سؤالان يطرحهما الشارع الاسرائيلي، حكومة الكيان لن تصل للحسم في ظل الشروط السياسية الحالية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 24 رجب 1423 هـ الموافق 1 أكتوبر 2002 بمرور عامين على اندلاع انتفاضة الأقصى يطرح سؤالان أساسيان: ماذا كان يحدث لو ان رئيس الحكومة أرييل شارون، الذي كان آنذاك رئيس الليكود ورئيس المعارضة، لم يقم في 28 سبتمبر بزيارة الحرم الشريف، تلك الزيارة التي أثارت مشاعر الفلسطينيين في المناطق والعرب الاسرائيليين؟ هل مع ذلك كانت ستندلع المواجهة العسكرية بين اسرائيل والفلسطينيين تحت ذريعة اخرى وبمناسبة اخرى أو انها كانت ستظهر فرصة اخرى للمفاوضات بعد فشل مؤتمر كامب ديفيد؟ بعد اندلاع المواجهة العنيفة والقتال، حتى وسط الأقلية العربية في اسرائيل، لماذا لم يأمر ياسر عرفات بوقف الاضطرابات مثلما حصل بعد اندلاع أحداث النفق في أعقاب فتح نفق البراق في عام 1996؟ لا شك انه في أواخر العام 2000 كانت لعرفات سيطرة واسعة، ولكنه رغم ذلك صعد المواجهة مما أسفر عن عدد كبير من الضحايا وسط الطرفين. لماذا لم يوقف الزعيم الفلسطيني المواجهة العسكرية في المرحلة التي كان فيها قادرا على ان ينتقل بسهولة بالغة الى جولة اخرى من المفاوضات، ولماذا استمر في المواجهة حتى يومنا هذا؟ ألم يخطيء في التفكير بأنه سينجح في هزيمة اسرائيل؟ لاشك في ان زيارة شارون الى الحرم كانت خطأ فادحا، ولكن ليس الزيارة ـ على الرغم من انها استفزت المسلمين ـ هي التي تسببت في المواجهة الحالية. صحيح ان الزيارة أدت الى سلسلة المظاهرات الاولى، ولكنها ليست السبب للمواجهة الواسعة التي جرت آنذاك، لقد اعتقد رئيس الحكومة الاسرائيلية في ذلك الوقت، ايهود باراك، انه بواسطة الزيارة كان شارون معني بأن يثبت للجمهور بأنه مخلص للحرم أكثر من أي زعيم اسرائيلي آخر وأراد اعتبار الزيارة شأناً أمنياً فقط. وقد حددت تقديرات «جهاز الشاباك» التي قدمت لباراك ان الزيارة قد تمر بدون خلل اذا امتنع شارون عن الدخول الى المساجد والاقتراب منها، وقيل لباراك ان هذا التقدير سلم لشارون وانه وافق على القيود. المعروف انه ليس هذا هو الذي حصل، حيث ان زيارة زعيم اليمين الاسرائيلي ـ برفقة حرس الحدود بأعداد كبيرة ـ أثار الجو. وكان الاحساس لدى الكثير من الناس ان الحديث يدور عن القاء عود ثقاب في مكان قابل للاشتعال. وحقا كان المكان قابلا للاشتعال. وصدقت تقديرات الاستخبارات الاسرائيلية التي كتبت قبل الزيارة الى الحرم بكثير والقائلة ان السلطة الفلسطينية بقيادة عرفات قررت التوجه الى مواجهة عسكرية مع اسرائيل اذا لم تحقق أهدافها بالمفاوضات. وهذا التقدير سيجيب عن السؤال الثاني آنف الذكر: عرفات لم يوقف المواجهة في مراحلها الاولى لانه توقع آنذاك احراز انجازات كبيرة. اضافة الى ذلك وعلى ضوء سقوط العدد المرتفع من المصابين الفلسطينيين بنيران الجيش الاسرائيلي لم يكن يستطيع وقف المواجهة قبل ان يثبت تحقيق نصر معين. وقد قالت شخصية فلسطينية طلب منها اجمال الانجازات الفلسطينية منذ بداية الانتفاضة انه على الرغم من الثمن الذي دفعوه فقد حققوا انجازين مذهلين: تقليص النسبة في ميزان الدم الاسرائيلي والفلسطيني - اذ كانت في بداية الانتفاضة بنسبة قتيل اسرائيلي مقابل 11 قتيلا فلسطينيا، فقد وصلت اليوم الى قتيل اسرائيلي مقابل ثلاثة قتلى فلسطينيين - والوضع المتدني لاسرائيل في الرأي العام العالمي، أي المس باسرائيل والضرر السياسي لاسرائيل هما الاعتباران المركزيان في التقديرات الفلسطينية للمواجهة. ولكن من الناحية الاستراتيجية يجب دراسة الانجازات الفلسطينية بصورة مختلفة تماما. هدف عرفات كان اجبار اسرائيل على تقديم تنازلات بوسائل القوة. ولما لم تبادر اسرائيل الى المواجهة فان اهدافها تنبثق الى حد كبير من القرار المبدئي بمنع تحقيق الانجازات الفلسطينية، أي عدم تنفيذ تنازلات نتيجة لممارسة الارهاب، كذلك الاغلبية من بين الاسرائيليين المؤيدين لاقامة دولة فلسطينية تعتقد انه يجب اقامة الدولة فقط في اطار الاتفاقات. والهدف الفلسطيني الآخر هو تدويل النزاع، وهو الهدف الذي أحبط مرارا. وفي نهاية الامر لم ترتدع اسرائيل عن الوساطة الدولية، ولكن يبدو ان هذا التدخل قد يحدث حين تحرز اتفاقات وحين يبحث الطرفان في سبل الحفاظ عليها. فشل الفلسطينيون ايضا في محاولة لاشراك الدول العربية في النزاع مع اسرائيل، ولكن فشلهم الكبير كان ان الادارة الأميركية بقيادة الرئيس بوش لا تجري اتصالات مع عرفات ولا تؤمن بقيادته. ونتيجة لذلك، أصبح بالامكان القيام بعمليات اسرائيلية واسعة في المناطق ردا على العمليات الفلسطينية ضد مواطنين اسرائيليين. والمواجهة لم تقرب الفلسطينيين من تحقيق أحلامهم في اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، الدولة التي تستطيع ان توطن معظم اللاجئين الفلسطينيين. وتجسيد هذا الحلم أرجيء ثانية بسبب المواجهة. ومن الواضح انه كذلك المفاوضات المستقبلية ستكون صعبة جدا على الفلسطينيين، والاسرائيليون سيكونون أكثر ريبة من ذي قبل. ولكن كذلك في الجانب الاسرائيلي يجب استخلاص العبر: في الظروف السياسية الحالية لا تستطيع اسرائيل احراز الحسم العسكري في هذه الحرب، من ناحية تكتيكية لا يوجد لاسرائيل حل عسكري لارهاب الفلسطينيين القائمين بالعمليات. والمواجهة مع الفلسطينيين هي حرب استنزاف مستمرة، النصر فيها يتحقق فقط بالنقاط. وفي المجتمع الاسرائيلي ثمة مجموعات تريد حشر الفلسطينيين بواسطة توسيع المستوطنات والسيطرة على اراض اخرى في المناطق. والامر الوحيد الذي يضمنه هذا الميل هو ان الحرب لن تتوقف أبدا. عامان من المواجهة العسكرية لم يضعا حدا للحرب، ويبدو اننا في انتظار مد وجزر، اليوم التقارير عن وجود مفاوضات سياسية بين اسرائيل والفلسطينيين هي من نسج الخيال، ولم تطرح أية مبادرة سياسية حقيقية. في العقد السابق، في أواخر الانتفاضة الاولى، بدأت عملية سياسية بين اسرائيل والفلسطينيين بعد حرب الخليج عام 1991. ويبدو ان مبادرة سياسية جديدة، تشكل مفترق طرق آخر في النزاع المتواصل، ستأتي ايضا بعد الهجوم الذي تخطط له الولايات المتحدة ضد العراق. بقلم: زئيف شيف عن « هآرتس»

Email