نصف سكانها يؤمنون بالظواهر الخارقة، تشومسكي: أميركا هي الأمة الأكثر تشدداً في عصرنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 28 رجب 1423 هـ الموافق 5 أكتوبر 2002 يؤكد نعوم تشومسكي ان الولايات المتحدة وليس غيرها هي الأمة الأكثر تشدداً في زماننا وهذا ليس رأيي الشخصي فحسب، بل انه واقع عملي كما يقول. ونعوم تشومسكي معروف بكونه اكثر شخص يستشهد به في الأدب، ومع ذلك نجده يشكك بالاحصائيات المتعلقة بكونه حقيقة المؤلف المقصود بهذا الاستنتاج، وفي مناسبات سابقة قال حول هذا الموضوع انه لو كان كذلك فعلاً لأصبح غير مرموق، فكروا لو أن ماركس ان لينين أو ماو أو كاسترو ظهروا كأكثر أشخاص يستشهد بهم في الأدب الغربي. لكن على الرغم من السعي الحديث للاطلاع على أعماله وآرائه في شبكة الانترنت، وكذلك واقع ان يستشهد به بهذا القدر من التكرار لا يعني الأمر ذاته الذي تعنيه السلطة والجاه، إلا اننا لا يسعنا التخلي عن الاشارة إلى ان الأمر يتعلق بأحد أهم النجوم الفكرية، فهو لغوي ومحلل ناقد لوسائل الاعلام الاميركية وسياسة الولايات المتحدة سواء الداخلية منها أم الخارجية. ويؤكد الرجل الذي علا نجمه في خمسينيات وستينيات القرن الماضي من خلال مساهماته الكبرى في علم اللسانيات وبرز كأحد أكثر الاشخاص نشاطاً في الحركة ضد الحرب الفيتنامية، علما ان معظم وسائل الاعلام لا تلتزم بعملها الموصل والتربوي، وإنما تكرس نفسها لاعادة انتاج دعاية مكررة لغسل العقول وخصص تشومسكي السنوات الخمس عشرة الأخيرة من حياته للسفر حول العالم مقدماً محاضرات حول السياسات الخارجية لبلاده، الولايات المتحدة، وكذلك الوضع العراقي ودور وسائل الاعلام ورد المثقفين. إننا نتحدث عن مؤسسة متنامية، مؤسسة يلجأ إليها أشخاص جدد في كل مرة أكثر من سابقاتها، آخذين بعين الاعتبار ان دور الولايات المتحدة في السياسة العالمية قد نمى بالطريقة ذاتها وكذلك الانتقادات التي تصاعدت بدورها أيضاً. يقول تشومسكي: الولايات المتحدة هي وبدون شك الأمة الأكثر تشدداً في العالم، وهذا ليس رأيي الشخصي، بل انه واقع عملي، فنحن نتحدث عن بلد يؤمن 50 بالمئة من سكانه بأن عمر العالم هو 6000 عام، نتحدث عن بلد يؤمن 50 بالمئة من سكانه بالظواهر الخارقة، ولادراك ذلك ما عليك سوى التركيز على وزير العدل أشكروفت، ولو كان هو من كتب بنفسه الأناشيد الدينية، لفرض أوقات قيلولة كذلك، وتاريخياً كان الديمقراطيون هم السباقون في مجال التصنيع، أما هذا فلم يحدث مطلقاً في الولايات المتحدة. ومع ذلك يصر تشومسكي على ان الولايات المتحدة هي المجتمع الأكثر تحرراً الذي عرفته الانسانية، لكنه مجتمع ذري ـ الناس مصابون بالاشعاع الذري ـ حيث لم يعد الناس يؤمنون بالديمقراطية وحيث الكنيسة هي المؤسسة الوحيدة التي توحد الشعب.وعلى الرغم من ان نعوم تشومسكي معروف في جميع أنحاء العالم من خلال تحليلاته كأستاذ بارز ومحاضر إلا انه يذكرنا بأنه لهذا السبب بالذات تأخذه الصحف الأميركية على محمل الجد اكثر من غيره، لذلك نجد مقالاته والتعليقات على كتبه، التي حقق العديد من أفضل المبيعات تنتشر مع مقالات قليلة الجدية مثل: رسائل إلى البابا تدعوه لشرب القهوة. وهذا الموقف يؤكد ثانية فقط على نقده لوسائل الاعلام بنموذجها الدعائي الذي تناوله تشومسكي مع ادوارد هيرمان في كتاب صناعة المبدأ الصادر عام 1988 والذي يؤكد ان وظيفة وسائل الاعلام هي تدريب ذهنية الناس نحو الولاء للحكومة والنظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ووسائل الاعلام مسيطر عليها من قبل ممثلين تجاريين مزعجين، وهؤلاء مثلهم مثل أي صناعة أخرى، يخضعون لمنطق الربح، ولذلك سيكون مثالياً رومانسياً خالصاً التفكير بأن تلك الصناعة من الممكن ان تدير ظهرها لمصالحها الذاتية الخاصة.أما نظام الدعاية فإنه يعمل في الأنظمة الديمقراطية الغربية أفضل بكثير من عمله في النظم الاستبدادية فلقد كان معروفاً في الاتحاد السوفييتي ان معظم معلومات وسائل الاعلام الرسمية كانت ملفقة وكاذبة، وهذا الوضع يختلف في النظام الدعائي الغربي، فهو معقد اكثر ومنقى بشكل جيد.خذ على سبيل المثال شكل الحديث حول الحرب ضد العراق حيث الحديث عن «وجود صراع» بحد ذاته هو دعاية صافية.ويقول: اعتقد ان الصقور في واشنطن على حق عندما يقولون ان العراق سيسقط مثل منزل ورق لحظة اجتياح الولايات المتحدة له فهذه البلاد مدمرة تخضع لعقوبات قاسية وتمثل خصماً يمكنه الدخول في نزاع مع الولايات المتحدة. وتشومسكي لا يتفق مع أولئك الذين يؤكدون على انه وجدت مقاومة أكبر أثناء الحرب الفيتنامية. أنا أرى العكس تماماً، ففي عام 1965 عندما عززت الولايات المتحدة مشاركتها العسكرية في حرب فيتنام، لم تكن مقاومة ذلك التصعيد العسكري تشبه في شيء ما الحديث عنه انه كان، لا في أوروبا ولا في الولايات المتحدة فتلك لم تكن سوى الطريقة ذاتها التي عاملنا بها السود، كانت سلوك وفكر اليمين وجزء من اليسار الجاهل. وتجلى نشاط نعوم تشومسكي السياسي في عام 1965 حين أعلن ان أحداً قد التزم بهذا القدر من التأخير، لا يملك بالمطلق أي شيء يجعله يفخر بنفسه.وفي يومنا هذا وبعكس تلك الاحداث توجد مقاومة شعبية جماعية في مواجهة الحرب التي تعد العدة لشنها ضد العراق، فالكرة الأرضية أصبحت بدون شك مكاناً أكثر تمدناً، ويضيف تشومسكي متفائلاً ان هذا لا يذكر للمثقفين في هذه الاثناء، فهم متفقون عموماً مع الحس العام. ومثل الكثير من النقاد الاميركيين الآخرين، نشأ تشومسكي في وسط مجتمع مهاجر، وعن تلك البيئة ذاتها التي تطور فيها، يخبرنا بأنه يتذكرها مثل ثقافة فكرية حية جداً: مسيطر عليها من قبل أفكار يهودية متطرفة في نيويورك. أما مكان تعلم السياسة فكان دكاناً للصحف لعمه في نيويورك حيث لعب هذا الدكان دور موقع للاجتماع السياسي بالنسبة للاجئين السياسيين والمنشقين: لم أجد أبداً مثقفين يتناقشون بهذا القدر مثل ما كان يحصل في ذلك المكان، وفي مقابل ذلك يمكنك ان تجد في مراكز طلابية كثيرة وفي أكثر الجامعات احتراماً اساتذة باعداد كبيرة من الممكن ان يعاد توظيفهم ليحلوا مكان موظفي المكاتب المهذبين جداً. لقد ترعرعت في ولاية ماساشوستس حيث وجدت هناك قبل مئة عام طبقة عاملة متوقدة وحيث كان يتم الحديث عن عالم آخر محتمل، مع ان هؤلاء العمال لم يكونوا قد قرأوا ماركس لكنهم شاهدوا العمل المأجور على انه عبودية واعتقدوا بأنه لم يكن اكثر من طبيعي وعادي المطالبة بديمقراطية صناعية. ويخبرنا تشومسكي أنه أنجز في مناسبات عدة تحقيقات لمعرفة ما يعتقده الاميركيون انه مودع في الدستور: هل تعرف ان الغالبية تعتقد ان مصالحة راسخة بشكل نهائي في الدستور الاميركي؟ وإذا سألت الناس عما يفهمونه من الحس العام فإنهم يجيبونك عادة بكثير من الحس العام، وذلك أنهم يفكرون ويؤمنون بالاشياء نفسها التي آمن بها أولئك العمال قبل مئة عام، وإذاً هل استسلمنا؟ يقول لنا الاستاذ الاميركي مبتسماً: من نافل القول ان عالماً آخر هو أمر ممكن، وإذا لم يكن كذلك فبأي شيء آخر سوف نؤمن؟ ترجمة: باسل أبو حمدة عن «ربليون» اسبانيا

Email