقليل عام 1967. الكاثوليك هم أقلية في ايرلندا الشمالية والاغلبية في كل الجزيرة والعكس بالنسبة للبروتستانت. فيما ان اليهود هم أغلبية في ارض اسرائيل الكبرى، وأقلية في كل المنطقة والعكس بالنسبة للعرب. في ايرلندا الشمالية وهنا ايضا يجب ان يحدث انقلاب ديموغرافي: بعد 10 ـ 15 سنه ستتحول الاقلية «الكاثوليكية والعربية» الى اغلبية. حتى وقف اطلاق النار في ايرلندا الشمالية عام 1994 كانت بلفاست مثلا مدينة بدا فيها ان دائرة الدم لن تتوقف ابدا. ولكن اتفاقيات السلام هناك، بعد مرور نحو اربع سنوات فاجأت العالم وخاصة الاسرائيليين الذين اعتقدوا ان نزاعهم اسهل بكثير للحل. كان مهندسو الاتفاق الايرلندي، اميركيين: الرئيس بيل كلينتون والسيناتور جورج ميتشيل. وكلاهما تدخلا ايضا في محاولات تنفيذ اتفاقيات اوسلو هنا. كان تنفيذ اتفاقيات السلام في ايرلندا، بعد الاستفتاء الشعبي في ربيع 1998، بمثابة القذى في اعين معارضي اتفاقيات اوسلو هنا. لقد ادعوا انه لا يجب التشبيه بين الاتفاقين ذلك لان النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني اكثر تعقيدا «على الرغم من انه بدأ في القرن العشرين فيما بدأ نظيره في ايرلندا الشمالية في القرن السادس عشر». بعد متابعة متواصلة للوضع في ايرلندا الشمالية حسدت سكان هذه البلد الذين نجحوا في التوصل الى تنفيذ ناجح، على هذا النحو او ذاك، لاتفاقيات السلام عندهم واعربت علنا عن هذا الموقف. والان جاء دور اصحاب شعار «قلت لكم». لقد احتفى عدد منهم بانتصارهم امامي: هنا وهناك كان يجب ان تعالج المشكلات بجذرية. العلاج التجميلي لن يساعد. لقد فشل كلينتون في ايرلندا الشمالية مثلما فشل هنا. تفاؤلكم نبع من السذاجة ومن عدم معرفة الواقع وغير ذلك. ولكن حتى بعد التطورات الاخيرة في ايرلندا الشمالية بدا ان الازمة الحالية في ايرلندا الشمالية ستحل في نهاية الامر وتنفيذ اتفاقيات السلام هناك سيستمر ـ إن لم يكن في الاشهر القريبة فانه سيتم خلال السنة التالية. ثمة لقائدي المعسكري الكبيرين، دافيد تربيل وجيري ادميس مصلحة واضحة في ذلك. لقد انتخبا في هذين المنصبين بفضل تأييدهما للاتفاق. ومعظم البروتستانت والكاثوليك لا يزالون يؤيدون الاتفاق. نقول لكل من يحاول ايجاد العزاء في فشل الاخرين: ان وضع الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني أصعب بكثير من الصراع الايرلندي. بعد اكثر من 450 سنه من الصراع تتعلم الايرلنديين عدة دروس اهمها: لا يمكن حل النزاع «بضربة واحدة» بل بالمزيد من الصبر والكثير من التنازلات، الامر الذي لم نتعلمه هنا. بقلم: يهودا ليكاني عن «يديعوت احرونوت»

Email