العاصفة رعب وجمال وحشي يلهمان الإبداع

ت + ت - الحجم الطبيعي

العاصفة.. شجرة معمرة، تضم العديد من التفرعات. فهناك الرعدية والرملية والثلجية، ومنها أيضاً، المحملة بالبرد أو الرعد والبرق. والعاصفة مجازاً واستعارة، هي ما يعصف بالنفس أو الفكر من مشاعر أو مواقف عنيفة، أو أنها السرعة القياسية لفعل أو عبور لا يكاد المرء يدركه إلا بعد انتهائه. وفي الأدب وفن المسرح والسينما، نجد أنها ألهمت كبار الكتاب والشعراء، لتكون محور حدث درامي عنيف، ينذر بالمخاطر والموت والفجيعة والشر وصراع البقاء.

 هناك تجليات كثيرة في الإبداع، لموضوع العاصفة. ومن أبرز ذلك من نلمسه من تلون لها، في أعمال المسرحي البريطاني وليام شكسبير (1564 1616)، حيث تأخذ كل مسرحية من مسرحياته الخمس، التي تلعب العاصفة فيها دوراً قريباً من البطولة، وجهاً درامياً مختلفاً.

وتتبين للباحث والقارئ لمسرحياته الخمس تلك، خصوصية أسلوب كل عاصفة، والتي تربط بين الطبيعة وظروف التجربة، إذ كانت تحمل في طياتها في ذاك الزمن، العديد من القوى، ومن بينها: الملك لير، إذ ترمز العاصفة إلى الفوضى والجنون، لتأخذ توجهاً مختلفاً في ماكبث.

حيث تعتبر العاصفة عنصراً جوهرياً من القوى الغامضة لظهور الساحرات الثلاث، وليلة قتل ماكبث للملك دانكن. وفي مسرحيته بيركليس أمير صور، نرى أنه تُحطم العاصفة سفينة أمير صور، خلال عودته إلى بلده، في بينتابوليس، حيث يكتب له القدر، الزواج من ابنة الملك.

 .. بيضاء

وفي مسرحية العاصفة، آخر ما كتب شكسبير، يبعث بروسبيرو بقدراته السحرية، عاصفة تهاجم سفينة في خضم البحر، ويبوح لابنته ميراندا، خلال مراقبتها، عن السر القديم إذ أطاح به أخوه أنطونيو، ليحتل منصبه كدوق وحاكم لميلانو، مشيراً إلى انه تمكن من النجاة من بطش أخيه، بمساعدة صديق وفي، نقله إلى تلك الجزيرة مع ابنته. وأما استدعاؤه العاصفة، فبهدف تحطيم السفينة التي تحمل أعداءه الذين يرغب في محاسبتهم بعد وصولهم الجزيرة.

والعاصفة في هذا العمل، فعل رمزي لدرس في الحياة أراد بروسبيرو تلقينه لأخيه، الذي سلبه ملكه قبل 12 عاماً من العزلة، واستعان بما تعلمه في السحر لتعذيبه نفسياً وإعادة أنطونيو إلى رشده، وحين يتحقق له ذلك، يسامح أخيه، وبالتالي فإن عاصفة هذا العمل، كانت بيضاء.

 قصة قصيرة

ومن أبرز الأعمال الأدبية الكلاسيكية التي دارت أجواؤها في العاصفة، القصة القصيرة التي تحمل العنوان نفسه، للقاصة والروائية كيت شوبان (1850 1904)، التي كتبتها في عام 1898. وتتناول القصة علاقة عاطفية خارج إطار الزواج، في جنوب الولايات المتحدة الأميركية..

ولم تنشر تلك القصة خلال حياة كيت، لكونها تتناول قضية كانت تعد بمثابة فضيحة في ذاك الزمن. وتطلب نشرها مضي 70 سنة، تحديداً في عام 1969. والعاصفة في هذا العمل، تحمل المعنى الفعلي والمجازي، فهي تحمل ما لا يتوقعه الإنسان من نفسه في الظروف العادية، وتكشف عن المكنونات الداخلية التي يتفاجأ بها صاحبها.

وتدفع بوادر العاصفة سكان المنطقة، إلى الاختباء حيث كانوا. ونجد كاليكستا مستغرقة في عملها خلف ماكينة الخياطة، حين فوجئت بالظلمة تهيمن على السماء، فتسرع إلى باحة البيت لتجمع الغسيل، فتشاهد ألكي على صهوة حصانه يبحث عن ملجأ من الأمطار والعاصفة القادمة.. وكان لا بد له من دخول بيتها للاحتماء من عصف الريح، ذلك بينما تنشغل كاليكستا في حماية الأبواب من تسرب المياه. وعندما تنجز ذلك، تقف قبالة النافذة وبجانبها ألكي، وخلال الإفصاح عن خوفها على ابنها الصغير وزوجها، يصعق البرق إحدى الأشجار التي تنهار قريباً من النافذة. وبصورة عفوية، يحتضنها ألكي لدقائق كانت كفيلة بإعادة ذكرى علاقتها به، قبل أكثر من 5 سنوات.

وفي ثـــــوان يتجدد حبهمـــا، ليفترقا مجدداً بعد انتهاء العاصفة وتعود الحياة إلى ما كانت عليه، مع جرعة من بهجة تحيط بكل منهما في محيط أسرته. وتناول النقاد أبعاد تلك القصة وأبعاد معانيها التي تعكس الحياة الباهتة لكل من البطلين، الذين لم يحقـــق لهمـــا الــزواج ما كـــان بينهمــــا قبله.

 ز س

تتمحور رواية مرتفعات وذرينغ (1847) للروائية الانجليزية إميلي برونتي (1818 1848)، حول الصراع الكوني بين قوتين متناقضتين: العاصفة والهدوء. وفي هذه الرواية، تمثل جغرافية مرتفعات وذرينغ والعائلة إيرنشو، العاصفة. وبالمقابل، يجسد منزل ثراشكروس غرانغ ولينتون، الهدوء. أما بطلا العمـــل: هيثكليــف وكاثرين، فهما من عناصر العاصفة.

وعلى غير ما تظن غالبية القراء، فإن محور العمل لا يتمركز حول الحب فقط، فهناك دوافع أخرى، منها: الواقع الاقتصادي الاجتماعي، والرغبة في الثراء التي تدفع بكاثرين للزواج من آخر، ما يقود هيثكليف باتجاه متطرف، ليختفي زمناً ثم يعود لامتلاك منزل ثراشكروس غرانغ، لتنقلب الآية، ويعصف هيثكليف بشقيق كاثرين هاريتون.

كما تدخل في الرواية عناصر أخرى، مثل: تغيير رأس المال والصناعة للاقتصاد وبنية التقاليد الاجتماعية، تبدل العلاقة بين طبقات المجتمع. فإعصار الصناعة يقضي على طبقة الإقطاعيين ممثلة بالابن هاريتون، مقابل رؤوس أموال الأثرياء الجديدة، ممثلة بهيثكليف. وتعود الطبيعة بقوتها وجبروتها إلى العمل، مع تشبيــــه كاثرين لحبهـــا من لينتون الذي تزوجته، من الفصول الأربعـــة، في حين تشبـــه حبها لهيثكليف بالصخر.

 يوسف الفخري

أما بطل قصة العاصفة لجبران خليل جبران - يوسف الفخري -، فهو بطل اغترابي سلبي، يعتزل الناس تعالياً، ويهرب معتصماً في كوخ مختاراً الوحدة بين الجبال.. وعندما يبوح بسر اعتصامه الاغترابي يقول: هجرت الناس لأن أخلاقي لا تنطبق على أخلاقهم، وأحلامي لا تتفق مع أحلامهم. تركت البشر لأني وجدت نفسي دولاباً يمنة بين دواليب تدور يساراً.. طلبت الوحدة لكي لا أرى وجه الرجال الذين يبيعون أنفسهم ليشتروا بأثمانها ما كان دون نفوسهم قدراً وشرفاً....

ونتعرف من خلال سرد الراوي، في قصة العاصفة لجبران خليل جبران، على بطل العمل يوسف الفخري، المنعزل عن الناس في كوخ بين الجبال النائية، ويتجلى في هذا المقطع أجواء العاصفة:

ففي يوم من أيام الخريف، وقد كنت متجولاً بين تلك التلال والمنحدرات المجاورة لصومعة يوسف الفخري، فاجأتني العاصفة بأهويتها وأمطارها. وأخذت تتلاعب بي مثلما يتلاعب البحر الهائج بمركب كسرت الأمواج دفته ومزقت الريح شراعه، فتحولت نحو الصومعة قائلاً في نفسي: هذه فرصة موافقة لزيارة هذا المتنسك، وستكون العاصفة عذري، وأثوابي المبللة شفيعي.

ويضيف: بلغت الصومعة وأنا في حالة يرثى لها، ولم أطرق الباب حتى ظهر أمامي الرجل الذي طالما تشوقت إلى لقائه، حاملاً بيده طائراً مهشم الرأس منبوش الريش وهو يختلج كأنه على آخر رمق من الحياة. فقلت بعد أن حييته:

اعذرني يا سيدي على مجيئي إليك في هذه الحالة، ولكن العاصفة شديدة وأنا بعيد عن المنزل.. فتفرس فيّ عابساً، وأجاب بصوت يساوره الاستنكاف: الكهوف كثيرة في هذه النواحي وقد كان بإمكانك الالتجاء إليها. ومن ثم نتبين تحولاً مهماً في كينونة تلك الروحية السردي في عاصفة جبران:

قال هذا وهو يلامس رأس الطائر بانعطاف لم أرَ مثله في حياتي، فعجبت لمرأى الضدين: الرأفة والخشونة، في وقت واحد، وتحيرت في أمري. وكأنه قد علم بما يخالج ضميري فنظر إلي نظرة استيضاح واستعلاء، ثم قال: إن العاصفة لا تأكل اللحوم الحامضة.. فلمَ تخافها وتهرب منها؟ فأجبته: العاصفة لا تحب الحوامض ولا الموالح، ولكنها تميل إلى الرطب البارد، ولا أشك بأنها ستجدني لقمة لذيذة إذا قبضت علي ثانية».. ويتابع:

فجلست بقرب النار شاكراً، وجلس هو قبالتي على مقعد محفور في الصخر وأخذ يغمس أطراف أصابعه بمزيج زيتي في طاسة فخارية ويدهن بها جناح الطائر ورأسه المجروح. ثم التفت نحوي قائلاً: قد دفعت الريح هذا الشحرور فهبط على الصخور بين حي وميت. فقلت: والريح قد حملتني أيضاً إلى بابك يا سيد.

وأنا للآن لا أدري ما إذا كانت قد كسرت جناحي أو هشمت رأسي. فنظر إلى وجهي بشيء من الاهتمام وقال: حبذا لو كان للإنسان بعض طباع الطيور. حبذا لو كسرت العواصف أجنحة البشر وهشمت رؤوسهم. ولكن الإنسان مطبوع على الخوف والجبانة، فهو لا يرى العاصفة مستيقظة حتى يختبئ في شقوق الأرض ومغاورها.

 ظاهرة

 تمثل العاصفة، ظاهرة مناخية جوية، ترتبط بحركة سريعة للرياح، تحمل معها عادة، إما المطر أو الثلوج أو الرمال. وتتفاوت العواصف في حجمها، وفي مدة استمرارها. فأقل العواصف العنيفة والعواصف الرعدية، تؤثر عموماً على مساحات تصل إلى حوالي 25كم، وتستمر لبضع ساعات. وربما تؤثر أكبر العواصف، كالعواصف المدارية والزوابع، على قارات بأكملها، ويحتمل أن تدوم أسابيع عديدة.

Email