الذكاء العاطفي ـ التحصيل الدراسي ليس ضمانا كافيا للنجاح والسعادة، خمس مهارات يكرسها الذكاء العاطفي كفيلة بنجاح الكثيرين

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس 26 رجب 1423 هـ الموافق 3 أكتوبر 2002 من المؤكد أن نسبة الذكاء العالية عند الانسان ليست ضمانا للنجاح والسعادة والفضيلة ولكن حتى ظهور الكتاب الذي نناقشه هنا «الذكاء العاطفي» كنا نستطيع ان نخمن الاسباب فقط، ويعرض علينا تقرير دانيال جولمان الذكي في حدود علم النفس وعوالمه والعلوم البيئية رؤية جديدة مذهلة لـ «تفكيرين أو دماغين» هما العقلاني والانفعالي او العاطفي وكيف يشكلان معا، مصيرنا وحياتنا المستقبلية. ومن خلال العديد من النماذج والامثلة الحية يصور جولمان خمس مهارات ذكية انفعالية، ويظهر كيف تحدد هذه المهارات نجاحنا في العلاقات والعمل بل وفي صحتنا البدنية، وما يتمخض عن كل ذلك هو وسيلة جديدة بالكامل للحديث عن كيان ذكي. ان الجانب المضني يتمثل في ان «الذكاء العاطفي» ليس مثبتا في فترة مبكرة من الحياة فكل والد وكل استاذ وكل متنفذ في مجال المال والاعمال والتجارة وكل شخص له اهتمام في مجتمع مدني اكثر له حظ في هذه الرؤية الملزمة للامكانية البشرية. وفي رأي المؤلف سر النجاح لا يكمن في ذلك الذي تعلمته في المدرسة، اما ما يهم اكثر ليس الذكاء وليس حمل درجة علمية اكاديمية، وليس معرفة التقنية من خلال سنوات الخبرة، وانما العامل الأهم والوحيد في الاداء الوظيفي والتقدم هو الذكاء العاطفي الذي هو في الحقيقة والواقع مجموعة من المهارات يستطيع اي شخص ان يحصل عليها. اما بالنسبة للزعماء فان الذكاء العاطفي هو في الغالب 95 في المئة مما يصنف النجوم ويميزهم عن الاشخاص المتوسطين. وكما يوثق كولمان فان الذكاء العاطفي هو المكون الجوهري للوصول والبقاء في القمة في أي ميدان، وحتى في المهن ذات التقنية العالية وكذلك فان المؤسسات التي تتعلم كيف تجري عملياتها بوسائل ذكية عاطفية هي الشركات التي ستبقى حيوية ودينامية في سوق تنافس اليوم وفي المستقبل. وتساق هنا مقولة لارسطو يؤكد فيها ان «اي شخص يمكنه ان يصبح غاضبا، بل ان هذه الانفعالية سهلة. لكن اذا اردت ان تفجر غضبك تجاه الشخص المناسب وبالدرجة المناسبة للغرض المناسب وبالطريقة المناسبة فان ذلك ليس سهلا». في رحلة الحياة اليومية يمر الانسان بتجارب كثيرة، ويرى المؤلف ان غير المألوف قد يفزع الانسان ويرعبه، ففي يوم قائظ شديد الحرارة، عندما يبادرك سائق الحافلة بابتسامة طيبة، وبابتسامة يفوح منها عبق الحماس، ويتلقاك بحرارة وانت تصعد الى الحافلة، لابد انك ستصدم خاصة عندما تبدأ الرحلة، ويلقي السائق ملاحظاته على الركاب، ويقدم لهم النصائح عن افضل الاماكن في مدينة نيويورك التي يمكن زيارتها. وينتاب الركاب الرهبة، لكن كل ذلك الخوف يتبدد عندما يهبط الركاب، ويبتسم السائق الاميركي من اصل افريقي ويودعهم بعبارة «الى اللقاء اتمنى لكم يوما طيبا!». ولأول مرة يرد الركاب بابتسامة مماثلة. ويقول المؤلف عن هذه التجربة لقد علق هذا اللقاء الفريد في ذاكرتي قرابة العشرين عاما. وعندما ركبت حافلة ماديسون افينو تلك كنت قد انهيت للتو دراسة الدكتوراه في مجال علم النفس، ولكن كان الانتباه نحو سيكولوجية اليوم لكيفية حدوث تلك التحولات في الحياة اليومية نادرا، فعلم الاجتماع لم يكن يعرض سوى القليل أو لا شيء عن آليات العاطفة، ومع ذلك فان تخيل انتشار فيروس المشاعر الطيبة التي لا شك انها انتشرت في المدينة وبدأت من ركاب حافلة ذات السائق، ورأيت ان سائق الحافلة ذاك هو من النمط الذي يلعب دور العنصر المهدئ والملطف في اجواء المجتمع الحضري، وهو كالساحر في قدرته على تهدئة حالة الضيق والتذمر عند الركاب وتهدئة وفتح القلوب قليلا. وفي تناقض صارخ مع هذا النموذج هناك نماذج من الصحف تعبر عن ذلك. في مدرسة اميركية محلية قام صبي لا يتجاوز التاسعة من من عمره بسكب الدهان على مقاعد الصف واجهزة الكمبيوتر وعلى سيارة كانت تقف في موقف المدرسة، وبسبب هذا الغضب ان زملاءه في الصف الثالث الابتدائي اطلقوا عليه لقب «طفل» واراد ان يبرهن العكس». بالنسبة للضحايا من الاطفال دون الثانية عشرة فان 57 في المئة من القاتلين هم من اولياء الامور او زوج الام او زوجة الاب. وبالنسبة لنصف الحالات فان اولياء الامور يقولون انهم كانوا يحاولون تربية الطفل، وكانت الدوافع وراء ضرب الاطفال كلها نتيجة لعدم التزام الطفل، مثل تعطيله للتلفزيون او البكاء او اتساخ الحفاضات. يحاكم صبي الماني بتهمة قتل خمس سيدات وفتيات تركيات في حريق اضرمه اجتاح منزلهن اثناء نومهن، وقال ان جانبا من تصرفات مجموعة النازيين الجدد ناتج عن عدم التمكن من الحصول على وظائف ومن تحميل الاجانب في المانيا مسئولية البطالة. وتوسل بصوت واضح ومسموع قائلا «لا يسعني الا القول انني اسف لما ارتكبناه وأشعر بخجل شديد من نفسي». تياران متناقضان في كل يوم تحمل التقارير مؤشرات الى تدهور القيم الاخلاقية والامان. ولكن الاخبار اليومية تنعكس علينا على مستوى واسع وعلى شكل احساس كاسح من العواطف والانفعالات تخرج عن نطاف السيطرة في حياتنا وبالنسبة لاولئك من حولنا. والحقيقة ان احدا لا يمكنه ان ينعزل عن هذا المد غير المستقر بين فورات الغضب والاسف، وهي تصل الى كل حياتنا بطريقة او اخرى. العقد الاخير شهد تقارير مثيرة مثل هذه وهي تصور تصاعد وتيرة الانفعالات واليأس والرعونة في اوساط الاسر الاميركية وفي الجاليات، وفي حياتنا الجماعية، وسجلت هذه السنوات زيادة حدة الغضب واليأس سواء كان ذلك بين الاطفال الذين يعيشون حياة هادئة او بين الاطفال الذين يتركون مع مربيات واجهزة التلفزة، او في ألم معاناة التخلي والهجران والاهمال او الاهانة والاعتداء او وسط اسرة تخيم عليها مشكلات التوتر المحتدمة بين الوالدين. ويمكن قراءة بصمات الملل وانتشاره في اعداد تظهر انغماسا في حالات الاكتئاب في مختلف انحاء العالم وفي ارتفاع مد العدوان. بين المراهقين الذين يستخدمون المسدسات في المدارس او موظفين ناقمين على اوضاعهم يستخدمون الاسلحة ضد زملائهم في العمل والاساءة العاطفية التي يدمنها اطلاق النار واجهاد ما بعد الالم كلها تدخل في معجم العقد الماضي حيث شعار الساعة انتقل من التحية المثيرة للبهجة «اتمنى لك يوما سعيدا»! الى عبارات اختبارية. في يومنا هذا يثيرنا تياران متعارضان الاول يصور لنا تنامي الفاجعة في حياتنا العاطفية المشتركة، والثاني يعرض بعض العلاجات التي تزرع الامل في قلوبنا. خلال العقد الماضي، وعلى الرغم من الانباء السيئة، فانه شهد انطلاقة دراسات علمية عن الانفعالات العاطفية، واكثر هذه الدراسات القاء نظرات خاطفة على الدماغ وهو يقوم بنشاطه واصبح ذلك ممكنا بأساليب ابتكارية، مثل تقنيات التصوير الطبقي. وقد أصبح لاول مرة ظاهرا للعيان، ولأول مرة في تاريخ البشرية، ما كان دائما يعد لغزا عميقا فكيف تعمل هذه الكتلة المعقدة من الخلايا بينما نحن نفكر ونتخيل ونحلم؟ فهذا الفيض من البيانات البيولوجية العصبية يتيح لنا الفرصة للفهم بوضوح اكبر حول مراكز العواطف والانفعالات التي تثيرنا فنغضب او نبكي. وكيف مراكز قديمة في ادمغتنا تقودنا الى الحرب او الى الحب او الى مشاعر اكثر سوءا، وتسلط هذه الايضاحات غير المسبوقة الخاصة بعمل العواطف ونقاط ضعفها الاضواء على بعض العلاجات الجديدة لأزمتنا العاطفية الجامعية. ما العاطفة؟ القلب هو البصيرة التي يرى بها الانسان ما هو ابعد مما تراه العين في احيان كثيرة، ولنستعرض اللحظات الاخيرة لجاري وماري جين تشونسي، وهما زوجان كرسا حياتهما بالكامل لابنتهما اندريه التي كانت حبيسة كرسيها نتيجة لاصابتها بالشلل. وفي احدى المرات كانت الاسرة مسافرة على متن قطار عندما هوى في نهر بعد ان ارتطمت سفينة نقل بجسر يمر عليه القطار. وفكرا اولا بابنتهما وبذل الزوجان قصارى جهدهما لانقاذ ابنتهما اندريه، ودفعا بها عبر النافذة الى المنقذين، قبل ان تفيض روحاهما الى بارئهما. وتشير قصة اندريه الى والدين كان اخر عملهما البطولي هو التأكد من نجاة طفلتهما، واظهرا لحظة من الشجاعة الاسطورية، بدون شك فان حوادث تضحية الوالدين من اجل الابن او الابنة، وهي صورة متكررة منذ الازل واعدادها لا تحصى في التاريخ البشري. ومثل هذه التضحية الابوية بالذات هي في خدمة نجاح التكاثر في نقل جينات الوالدين الى الاجيال المقبلة. لكن من وجهة نظر الوالد او الوالدة فان اتخاذ قرار حاسم في لحظة ازمة فان ذلك ليس الا تعبيرا عن الحب. ولكن ماذا عندما تتغلب العاطفة على العقل؟ انها مأساة اخطاء، فعندما كانت الفتاة المراهقة ماتيلدا كرابتري تعد مقلبا لوالدها قفزت من مقصورة وصرخت «بووو» عندما حضر والداها في زيارة صباحية لاصدقاء. لكن بوبي كرابتري وزوجته اعتقدا ان ماتيلدا كانت مع صديقاتها في تلك الليلة، وما ان سمع اصوات الضجيج في المنزل حتى اسرع كرابتري الى مسدسه ودخل الى غرفة النوم للتحقق من مصدر الضجة. وعندما قفزت ابنته من خزانة الملابس اطلق النار فأصيبت في رقبتها وبعد 12 ساعة من الحادث توفيت ماتيلدا. من الدوافع الانفعالية البدائية في حياتنا الخوف الذي يجعلنا نستنفر قوانا لحماية اسرتنا من الخطر. ذلك الدافع جعل بوبي كرابتري يشهر مسدسه ويبحث في منزله عن دخيل والخوف حفز كرابتري على اطلاق النار، قبل أن يتأكد من طبيعة الشيء الذي كان يطلق الرصاص عليه رد الفعل التلقائي من هذا النوع اصبح حافزا لتنبيه جهازنا العصبي، وهو موقف بدائي في حياة الانسان لانه لفترة طويلة وحاسمة في حياة انسان ما قبل التاريخ كان يميز ما بين النجاة والموت. والاكثر من ذلك اهمية فقد كانت لذلك اهمية في الاطوار الاولى من حياة الكائن البشري، مفارقة محزنة في وضعية المأساة التي حدثت في منزل كرابتري. الدوافع للعمل والتحرك يقول المؤلف في يوم ربيعي، واثناء قيادة سيارتي على الطريق الرئيسي عبر الجبال في كولواردو، هطلت الثلوج فجأة، وحالت دون رؤيتي الطريق لبضعة امتار بينما كنت احملق بعيني لرؤية الطريق جيدا، لم يكن باستطاعتي تبين اي شيء، وبات الثلج المتدفق يشكل حاجزا ابيض وما ان ضغطت على مكابح السيارة حتى تدفق الدم مسرعا في جسمي وسمعت دقات قلبي بقوة، وتملكتني حيرة شديدة وتصاعدت الحيرة والارباك وتحولا الى خوف كامل واوقفت سيارتي على جانب الطريق وانتظرت حتى عبرت موجة الثلج الكثيف. وبعد نصف ساحة توقف هطول الثلج وعادت الرؤية الواضحة من جديد وواصلت سيري بالسيارة وعلى بعدة مئة متر كان طاقم سيارة اسعاف يساعد شخصا في سيارة صدمت من الخلف، واعاق التصادم الحركة على الطريق الرئيسي، وقلت لنفسي لو انني واصلت قيادة السيارة وسط ذلك الثلج المعرقل للرؤية لكنت اصطدمت بالسيارتين. ولا شك في ان الخوف الحذر الذي شعرت به في ذاك اليوم قد انقذ حياتي، لقد كنت اشبه بارنب مذعور يجري في اعقابه ثعلب، لقد تملكتني حالة داخلية اجبرتني على التوقف وان أولي اهتمامي وان احذر من الخطر الداهم. والحقيقة فان الادوار الانتقالية التي يلعبها كل انفعال تلعب دورا فريدا، وكما كشفت سماتها البيولوجية المتميزة ويكتشف الباحثون باستخدام وسائل جديدة لتفحص الجسم والدماغ تفاصيل فيزيولوجية اكثر حول كيفية اعداد كل عاطفة الجسم لنوع مختلف جدا من الاستجابة. فمع الغضب يتدفق الدم الى اليدين مما يجعل من السهل شهر السلاح او ضرب العدو به وتتضاعف نسبة دقات القلب ويتدفق الهرمون مثل الادرينالين الذي يولد دافع طاقة قويا بما فيه الكفاية للقيام بعمل قوي. وفي حالة الخوف ينطلق الدم ليتوزع في عضلات الجسم على مساحة واسعة خاصة في الساقين مما يتيح للانسان فرصة للهرب ويمتقع لون الوجه نظرا لأن الدم هرب منه مما يؤدي الى الشعور بأن الدم اصبح باردا. وفي الوقت نفسه يتجمد الجسم ولو للحظة، ربما لاتاحة الفرصة لاتخاذ قرار ما اذا كان يمكن الاختباء من الخطر كحل افضل لرد الفعل. وتطلق دوائر في مركز الانفعالات في الدماغ سيلا من الهرمونات التي تضع الجسم في حالة تأهب مما يجعل الجسم حذرا ومتأهبا للتحرك ويتركز الانتباه على التهديد المنتظر وافضل وسيلة لتقويم الموقف استعدادا لاظهار رد الفعل. ومن بين التغييرات البيولوجية الرئيسية في العادة هي زيادة نشاط الدماغ في الوسط، ذاك الذي يثبط المشاعر السلبية ويجمد زيادة في الطاقة المتوفرة وتهدئة لتلك المشاعر التي تولد فكرا مسببا للقلق، لكن لا يوجد انتقال او تغير في الوظائف البدنية. باستثناء الهدوء الذي يجعل الجسم يتعافى بسرعة اكبر من الاستثارة الناجمة عن الانفعالات او الاضطرابات العصبية. ذاك الشكل يقدم للجسم راحة عامة واستعدادا وحماسا لاي مهمة متوفرة وللكفاح باتجاه تنوع عظيم من الأهداف. الحب: عواطف يانعة واشباع الرغبة يحمل معه اثارة للمجموعة السيمباتية وهي عكس الوظيفة البدنية الخاصة بوضعية «قاتل او اطلق ساقيك للريح». رفع الحاجبين للتعبير عن الدهشة والمفاجأة يسمح للعينين بعملية رؤية واسعة وتسمح للمزيد من الضوء بالدخول الى الشبكية. ويقدم هذا الوضع المزيد من المعلومات حول احداث مرتقبة مما يجعل من السهل اكثر تكوين صورة مطابقة لما يجري وتحضير الخطة الافضل للتحرك والعمل. الشعور بالاستياء والاشمئزاز هي مشاعر عالمية وتبعث برسائل متطابقة. كما ان تعابير الاشمئزاز تظهر على الوجه. من الوظائف الرئيسية للحزن المساعدة على التكيف مع خسارة كبيرة مثل موت قريب او عزيز او الاصابة بخيبة امل شديدة، ويؤدي الشعور بالحزن الى انخفاض مستوى الطاقة والحماسة لانشطة الحياة والسعادة وكلما تعمق الحزن واقترب من الاكتئاب فان الحركة الايضية في الجسم تتباطأ. ان هذه النزعات البيولوجية للتحرك او العمل تتشكل بتجربة حياتنا وثقافتنا. وعلى سبيل المثال فان الوفاة بالنسبة لكل كائن بشري تثير حزنه وأساه. تشريح الاختطاف العاطفي في صيف اغسطس العام 1963 وفي اليوم الذي كان مارتن لوثر كينغ يلقي خطابا وسط حشد هائل في واشنطن ويقول «لدي حلم» دفاعا عن الحقوق المدنية، في ذلك اليوم صدر عفو عن اللص ريتشارد روبلز، بعد ان حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات لقيامه بأكثر من 100 عملية اقتحام وسرقة للحصول على المال الكافي لتعاطي الهيروين، وقرر ان يقوم بسرقة اخرى، لقد اراد ان يشجب الجريمة ويتخلى عن هذا الطريق، كما زعم لاحقا، لكنه كان يحتاج الى المال بشدة لاعطائه لصديقته التي انجب منها طفلة بلغت عامها الثالث. في ذلك اليوم كانت الشقة التي اقتحمها لفتاتين جانيسي ويلي «21 عاما» وهي باحثة في مجلة «نيوزويك» واميلي هوفيرت «23 سنة» وهي مدرسة لصف ابتدائي، وعلى الرغم من انه اختار هذه الشقة الواقعة في القسم العلوي من الجهة الشرقية من نيويورك لسرقتها لاعتقاده بأنه لا يوجد فيها احد، لكن ويلي كانت في الشقة واستطاع ربطها بحبل بعد تهديدها بسكين وبينما كان يغادر الشقة حضرت هوفيرت الى المنزل وحتى يطلق ساقيه للريح بدأ روبرت بتقييد الفتاة الثانية ايضا. وكما روى روبلز الحادثة، بعد سنوات قال انه بينما كان يغادر الشقة حذرته ويلي من انه لن يفلت من العقاب: وانها ستتذكر ملامحه وستساعد الشرطة على اقتفائه واعتقاله، واصيب روبلز، الذي يعتقد بأن تكون هذه اخر عملية سطو يقوم بها، بالذعر، التقط زجاجة صودا وضرب بها الفتاتين حتى اغمي عليهما، وبعدها اصيب بنوبة خوف شديدة فحز رقبتي الفتاتين بسكين المطبخ وسدد لهما الطعنة تلو الاخرى. وعندما يتذكر روبلز الجريمة بعد مرور 25 عاما عليها يقضيها في السجن فانه يشعر بالندم ويقول «لقد تلاشيت.. لقد انفجر دماغي». حتى يومنا هذا يقضي روبلز معظم وقته وهو يشعر بالندم على تلك الدقائق القليلة التي اصيب خلالها بحالة من الغضب الشديد وثارت ثائرته. ان هذه الانفجارات الانفعالية هي اختطافات عصبية، ففي تلك اللحظات، كما تبين الادلة، فان مركزا في الدماغ يعلن حالة الطوارئ ويجند باقي الدماغ لحساب اجندتها العاجلة. ويحدث الاختطاف في الحال ويثير رد الفعل ذاك لحظات حاسمة قبيل ان يتمكن لحاء الدماغ المحدث، وهو الجزء المفكر من الدماغ. بأن تتاح له الفرصة بالقاء لمحة كاملة على ما يحدث. ودعنا نفترض ما اذا كانت تلك فكرة جيدة، ومن العلامات المميزة لهذا الاختطاف انه ما ان تمر لحظة فان اولئك الذين يستحوذ عليهم ذاك الشعور لديهم احساس بأنهم لا يعرفون ما يغشاهم او يسيطر عليهم فعلا. ومثل هذه الاختطافات، بدون شك، معزولة وهي حوادث مفزعة كتلك التي تقود الى جرائم وحشية مثل مصرع الفتاتين. وتحدث مثل هذه الاشكال الكارثية، ولكن ليس بالضرورة اقل حدة، لنا بتردد اقل، فكر بآخر مرة فقدت اعصابك وكلت الضربات لشخص ما، زوجتك او طفلك او ربما سائق سيارة اخرى لدرجة بدت لاحقا انك ارتكبتها من دون سيطرة على اعصابك ومن كل الاحتمالات فان ذاك ايضا كان مثل اختطاف سيطرت فيه اعصابك عليك ومصدر ذلك لوزة الدماغ وهي مركز الجهاز الحوضي في الدماغ، ولكن ليس كل الاختطافات الدماغية مسببة للضيق والكرب. فعندما تثير نكتة ضحكات احد الاشخاص ويفرقع ضاحكا، فإن الضحكة تصبح شبه مادة متفجرة، وهي ايضا رد فعل دماغي. وهي لها فعاليتها في لحظات المتعة الشديدة. فعندما فاز دان يانسن بميدالية ذهببية أولمبية في سرعة التزلج بعد عدة ازمات قلبية غلبت زوجته الانفعالات والسعادة، حتى انها نقلت بصورة عاجلة الى الاطباء في المضمار الرياضي لعلاجها. مركز المشاعر القوية اللوزة في اجسام البشر هي مجموعة من الهياكل المتداخلة تقع فوق جذع الدماغ قرب قاع الحلقة الحوفية.. وهناك لوزتان. واحدة على كل جانب من الدماغ تقع باتجاه جانب الرأس. وتعد اللوزة متخصصة في المسائل الانفصالية العاطفية، فإذا بترت اللوزة عن باقي الدماغ، تكون النتيجة عدم القدرة على الاحساس بالاحداث المهمة العاطفية وتسمى هذه الحالة احيانا بـ «العمى المؤثر». ويؤدي فقد اللوزة الى الافتقار لأي تفاعل عاطفي. فعلى سبيل المثال خضع شاب لعملية استؤصلت خلالها اللوزة من دماغه، فأصبح لا يبدي اي رغبة في الاختلاط بالناس، وفضل الجلوس في عزلة بدون اي اتصال مع البشر. وبينما كان قادرا بصورة مثالية على التخاطب والتحادث مع الآخرين، إلا انه لم يعد قادرا على التمييز بين اصدقائه وأقاربه، ولم يعد يتعرف حتى على والدته، وبقي غير مبال بضيق الآخرين. وتعمل اللوزة لمخزن الذكريات الانفعالية، ولذلك فهي ذات اهمية بوظيفتها. فالحياة بدون لوزة الدماغ مجردة من المعاني الشخصية. ودعنا نتذكر ذلك الوضع عندما يتحول الذكي الى مغفل، لقد حدث بدقة عندما طعن الطالب النجيب جاسون استاذ الفيزياء في المرحلة الثانوية باستخدام ساطور المطبخ، ولكن الحقائق ذكرت في التقرير الذي افاد ان جاسون الطالب الحاصل على ترتيب مستوى رفيع في مدرسة بكلورال سبرنيغ بولاية فلوريدا كان همه وأمله الوحيد هو دخول كلية الطب، اي ان حلمه كان الدخول الى كلية الطب بجامعة هارفرد، لكن استاذ مادة الفيزياء ديفيد بولوجروتو منحه 80 درجة في الاختبار. وعندما اعتقد جاسون ان الدرجة مجرد «B» احس ان امله قد خاب فحمل ساطورا الى المدرسة وفي مواجهة مع بولوجروتو في مختبر الفيزياء طعن الطالب استاذه في عظمة الترقوة قبل ان يتمكن اخرون من السيطرة على الموقف. وحكم قاض على الطالب جاسون بالبراءة، وقال ان الطالب اصيب بالجنون خلال الحادث وأقسم 4 أطباء نفسانيون وعلماء نفس على انه اصيب باضطراب نفسي خلال الشجار، وزعم جاسون انه كان يخطط للانتحار بسبب نتيجة الاختبار. وذهب الى استاذه لابلاغه بأنه سيقتل نفسه بسبب هذه الدرجة السيئة. ولكن الاستاذ بولوجروتو روى قصة مختلفة: «اعتقد انه كان يحاول الاجهاز علي بالكامل لانه اصيب بغضب شديد نتيجة للدرجة السيئة. بعد نقله الى مدرسة خاصة، تخرج جاسون بعد عامين وكان الاول في فصله. وبعد ان حصل على درجات عالية تخرج بمرتبة الشرف وكان استاذه ديفيد بولوجروتو لا يزال يشتكي بأن طالبه السابق لم يعتذر قط عما فعله او حتى يتحمل المسئولية عن الحادث. والقضية الآن كيف لطالب شديد الذكاء ومتميز ان يقوم بعمل اخرق مثل ذلك، عمل لا يقوم به سوى مجنون؟ الاجابة هي ان الذكاء الاكاديمي ليس له علاقة بالحياة العاطفية. فالاشخاص من ذوي الذكاء المتوقد يمكن ان يكونوا ضعفاء بصورة مذهلة في توجيه حياتهم الخاصة. والحقيقة ان هناك استثناءات واسعة النطاق من القاعدة القائلة ان اصحاب الذكاء الرفيع يتوقعون النجاح، بل ان هناك الكثير من الاستثناءات اكثر من الحالات التي تنسجم مع القاعدة. وفي احسن الحالات فإن الذكاء يسهم بنسبة 20% بالعوامل التي تحدد النجاح في الحياة. ويترك 80% لعوامل اخرى، وكما لاحظ احد الباحثين فإن الغالبية العظمى من العناصر التي تكمن وراء ارتفاع المكانة في المجتمع تحددها عوامل ليس لها صلة بالذكاء وتتراوح ما بين الطبقة الاجتماعية الى الحظ. وحتى كبار المفكرين، امثال ريتشارد هيرنشتين وتشارلز موريه، لا يعلقون الكثير من الاهمية على الذكاء والاخيران يعترفان بأنه يجوز ان طالبا بدرجات مقبول في الرياضيات، بدلا من التوجه كي يصبح عالماً رياضياً فإنه يدير مشروعه الخاص به فيصبح سيناتورا او يجمع الملايين من الدولارات، ولذلك لا ينبغي ان يفقد احلامه، ان الصلة بين درجات الاختبار وتلك الانجازات تتضاءل في ضوء شمولية السمات الاخرى التي يبعث فيها الحياة. الذكاء العاطفي والمصير لا يوفر الذكاء سوى القليل لايضاح المصائر المختلفة للناس الخاصة بالوعود المتساوية تقريبا وبالدراسة والفرص عندما تمت متابعة 95 طالبا من جامعة هارفرد في فصولهم في اعوام الاربعينيات حتى وصل الجميع الى خريف العمر تبين ان الاشخاص الذين كانوا يحصلون على اعلى الدرجات في الكلية لم يحققوا نجاحاً على نحو خاص في الحياة العملية مقارنة بزملائهم الذين حصدوا درجات منخفضة وذلك ما يتعلق بحصاد الاموال والانتاجية والوضع في مجال العمل، ولم يحققوا ايضا رضا عن الحياة بصورة عظيمة وليس السعادة الاكبر بصداقاتهم وعلاقاتهم الاسرية والعاطفية. وفي متابعة مماثلة لمجموعة تتكون من 450 صبياً معظمهم ابناء مهاجرين ثلثان ينحدران من اسر تعيش على المعونات الاجتماعية ولدوا وترعرعوا في سومرفيل في مساشوستس في وقت كان تكثر فيه مدن الصفيح، ولم تكن مدينة الصفيح تبعد كثيراً عن هارفرد، وثلث هذه المجموعة كانت نسبة ذكائهم 80 وكانوا بدون عمل طوال عشر سنوات او اكثر وكذلك كانت نسبة 7% من الذين سجلت نسب ذكاؤهم اكثر من 100 درجة وللتأكد فقد كانت هناك صلة عامة بين درجة الذكاء والمستوى الاجتماعي الاقتصادي في سن السابعة والاربعين. ولكن القدرات اثناء الطفولة مثل القدرة على التعامل والتغلب على الاحباطات والتحكم بالانفعالات والانسجام مع الناس كانت تشكل اختلافاً اكبر. نوع آخر من الذكاء جودي طفلة لا تتجاوز الرابعة من عمرها لكنها تبدو مراقبة غير رسمية وزهرة بين زملائها الاكثر ميلا للاختلاط الاجتماعي فهي كانت تتوقف عن الاشتراك في اللعب، وتقف عند هوامش الملعب اكثر من الاندفاع الى الوسط، ولكنها في الحقيقة مراقبة متحمسة للسياسات الاجتماعية لابناء وبنات صفها «ما قبل الابتدائي» ويجوز انها الاكثر وعيا من بنات وابناء صفها فيما يتعلق ببعد النظر ولم يتضح بعد نظرها ورؤيتها الثاقبة، إلا بعد ان جمعت مدرستها ابناء الصف لتنظيمهم في لعبة يطلق عليها «لعبة الصف» هي نسخة من بيت الدمى لصف ما قبل الابتدائي. وهي لعبة تخدم الفهم الاجتماعي، وعندما طلبت المدرسة من جودي ان تضع كل بنت وصبي في المكان المناسب من الغرفة والذي يروق لهم والذي يحبون ان يلعبوا فيه «زاوية الفنون، زاوية الالعاب وهكذا» قامت جودي بفعل ذلك بدقة كبيرة. وعندما طلب منها ان تضع كل صبي وفتاة مع الاطفال الذين يحبون اللعب معهم اكثر اظهرت جودي انها قادرة على محاكاة افضل الاصدقاء لكل الفصل. وتكشف دقة جودي النقاب عن انها تمتلك خارطة اجتماعية دقيقة لصفها ومستوى من الفهم استثنائي بالنسبة لطفلة لا تتجاوز الرابعة من عمرها، تلك هي المهارات التي قد تجعل جودي في فترة لاحقة من حياتها تلمع لتصبح نجمة في اي ميدان حيث يصنف الاناس المهرة بدءا من المبيعات الى الادارة الى الدبلوماسية. لقد رصدت ألمعية جودي الاجتماعية وكانت نتيجة لكونها طالبة في حضانة اليوت ـ بارسون في المدينة الجامعية التابعة لجامعة تافت حيث «مشروع سبكتروم» وهو منهاج يهدف الى تثقيف انواع مختلفة من الذكاء الذي يكون في طور التحول في تلك المرحلة. ويبين المشروع ان قدرات الانسان تتجاوز الاعداد والكلمات التي تريد المدرسة ان تجعل الطفل يركز عليها ويعترف المشروع بأن قدرات شبيهة بتلك الخاصة بالفهم الاجتماعي عند جودي هي مواهب يستطيع التعليم ان ينميها ولا يتجاهلها أو يحبطها. وبتشجيع الاطفال على تطوير سلسلة كاملة من القدرات التي يستطيعون القيام بها للنجاح أو استخدامها ببسالة لتحقيقها فيما يقومون به لتصبح المدارس ميداناً لتعليم مهارات الحياة لتصبح المدارس ميداناً لتعليم مهارات الحياة. ويعتقد هاورد جاردنر وهو عالم نفسي من كلية هارفرد للتربية ان هذا المشروع يمنح الوالدين والمدرسين توجيها واضحاً حول الميادين التي يمكن ان ينتهجها هؤلاء الأطفال ويهتمون بها اهتماماً فورياً حيث يمكنهم ان يطوروا الحماس الذي يمكن ان يقودهم يومياً نحو البراعة والتفوق. ويعتقد جاردنر ان تضاعف الذكاء يستمر في التطور، وبعد عشر سنوات من نظريته قدم جاردنر هذه الكلمات الموجزة عن الذكاء الشخصي فقال: «الذكاء البيني للأشخاص هو القدرة على فهم الآخرين: ما يحفزهم على ذلك، كيف يعملون، وكيف يتعاونون معهم، فمندوبو المبيعات الناجحون والساسة والمدرسون والاطباء والقادة الدينيون كل أولئك يرجح انهم أفراد لديهم درجات عالية للذكاء البيني للأشخاص. والذكاء بين الاشخاص هي قدرات مترابطة تنقلب إلى الداخل وهو قابلية لتكوين نموذج صادق ودقيق للذات والقدرة على استخدام نموذج للقيام بدور ما مؤثر في الحياة. ما هي الانفعالات العاطفية؟ الانفعالات العاطفية هي التعبير الذي لا يزال علماء النفس والفلسفة ينتقدونه منذ قرابة القرن، وفي أدق معناه الحرفي يعرف قاموس أوكسفورد اصطلاح emotion بأنه حالات اضطراب في الدفاع والمشاعر والعواطف وأي حالة ذهنية عميقة أو انفعالية ، ويأخذ المؤلف هذه الكلمة على انها اشارة الى المشاعر والافكار الخاصة بها والحالتين النفسية والبيولوجية وحالات من النزوع الطبيعي للتحرك أو العمل. وهناك المئات من الانفعالات العاطفة مع مزيج خاص بها وتنوعات والطفرات والمضايقات. وهناك الكثير من العناوين الفرعية للانفعالات اكثر ما لدى الباحثين والعلماء من كلمات مرادفة لها أو تشرحها. ويواصل الباحثون جدلهم حول اي بالضبط الانفعالات التي يمكن اعتبارها أولية أو يجادلون ما اذا كانت هناك انفعالات عاطفية أولية. ويفترض بعض المنظرين عائلات أساسية على الرغم من ان الجميع لا يشاطرون الرأى. وفيما يلي التعريفات المرشحة الرئيسية وبعض اعضاء عائلاتها: الغضب: الاثارة والحنق واليأس والنبض والضيق والحيرة والعداء ويجوز ان تكون حالات مرضية مثل الكراهية والعنف. الحزن: الأسي، والحزن الشديد وعدم البهجة والكآبة والانقباض والرعب والذعر. الانبساط: السعادة، المتعة، الخلاص الفرحة والمتعة والتسلية. الحب: القبول، الصداقة والثقة، واللطف العشق والافتتان. المفاجأة: الصدمة، المفاجأة والدهشة والتعجب. الاشمئزاز: الازدراء، الغثيان، الاحتقار، التجنب، الخجل: الذنب، الارباك والأسى، الندم، الاذلال، إماثة الجسد. للتأكد من ذلك فإن هذه القائمة لا تحل كل قضية ازاء كيفية فرز العواطف والانفعالات، وعلى سبيل المثال ما هي قضية الخليط مثل الحسد الذي يحتوي على مزيج من الغضب والحزن والخوف، والواقع فإنه لا وجود لاجابات شافية، ولا يزال النقاش العلمي حول كيفية تصنيف العواطف الانفعالية قائماً. ولكن لم يظهر نموذج علمي للعقلية الانفعالية التي توضح ان ما نقوم به يمكن ان يدفعنا بصورة انفصالية الا في السنوات الاخيرة، وهي كيف يمكن ان نكون عقلانيين في لحظة وغير عقلانيين أو منطقيين في لحظات اخرى. والشعور الذي تكون للانفعالات حالاتها المنطقية المتعلقة بها وكيف يكون لها منطقها. ويقدم عدد من العلماء قائمة من الادلة العلمية المختلفة ويوفرون قائمة من السمات التي تميز الانفعالات العاطفية عن بقية الحياة الذهنية

Email