مدارس أنشأتها نساء في العالم العربي والإسلامي

مدارس أنشأتها نساء في العالم العربي والإسلامي

ت + ت - الحجم الطبيعي

محمد عيد خربوطلي مؤلف الكتاب هو كاتب وباحث في التراث وعضو جمعية إحياؤه، عضو الجمعية الجغرافية السورية، وعضو جمعية أصدقاء دمشق، وعضو جمعية البحوث والدراسات والنقد في الاتحاد العالم للكتاب والصحفيين الفلسطينيين بدمشق. له العديد من الأبحاث والدراسات المنشورة في عدد من الدوريات المحلية والعربية. في كتابه هذا ينفض الغبار عن بعض صفحات تاريخ المرأة العربية والمسلمة ليبيين للأجيال اللاحقة حقيقة ما قدمته الأجيال السابقة مما قدمته المرأة السابقة تلك المدارس التي كانت جامعات خرجت العلماء، وبين جدرانها نبغ الفقهاء والمحدثون والأطباء وكذلك المحدثات والفقيهات المربيات.

الهنود، الصينيون، اليابانيون، الكلدانيون، المصريون، اليونانيون، الرومان شعوب عرفت بعضها نظام التربية والتعليم والمدارس. ولم تكن المرأة في تلك الحضارات تحظى إلا بثقافة محددة من العلم. ويعتبر عام 459 هجرية حدا فاصلا فيما يختص بأمكنة التعليم عند العرب والمسلمين، ففي هذا العام افتتحت أول مدرسة منظمة من مجموع المدارس الكثيرة المنظمة التي أنشاها الوزير السلجوقي نظام الملك، وقد انتشرت هذه المدارس في العالم الإسلامي حتى شملت البلدان والقرى الصغيرة، بالإضافة إلى كثير من المدارس الكبرى في عواصم الأقاليم، ثم اقتدى بنظام الملك كثير من الملوك والعظماء. كانت حلقات التعليم وقبل انتشار المدارس لا تعقد في أمكنة من طراز واحد، بل في أمكنة مختلفة: كالمساجد والكتاتيب ومنازل العلماء وقصور الخلفاء ودكاكين بيع الكتب أو حوانيت الوراقين، البيمارستانات، الزوايا، الخوانق، الرباط، المحاضر وغيرها.

الدارس المطلع على كتب التاريخ والأدب والتراث والتراجم للأجيال السابقة واللاحقة، يرى أن منطقتنا عرفت مشاركة المرأة للرجل في كل الأمور، وبأن كثيرات من النساء قد لعبن دورا كبيرا في العلم والتعليم، في التربية والتنشئة، منذ بدء الإسلام إلى أيامنا هذه، كما لعبت بعض النساء دورا مهما في السياسة والقيادة في معظم البلاد. في هذا وبعد اطلاعه على تاريخ المرأة العربية المسلمة يقول المؤرخ الإنجليزي كلاي: «إن المرأة كانت تجاذب الرجل سياسة الأمة وولاية الأمر وجد العمل وشؤون الحياة».

إنها المرأة التي وثب بها الإسلام ووثبت به، فكان أثرها في تكوين رجاله وتصريف حوادثه أشبه ما يكون بأثر الغدير الهادئ الفياض في زهر الرياض. كان للمرأة العربية دقة الحس وقوة العطفة وبعد الخيال، حتى فاقت الرجال في ذلك، ولما أسفر نور الإسلام افتر ثغر الدهر للعرب على جو مشرق، وأمل بعيد وأسلوب من الحياة جديد، فبعد أن كان للمرأة في جاهليتها فضائلها المكتسبة ومواهبها الموروثة نعمت بظل الإسلام وورفت بظلاله، فنهلت من معين العلم، وضربت بسهم في التشريع إلى أن فاقت نساء الأمم كلها ومع ذلك مرت بفترات حيل بينها وبين العلم، وما ذلك إلا لسوء استخدام النصوص الشرعية فظلمت وصارت جاهلة، وعوملت كأنها من باقي متاع الرجل.

كان للمرأة دور كبير في بداية الدعوة الإسلامية وكان الرسول الكريم يحث على طلب العلم ويؤكد على تعليم النساء القراءة والكتابة وتمكنت المرأة العربية في مرحلة النهوض والقوة الحضارية التي عرفها العرب من بلوغ أقصى درجات العلم والثقافة خلال تلك الفترة التي تميزت بالنشاط الفكري والعلمي والتي تمتد بين ظهور الإسلام وبين القرن الرابع عشر الهجري. عنيت المرأة في الإسلام بالعلوم الدينية إلى جانب الأدب والموسيقى والغناء والطب، وبعض العلوم الأخرى المتفرقة، وأقبلت على رواية الحديث إقبالا عظيما في جيل الصحابة وما بعده.

وقد عقد محمد بن سعد جزءا من كتاب الطبقات الكبرى لرواية الحديث عن النساء أتى فيه على أكثر من سبعمئة امرأة روين عن الرسول الكريم أو عن الثقات أو عن الصحابة، وخصص النووي في تهذيب الأسماء حيزا كبيرا للحديث عن النساء اللاتي كانت لهن ثقافة عالية، ولاسيما في العلوم الدينية ورواية الحديث. وذكر أبو حيان التوحيدي بأنه كان من شيوخه ثلاث نساء هن: «مؤنسة بنت الملك العادل وشامية بنت الحافظ وزينب بنت عبد اللطيف.

حظيت مدينة دمشق التي كانت عاصمة كتاتيب ودور قرآن ودور حديث ومدارس فقه ومدارس طب، ومجمع ربط ومحلا للخوانق، و فيها مئات الزوايا، بعناية الملوك والسلاطين والأمراء الفضلاء عبر العصور، ولعبت دورا كبيرا في تثبيت العلم ودعمه ودفعه إلى الأمام، فاحتضنت منطقة الصالحية العلماء وأقيمت فيها دور الحديث وعدد كبير من المدارس، وكانت كل مدرسة تحتوي مكانا لدفن منشئها ومسجدا أو مصلى وسبيلا للماء، بالإضافة إلى أماكن لنوم طلاب العلم ومرفقات لقضاء حوائجهم.

وقد عرف بدمشق الكثيرات من العالمات والفقيهات والمحدثات والشاعرات وساهمت المرأة الدمشقية في بناء المدارس ونشر العلوم، وذكرت كتب التاريخ والتراجم والتربية تسع عشرة مدرسة أسستها النساء مابين (526 ـ660 هجرية/1132 ـ 1262م) في دمشق في فترة لم تتجاوز القرن والربع وهي: المدرسة الخاتونية البرانية ـ المدرسة الخاتونية الجوانية ـ المدرسة القطبية ـ المدرسة الشامية البرانية ـ المدرسة العذراوية ـ المدرسة الماردينية ـ المدرسة الفروخشاهية ـ المدرسة الشامية الجوانية ـ مدرسة الصاحبة ـ المدرسة الميطورية ـ المدرسة الكاملية ـ المدرسة الدماغية ـ المدرسة الاتابكية ـ مدرسة العالمة ـ المدرسة الحافظية ـ المدرسة المرشدية ـ المدرسة العادلية الصغرى ـ المدرسة الشومانية ـ المدرسة الجمالية. وعدة خانقات وتكايا وزوايا وربط..» من المدارس الحديثة التي أنشأتها النساء في دمشق مدرسة دوحة الأدب التي أنشأتها عادلة بيهم، ومدرسة نور الفيحاء التي أنشأتها نازك العابد رائدة الوعي النسائي في الشام.

مدينة حلب العريقة في تاريخها، الأصيلة في حضارتها، عرفت عدة حضارات ولعبت دورا كبيرا لا يقل أهمية عما لعبته دمشق بحضارتها. وقد عرفت عاصمة سوريا الشمالية الكثير من المدارس ومراكز إشعاع الفكر والعلم والحضارة، ففي عهد الحمدانيين عرفت شيئا من ذلك. الزنكيون والأيوبيون كانوا رجال فكر إلى جانب كونهم رجال حرب، فاهتموا بالمؤسسة التعليمية وأكثروا من إنشاء المدارس والمساجد البسيطة ذات المظهر الرصين والتي تقدم مهمات علمية ودينية. وعرفت حلب في ذلك العصر أكثر من 200مدرسة وزاوية وخانقاه ورباط، وكلها كانت مركزا علميا.

بما أن المماليك كانوا رجال حرب، فقد شغلهم ذلك عن الالتفات إلى إغناء الفكر وتطوير المؤسسة التعليمية، واهتموا بإنشاء المساجد ذات المظهر المعماري الفخم، والمقابر المملوكية الرائعة لتضم رفاتهم. المرأة الحلبية لعبت أيضاً دورا مهما في عصر العلم في حلب فأنشأت المدارس والزوايا والسبل والمساجد والخوانق وجّرت المياه إلى المدينة، ومما أنشأته نساء حلب: ـ مجمع الفردوس خارج المقام في محطة الفردوس أنشأته الملكة ضيفة خاتون زوجة الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين ووالدة الملك العزيز محمد بن غازي، جعلت المجمع مدرسة ومسجدا ورباطا وزاوية وتربة. ـ المدرسة الكاملية في محلة المقامات خارج باب المقام شرقي المدرسة الظاهرية أنشأتها فاطمة خاتون ابنة الملك الكامل وزوجة الملك العزيز محمد ـ المدرسة الرحيمية في حارة الدولاب بحلب التي حولتها من دار سكنية إلى مدرسة شرعية رحمة قاذين بنت عبد القادر بن احمد من سكان محلة الجبيلة. من المدارس الأخرى التي أنشأتها النساء أيضا(المدرسة الخاتونية) في مدينة حماة.

مدارس مرو (المدرسة الخاتونية) التي أنشأتها إحدى نساء بني أيوب وتحتوي على خزانة كتب كبيرة. ـ مدارس طرابلس الشام (المدرسة الخاتونية) أنشأتها ارغون خاتون زوجة والي دمشق عزالدين ابدمر الأشرفي. مدارس القدس: المدرسة البارودية ـ المدرسة العثمانية ـ المدرسة الخاتونية. مدارس الهند: أنشئت «شاهجهان بيكم ملكة بهوبال» المدارس العلمية المختلفة، وبنت المساجد التي جمعت فيها نفائس الكتب. مكة المكرمة: أنشئت النساء في مكة المكرمة الكثير من المدارس والأربطة والخوانق والزوايا، خصص معظمها للنساء فقط، وهي: رباط أم الخليفة الناصر العباسي ـ رباط أم الحسين بنت قاضي مكة شهاب الدين الطبري ـ رباط أم القطب القسطلاني في القرن الثامن الهجري الرابع عشر الميلادي ـ رباط خاصكي سلطانة بزم عالم في العهد العثماني بعد سنة 940هجرية/1533 م.

جامع القرويين بفاس: وهو يعادل الآن الجامع الأزهر وقرطبة والأموي، وتعد فاطمة بنت محمد بن عبد الله الفهرية القيروانية المنشئة الأولى للجامع، حيث اشترت الأرض لبناء مسجد جامع القرويين عليها بالمال الذي ورثته عن أبيها وزوجها وأختها، وبقيت صائمة طوال المدة التي قضتها في بنائه، ثم وسعه الأمراء وزادوا فيه حتى صار جامعة عالمية تستقطب طلاب العلم من كل أنحاء العالم.

في اليمن بلغت المدارس التي أقامتها وأنشأتها النساء ثلاثا وثلاثين مدرسة أبرزها: المدرسة الصلاحية ـ السابقية (مريم) ـ الشمسية ـ المعتبية ـ الياقوتية ـ النجمية ـ الظهرية ـ الحضرية ـ العائشية ـ الواثيقية.

كما عرفت مصر الكثير من الزوايا والخانقات والربط وكلها كانت أمكنة للعلم والتعليم. أما أبرز المدارس التي أنشأتها النساء في مصر فهي: المدرسة القطبية ـ الحجازية العاشورية ـ الصغيرة السنية ـ النهضة ـ بنات الأشراف ـ الإحسان.

فاتنة كردي

*الكتاب:مدارس أنشأتها نساء في العالم العربي والإسلامي

*الناشر:دار بعل ـ دمشق 2007

*الصفحات:198 صفحة من القطع المتوسط

Email