الصحراء ليست عملة للتبديل، أنا بالاسيو : ليس لدينا ما نتحدث عنه مع المغرب بشأن سبتة ومليلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 24 رجب 1423 هـ الموافق 1 أكتوبر 2002 لم تمض إلا ثلاثة أشهر على تسلمها مقاليد منصبها، لكن القضايا الساخنة بدأت تفرض نفسها على آنا بالاسيو، وزيرة الخارجية الاسبانية، منذ اللحظات الأولى، بدءاً بالعلاقات الصعبة مع المغرب، إثر المحاولة الفاشلة لانعاشها مجدداً، ومروراً بالمفاوضات الخاصة بقضية جبل طارق، وليس انتهاء بسيطرة اجواء النزاع مع العراق على أروقة مجلس الامن والامم المتحدة خاصة والعلاقات السياسية الدولية على وجه العموم. ومن هنا تأتي أهمية هذا الحوار الشامل التي يتعرض للعديد من القضايا المطروحة على جدول اعمال الوزيرة الاسبانية. ـ أول ما سيفعله نظيرك المغربي محمد بن عيسى، اثر الانتخابات العامة في بلاده، هو الذهاب الى بروسيلاس لعرض وجهات نظر بلاده على رومانو برودي، رئيس اللجنة الاوروبية وعلى خافيير سولانا، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والامنية للاتحاد الاوروبي. هل هي اشارة الى ميل للوفاق الذي اقترحته على المغرب سابقاً؟ ـ ليس لديّ أي تقارير مفادها ان الوزير المغربي ذاهب للقاء برودي وسولانا. لكن على أي حال، لقد شددت دائماً على أن المغرب تربطه علاقة وثيقة بالاتحاد الاوروبي، والمشكلة هي أنه في الوقت الراهن لا يتوفر الاطار الضروري بالنسبة لعلاقات جارية. أما فيما يتعلق بالباقي، فليس لدي أي تعليق أقدمه في هذا الصدد. ـ أنت كذلك ستكونين في بروسيلاس قريباً هل من الممكن أن نلتقي بن عيسى هناك؟ ـ لا، لأن التسوية التي توصلنا إليها في شهر يوليو الماضي تنص على أن نلتقي في مدريد. ـ طوال أشهر ونحن نسمع من الحكومة الاسبانية ان عودة السفير المغربي إلى مدريد هي مشكلة تخص الرباط. هل مازالت هذه هي وجهة نظرك؟ ـ من دون شك هي كذلك، طبعاً، فالأمر لا يتعلق بالمشكلة المغربية وحسب، بل ان المغرب هو من سحبه، مسألة عودته تقع في دائرة الإدارة المغربية. ولقد اصبح لدينا الآن وضع مختلف قليلاً، ذلك ان سفيرنا ليس موجوداً في الرباط، وانما هو في مدريد. وبالتالي اعتقد انه يتعين علينا تناول هذا الموضوع ايضا. ـ ما الذي يمكن ان تلتزمي به حول الصحراء لتحسين علاقتكم بالمغرب؟ ـ الصحراء ليست عملة للتبديل. فموقفنا من الصحراء يقوم على عناصر كثيرة جداً. ـ هل كان يمكن لكم ان توافقوا على التحكيم بشأن جزيرة ليلى أو أي صيغة تسوية عالمية أخرى؟ ـ لا أعتقد أن من المنطقي ان توضع جزيرة ليلى في اطار تسوية. اعتقد ان قضية ليلى ليست من الاهمية بمكان، هذا اذا كان لها أهمية أصلاً، بحيث تحسم عن طريق تسوية. لان مشكلة ليلى كانت اولاً وقبل أي شيء انتهاكاً للعلاقات القانونية القائمة. ومعالجة الأمر لا تتم بتبني المغرب لموقف عدواني بدون أي دافع. وإذا كان البعض لديه اختلاف معي فليطرح وجهة نظره. إن جل ما فعلته الحكومة الاسبانية وكل ما دافعت عنه وأصرت عليه متعلق بخطورة ذلك الانتهاك للعلاقات القائمة من جانب بلد هو شريك مفضل لاسبانيا وللاتحاد الاوروبي. وهذا أمر تحسمه أية تسوية. ـ في جميع الاحوال ليس «الوضع الراهن» سوى حل مؤقت. ـ لقد قلنا دائماً إننا مستعدون للحديث، لأن وضع جزيرة ليلى ـ نحن نفهم أن اسبانيا لديها عناوين افضل من المغرب حول هذا الوضع ـ لا يمت بأية صلة مع الربط الذي يمكن ان يكون بيننا فيما يتعلق بكل من سبتة ومليلة. ـ وفي حال طرح بن عيسى سبته ومليله، هل سيقتصر ردك على تكرار أنه ليس لديك شيء للحديث عن تلك المدينتين؟ ـ نعم، لأنني قلت ذلك وسأكرر انه لا يمكن لاسبانيا ان تقبل الدخول في اشكالية لها طابع افتراضي، وبالولوج اليها، وتحويلها الى واقع حقيقي، وفي هذه اللحظات لا توجد قضية حول سبتة ومليلة لكن إذا كنا سنوافق على الدخول فيها، فإننا نقدم بذلك رسالة اعتراف بذلك الوضع الافتراضي، بشكل كامل، كما اقول. ـ لا توجد قضية قانونية، لكن سياسياً، يطرح المغاربة هذه المسألة دائماً. ألا تتفقين مع الفكرة الشائعة حول أنه يوم يبدأ جبل طارق بأن يكون اسبانيا، سيتعين الحديث عن سبتة ومليلة مع المغرب. ـ لا إنني لا أتفق مع ذلك، بالاضافة الى انني لا أعتقد أنها فكرة شائعة انها مجرد شيء قيل، لكنهما ليسا وضعين متقاربين، فليس هناك قضية، طالما لا توجد مسألة قانونية، وفي حالة جبل طارق هناك مسألة قانونية، اما في حالة سبتة ومليلة، فليس هناك اطار قانوني. ـ في جميع الاحوال، هل من الممكن أن لا تكون اسبانيا على عجلة من أمرها في التوصل الى اتفاق حول جبل طارق مع المملكة المتحدة كي لا تحرر ذلك الوضع من الأغلال؟ ـ لم أفكر ولم يخطر ببالي أبداً مثل هذا الطرح. فإسبانيا لها مصلحة كبرى في حل قضية جبل طارق، واستطيع القول اننا نتقاسم هذه المصلحة مع الحكومة البريطانية في هذه اللحظات. ـ لقد انتقل البريطانيون، بشكل واضح، من التحفظ الى اطلاق عروض ملموسة ومعلنة للتسوية، وذلك بالتزامن مع التحذير من أن الساعة قد حلت كي تقرر اسبانيا اذا كانت توافق على الاتفاق أم أنها ترفضه. هل تعتقدين ان المفاوضات تنحرف باتجاه نموذج حبات العدس، اذا شئت اكلتها واذا لم تشائي فدعيها؟ ـ في المقام الأول انني ارفض الجزء الأكبر من هذا الطرح، فبالنسبة لي، لم تنقل لي الحكومة البريطانية تلك الرسالة في أي لحظة وانني افهم أن الحديث في وسائل الاعلام مهم جدا، واننا نعيش في ظل ديمقراطية وسيطة، لكنه يبدو لي أنه طالما لم تنقل الحكومة البريطانية تلك النية لي، فما علي سوى الاكتفاء بما اوضحوه لي وهو التوصل الى تسوية. في المقام الثاني، حول ما تطرحه عن قضية حبات العدس، يبدو لي ان ذلك سيكون الأمر الاكثر تناقضاً مع المفاوضات، وبالتالي سيفترض توجهاً جدياً لقول لا، بما يتفق طبعاً مع طبيعة حبات العدس. بمعنى أنه اذا جاءت نتيجة الاقتراحات متناقضة مع المباديء الواضحة جداً والطروحات المتعلقة بالمحددات التي يقوم عليها الموقف الاسباني، والتي لا يمكن ان يستعاض عنها بتسوية مزيفة، فاننا سنستمر بالإعراب عن أسفنا الشديد، وسنحمل المسئولية لمن يتبنى ذلك الموقف. ـ هل توافق اسبانيا على وجود قاعدة لحلف الناتو تحت سيادة بريطانية بشكل حصري، الامر الذي يمثل الاقتراح الأخير الذي اكده رئيس الوزراء البريطاني في مؤتمر صحافي؟ ـ لا بشكل واضح، لا، لأن السيادة المشتركة هي سيادة مشتركة، وهنا ندخل من جديد في اطار قانوني توجد فيه مباديء عامة للقانون، فالسيادة المشتركة تعني انه يجب ان نملك سيادة مشتركة في القاعدة. ـ وماذا عن قاعدة للناتو بسيادة مشتركة. هل من الممكن قبول ذلك؟ ـ ابتداءً من وجود مباديء واضحة جداً واهداف واضحة جداً كذلك، فإنني مستعدة لبحث أي امكانية. ـ هل أنت عازمة على توضيح هذه المسائل عندما تلتقين مع نظيرك جاك سترو؟ ـ انني عازمة على الجلوس مع نظيري سترو للتحدث وجس النبض ولقد وصلتني بعض المقدمات مسبقاً، وهي معقدة، والهدف بالنسبة لي الآن هو كيف يمكن تطوير هذه المفاوضات في المستقبل. ـ هل ازمة العراق برهان على تماسك السياحة الخارجية الاسبانية؟ ـ أعتقد أنكم تحاولون مشاهدة، أو أنكم تشاهدون ما هو غير موجود ـ لا أريد أن أقوم بمحاكمة النوايا ـ والسياسة الاسبانية كانت واضحة بشكل ساطع منذ الثاني عشر من شهر أغسطس المنصرم، وذلك عندما اعربت الحكومة الاسبانية عن طرحين، الاول ان العراق يمثل خطراً بالنسبة لنا جميعاً وان المكان الطبيعي لمعالجة لتلك القضية هو الأمم المتحدة. ونحن لم نتحرك من هناك. ـ لكن رئيس الحكومة الاسبانية يمارس سياسة خارجية ولقد أعرب بشكل واضح في مناسبتين عن استعداده لدعم هجوم احادي. ـ طبعا، فإذا كانت هناك سياسة للرئاسة، فتلك هي السياسة الخارجية، وهذا ما يعرفه أي وزير خارجية، وأنا أدرك ذلك بالمطلق. إذا ان السياسة الخارجية هي السياسة الأولى لرئاسة اي حكومة. وبقول ذلك، انا اعتقد بصراحة انه يجب تفسير الاشياء في سياقها، فما يطرحه رئيس الحكومة بشكل واضح جدا، كما قال بنفسه، هو أننا لو خيرنا بين مساعدة أو تسهيل الحياة على الرئيس العراقي أو مساعدة أو تسهيل الحياة على الاميركيين، فنحن ليس لدينا شكوك حول ذلك. ـ لقد أوضحت ان قواعد الاستخدام المشترك الاسباني ـ الاميركي تنظم ضمن شرعية ثنائية وهي شرعية مستمدة في اتفاقات ثنائية ايضا وليس عالمية ألا يترك هناك بوابة مفتوحة للسماح باستخدامها في عملية على هامش الأمم المتحدة؟ ـ هذا لا يعني استخدام أي شيء، هذا يعني التحقق من شيء هو كذلك. إنه واقع اما تنظيم القواعد فهو في معاهدة ثنائية. انه واقع ولا يجب الذهاب أبعد من ذلك. ـ هل تعتقدين أنه من الممكن أن تكون الامم المتحدة خصم وقاضياً في الوقت نفسه، اي هل يمكن ان يكون المرء لصالح قانونية العلاقات الدولية للوصول لاحقاً الى نتيجة مفادها ان الامم المتحدة لم تعمل وبالتالي يذهب في طريقه؟ ـ أنني ارفض ذلك الخطاب، واعتقد أنه في هذه الحياة يجب صنع الرهانات ودفعها الى الامام. فعندما يكون في الولايات المتحدة موقف لصالح الأمم المتحدة، يكون لنا فيه وللاوروبيين مصلحة واضحة جداً وملموسة جداً، علينا دعم هذا الموقف، يجب ان نتخلى عن الهذيان واخراج الاشياء عن سياقها. نحن ندعم ذلك الموقف بشكل راسخ. ـ ما الذي يجب فعله كي تلتزم اسرائيلي بالشرعية الدولية؟ وهل تعتقدين أنه من الممكن تحقيق ذلك بدون امكانية طرح عقوبات؟ ـ أعتقد أن أول شيء علينا أن نفعله هو تقوية الأمم المتحدة وان تستكمل جميع قرارات المنظمة الدولية، لأنه لا يجب التمييز بين هذه القرارات. وهذه بالضبط هي اول مرحلة من ذلك التحدي الكبير في القرن الواحد والعشرين، الذي يتمثل في اضفاء الصبغة القانونية على العلاقات الدولية. انها عملية ملحة وليست سهلة بالمرة. ـ تصلين الى الوزارة في لحظة ازمة عالمية حيث مرت البقرات السمان. هل سنشهد تراجعاً جدياً في السياسة الخارجية الاسبانية حول الاراضي الاكثر اهلية وتخلياً عن ذلك الخطاب الطنان للقوة العالمية وعن السياسة في كل الاتجاهات، بما في ذلك آسيا؟ ـ مجدداً علي أن اقول لك اني ارفض الجزء الأكبر من هذا الطرح، فأنا لا أظن اننا مارسنا سياسة قوة عالمية بتلك الطريقة. صحيح ان لدينا سياسة متعددة الأبعاد بالنسبة لامكانياتنا لكن هذا ما هو الا ثمرة للتاريخ وما هو غير صحيح ان ذلك لا يتفق مع تأثيرنا في العالم حيث يوجد خلل بالنسبة والتناسب، لكن فيما يتعلق بالامكانيات، وليس فيما يتعلق بتأثير اسبانيا في العالم، هذا التأثير الذي نملكه لحسن الحظ وعلينا المحافظة عليه. اما بالنسبة لآسيا، على سبيل المثال، فلن نكون في جميع الأرجاء، لكني أفهم اننا سنكون في بعض المواقع، ولقد بدأنا بذلك فعلاً منذ بعض الوقت في كازاخستان على سبيل المثال. ففي عالم قد تحول الى شيء متقارب جداً، لا تستطيع التخلي عن السفح الاطلسي الذي يمثل التأثير الأكبر في القرن الواحد والعشرين، على الرغم من اننا لا نستطيع ان تغطيته كما ينبغي وبما يتفق وتطلعاتنا لكننا نستطيع ان نمضي قدماً بانجاز الامور حيث لا يتعلق الامر بكلمات فارغة. ترجمة: باسل أبو حمدة عن «البايس» ـ اسبانيا

Email