الإسكندرية قصور وحدائق تروي حكايات القرون

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ترتبط مدينة الإسكندرية المصرية، في ذهن السائح العربي، بالاصطياف والاسترخاء على رمال شاطئها الجميل، إلا أن لعروس البحر الأبيض المتوسط بعدا آخر، يجعلها موئلا نوعيا للثقافة والترفيه. إذ توفّر للوافدين إليها، خاصة الأجانب، فرصة زيارة معالم أثرية وبيئية، فريدة .. وطبعاً، ليس لتلك الجولات أن تكتمل في مؤداها وجدواها، إلا مع قضاء أوقات شائقة في حدائق القصور الملكية التي شيدتها أسرة محمد علي باشا، طوال عقود متعاقبة .

تعد القصور الملكية في الاسكندرية، وحدائقها، أحد رموز الجمال النادر في العالم. وكان لمحمد علي باشا، من بينها، قصور عديدة، مثل: قصـــر رأس التين، قصر إبراهيم باشا، المحمودية، الفاروقية. ويتميز كل منها بحدائقه الخلابة، وأشجـــاره المثمـــرة التي تحمــــل عبــــق التــــاريخ بين أغصانهـــا.

 معالم وسمات

اتسمت القصور الملكية في الاسكندرية، بالعراقة والأصالة. وكذا المزج بين الطراز المعماري الإسلامي والأوروبي، إضافة إلى أنها شهدت أحداثا تاريخية مهمة؛ لتسجل بهذا، كلمات من نور في ذهن الزائر الأجنبي لها، ولتهوى إليها، بهذا، قلوب الوافدين إلى المدينة.

يستعرض الباحث التاريخي، إبراهيم عناني، عضو اتحاد المؤرخين العرب وعضو جمعية الآثار في الإسكندرية، تاريخ بناء القصور الملكية وحدائقها الخلابة، التي تركها محمد علي وخلفـــاؤه، متطرقا إلى ميزات وقيمة مجموعـــة منها أهمها وأبرزها، مثل: قصـــر أنطونيــــادس، رأس التين، قصــــر المنتزه.

 قصر وحدائق أنطونيادس

يبدأ إبراهيم عناني، حديثه عن القصور الملكية في الاسكندرية، برواية تاريخ إنشاء حدائق أنطونيادس في الإسكندرية: يرجع تاريخ إنشاء حدائق أنطونيادس إلى عهد البطالمة، عام 300ق.م. فهي أقدم الحدائق التي أنشأها الإنسان على مستوى العالم. ولا تزال قائمة حتى الوقت الحالي، وتمثل عنصر جذب للسائحين الأجانب ولأهالي المدينة، حيث المتعة والترفيه بين حدائقها الخلابة وزهورها النادرة..

كما انها كانت تقع، قديما، ضمن ضاحية تسمى (إيلزويس الشهيرة)، والتي كان يؤمها أهل المدينة للمتعة والترفيه، وكلمة إيلزويس تعني باليونانية (جنات النعيم). وعاصرت هذه الحديقة أحداثا تاريخية مهمة لملوك وقادة البطالمة، وأتى عليها عهد قسمت فيه إلى قطاعات يملكها قياصرة العالم، ذاك لجمالها الفريد، ومنها : قيصـــر النمســـا وقيصر بروسيا.

يضيف عناني، موضحاً ماهية المراحل اللاحقة لحدائق انطونيادس، وانتقالها الى ملكية محمد علي وعائلته: في القرن التاسع عشر الميلادي، كانت حدائق أنطونيادس ملكا لأحد الأثرياء الإغريق، ويسمى :باستريه. ولذلك كانت تعرف إلى عهد قريب، باسم حدائق باستريه، حتى تملّكها محمد علي باشا، في عام 1820، وأقام قصرا له في هذه المنطقة..

وتحديدا في عام 1860، طلب الخديوي إسماعيل من الفنان الفرنسي بول ريتشارد، جعل هذه الحدائق على غرار نموذج قصر فيرساي في العاصمة الفرنسية، باريس، ووسع الخديوي إسماعيل رقعة الحدائق، وعمد الى شراء الأجزاء التي تملكها قياصرة البطالمة من النمسا وبيروسيا.

كما ضم إليها العديد من الحدائق الصغيرة، ومضى يزيد في رقعتها، وأمر بتجديد وتجميل الحدائق، واستجلاب الأشجار النادرة ونخيل الزينة، إلى جانب إعادة زراعة مسطحاتها الخضراء، حتى استعادت رونقها، لتصبح حدائق أنطونيادس، من أشهر مزارات الإسكندرية، صيفا وشتاء. إذ غدت تأتيها العائلات للترويح عن أطفالها ومختلف أجيالها، مع التركيز على أهميتها في تنمية وعيهم الثقافي والبيئي والحضاري.

ويتطرق عضو جمعية الآثار في الإسكندرية، إلى تحول مهم في ملكية هذه الحدائق، في الفترة ذاتها: آلت ملكية الحدائق والقصر في عهد الخديوي إسماعيل، في عام 1860، إلى البارون اليوناني جون أنطونيادس، أحد أعمدة الاقتصاد، خاصة في تجارة القطن، والذي سميت الحدائق باسمه لاحقا.

وظل أنطونيادس، فترة طويلة، يمكث في القصر، إلى أن توفي في العام 1895، وذلك قبل أن تؤول ملكية الحدائق والقصر بالميراث لابنه أنطوني، والذي نفذ وصية والده بإهداء القصر والحدائق، إلى بلدية الإسكندرية، في عام 1918.

وينتقل الباحث التاريخي عناني، إلى سرد تفاصيل وافية حول تصميم القصر والحدائق ومحتوياتهما: يضيء تمثال فينوس غرفة الأميرات في داخل القصر، ويبدو قصر أنطونيادس كقطعة من الجنة، حيث يعد تحفة معمارية وأثرية، تنافس قصور فرنسا وأوروبا.. خاصة وانه يطل، من الجهة الشمالية، على الحديقة الأمامية، من خلال (تراس) كبير، تمكن من خلاله، مشاهدة جانب كبير من الحدائق الواسعة، المزودة بالأزهار النادرة والأشجار المثمرة، وكذلك الصوبة الملكية.

كما يشرف القصر، من الجهة الجنوبية، على الحديقة الخلفية (حديقة الشاي)، وفي مدخل الجهة الجنوبية من القصر، يستقبلنا أسدان مصنوعان من المرمر الخالص.. كما يضم الطابق السفلي من القصر، صالات لاستقبال الضيوف والزائرين للملك، وقاعة كبيرة للطعام.. ويشتمل جميعها، على أثاث خشبي لا يقدر بثمن، إضافة إلى وجود غرفة المكتب والمكتبة. وأما الطابق العلوي، فقُسم إلى جناحين للنوم، يحوي الأول مكانا لمنامة الملك، والآخر مقر لنوم الملكة. وتتوسطهما قاعة لتناول طعام الإفطار.

وملحق خاص لكل منهما لتغيير الملابس. ويضم هذا الجناح، من الجهة الجنوبية، أربع غرف للأميرات، يمكننا مشاهدة تمثال فينوس، منها، والذي ثبتت في إحدى يديه، مرآة تعكس ضوء الشمس عند الشروق، لتضيء غرفة الأميرات. وخصص الجناح الآخر من القصر لنوم الضيوف. واللافت أنه تزين أركان الواجهة الأمامية للقصر، أربعة تماثيل من الرخام، تمثل الفصول الأربعة.

قصر ووقائع مفصلية

يتابع عضو اتحاد المؤرخين العرب، حديثه حول قصر أنطونيادس وحدائقه، متطرقا الى الاحداث التي شهدها، إذ يقول: لم يكتفِ قصر أنطونيادس، بكونه تحفة فنية تجلب معها السعادة والهدوء والجمال، وإنما شهد العديد من الأحداث التاريخية المهمة بداخله، مثل: توقيع معاهدة الجلاء في عام 1936، بين رئيس حكومة الوفد والحكومة الإنجليزية، التي تقضي بالانسحاب من منطقة قناة السويس..

وغرست على إثرها، شجرة رائعة في مدخل القصر، سميت : شجرة المعاهدة .. كما قضت الأميرة فوزيـــة، ابنة الملك فؤاد، وزوجها شـــاه إيران محمد رضا بهلوي، في هذا القصر، مرحلة الشهور الأولى من الـــزواج.

وهكذا أمضيا فيه فترة شهر العسل. واستضاف الملك فؤاد، ملوك أوروبا، في القصر، مثل: ملك إيطاليا لامبوتو ،ملك بلجيكا، ملك رومانيــا زوغو الأول. وأقام الاخير زوغو في قصر أنطونيادس لفتـــرة مع زوجته الملكة جير الدين، بعد خروجهما من البلد، عقب اجتياح مملكة إيطاليا الفاشية رومانيا، في زمــن حكم رئيس الوزراء بينيتو موسيليني.. وأيضا، شهد القصر، الاجتماع التحضيري لإنشاء جامعة الدول العربية العام 1944م، وعقـــد فيـــه اجتماع أول لجنـــة أولمبية في مصر، وعقد أول اجتمـــاع للجنة غوث اللاجئين.

 أشجار معمرة

تستقبل حدائق أنطونيادس، وعلى الرغم من مرور قرون طويلة على إنشائها، زائريها، بشكل يومي، وهم من السائحين الأجانب والعائلات المصرية، إذ يمكنهم الاستمتاع بمشاهدة أشجار الصنوبر بأغصانها وفروعها الخضراء، إضافة إلى وجود مجموعة كبيرة وقيمة، من أنواع النخيل وأشباه النخيل، كالسيكاس النجف، إلى جانب مجموعة كبيرة من الأشجار والشجيرات والمتسلقات والنباتات المعمرة الزهرية والحولية الشتوية منهما،.

والصيفية. وهناك أشجار معمرة في الحدائق، مثل شجرة التين البنغالي التي يبلغ عمرها خمسمئة سنة. كما تتسم الحديقة بوجود زهور طبيعية مختلفة الألوان تملأ أركان الحديقة، وتفوح من رائحة العبير والرومانسية، وقد ثبت أن هذه الزهور يستخرج منها نوعيات من العطور الفرنسية النادرة وكذلك نباتات طبية وأعشاب.

وعلى أطراف حديقة أنطونيادس، تستقبلك التماثيل الرخامية، من نوعيات الآلهة والأساطير اليونانية القديمة، أفروديت، وآلهه الجمال فينوس وإله الشعرإراتو وسافو. كما تضم الحديقة تماثيل نادرة لأعلام أوروبا، منها: فسكو ديغاما وكرستوفر كولومبوس وماغلان وادميرال نلسون. وفي هذه الاجواء، يشعر الزائر الأجنبي، أنه يسير في إحدى حدائق أوروبا، أو في متحف فني ونباتي، جمع بين حضارة الشرق والغرب.

مشروع فكري شامل

تسلّمت مكتبة الإسكندرية، ومنذ أكثر من عامين، قصر أنطونيادس، وجعلته مركزا ثقافيا وحضاريا عالميا، لحوض البحر المتوسط، وحلقة تواصل عالمي، بين الشمال والجنوب ودول حوض البحر المتوسط. وتولى مركز دراسات الإسكندرية ودراسات حوض البحر المتوسط، التابع لمكتبة الإسكندرية، الاهتمام بالمشروع، بالاتفاق مع مجموعة أوناسيس العالمية اليونانية؛ هدفه أن تضم الحديقة متحفا لحضارات البحر المتوسط، وقاعة للمؤتمرات ومكتبات وموقعا للحفلات، بمستويات مختلفة.

 قصر المنتزه

يرجع تاريخ بناء حديقة المنتزه، في القصر المسمى بهذا الاسم، إلى عهد الملكة كليوباترا السابعة، صاحبة أشهر قصة غرام إمبراطوري، انتهى في عام 31ق.م. إذ كان من قبيل الإلهام، أن تختار كليوباترا جزيرة الأحلام: أحد معالم المنطقة، لتشهد فصلا من هذه القصة الأسطورية، حيث تعاقبت القرون واختار الخديوي عباس حلمي الثاني، في عام 1892، المنطقة ذاتها؛ ليبني عليها، قصر السلاملك، الواقع في قرب بقية قصور الأسرة المالكة.

يحكي الباحث التاريخي، إبراهيم عناني، قصة بناء قصر المنتزه وحدائقه المشجرة:

في إحدى الليالي المقمرة، أمر الخديوي عباس حلمي الثاني، بإعداد ثمانين حمارا من حمير المكارية، لتركبها الحاشية ليلا في الصحراء على شاطئ البحر، وأن ترافق هذه المسيرة الموسيقى الخديوية، وعددها 45 رجلا، وركبوا وهم يعزفون بموسيقاهم، إلى ان وصلوا منطقة سيدي بشر.

ومن ثم استقر موكب الخديوي في البقعة المجاورة لسيدي بشر، بألسنتها الجميلة الداخلة في البحر، وتسرب المياه بين ثنياتها الصخرية في خرير ساحر، فعزم الخديوي على التوغل فيها لمشاهدتها من قرب. واكتشف على أثرها رابيتين عاليتين، وبينهما ضلع صغيـــر.

وفي طرفه الشمالي، جزيرة صغيرة، فقرر الخديوي من يومها، أن يكون هذا المكان مصيفا له ولعائلته، وأن ينشئ قصرا أنيقا له:(قصر المنتزه). ويستطرد عناني: بنى الخديوي عباس حلمي الثاني قصر السلاملك على إحدى الرابيتين العاليتين، وأقام أمامه ساعة رملية. أما الرابية الأخرى فبنى أمامها (قصر الحرملك).

والذي يعد المبنى الرئيسي بالمنطقة، فضلًا عن أنه تحفة معمارية نادرة تجمع بين العمارة الكلاسيكية وعمارة النهضة الإيطالية والإسلامية.. ثم اشترى الخديوي عباس منزلًا كان وراء الرابيتين، من ثري سكندري من أصل يوناني، يدعى سينادينو. كما ابتاع أرضا واسعة من الحكومة ومن الأهالي، لتكون ملحقات بالقصر الجديد، وزرعت تلك الأراضي كحدائـــق ومتنزه، وأشرف الخديوي بنفسه، على تنظيم الحديقة والاعتناء بها. وأطلق عليها وعلى القصر وملحقاتـــه، مسمــى واحدا: (قصر المنتزه).

 تحديث نوعي

ويبين عضو جمعية الآثار بالإسكندرية، أنه، وبعد تولي الملك فؤاد الحكم، استدعى فريقا من مهندسي أوروبا، بتخصصات متنوعة، وكوّن ما عرف باسم قسم هندسة القصور الملكية، وكان من أبرز أعمال الفريـــق إبداعاته في قصر المنتزه، إضافة إلى ترميم ما دمرته الحرب العالمية الأولى من منشآت القصر، وتمكن الفريق من إضفاء الطابـــع البيزنطي على قصر الحرملك، وإدماج العديد من الطرز الأوروبية في قصر السلاملك، كما بنى برج الساعة الذي يضارع أشهر أبراج الساعات في أكـــبر عواصـــم العالم. ويتابـــع:

عندما تولى الملك فاروق عرش مصر، أضاف إلى قصر المنتزه بعض اللمسات التي تتناسب مع ذوقه الخاص، وأشهرها كوبري الجزيرة الحالي، حيث يعد تحفة معمارية مميزة، أصبح لها عدد من الشواطئ التي تطل على البحر مباشرة. ومن أشهرها شاطئ عايدة وكليوباترا وإيزيس.اوكتسبت هذه المنطقة شهرة عالمية بعد إقامة فندق فلسطين فيها، وانعقاد جامعة الدول العربية فيه، عام 1964، من أجل دعم القضية الفلسطينية.

 ملامح وجماليات

لا يكاد الداخل إلى منطقة قصر المنتزه، يتنقل بين أرجائها، حتى يشعر أنه أمام أثر من أجمل الآثار البيزنطية المتميزة، المقامة على ربوة مرتفعة عن البحر، بارتفاع 16 مترا، تقريبا، في منطقة ساحلية على البحر المتوسط، حيـــث تأتي جزيرة الأحلام بمساحة 13 فدانا يربطها بباقي المنطقـــة، كوبري ذو طابع معماري فريد.

وتضــــم الجزيـــرة، كشك الشاي الذي تحيطه حديقة أنشئت وفق طبيعـــة تكويـــن الأرض، وفيها مجموعة من النباتات والصخــــور الطبيعيـــة والأعمدة والتماثيل ذات الطابــــع البيزنطـــي القديم، وفي الجهـــة البحرية من الجزيرة، هنـــاك منطقة صخريــــة تحـــوي مجموعـــة من الأحواض المتصلة، لتربية الأسمــــاك البحرية، وكان يرسو بهـــا جراج للقطع البحرية الملكية، للصيد والنزهة.

 قصر الحرملك

يرى إبراهيم عناني، أن قصر الحرملك، من أهم مبانــــي قصر المنتـــزه، لما له من مكانة معماريــــة مميزة، إذ يتكــــوّن من فناء داخلي به العديد من الأثـــاث والتحف الثابتـــة والمنقـــــولة والزخـــارف واللوحات الفنية، فضلًا عن ثراء المـــواد الإنشائية المستعملة، ما يجعله متحفا فريدا كقصــــور فرســــاي وفونتنبلو بفرنسا وشوبنرون بفينا، ويحتوي الدور الأرضي فيه، على مكتب الملك وغرفـــة المائدة وغرفة البلياردو. والدور الأوســـط يتضمــــن بعض حجـــرات الوصيفــات والشماشرجية.

وأما الدور العلوي، ففيه جناح الملك والملكة. وهما غاية في الجمال والبهاء، فالأرضية من الباركيه الفاخر والسلالم من الألاباستر النقي المفروش بالسجاد الأخضر. وأما زجاج الشرفات فطعم بالزخارف والنقـــوش من الداخل. وتبرز غرفة ولي العهد بأرضياتها المغطاة بالفلين المضغوط، ذلك لعدم إزعاج الوليد النائم. ويحتوي القصر على جميع الخزانات الزجاجية والسيوف والنياشين الذهبية والقلادات المهداة إلى الملك، في المناسبات الاجتماعية المختلفة داخل قصر الحرملك.

ز س

يشمل قصر السلاملك، عددا من الحجرات والقاعات والشرفات، ويوجد حوله عدد من المباني كانت تستخدم كسينما ومطبخ ومكاتب. يشتمل على المكتب الملكي الرسمي الخاص لاستعماله خلال أشهر الصيف، وتقع بجــــواره حجرة سرية فيها مخزن سري تحت الأرض، يصعب اكتشافـــه. كما يحتوي القصر على الحجرة البلورية الخاصة بالملكة.

وهي حجرة جميع ما بها من الكريستـــال الأزرق النقي، ولا يضاهــــي هذه الحجرة جمالا، سوى حجرة الملكة نازلي زوجة الملك فؤاد، في قصر الدقي بالقاهرة. ويذكر عناني أن قصر السلاملك استعمل خلال الحرب العالميـــة الثانيـــة، كمستشفـــى حربي للقـــوات البريطانيــــة، حيث كان ينقـــل إليه الجـــرحى عن طريـــق البحــــر.

 ز س

يعد قصر رأس التين، من أقدم القصور الملكية في ثاني كبرى مدن مصر( الاسكندرية)، فهو القصر الوحيد الذي عاصر قيام أسرة محمد علي في مصر، وشهد خلع الملك فاروق عن العرش، بعد قيام ثورة 1952، ومغادرته للديار المصرية، ورحيله منها إلى منفاه بإيطاليا، على ظهر اليخت الملكي المحروسة، من ميناء رأس التين.

ويروي عنانى، أن محمد علي باشا، شيّد قصر رأس التين، في عام 1845م؛ ليكون قصرا رسميا، عندما تنتقل أعمال الدولة كل عام، في فصل الصيف، إلى مدينة الإسكندرية. وبني القصر على الطراز الأوروبي الذي كان شائعا في الإسكندرية، في ذلك الوقت؛ نظرا إلى كثرة الجاليات الأجنبية الموجودة في المدينة، في تلك الفترة.

واشترك في بناء هذا القصر، عمال أجانب ومصريون، ونظرا إلى بنائه وسط أشجار التين الموجودة بوفرة في هذه المنطقة، حمل القصر الاسم ذاته. ويوضح عناني أن الملك فؤاد، أعاد بناء قصر رأس التين، على طراز يتماشى مع روح العصر الحديث، على يد المهندس الإيطالي فيروتشي.

وهو أيضا الذي بنى قصر الحرملك بالمنتزه، وكلّف وقتها أربعمئة ألف جنيه. وأصبح مشابها لقصر عابدين. ويضيف عناين : لا يوجد من القصر القديم الذي بناه محمد علي، في الوقت الحالي، سوى الباب الشرقي الذي أدمج في بناء القصر الجديد، ويتكون الباب من ستة أعمدة غرانيتية، تعلوها تيجان تحمل (عتبا) بها سبعة دوائر على هيئة كرون من النحاس، كتب بداخلها بحروف نحاسية، آية قرآنية، وعبارات مأثورة، عن العدل، مثل :

العدل ميزان الأمن، حسن العدل أمن الملوك، العدل باب كل خير، اعدلوا هو أقرب للتقوى. ويكتنــــف هذا العتـــب من طرفيه، تمثال لأسدين، وتتوسطهمـــا فيــه، كتلة رخامية بهـــا طيـــور ودروع ونسران متقابــــلان، وكتبـــ في منتصفها اسم محمد علي وتاريخ سنة1261هـ . ولا يـــزال موجودا، حتى الوقت الحالي.

 القصر من الداخل

كان الدور الأول العلوي من قصر التين، مؤلفا من قاعة العرش الفسيحة، التي اتسمت بالذوق الكلاسيكي الأوروبي في اختيار الأثاث والتحف الفنية. وسميت سابقًا :قاعة الفرمانات. وهناك المكتب الخاص بالملك، وغرفة القاعة المستديرة التي شهدت اجتماعات الوزراء وحضور ملوك العالم لها. ثم طرقة موصلة إلى قاعة الولائم الرسمية، وتليها حجرة المائدة. وأما الدور الأرضي، فيوجد فيه صالون الحرملك ذو الأبهة والعظمة، وأجنحة الخدم والحاشية.

ثم القاعة المستديرة الثانية، حيث وقّع الملك فاروق وثيقة تنازله عن العرش. ويحوي البدروم، القاعة المستديرة الثالثة، التي توصل إلى السلم الخاص بمرسى الباخرة المحروسة، حيث غادر الملك السابق منها الأراضي المصرية. وتوجد إلى جوار القصر من هذا الجانب، محطة السكة الحديد الخاصة، الموصلة إلى داخل القصر. إذ كانت مخصصة لانتقالات الملك، وتلحق بالقصر مبان لإدارات مختلفة كالموجودة بقصر عابدين.

 بحيرات وأزهار

تتميز حديقة قصر رأس التين، بزراعة الأزهار الجميلة ذات العبق الخلاب، ويتخللها عدد من البحيرات الصغيرة. وزرعت حولها مجموعة من الأزهـــار والأعشـــاب الخضراء، إضافة إلى وجــــود أكشاك للطيوـــر المغـــردة وملاعـــب رياضيــــة كالتنس.

وفي نهاية الحديقة من الجهة القبلية، هناك ميناء بحري صغير استخدم كمرسى للباخرة المحروســـة. وسمح الملك فـــاروق لقوات الاحتلال الانجليزي، في أثناء الحرب العالمية الثانية، بشغل هذا القصر ليكون مقـــرا للقيـــادة البحريـــة ومستشـفى. واستغل على هذا النحو، طوال مدة الحرب.

 أفروديت وفينوس

تنتشر على أطراف حديقة أنطونيادس، التماثيل الرخامية، من نوعيات الآلهة والأساطير اليونانية القديمة، أفروديت، وآلهه الجمال فينوس وإله الشعرإراتو وسافو. كما تضم الحديقة تماثيل نادرة لأعلام أوروبا، منها: فاسكو ديغاما وكريستوفر كولومبوس وماغلان وادميرال نلسون. وفي هذه الاجواء، يشعر الزائر الأجنبي، أنه يسير في إحدى حدائق أوروبا، أو في متحف فني ونباتي، جمع بين حضارة الشرق والغرب

 تحفة

عندما تولى الملك فاروق عرش مصر، أضاف إلى قصر المنتزه، بعض اللمسات التي تتناسب مع ذوقه الخاص، وأشهرها كوبري الجزيرة الحالي، حيث يعتبر تحفة معمارية مميزة، وأصبح لها عدد من الشواطئ التي تطل على البحر مباشرة ومن أشهرها شاطئ عايدة وكليوباترا وإيزيس. واكتسبت هذه المنطقة شهرة عالمية بعد إقامة فندق فلسطين، وانعقاد جامعة الدول العربية فيها عام 1964، من أجل القضية الفلسطينية.

 طابع بيزنطي

 بعد استلام الملك فؤاد الحكم، استدعى فريقا من مهندسي أوروبا، بتخصصات متنوعة، وكوّن ما عرف باسم قسم هندسة القصور الملكية، وكان من أبرز أعمال الفريق إبداعاته في قصر المنتزه، إضافة إلى ترميم ما دمرته الحرب العالمية الأولى من منشآت القصر، وتمكن الفريق من إضفاء الطابع البيزنطي على قصر الحرملك، وإدماج العديد من الطرز الأوروبية في قصر السلاملك، كما بنى برج الساعة الذي يضارع أشهر أبراج الساعات في أكبر عواصم العالم.

أحداث شهيرة

 لم يكتفِ قصر أنطونيادس، بكونه تحفة فنية تجلب معها السعادة والهدوء والجمال، وإنما شهد العديد من الأحداث التاريخية المهمة بداخله، مثل: توقيع معاهدة الجلاء في عام 1936، بين رئيس حكومة الوفد والحكومة الإنجليزية، التي تقضي بالانسحاب من منطقة قناة السويس.. كما قضت الأميرة فوزية، ابنة الملك فؤاد، وزوجها شاه إيران محمد رضا بهلوي، في هذا القصر، فترة الشهور الأولى من الزواج. واستضاف الملك فؤاد فيه، ملوك أوروبا.

 قاعات ومخازن

يشمل قصر السلاملك، عددا من الحجرات والقاعات والشرفات، ويوجد حوله الكثير من المباني التي كانت تستخدم كسينما ومطبخ ومكاتب. ويشتمل على المكتب الملكي الرسمي الخاص لاستعماله خلال أشهر الصيف، وتقع بجواره حجرة سرية فيها مخزن سري تحت الأرض، يصعب اكتشافه. كما يحتوي القصر على الحجرة البلورية الخاصة بالملكة، وهي حجرة جميع ما بها من الكريستال الأزرق النقي، ولا يضاهي هذه الحجرة جمالا، سوى حجرة الملكة نازلي زوجة الملك فؤاد، في قصر الدقي بالقاهرة.

Email