كاتب وكتاب

الأديب المجري بيتر ناداس: لقاء القصص والمقالات لا يخلو من منطق فريد

ت + ت - الحجم الطبيعي

شكل صدور كتاب «المعرفة والنار» للأديب والقاص والكاتب المسرحي المجري بيتر ناداس مؤخراً منطلقاً لهذا الحوار، الذي أجرته معه مجلة «الأدب المجري» الالكترونية المتخصصة، حيث قدم تفسيراً للقاء القصص والمقالات على صفحات هذا الكتاب، وهو اللقاء الذي قال إنه لا يخلو من منطقه الخاص، وألقى الضوء على قصصه التي تقع في ثلاثة مجلدات ضخمة بعنوان «قصص موازية» وشدد على أهمية إدلاء الكتاب بآرائهم في القضايا العامة.

مهما كانت الصعوبات التي تعترض مسيرتهم، مشيراً إلى أن المشكلات التي تكتنف هذا الأمر ليست وليدة البارحة، وإنما هي تعود إلي الخمسينات من القرن الماضي، وأوضح السر في أن جهوده للكتابة للمسرح لم تمتد طويلاً على نحو ما كان يأمل، وذلك على الرغم من الاستقبال الحافل الذي قوبلت به أعماله على خشبة المسرح المجري. وفيما يلي نص الحوار:

* القالب الأثير في مجال الكتابة لديك هو المقال، فهو قالب يجمع بين كونه دقيقاً وشخصياً في الوقت نفسه، وأحدث كتاب صدر لك مترجماً إلى الانجليزية في الولايات المتحدة هو «النار والمعرفة»، وهو مجلد مثير للاهتمام يتألف من مقالات وقصص قصيرة. كيف تم الجمع بين هذين القالبين من الكتابة في مجلد واحد؟

ـ كتبت العديد من المقالات لمجلات أميركية، وهناك مجلة تصدر عن جامعة أميركية تنشر مقالاتي بانتظام. وكتاب «النار والمعرفة» هو بمثابة لقاء مدهش بين المقالات والقصص القصيرة. ولم تكن هذه الفكرة فكرتي، وإنما هي فكرة الناشر، وهي في اعتقادي فكرة عبقرية، ولا تخلو من منطقها الخاص.

حيث ذهب الناشر إلى القول إن قصصي القصيرة تشبه المقالات، فيما مقالاتي تتضمن الكثير من العناصر السردية. وهكذا فقد مضى بفكرته قدما وجمع بين قصصي ومقالاتي في هذا المجلد اعتماداً على ذلك العنصر المشترك الذي يضم هذين القالبين.

* تشمل أعمالك المنشورة في المجر على امتداد السنوات الخمس الأخيرة كتاب «موت المرء الذي زين بمئة صورة قمت بالتقاطها بالألوان لشجرة كمثرى» ومجلداً من المقابلات الصحافية وثلاثة مجلدات ضخمة تحمل عنوان «قصص موازية» وهذه المجلدات ربما كانت إسهاما لك على الإطلاق بالإضافة إلى مجلد يضم مجموعة من مقالاتك.

ولدى قراءة «قصص موازية» تتضح الحقيقة القائلة إنك مهتم في المقام الأول باللغة، وبصفة خاصة بالتمثيل اللغوي الدقيق للجسم البشري وللايروتيكا. وأنت تبحث عن لغة واضحة وقابلة للاستخدام لتعبر عن الأحداث التي نادراً ما يتم تفصيل القول فيها وكذلك الأحداث والمشاعر. ولكن ما فهمته بعد صدور الكتاب فقط هو أن مصير الناس الذين عاشوا عند منعطف معين في التاريخ وكذلك ردود أفعالهم على الأحداث في العالم الخارجي، كل ذلك مهم بالنسبة لك تماماً كأهمية حدود اللغة.

ـ لا أعتقد أنني أتجاوز حدود اللغة أو التعبير بأي معنى من المعاني، ولكن اهتمامي بالبنى التاريخية لاشك في أنه قوي بقدر اهتمامي بالبنى الإيروتيكية، أو إذا عبرنا عن الأمر بشكل أكثر دقة فإنني مهتم بالتداخل ما بين الأمرين، وبالسؤال الذي يدور حول كيف أننا نحن الذين نعيش في العصر نفسه وفي ظل الظروف ذاتها نعايش مصيرنا بشكل مختلف.

وربما كان من المستحيل أن نحدد ما إذا كانت الأولوية للشخصية أو للتفاعل الاجتماعي، للحياة العامة أو للحياة الخاصة. هل ينبغي أن ننظم حياتنا الخاصة بحسب أولويات التنظيم الاجتماعي أم أننا ينبغي أن ننظم مجتمعنا بحسب أوضاع الحياة السائدة؟ وقد كنت مهتماً على الدوام بهذا التداخل في ديناميته، التزامن المجنون في الفوارق والتوازي المبهر في العصور المختلفة. كيف يرى شخص ما شيئاً باعتباره مختلفاً بينما هو في الحقيقة متشابه مع غيره وكيف أن للعصور المختلفة صهراً مختلفاً للأشياء نفسها.

* يحمل الفصل الأخير من «قصص موازية» عنوان «لفحة الحرية». حسناً، إن لفحة الحرية لا تبدو رقيقة، وهي ليست كذلك سواء في الكتاب أو في الواقع.

ـ الحرية، سواء أكانت شخصية أم اجتماعية، مسألة يصعب سبر غورها. وإذا أردت أن تكون حراً فإن عليك أن تحدد نفسك لنفسك، وهذا أمر بعيد عن أن يكون مسألة نظرية، فالجميع يحدد نفسه في كل يوم. سواء بالخروج أمام الرأي العام أو بالانسحاب إلى قوقعته الداخلية مع كلماته وأفعاله أو مع غيابه.

وهذا بمعنى من المعاني أصعب من العيش في ظل الدكتاتورية، حيث السلطات تقول لك من أنت وما ينبغي أن تكون بغض النظر عن الواقع. وفي تلك الحالة فإنك من حيث المبدأ تختفي عن العيان، وتظل متنكراً وراء الذرائع والأعذار والأكاذيب ذات الدرجات المختلفة. وفي الديمقراطية فإن هذا ليس مما ينصح به، لكنه ليس ممكنا كذلك. غير أن الحرية السياسية لا يمكن معايشتها إلا إذا تعلم الأفراد كيف يستخدمون حرياتهم في الاختيار، ولكن ليس على حساب حرية الآخرين.

وإذا أخذوا في الاعتبار أنهم سواء انعكسوا على أعمالهم أم لم ينعكسوا فإن الآخرين من المحتم أنهم سينعكسون عليهم وسيقومون بذلك علانية. تلك هي شروط الحرية وضوابطها، وذلك هو السر في أن الديمقراطية تعني صراعاً لا ينتهي، حراكاً لا ينتهي، وتحتاج إلى التحديد والتأمل والتخطيط المتواصل وإعادة التقويم.

* بعد تغيير النظام في المجر، أصبح جزء من الرأي العام أن الفنانين والكتاب ليسوا موجودين لحل مشكلات المجتمع. ومع ذلك فإنك بين الحين والآخر تعرب عن رأيك فيما يتعلق بقضايا اجتماعية وسياسية مهمة.

ـ إن البروز أمام الرأي العام والإعراب عن رأيك يتضمن مخاطرة. وأعتقد أن هذه المشكلة قد برزت في الخمسينات من القرن العشرين. وقد أدرك جان بول سارتر أنه يتحدث بلا طائل، حيث لم يلتفت أحد إلى كلماته، أو بالأحرى كان الوحيدون الذين التفتوا إليها هم من يشاركونه الرأي. وقد أثار ذلك حيرته.

وربما كان لدى كتاب سابقين الانطباع بأنهم حيث يتربعون على قمة هرم الثقافة المكتوبة فإن الكثير من الناس يصغون لما يقولونه. ومع ذلك فإنني أعتقد أن هذا كان خداعاً للنفس حتى في ذلك الوقت. إن رأي الكتاب مهم دوماً، ولكن بعد فوات الأوان.

إن لدي وعياً مدنياً، ولذا فإنني عندما أسأل عن رأيي فإنني أبادر إلى الإعراب عنه. ليس دوما وإنما في بعض الأحيان، وعندما أتحدث فإن من يتحدث ليس الكاتب وإنما الشخص المدني المتحدث هو الذي يشعر بأن قول ما يعتقد أنه صواب هو جزء لا يتجزأ من صحته الفعلية ومن الوعي الذاتي الديمقراطي.

* دعني أسألك عن مسار حياتك العملية القصير ككاتب للدراما. فقد كتبت ثلاث مسرحيات في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات. ووعدت هذه المسرحيات بمنهاج جديد في التمثيل على المسرح. وكانت لأدائها بنية موسيقية أوبرالية مبنية على الحركة والصور السريعة. ومع ذلك فإنك لم تستمر في كتابة الأعمال الدرامية. فلماذا؟

ـ هناك أسباب عديدة لهذا، وليس بوسعي سردها كلها. فمن ناحية كانت هناك قضية الرقابة، وقد تم تقديمها في الأقبية أو الأماكن العلوية من المباني أو إذا قدمت في مسرح فإن الأداء كان يبدأ في الحادية عشرة مساء. ولم يسمح بنشر مراجعة أو حوار عن الأداء والعروض باستثناء ما ينشر في المجلات المتخصصة.

وقد كان يمكن أن أتجاهل هذه الأوضاع، ولكن في ضوء الافتقار إلى النقد فإنه لم يكن هناك سبيل إلى معرفة ما إذا كان اهتمام الجمهور راجعاً إلى الثمرة المحرمة أم إلى النوعية الدرامية المقدمة. وقد شكلت العروض نفسها مشكلة كذلك، ولم يقتصر ذلك على المجر فقط، وإنما امتد في وقت لاحق إلى خارجها.

محطات في مسيرة ناداس

* ولد الأديب والكاتب المسرحي المجري بيتر ناداس في بودابست عام 1942. ودرس الصحافة وفن التصوير في الفترة من 1961 إلى 1963، وعمل بالصحافة والكتابة الدرامية والتصوير. وتفرغ منذ عام 1969 للأدب والمسرح، وفي عام 1984 انتقل للإقامة في جومبوسيزيج، وهي قرية صغيرة في غربي المجر، ولا يزال يقيم بها حتى الآن.

* بالإضافة إلى ثلاث مسرحيات شهيرة عرضت في مختلف أرجاء أوروبا، قدم ناداس دفقاً من الأعمال الإبداعية المميزة من بينها روايته «كتاب الذكريات» ومجلد «موت المرء» وثلاثة مجلدات كبيرة من القصص تحمل عنوان «قصص موازية» ومجلداً يضم مقالاً، وصدر له مترجماً في الولايات المتحدة مجلده «النار والمعرفة» الذي يضم مجموعة من مقالاته وأعماله النقدية وقصصه القصيرة. وقد أشاد الكثير من النقاد بروايته «الحب» الصادرة في عام 2000 وروايته التي سبقتها «نهاية قصة عائلية» الصادرة في عام 1998.

* نال ناداس العديد من الجوائز وألوان التكريم عن أعماله الإبداعية، ومن بينها جائزة الفن المجري عام 1989، وجائزة الدولة النمساوية للأدب الأوروبي في 1991 وجائزة كوسوث المجرية البارزة عام 1992 وجائزة فالنسيا الدولية للأدب عام 1998 وجائزة فرانز كافكا للأدب عام 2003.

منى مدكور

Email