سيد حجاب: تراجع دور الشعر أكذوبة نقاد

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا يداري أو يتهيب شاعر العامية، سيد حجاب، في إطلاق أحكام حصرية، في تفصيله وتشريحه واقع الثقافة العربية، حالياً، والشعر خاصة، ويوضح حجاب، في حواره مع «مسارات»، أن الشعر، يصنعه الانخراط في الحياة، مع توافر الموهبة، وتعلُّم مهارات الحرفة، مشيراً إلى أن الحديث عن تراجع دور الشعر ـ الذي كان ديوان العرب ـ لصالح فنون أدبية أخرى، في العصر الحديث، من بينها القصة والرواية، أكذوبة روّج لها بعض نقاد الحداثة.

 

انتشرت العديد من المبادرات ، أخيراً، في مجال الشعر.. هل ترى أنها تقدّم مواهب حقيقية أم هي مجرد فقاعات إعلامية؟

الواقع أن هذه المبادرات، في الغالب، وخاصة الإعلامية منها، لم تسهم حتى الآن في تقديم شعر حقيقي، ولا في إقامة حركة شعرية. أجد أن لجان التحكيم، في مبادرات الشعر، حالياً، لا تعبر عن الاتجاه العام في الحركة الشعرية ولا في الحركة النقدية العربية؛ فنتيجتها الحقيقية، هي نجومية موقوتة لمدة سنة، لكنها لا تضيف إلى الحياة الشعرية.

هل لديك نصيحة أو توجيه معين لبرامج المبادرات الشعرية للتغلب على هذا الوضع؟

لا، الشعر لا تصنعه مبادرات تقتصر على الطابع الإعلامي، لكن يصنعه الانخراط في الحياة، مع توافر الموهبة، وتعلُّم مهارات الحرفة.

 

محال

هناك رأي شائع في الأوساط الثقافية حول تراجع دور الشعر ـ الذي كان ديوان العرب ـ لصالح فنون أدبية أخرى في العصر الحديث، من بينها: القصة والرواية.. إذا صحّ هذا الرأي، فما سبل استعادة الشعر مكانته المفقودة؟

أظن أن هذه أكذوبة ظهرت في فترة من الفترات، ومؤداها أن هذا عصر الرواية.. إلخ. إنها أكذوبة روّج لها بعض نقاد الحداثة.. والحقيقة أن الشعر ظل دائماً في طليعة حركات التجدد والارتباط بالحياة، ولم يفقد أبداً مكانته كديوان للعرب، وشاهِدنا في ذلك أن المصريين يعرفون صلاح جاهين وفؤاد حداد وأحمد فؤاد نجم، أكثر من ما يعرفون كثيرين من الذين يقدمون فنوناً أدبية أخرى، غير الشعر، ووجود الشعر ـ خصوصاً شعر العامية ـ في قلوب المصريين، أكبر بكثير من مختلف الفنون الأدبية الأخرى.

هل يعني ذلك أن مكانة الشعر عند العرب العاميين - وليس النخبة المثقفة ـ مُرضية؟

إذا كنا نقول بأن «الشعر ديوان العرب»، فإن شعر العامية، والغناء بشعر العامية، هما ديوان المصريين، ولا يزال هذا الموقف قائماً، فالشعر العربي منذ أحمد شوقي، أدخل كل الفنون إلى مرحلة الحداثة.

 

سبب

في بداية حياتك ترددتَ بين الكتابة بالفصحى أو العامية، في اللحظة الفارقة التي قررت فيها الكتابة بالعامية بشكل نهائي، ماذا كان السبب الأهم في هذا الاختيار؟

بعد أن أصدرتُ ديواني الأول «صيّاد وجنية»، أزعجني جداً أن النقاد استقبلوا هذا الديوان بحفاوة بالغة، في حين أنه لم يصل إلى من ألهموني إياه من الصيادين والبسطاء، وكان حلمي أصلًا، أن أكون صوتاً لهؤلاء الذين لا صوت لهم، فساءني كثيراً أن صوتي لم يصل إليهم، عندها قررتُ أن تكون العامية والمشافهة هما سبيلي لقلوب الجماهير وعقولها.

ما رأيك في ما يُشاع عن ضرورة الحرص على سلامة اللغة العربية والحفاظ على أصالتها...؟

إنها دعاوى باطلة، فمنذ سنوات طويلة علمنا الدكتور إبراهيم أنيس ـ أحد فقهاء اللغة الكبار ـ أن البلدان العربية بانقسامها، صار لديها عدد من» الفصحيات»، وعدد من العاميات. فالفصحى المشرقية فيها تختلف عن المغربية. والفصحى الشامية عن الفصحى السودانية. لكل فصحى مذاق مختلف، وهذه الحزمة من الفصحيات والعاميات، لن تتوحد عبر القواميس المعلّقة على الأرفف.

وإنما تتوحد عبر الحياة؛ لأن اللغة كائن حيّ، وكائن اجتماعي إلى حد كبير، وأنا أثق أنه ستحدث حتماً وحدة قادمة، نتيجة الحوار بين هذه الشعوب وبعضها البعض، في إطار الاستجابة لمتطلبات العصر؛ فالحياة تتغير والشعوب في حركتها تصنع لغتها وتوحد لغتها وتطوّر لغتها، وأنا أخشى أن تتجمد العربية في عصور حجرية قديمة، فعلى العربية أن تطور نفسها وفقاً لمتطلبات العصر.

 

أسس ثقافية جديدة

كمتابع للوضع الثقافي في مصر.. كيف تقيّم هذا الوضع؟

أتصور أننا نخطو على أعتاب ثورة ثقافية كبيرة في مجتمعنا، وأظن أن هذه الثورة بدأت بذورها منذ التسعينيات في القرن الماضي، إذ بدأت التغيرات في المزاج العام لشعبنا المصري، فمثلاً بعد غزو العراق مباشرةً، سقط ما كان يسمى بـ»المسرح السياحي».

وكان مسرحاً رائجاً يعتمد على السياحة القادمة من دول الخليج، هذا المسرح سقط وانتهى تماماً؛ وبعدها، منذ احتكار سوق الغناء العربي، بدأ السقوط التدريجي لمن كانوا يسمون بـ»السوبر ستارز» في الغناء، فتراجعت المبيعات إلى حد كبير، وبدأ الجمهور الشاب ينصرف عن هذه الألبومات إلى اتجاهات أخرى.

هناك تغيّرات في المزاج العام لعلّ آخرها سقوط سينما «المضحكاتية»، التي مثلت فرقعة كبرى في الإيرادات لفترة طويلة، وبدأ صعود نوع جديد من السينما، ومع ثورة 25 يناير كان هناك نوع من الإعلام الثوري، فالثقافة الجديدة كانت قد أسقطت منظومة القيم التي سادت المرحلة السابقة.

والتي تكرّس الاستسلام باسم السلام، والتبعية والخنوع والرضا بما قُسم، ولكن مع الثورة تأسست في الميدان أسس ثقافة جديدة تعتمد الوحدة الوطنية والحرية المسؤولة، وتفجرت روح ابتكارية تجلت في مختلف الفنون التي احتضنها ميدان التحرير.

حدثنا عن تجربتك الشعرية بعد 25 يناير..

من المؤكد أن هذه الثورة ليست بنت يوم 25 يناير، ففي هذه الثورة اختمار طويل لأحلام وآلام المثقفين المصريين والشعب المصري، منذ رفاعة رافع الطهطاوي. وأظن هذه الثورة لم تُدرس بما يكفي حتى الآن، وأعتقد أننا لم نفهم بعد، كم هي كبيرة وسابقة للزمن، وغير مسبوقة في تاريخ الإنسانية، هذه الثورة احتضنت الحلم القديم لرفاعة الطهطاوي «ليكن الوطن محلًا للسعادة المشتركة بين الجميع نبنيه على أسس التطوير والحداثة»، بالإضافة إلى محاولة التجربة الناصرية للوصول إلى العدالة الاجتماعية باسم الاشتراكية العربية آنذاك.

سقطت فكرة الاشتراكية في القرن الواحد والعشرين تحت كل المسميات التي انتشرت في العالم، ولم تسفر إلا عن «رأسمالية دولة».. هنا وفي ما كان يسمى بالدول الاشتراكية؛ بينما هذه الثورة نادت بالعدالة الاجتماعية التي كانت هي الاشتراكية في القرن العشرين.

ولا يمكننا أن ننسى أن الكثير من المثقفين، أسهم في التبشير أو التنبؤ أو تعبيد الطرق أمام هذه الثورة، ولا ننسى أبداً أمل دنقل وقصيدته «لا تُصالِح» ؛ وكذلك أشعار صلاح عبد الصبور وعبد الوهاب البيّاتي وصلاح جاهين وفؤاد حداد وأحمد فؤاد نجم، وغيرهم من الذين كانوا هم الحالمون الأوائل بهذه الثورة والمبشرون بها؛ وكنتُ واحداً من هؤلاء، إذ أصدرتُ قبل الثورة بعام ـ سنة 2009 ـ ديوان «قبل الطوفان الجاي» وأشرتُ إلى أن هناك ثورة قادمة.

ومرحلة إنسانية جديدة قادمة على الإنسانية، وأن هذه المرحلة ستبدأ بالشرق الأوسط، وأنها ستكون ثورة شباب تتأسس على المعرفة والمعلوماتية؛ وفي الميدان بعد تفجُّر الثورة ذكرني كثير من شباب التحرير بهذا الديوان، وواكبتُ أحداث الميدان، وصعدت المنصات مرات كثيرة، وتأكدت من أن الذي حدث هو ثورة حقيقية شعبية لا يمكن إخمادها.

 

حالات ومذاقات

حاول عدد من الشعراء استلهام ثورة 25 يناير والتعبير عنها شعرا، أيُّ هذه المحاولات كانت الأفضل من وجهة نظرك؟

تتباين المحاولات للالتحاق بالثورة، بين اتجاه يحاول أن يركب بها مغيراً مواقعه من الانتماء للأنظمة السابقة، ومحاولاً التشبث بمكان في ركب الثورة القادمة، وبين من كان يحلم بهذه الثورة، ووجد فيها استجابة لأحلامه، وبعضهم كان يمارس الفعل السياسي المعارض في أثناء النظام السابق؛ ومنهم من كان فاعلاً في إطار الحركات المعارضة قبل الثورة، وحين أثمرت المعارضة عن تفجر هذه الثورة واصل في طريقه، ولعلَّ من أهم هؤلاء الشاعر عبد الرحمن يوسف.

مررتَ بتحولات سياسية كبرى طوال مسيرتك الإبداعية، ومن المدهش أن البداية كانت في صفوف الإسلام السياسي:» الإخوان المسلمين»، ثم «مصر الفتاة»، حدثنا عن هذه التجارب!

أنا أنتمي إلى جيل الستينيات الذي ولد في أعقاب الحرب العالمية الثانية، في عالم مأزوم، وفي وطن مأزوم، فكان الهم الاجتماعي والسياسي يفرض نفسه على أبناء جيلي، وكان الإخوان المسلمون أحد المنافذ التي يمكن للصبي أن يفرّغ فيها مثل هذه الطاقة، فدخلت الإخوان ثم مصر الفتاة، ثم استقر بيَ الوضع في المربع اليساري! ومن المؤكد أن كل ما يمر به الإنسان، يترك أثراً في شخصيته.

 والحقيقة أن الإخوان المسلمين الذين انضممتُ إليهم في صبايَ، يختلفون تماماً عن إخوان هذه الأيام! فوقتها كانوا فصيلًا سياسياً شارك في ثورة 52 أو احتضنوها، ثم تناقضوا معها، ولكن إخوان الوقت الحالي، مشروع آخر بطموحات أخرى وامتدادات أخرى خارج الوطن، ووجودهم في السلطة حالياً، مرحلة عابرة وليس تتويجاً للثورة المصرية.

 

Email