أميركا لم ترد على أسئلتها التاريخية بعد، وثيقة «استراتيجية الأمن القومي» إعلان قبول من واشنطن بقدرها الامبراطوري

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاثنين 8 شعبان 1423 هـ الموافق 14 أكتوبر 2002 بعد سنوات من الآن، عندما سيحاول المؤرخون ان يفسروا عالم بداية القرن الحادي والعشرين، فإنهم قد يأتون على ذكر ازمة جزيرة ليلى. لقد وقعت تلك الازمة في يوليو الماضي، عندما ارسلت الحكومة المغربية اثني عشر جنديا الى جزيرة صغيرة تدعى جزيرة ليلى، تبعد بضع مئات من الاقدام عن الشاطيء المغربي، مضيق جبل طارق وزرعت علمها هناك. وهذه الجزيرة غير مأهولة إلا من بعض الماعز، ولا ينبت عليها إلا البقدونس البري، ومن هنا جاء اسمها الاسباني «بريجيل». ولكن السيادة عليها كانت موضع نزاع بين المغرب واسبانيا، منذ امد بعيد، والحكومة الاسبانية ردت بقوة على ما وصفته بـ «الاعتداء» المغربي. ففي غضون اسبوعين، تم نقل خمسة وسبعين جنديا اسبانيا عن طريق الجو الى الجزيرة. فقاموا بانزال العلم المغربي، ورفعوا علمين اسبانيين، وطردوا الجنود المغاربة الى المغرب. فما كان من الحكومة المغربية إلا ان أدانت هذا «العمل الحربي» ونظمت مسيرات شعبية ردد فيها عشرات الشبان هتاف «بالروح بالدم نفديك يا ليلى» وأبقت اسبانيا مروحياتها العسكرية تحوم فوق الجزيرة وسفنها الحربية قبالة السواحل المغربية. وعلى الرغم من سخافة ما جرى، الا انه كان على احد ما ان يتدخل لتهدئة البلدين. لم يقع ذلك الدور على الأمم المتحدة او الاتحاد الأوروبي او على بلد أوروبي صديق للطرفين مثل فرنسا وانما وقع على كاهل الولايات المتحدة. وحالما اتضح انه ما من شيء آخر ينجح معهما، حتى بدأ وزير الخارجية الاميركي كولن باول جولة محمومة من الاتصالات الدبلوماسية على الهاتف، أجرى في غمارها اكثر من اثنتي عشرة مكالمة مع العاهل المغربي ووزيرة الخارجية الاسبانية. وبعد ايام قلائل اتفق البلدان على اخلاء الجزيرة والبدء باجراء محادثات في الرباط حول وضعها المستقبلي. وأصدرت الحكومتان بيانين تشكران فيهما الولايات المتحدة على المساعدة في حل الازمة. انه مثال بسيط، ولكنه يعبر عن حقيقة الوضع. فالولايات المتحدة ليست لها مصالح في مضيق جبل طارق.. وبخلاف الاتحاد الأوروبي فإنه ليست لها منفعة خاصة مع اسبانيا او المغرب. وبخلاف الامم المتحدة، فإنه لا يمكنها ان تتحدث باسم المجتمع الدولي. ولكنها مع ذلك كانت الدولة الوحيدة التي استطاعت ان تحل النزاع، وذلك لسبب جوهري وبسيط، ففي عالم احادي القطب، تعد أميركا القوة العظمى الوحيدة بلا منازع. ان عالما بقوة عظمى واحدة هو امر غير مسبوق. وطوال قرون عديدة قبل عام 1945، هيمنت دول اوروبية ذات مكانة متكافئة بوجه عام على الشئون الدولية، في اطار نظام متعدد الاقطاب. وكان وجود قوى عدة تناور من اجل مصالحها الخاصة يعني تبدل الاحلاف والحرب المستمرة. وثبتت في اذهان الناس صورة السياسة الدولية باعتبارها «سياسة واقعية»، اي لعبة قوة لا ترحم، تتغير باستمرار، وفي النهاية، مزق النظام نفسه في الحربين العالميتين اللتين شهدهما القرن العشرين وطوال الحرب الباردة، من عام 1945 وحتى عام 1991، كان العالم ثنائي الاقطاب، ونظرا لوجود معسكرين فقط، فان النظام كان اقل تشوشا، ولكن كل مواجهة كان يتم ربطها بالصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وحتى نقاط الصراع المعزولة مثل كيموى وماتسو والكونغو وانغولا ونيكاراغوا، سرعان ما اصبحت اختبارات لتصميم الدولتين العظميين وقوة ارادتيهما. ولاتزال معظم الدول ـ بما فيها الولايات المتحدة ـ غير واثقة من طبيعة العالم احادي القطب وعواقبه وهذا الارتباك ازداد بشكل كبير منذ وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 الارهابية التي كشفت بالنسبة للكثير من الاميركيين مدى هشاشة الوضع الامني لاميركا فالقوة العسكرية الساحقة لاميركا لا يمكنها ان تحافظ على سلامتها والهجمات اكدت على النقطة التي اثارها جوزيف ناى الاستاذ بجامعة هارفارد في كتابه الاخير تناقض القوة الاميركية حيث ذهب الى انه في حين تعتبر القوة الاميركية لا نظير لها الا انها لها حدودها الخاصة، في عصر حديث ومعولم لقد عاش الجانب الاكبر من العالكم الغربي لبضعة عقود من الزمن وهو يعلم ان الارهاب يمكن ان يضرب مجتمعا مفتوحا ولكن هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت أكثر عدمية وايقاعا للضحايا من اي هجوم سبقها وكانت بمفهوم معين من نتائج العالم الجديد ذي القطب الاحادي ويروق للاميركيين الاعتقاد بأن بلادهم قد هوجمت لانها بلد حر ولكن هذا الوصف ينطبق كذلك على ايطاليا والدنمارك اللتين لم تمس مدنهما لقد تعرضت اميركا للهجوم لانها سيدة العالم الحديث تنشر قواها الاقتصادية والسياسية والعسكرية في جميع انحاء المعمورة ولانها الدولة رقم «1» فانها ايضا الهدف «رقم 1». غير ان النتيجة المباشرة للهجمات كانت اعادة التأكيد للهيمنة الاميركية فبينما كان العالم يراقب نقلت واشنطن الارهاب الى قمة الاجندة الدولية واطاحت بنظام سياسي في افغانستان من الجو فقط تقريبا وزادت من ميزانيتها العسكرية السنوية بمقدار خمسين مليار دولار تقريبا، وهو ما يزيد على اجمالي الانفاق العسكري لبريطانيا العظمى وهي تناور الآن بالرغم من المعارضة الاولية من جميع الدول الاخرى تقريبا لحمل الامم المتحدة على اجبار العراق على نزع اسلحته او مواجهة الحرب. ان موقع اميركا في العالم ليست له سابقة تاريخية حقيقية وبريطانيا الاستعمارية التي حكمت في اوج عظمتها ربع سكان العالم، تعتبر الاقرب الى وضع الولايات المتحدة اليوم، ولكنها لاتزال شبيها غير كاف، وعلى سبيل المثال فان رمز تفوق بريطانيا كان سلاح بحريتها، الذي ـ لتكلفة باهظة على الخزانة البريطانية ـ ظل اكبر من ثاني وثالث اكبر سلاحين بحرين مجتمعين اما جيش الولايات المتحدة اليوم فهو اكبر من حيث الدولارات المنفقة عليه من جيوش الدول الخمسة عشرة الاكبر التي تليها مجتمعة ـ وتلك النفقات لاترقى الا الى حوالي 4% من الناتج المحلي الاجمالي للبلاد. والآن تبدو الهيمنة الاميركية بديهية ولكن معظم خبراء السياسة كانوا بطيئين في رؤيتها. ففي عام 1990 وبينما كان الاتحاد السوفييتي ينهار عبرت مارجريت تاتشر عن رأي كان سائدا مفاده ان العالم يتجه نحو تشكيل ثلاثة تجمعات اقليمية «واحد يعتمد على الدولار والثاني يعتمد على الين، والثالث على المارك الالماني» وجاءت حرب الخليج الثانية لتغير المناخ، ولكن بشكل مؤقت فقط فقد ارسل جورج بوش الاب الذي كان يحدق به الركود الاقتصادي وتزايد العجز المالي ـ ارسل وزير خارجيته جيمس بيكر لجمع الاموال من الحلفاء لدفع نفقات الحرب، وقد لعبت المشكلات الاقتصادية الاميركية دورا في هذا القرار فقد قال بوش في خطاب توليه الرئاسة «لدينا ارادة اكثر مما لدينا من مال» ولكن الجميع افترض ان القطبية الاحادية هي مجرد مرحلة عابرة. لقد هيمن الحديث عن ضعف الولايات المتحدة على الانتخابات الرئاسية لعام 1992. وقال الراحل بول سونغاس خلال حملته الانتخابية للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي: «الحرب العالمية انتهت واليابان والمانيا خرجتا منتصرتين» وتنبأ هنري كيسنجر في كتابه «الدبلوماسية» الذي نشره عام 1994 ببروز عالم متعدد الاقطاب كما فعل معظم الباحثين الآخرين ووافق الاجانب على هذا الرأي، فالاوروبيون اعتقدوا انهم كانوا على طريق الوحدة والنفوذ الدولي والآسيويون تحدثوا بثقة عن بزوغ ما يسمى بـ «عصر المحيط الهادي». غير انه وعلى الرغم من هذه المزاعم، فان المشكلات الخارجية، مهما كانت بعيدة بدا وكأنها تنتهي في حجر واشنطن. فعندما اندلعت الازمة في البلقان في عام 1991، صرح رئيس المجلس الاوروبي جاك بوز من لوكسمبورغ قائلا: «هذه هي فرصة اوروبا واذا كانت هناك مشكلة يمكن حلها على يد الاوروبيين، فانها مشكلة يوغسلافيا فهذا بلد اوروبي ولا دخل للاميركيين به» ولم يكن ذلك بالرأي غير العادي او المناهض للاميركيين فمعظم القادة الاوروبيين بمن فيهم تاتشر وهيلموت كول، يشاركون الرأي ولكن بعد سنوات دموية عديدة ترك الامر لاميركا كي توقف القتال. ومع تفجر الوضع في كوسوفو سمحت اوروبا لواشنطن بأخذ زمام المبادرة وخلال الازمة الاقتصادية لشرق آسيا، وخلال تحرك تيمور الشرقية للانفصال عن اندونيسيا، والصراعات الشرق اوسطية المتعاقبة وحالات التخلف عن سداد الديون في اميركا اللاتينية، كان النمط نفسه يبرز الى حيز الوجود، وفي حالات كثيرة، كانت دول اخرى جزءاً من الحل، ولكن الأزمة كانت تبقى ما لم تتدخل اميركا خلال تسعينيات القرن الماضي، اثبت التحرك الاميركي، بكل عيوبه، انه مسار افضل من عدم التحرك. وفي الفترة نفسها، دخل الاقتصاد الاميركي في اطول فترة ازدهار له بعد الحرب العالمية الثانية، وفي خضم ذلك، وعكس التدهور النسبي الذي مضى عليه عقود وبدا طبيعياً وفي عام 1960، كانت حصة الولايات المتحدة من الانتاج العالمي ثلاثين في المئة، وبحلول عام 1980، هبطت الى 23%، واليوم تبلغ 29% والاقتصاد الاميركي اليوم اكبر من الاقتصادات الثلاثة التي تليه، وهي اليابان وألمانيا وبريطانيا مجتمعة. غير ان الرؤساء الاميركيين كانوا بطيئين في تقبل قدرهم الامبراطوري فقد جاء بيل كلينتون الى السلطة واعداً بالامتناع عن القلق حيال السياسة الخارجية والتركيز «مثل حزمة ليزر» على الاقتصاد ولكن جاذبية القطبية الاحادية تعتبر قوية وبحلول الفترة الثانية من رئاسته، اصبح كلينتون رئيساً للسياسة الخارجية وفي حملته الانتخابية، وعد جورج بوش الابن، في رده على ما رآه نمطا من الافراط في التورط في الشئون الدولية، بتقليص الالتزامات الاميركية واليوم، يصدر الرئيس الذي حث اميركا لكي تكون «دولة متواضعة» اوامره للمجتمع الدولي، ويدعم عملية بناء الأمة وتقديم العون المالي لها، ويعمل على زيادة ميزانية المساعدات الخارجية الاميركية بنسبة 50% وقد اكتمل هذا التحول الشهر الماضي بقيام البيت الأبيض بنشر «استراتيجية الأمن القومي»، وهي عبارة عن قبول غير تبريري بالسيطرة الأميركية على العالم. ومع بروز القوة الأميركية بصورة اوضح، اعربت الحكومات الأجنبية عن كرهها المتنامي لها. ولقد اتهم المستشاران الاقتصاديان الرئيسيان لكلينتون روبرت روبن ولورنس سومرز، واتباعهما الحقيقيون في صندوق النقد الدولي، مراراً بالعجرفة لدى سفرهما في الدول النامية ولقي دبلوماسيون مثل مادلين اولبرايت وريتشارد هولبروك استخفافاً في اوروبا لتصرفهم بصورة توحي وكأن أميركا، كما قالت اولبرايت، «الدولة التي لا غنى عنها» واخترع وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين مصطلح «هايبرباور» لكي يصف اميركا في عهد بيل كلينتون. وقد ارتفعت الشكاوى الى مستوى التذمر الصاخب خلال حكم ادارة بوش الحالية، التي اظهرت احتقاراً لحلفائها وللمعاهدات والمنظمات الدولية ففي العامين الاولين لها في السلطة، تنصلت من عدد من المعاهدات الدولية يفوق ما تنصلت منه اي ادارة سابقة وتبدو اعمالها في الغالب غير مبررة فمعاهدة كيوتو حول التسخن الارضي، على سبيل المثال، كانت في حالة احتضار قبل ان تعلن الادارة عن موتها بصوت عال. فهناك عدد ضئيل من الدول الاوروبية قريب من تحقيق الهدف وباستبعاد الصين والهند فإن المعاهدة صادرت امكانية احداث اي تأثير حقيقي ولكن من خلال الانسحاب بهذا الاسلوب الذي ينطوي على المواجهة، ارسلت الادارة الاميركية اشارة مفادها ان اكبر مستهلك للطاقة في العالم غير قلق بشأن البيئة ويشتكي الحلفاء ـ وحتى بريطانيا في المناسبات ـ من انه يتم ابلاغهم بالسياسة الاميركية بدل ان تتم استشارتهم وحتى عندما انتهى الحال بالادارة الى انتهاج سياسات متعددة الاطراف فإنها قامت بذلك وهي تتذمر وغير راضية عن ذلك، كما تفعل الآن في نقل قضيتها مع العراق الى الامم المتحدة لدرجة ان الجزء الاكبر من النوايا الطيبة التي ربما تكون لديها قد ضاع. يؤكد بعض المحافظين المحدثين من الكتاب على ان مثل هذا الحقد هو ناتج ثانوي لا مفر منه للسيطرة وفي مقالة مؤثرة نشرت هذا الصيف في صحيفة «بوليسي ريفيو»، يذهب روبرت كاغان الى ان الخلافات الاوروبية والاميركية حول التعاون متعدد الاطراف هي نتيجة من نتائج قوتيهما النسبيتين وعندما كانت دول اوروبا الكبيرة هي دول العالم العظمى، لم تكن تكترث كثيراً بالتعاون الدولي وكانت تحتفل بسياستها الواقعية وكتب كاغان يقول ان اوروبا الآن ضعيفة، وبالتالي، فإنها تفضل القوانين والضوابط وأميركا من جانبها، تريد حرية كاملة في الحركة ويقول كاغان: «الآن وحيث ان الولايات المتحدة قوية، فإها تتصرف كما تفعل الدول القوية». ولكن هذا الرأي يفسر التاريخ بصورة خاطئة ويسيء فهم المنزلة الفريدة التي احتلتها اميركا في دبلوماسية القرن العشرين فلقد كانت اميركا اقوى دولة في العالم عندما اقترحت انشاء منظمة دولية هي عصبة الامم، لادارة العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الأولى. وكانت القوة المهيمنة في نهاية الحرب العالمية الثانية عندما أسست الامم المتحدة واوجدت نظام بريتون وودز للتعاون الاقتصادي الدولي ودشنت معظم المنظمات الدولية الرئيسية في العالم. وطوال الجزء من القرن العشرين، تبنت اميركا فكرة التعاون الدولي لا من منطلق الخوف والضعف وانما من منطلق القوة والثقة. واذا كانت ادارة بوش ترفض هذا النهج، فانها تكون بالفعل، كما اتهمها ريتشارد هولبروك، في حالة «تنصل من خمسة و خمسين عاما من التقليد الذي درج عليه الحزبان الذي سعى وراء اتفاقيات دولية وانظمة مفيدة لنا». ولكن النهج الاحادي يعتبر ايضا عودة الى اسلوب اميركي قديم، وقد يكون ذلك الاسلوب هو اكثر التقاليد الموقرة في السياسة الخارجية الأميركية والراسخة في الاعتقاد بأن الولايات المتحدة هي دولة استثنائية انفصلت عن الدول الماكرة في العالم القديم. ويتفق معظم رجالات السياسة مع توماس جيفرسون عبر ما حذر من «الاحلاف المعقدة». وكان منبع التخوف هو ان الارتباط مع القوى الأوروبية سيكون مفسدا من الناحية الاخلاقية. وكان جون كوينسي ادامز، في خطابه الشهير الذي ألقاه في الرابع من يوليو 1821 قد اعلن ان «اميركا لا تذهب للخارج سعيا وراء الوحوش لكي تدمرهم» ثم فسر سبب ذلك قائلا: «انها تعرف جيدا انه ما ان يتم ادراجها تحت اعلام اخرى غير علمها.. فانها ستورط نفسها.. في جميع الحروب المتعلقة بالمصلحة والمكائد والجشع الشخصي والحسد والطموح. وقد تصبح دكتاتور العالم، ولن تعود الحاكمة على روحها الخاصة» ان التحرك الاحادي الجانب لا يعني الانعزالية، فأميركا نفسها بدأت كثلاثة عشر مستوطنة اقيمت شرق جبال اليغيني واصبحت امبراطورية قارية شاسعة من خلال الدبلوماسية النشطة والصفقات المالية، في العديد من الحالات، من خلال الحرب. وكانت السياسة الخارجية على الدوام جديرة بالاهتمام عندما كان الهدف هو التحول، الذي كان يعني في هذه الحالة فرض الطابع الاميركي على اراض جديدة. ولكن الدبلوماسية، كالمعتاد، كان يتعين اجتنابها. والسياسة الدولية كان يتعين اجتنابها وليس التورط بها. ولا تزال فكرة التحرك من طرق واحد تحظى بجاذبية شعبية، وبخاصة في الجنوب، الذي يعتبر الآن قاعدة للحزب الجمهوري. ولكنها لا يمكن ان تكون مبدأ منظما للسياسة الخارجية. فهي نظام او وسيلة على اقصى تقدير. اما الاسئلة الجوهرية حول النهج الاميركي ازاء العالم فتدور حول الغايات. فلقد استخدمت ادارة بوش في الغالب قوة اميركا الاستثنائية بصورة فاعلة، شاقة طريقها حول عدد من القضايا المحددة بدءا من المعاهدة المضادة للصواريخ الباليستية. وحتى مسألة انتاج العراق للاسلحة. ولكن ماذا تضيف هذه القضايا للصورة الاوسع؟ وما هي اهداف السيطرة الاميركية؟ ان الاجابة التاريخية عن ذلك السؤال يمكن ان يجدها المرء في الحركة «التبشيرية» البريطانية في القرن التاسع عشر التي تم تبني اهدافها المعلنة، وهي ادخال الحضارة للدول النامية والغاء تجارة الرقيق والتحرك ضد انتهاكات حقوق الانسان ونبذ الحكومات الاستبدادية، من قبل الليبراليين، وابرزهم وليام غلادستون. وفي العصور الحديثة، تعتبر الرؤية الانجلو ـ اميركية لسياسة خارجية مثالية مرتبطة بشكل وثيق بالرئيس وودرو ولسون. كان ويلسون، من نواح عديدة، فاشلا كرجل سياسي، فقد كان رجلا عنيدا لا يملك مهارات كبيرة في التفاوض او الوساطة، وكان غير قادر على حمل بلده على القبول بأهم مشروع له وهو «عصبة الامم» حيث اسقطه مجلس الشيوخ انطلاقا من عدم الاستعداد لالزام اميركا بالدفاع عن شيء كبير وغامض، مثل النظام العالمي. ولكن على الرغم من جميع اخفاقاته العملية، الا ان افكاره قد صمدت بل وانتصرت بالفعل، واليوم عندما يذهب أحد ما الى الجدل لصالح حقوق الانسان والديمقراطية ويدعو الى منح حق تقرير المصير لسكان الاقليات او تفكيك الامبراطوريات الاستعمارية وينتقد الدبلوماسية السرية والازدواجية او تدعم القانون الدولي والمنظمات الدولية، فانه يوصف بأنه «ويلسوني». بقلم: فريد زكريا ترجمة: ضرار عمير عن «نيويوركر»

Email