هل انتصرت اسرائيل حقاً؟، تل أبيب مطالبة بمساهمة «إبداعية» في سلام المنطقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 9 شعبان 1423 هـ الموافق 15 أكتوبر 2002 الآن بعد 620 جنازة وألوف المعاقين والجرحى، وفي الوقت الذي انهار الاقتصاد الى درجة ان تحولت المدارس الى مطابخ فقراء لاطعام الطلاب، من الصعب ان ندرس النتائج الأولية للانتفاضة بنظرة باردة، متزنة، ومقاسة. المزاج العام متكدر، ولكن من ينجح في النظر الى الساحة من الأعلى، عن بعد ما، يتوصل الى تصور أن اسرائيل تغلبت على الفلسطينيين، والاصوات التي تأتي من الطرف الآخر للمتراس تدل على ذلك. ليس أبو العلاء الذي حذر قبل عامين اسرائيل من مغبة استفزاز الفلسطينيين لانها غير قادرة على استيعاب أكثر من 500 قتيل، بل موجات من الاعتراف بالهزيمة، نايف حواتمة من دمشق والمجلس التشريعي من رام الله، وهمسات حتى من «المقاطعة»، والكل يشير بأساليب مختلفة الى ان ياسر عرفات ورجاله قادوا الفلسطينيين الى كارثة وطنية. سيذكر الفلسطينيون اذن بألم أسماء شاؤول موفاز وموشيه يعلون وآفي ديختر. لقد وجه إيهود باراك للفلسطينيين ضربات مقاسة وصحيحة. ووعد ارييل شارون الناخبين بأنه سيفعل ذلك وبصورة أسرع، ولكن عندما وصل الى السلطة تخلى لمزيد من الحظ عن الوعد بلا رصيد وقاد المعركة بحذر وصرامة وألحق بالفلسطينيين ضربات موجعة، باراك أحرز دعم الاميركيين وتفهم جزء من الغرب لموقف اسرائيل. وشارون ناور بنجاح وحافظ على هذا الدعم مع عزل عرفات. ولا يعني هذا ان اسرائيل لم تخطيء في طريقها للانجازات، التأخير في اقامة جدار الفصل هو خطأ استراتيجي كلف دماء كثيرة، وكانت هناك اخطاء موضعية مثل القاء قنبلة بوزن طن وسط حي سكني في غزة، والحصار على المقاطعة والاصرار على محاكمة البرغوثي بدل القبض عليه وابعاده باذلال الى الصحراء. ولكن هذه الاخطاء المعدودة في قتال متواصل ومتعدد الأحداث لم تحسم كفة الميزان، فقط لان تصور انتصار اسرائيل على العنف الفلسطيني واضح جدا، تستطيع ان تسمح لنفسها بالمرور مر الكرام، مؤقتا، على تحويل مياه الوزاني في لبنان دون استخدام الجيش. فقط في الشرق الاوسط السيرة الذاتية للزعماء تحول أسطورة طائر الرمل الى واقع، لا توجد نتائج مستقرة، بعيدة المدى، الحركة دائمة، والهزائم تتحول الى نشاط، والمنتصرون يهزمون، ومن لا يستخدم النجاح على نحو جيد يشبه من يكسب أموالا باهظة ويحتفظ بها نقدا تحت البلاط. حتى في حكومة الوحدة الوطنية يفهمون هذا. بنيامين بن اليعازر يتساءل بصوت مرتفع ما اذا كان لم يحن الأوان للمبادرة السياسية. شارون يدعي انه في أوجه. أفرايم هليفي يتحدث باسمه مع الفلسطينيين، مع من؟ وحول ماذا؟. بمقدور استراتيجية سياسية مسؤولة - بل ويجب - ان تتبلور لخطوة مزدوجة. بعد وقت طويل، بعد الحرب في العراق، تخربش أوراق كثيرة، بعد الاطاحة بعرفات، ستنطلق المفاوضات بصورة قريبة من خطة كلينتون خلال المباحثات في كامب ديفيد. ولكن الآن في المرحلة الآنية، من الجدير باسرائيل ان تفكر جيدا بمساهمة ابداعية في السلام الشرق اوسطي وان تقوي عزيمة الاميركيين عشية المعركة العسكرية. من الجدير بشارون ان يخرج الى واشنطن برسالتين محددتين: قبل كل شيء اقامة جدار الفصل الذي يضع حدا لأعمال الانتحاريين ويمكن الحكومة من مرونة في حركة الجيش قرب السياج العالي (ثمة فرصة لتمويل اميركي). وثلاثة اشهر تكفي للبناء بالنظر الى ان معظم المقاولين عاطلون عن العمل بسبب الركود الاقتصادي. حاييم رامون صمد أمام تدهور سياسي متواصل الى ان عاد الى مركز الساحة في خطاب الخراف، ذلك لانه كان لاشهر طويلة الوحيد الذي أيد جدار الفصل. يجب منح الولايات المتحدة انجازا بصورة استعداد اسرائيلي بالانسحاب من معظم مدن الضفة الغربية والاعلان أحادي الجانب عن وقف اطلاق النار في مكافحة العنف الفلسطيني. والاعداد الأساسي لمثل هذه الخطوة سيمنح اسرائيل انجازا اعلاميا تتوق اليه منذ ان عادت الدبابات فقط لتمثيلها على شاشات التلفزة العالمية. ان وقف اطلاق النار من طرف واحد في مكافحة العنف الفلسطيني سيستقبل بمفاجأة في الغرب ولكن، وخاصة، بترحاب. وثمة لارييل شارون ما يقوله لواشنطن، والمقابل مضمون حتى لو لم يطلبه على الفور. بقلم: دان مرغليت عن «معاريف»

Email