تبيع الماء في حارة السقايين، الغزو الاقتصادي الأميركي العابر للحدود يجتاح كوبا

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 2 شعبان 1423 هـ الموافق 8 أكتوبر 2002 سكان ستيفن زيجلر، النيويوركي ذو الوجه الأحمر، يتصبب عرقاً وهو يستعد لما يمكن ان تسميه «بيع الماء في حارة السقايين» حيث يبحث عن موطيء قدم له في كوبا لتوظيف سلعة تعتبر أشهر شراب تقليدي في الجزيرة الساحرة، ويدعى هذا الشراب «موكيتو» ويقدمه المستثمر الأميركي معلباً على خلاف الطريقة المعتادة محلياً المتمثلة بإعداد كأس الشراب المنعش طازجا لحظة طلب الزبون له. ومع ان زيجلر لا يملك فكرة واضحة عن احوال السوق هناك، بيد أنه يتمتع بإيمان مطلق بانتاجه الذي اطلق عليه اسم «موكيتو مارتي» المعمد بشرف خوسيه مارتي، البطل القومي الكوبي. فلقد تحولت صالات المعرض الكوبي (بابكسو)، الواقع الى الشرق من هافانا، إلى مخزن لتفريغ بضائع عشرات المنتجين الأميركيين وغيرهم الذين حملوا تصاريح دخول ضخمة على صدورهم وراحوا يفرغون منتجاتهم ويجهزون دكاكينهم الصغيرة من أجل المشاركة في اول معرض تجاري أميركي في كوبا منذ اكثر من اربعة عقود. أكثر من اي خطاب، كانت حقيقة النزاع السياسي والحصار الاقتصادي، الذي تفرضه واشنطن على كوبا ممثلة بمنافسات الساعة الأخيرة وكسر الأطواق الحديدية وقرع موسيقى أجراس الهواتف النقالة والملصقات الاعلانية والعلامات التجارية واللافتات وواجهات العرض الزجاجية والعارضين الذين يعلنون عن الوصول المكلف والشاق، لكنه وصول في النهاية لرأس المال الزراعي ـ الغذائى الأميركي الى كوبا. ويمثل زيجلر شركة «ساتمان امبورتس» المنتجة للجعة والنبيذ والمشروبات الكحولية مثل «روم مارتي»، المادة الاساسية التي يحضر منها الموكيتو في الزجاجات التي تلمع عليها صورة لاشهر شاعر ثائر في القرن التاسع عشر ويقول انه منذ سنتين وهو يبيع خلطته (روم ابيض ومياه معدنية، ونعناع وليمون وسكر) في 38 ولاية من بلاده وانه لا يخشى المنافسة مع الكوبيين انفسهم. يقول فيليبي بينالدي، مدير التسويق العالمي لشركة «مسترفودس» الفرع البورتوريكي لشركة «مارس»، انه لن يعقد صفقات تجارية نهاية هذا الاسبوع لكنه يريد ان يحمل معه الى موطنه الاصلي تقريراً محدداً عما يمكن ان يفعله في كوبا وهو يعرض في دكانه الصغير منتجات غذائية عدة من بينها أرز يحمل العلامة التجارية التي يتذكرها من تزيد اعمارهم عن الستين عاماً في كوبا كمرادف للحبة الجيدة التي كانوا يشترونها للولائم والمناسبات الكبرى. وبالنسبة لهؤلاء الرجال فإن الحرب الباردة قد اصبحت من الماضي وان الموجود الآن هو سوق يقع على بعد 40 ساعة عبر البحر وأن حجم التداول في هذه السوق عام 2005 سيبلغ ما قيمته مليار وخمسمئة مليون دولار. والقرار يعود لهم، فأما ان يأخذوه او يتخلوا عنه. وقد كان الوصول مكلفاً وشاقاً لأن المفاوضات مع الكوبيين للتحضير للمعرض انتهت في الثالث من شهر يونيو الماضي اثر عملية روتينية متشابكة ومعقدة فرضتها قوانين الحصار الاقتصادية، ما يعني ان فترة التجهيز للمعرض اقتصرت على ثلاثة شهور فقط في حين يتطب ذلك في الاحوال العادية سنة كاملة على الأقل. وتشير قائمة المشاركين البالغة 288 شركة من 33 دولة على ان الرهان كبير، بالاضافة الى قائمة المواد المعروضة التي لم توفر شيئا من المنتجات الاستهلاكية والغذائية الامر الذي يعيد للذاكرة السطر الأول من كتاب «رأس المال» لكارل ماركس والذي يقول بأن «ثروة المجتمعات التي يسيطر فيها اسلوب الانتاج الرأسمالي تقدم تراكما هائلا للسلع». وعلى الرغم من الطابع التجاري للمعرض إلا انه يتمتع بوزن سياسي أكثر منه اقتصاديا. ذلك ان العمليات التجارية التي قامت بها كوبا مع شركات اميركية، مستغلة الفجوات القانونية للحصار، لم تتجاوز في أحسن حالاتها 140 مليون دولار في السنوات العشر الأخيرة. بالاضافة الى ان شرط العقود الجديدة هو انها يجب ان تدفع على الفور وفقا للمعيار نفسه. لكن الايام الخمسة للمعرض تمثل اكبر رأسمال سياسي تعرضه كوبا والأميركين من مستثمرين ومشرعين ومسئولين حكوميين المناصرين لكسر قيود التجارة الحرة الثنائية وفي هذا السياق وصل الى كوبا جيسي فنتورا، حاكم ولاية «مينيسوتا»، وهو ثالث حاكم ولاية اميركية يزور كوبا خلال عقود أربعة، ليفتتح هذا المعرض كجزء من جولة احدثت اعصاراً سياسيا في الولايات المتحدة. وقد حاول جيب بوش، حاكم فلوريدا شقيق الرئيس الأميركي اقناعه بعدم الذهاب الى كوبا خصوصا وان حملة الرئيس بوش الانتخابية في فلوريدا اعتمدت الى حد كبير على اصوات المهاجرين الكوبيين المعارضين لنظام كاسترو. وقال فنتورا للصحافيين الذين كانوا في انتظاره في هافانا ان على جيب بوش ان «ينشغل بانتخابات فلوريدا. فهناك اشياء كثيرة يجب عليه القيام بها. ولا يتعين عليه ان ينشغل بشئون مينيسوتا. فأنا من يهتم بولايتي. ترجمة : باسل ابوحمدة عن «لاهورنادا» ـ المكسيك

Email