«متحف بورشه » للسيارات

شهرة حتى أقصى حدود السرعة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

المتاحف بمختلف أنواعها رحلات تعليم ومعرفة، لا تعوضها الكتب وقاعات الدراسة، بل إنها تعليم تفاعلي وعصري يبني جيلاً مختلفاً له ثقافة حية ولافتة للانتباه.. هذا فعلياً، ما اختبره «مسارات»، في زيارته مدينة شتوتغارت الألمانية، إذ وضح جلياً كيف أن الألمان لا يعتنون فقط بأبنيتهم وقلاعهم التاريخية .

وكذلك دور الأوبرا والباليه والتماثيل الأثرية المنتشرة في شوارع مدنهم، فهم حريصون على توثيق تاريخ كل ما يتعلق بمنتجاتهم، سواء كانت مهمة أو عادية، أو حتى علاماتهم التجارية الشهيرة والمعروفة عالمياً، وذلك من خلال متاحف راقية تستخدم أحدث التقنيات، كحال متحف سيارات بورشه في مدينة «شتوتغارت» .

 

تتوافر في متحف سيارات بورشه، معلومات غنية بالتاريخ، وغدا المتحف، أخيرا، مثل غيره من المتاحف الأخرى في ألمانيا، محطة وبنداً أساسيين، في جدول المحطات المهمة لأي زائر لهذا البلد الذي يحتضن، إلى جانب متاحف التصوير والفن التشكيلي والساعات والأزياء، متحفا لسيارات بورشه، يعد واحداً من أكثر متاحف السيارات شهرة، على مستوى العالم.

 

ثقافة الوفاء

قبل الحديث عن متحف سيارات «بورشه»، تجولنا بشكل سريع في مصنع هذه السيارات، في مدينة شتوتغارت الألمانية، وكم كانت مفاجأتنا كبيرة حين اطلعنا على مراحل تصنيع السيارات، لأن «الروبوتات» أو الرجال الآليين كانوا يتحكمون بسير العمل وإيقاعه السريع، بنسبة 80 في المئة.

وربما أكثر، على الرغم من وجود نحو 5 آلاف عامل متخصص، وعلى درجة عالية من الكفاءة والخبرة والمؤهلات العلمية، الأمر الذي جعلنا نشعر أننا في المستقبل حقاً، فلا مجال للخطأ أو تضييع الوقت أو الأحاديث الجانبية، لأن إضاعة دقيقة واحدة فقط كفيلة بأن تؤخر الزبون عن استلام سيارته مدة يومين تقريباً، وأن تؤثر سلباً في معدل الإنتاج اليومي للمصنع الذي ينتج نحو 25 سيارة في زمن قياسي يبلغ 11 ساعة عمل.

والجميل في سياسة العمل، أن أرباح الشركة، ذات الصيت العالمي والسوق الصغير في الوقت نفسه، توزع سنوياً بالتساوي على جميع العاملين في المصنع، من دون استثناء، إذ يحصل كل عامل على ثمانية آلاف يورو، بالإضافة إلى راتبه الشهري، بلا نقصان، وذلك من أجل نشر ثقافة الوفاء والإخلاص والتفاني، حسب القائمين على المتحف.

 متحف عصري

 شركة «بورشه» التي تنتج وتصنع سيارات طبقا لمواصفات الطلب، ويذهب معظم ما تنتجه إلى كاليفورنيا، تعد صغيرة جداً إذا ما قارناها بشركات سيارات أخرى عريقة. ولكنها اجتهدت في حفظ هوية ورونق خاصين بها. وهكذا حرصت على تصميم متحف لها لتصون عبره، تاريخها في المجال بالدرجة الأولى.

وكذلك ليقينها الكبير، أن المتاحف تقوي اتصال جيل الشباب بالموروث الثقافي والحضاري، على اعتبار أن الشركة علامة مميزة وراسخة في تاريخ مدينة شتوتغارت، فضلاً عن اعتبارات عديدة لدى القائمين على الشركة، وكذلك لدى المسؤولين في الحكومة، تفيد بأن تدريس الثقافة بالطرق التقليدية ونظام الصف المباشر، يقتل في أطفال ألمانيا حب التعلم والاطلاع (وذلك على عكس ما يحدث في معظم الدول العربية، إذ نفتقد إلى ثقافة زيارة المتاحف).

 طابع مستقبلي

ابتكر المتحف من قبل متخصصين في مكتب شركة شتوتغارت للهندسة المعمارية «ميرتز»، بالتعاون مع البروفيسور غوتفريد كورف، وهو متخصص في حقل تنظيم المتاحف وإدارتها، في جامعة «إبرهارد كارل»، وافتتح المتحف للمرة الأولى، في 31 يناير عام 2009. وهو من تصميم المهندس المعماري النمساوي ديلوغان مايزل الذي يعد المتحف حجر الأساس على المستوى الروحي.

لكل عشاق السيارات. وحرص على أن يحتمل ويستوعب المتحف، ذو الطابع المستقبلي والذي يمتد على مساحة وقدرها 5.600 متر مربع، نحو 200 معروضة صغيرة، رتبت بعناية فائقة، وأكثر من 80 سيارة، تتنوع ما بين العجلة الأسطورية في سيارة «لونا بورشه»، وهي أول سيارة «هايبرد» تعمل بالطاقة المختلطة في العالم، وتعود إلى العام 1900، ووصولاً إلى أحدث جيل من طراز «بورشه 911».

 نقطة التقاء

تعكس هندسة المبنى (المتحف) المعمارية الجريئة، تفرد بورشه وثقتها وتاريخها العريق، في حين تعكس السيارات المعروضة، تاريخاً حياً ومتألقاً، بكافة نواحيه وبأبهى معانيه، إذ إن كافة السيارات الرياضية في قسم «المتحف على عجلات»، تعمل بشكل طبيعي، الأمر الذي يؤكد أن المتحف ليس فسحة عرض فقط، بل نقطة التقاء للشغوفين بالسيارات الرياضية، وحتى الذين لا يقودون سيارات.

 مهمة ثقافية

ليس المتحف، مجرد مبنى يعرض غباراً على سيارات، بل يمثل مكاناً تتحدث فيه المعروضات عن نفسها، وتُحترم فيه الأفكار المذهلة والتكنولوجيا الرائدة التي تستحق أن تُعرض في بيئة ملائمة، إذ يؤدي مهمة تعليمية تصب في سياق وظيفة ثقافية رائدة، في موقع مدينة تزوفنهاوسن التقليدي.

ويستخدم أحدث تقنيات المتاحف لتوفير معلومات غنية بالتاريخ والمعاصرة، والمذهل أن إدارة المتحف تتجنب إعطاء أي تصريحات تسويقية في تواصلها مع زواره، لأنها ملتزمة بدعم أجيال المستقبل، وتركز على مهمتها في التعليم والتاهيل في المجال، إذ تهتم بإطلاع الزوار على تاريخ صناعة السيارات الألمانية وإنجازاتها، وتعزز تقدير الطلبة للهندسة المعمارية، كما تعرفهم على التحديات المرتبطة بتشييد المبنى.

 سبع لغات

ينشر المتحف ثقافة الإبداع بشكل مختلف وفريد، إذ تتألف فسحته من هيكل فولاذي فريد، يرتكز إلى قواعد اسمنتية على شكل حرف «V»، وتغطي امتداداً يبلغ 60 متراً، ما يجعلها تبدو وكأنها تحوم في الفضاء، لتعبر عن فكرة «بورشه» التي تتلخص في السرعة والشدة والاستمرارية والوزن الخفيف والقوة والذكاء، كما تتوفر مرشدات صوتية جوالة للزوار بسبع لغات، تقدم معلومات دسمة للبالغين، وأخرى تناسب للأطفال لتصل إليهم المعلومة بيسر، وليستطيعوا فهمها، بدلاً من حفظها لدقائق ونسيانها بعد ذلك.

 أقسام

تبرز أهمية المعرض في المتحف، كون جميع السيارات المعروضة متحركة، بكل ما للكلمة من معنى، إذ يمكن تغيير المعروضات، وإعادة تغيير المعرض ذاته بكل تجهيزاته، بسهولة تامة، حفاظاً على درجة عالية من التميز والجاذبية.

كما ان هناك أقساما عديدة، إلى جانب المعرض، الذي يغلب عليه اللون الأبيض، تجذب الزائر بمضمونها الثري بالمعلومات والثقافة، وأبرزها: الأرشيف التاريخي، المشغل ذو الواجهة الزجاجية المخصص للسيارات الكلاسيكية، مطعم للذواقة. وجميعها تفتح أبوابها لاستضافة المؤتمرات، وتصوير الأفلام، والحفلات الموسيقية.

 رحلة زمنية

تبدأ رحلة الزائر الزمنية في المتحف، مع تاريخ صناعة هذه السيارة (بورشه)، بمشهد لافت يتركز في جسم سيارة بورشه أسطورية، تنتمي إلى العام 1939، إذ تتخذ موقعاً شامخاً عند مدخل المعرض وتحمل في طياتها المقومات الوراثية المعهودة التي حافظت على تفرد السيارات الرياضية، من «تزوفنهاوسن» حتى يومنا هذا، وعلى الرغم من أن سيارة السباق الرائدة تلك، لم يكتب لها المشاركة في السباقات بسبب اندلاع الحرب آنذاك، إلا إنها تضمنت العديد من المزايا، وأبرزها الأداء الاستثنائي على الطريق.

وفي إمكان زائر المتحف أن يطلع على مراحل تصنيع هذه السيارات، بدءاً من التصميم ومروراً بالتطوير وانتهاء بالإنتاج، وقبل أن يختتم رحلته بمشاهدة سيارات أسطورية مثيرة تحمل اسم «سيارتي البورشه»، بإمكانه دخول قاعة القراءة والمكتبة والاختيار من بين تشكيلة الكتب عن «بورشه» في متجر المتحف، التي انتقيت من بين مجموعة هائلة من الكتب عن الشركة.

 ملائم للأطفال

أما بالنسبة إلى الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و 13 عاماً، فلن يشعروا بأنهم في مكان غريب عليهم أو حتى بعيد عن اهتماماتهم، ضمن المتحف، لأنهم يستطيعون المشاركة في «مطاردة ورقية» حماسية تتطلب منهم استكشاف المعرض بمساعدة لعبة، وبعد الإجابة بشكل صحيح عن عشرة أسئلة، يجدون الكلمة التي تمثل الحل.

وبإمكانهم كذلك الاشتراك في سحب شهري على جائزة قيمة. وحتى يكون المتحف بمثابة صديق للصغار، أتاح لهم إقامة حفلات أعياد ميلادهم في طابع يحدده الطفل بنفسه، إذ بإمكانه أن يختار التصميم، أو منوال ديناميكية هوائية، أو السيارات الرياضية أو طابع المحركات.

 تايب 64

تبرز في المتحف "سيارة تايب 64"، ذات الاسطوانات الأربع المسطحة وقوة 33 حصاناً والمثالية للرحلات، والتي انتجت في عام 1939، إذ كانت تمثل الشغف الأكبر لمالك شركة بورشه، نفسه : فرديناند بورشه.

فعلى الرغم من أن هذه السيارة الرياضية المصممة لسباق التحمل "برلين روما"- طويل المسافة، إلا إنها تعد اليوم سيارة "بورشه" الأولى، إذ تتوافر ضمن أسفل جسمها الانسيابي المصنوع من الألمنيوم، كافة المزايا الرائدة والمعتمدة في جميع سيارات "بورشه" الرياضية التي تلتها، أما بالنسبة إلى التصميم والدينامية الهوائية، فكانت متقدمة على عصرها بأشواط.

 فولكسفاغن بيتل

ويشاهد زائر المتحف، سيارة فريدة، تسرد قصة مهمة، وذلك عندما قدّم فرديناند بورشه، دراسة عن سيارة ألمانية للشعب في يناير 1934:فولكسفاغن بيتل، إذ كانت تلك ثامن سيارة صغيرة يجري تطويرها تحت إشرافه، وأراد ومهندسوه في مكتب التصميم، أن يتضمن هذا الطراز المدمج، محركاً من أربع اسطوانات مبردة بالهواء.

كما جمع التصميم شكلاً انسيابياً مع حيز كاف لأربعة أشخاص، ما نتج عنه ولادة الصورة الظلية الشهيرة لسيارة "بيتل"، ووصل إنتاج شركة "فولكسفاغن" الإجمالي من "بيتل" حتى العام 2003، الى 21.5 مليون سيارة، على مستوى العالم أجمع.

 بورشه 356

نستطيع، عبر معروضات المتحف، تتبع تاريخ وبدايات صناعة سيارات بورشه. ونتعرف في هذا الصدد، على نموذج يبين أول سيارة رياضية صنعت، تحمل اسم "بورشه"، وذلك في مطلع العام 1948 في قرية غموند النمساوية، الواقعة في ولاية "كارينتيا".

وجسدت فكرة فيري بورشه، لما يجب أن تكون عليه السيارة الرياضية العصرية، إذ أصبح نموذج السيارة الرقم 1، جاهزاً للقيادة على الطرقات.

في الثامن من يونيو، وأصدرت حكومة ولاية كارينتيا، إذناً خاصاً لمرة واحدة فقط، لتجربتها على الطرقات العامة، وزودت هذه السيارة الرياضية، بمحرك فولكسفاغن، ما رفع من قوتها إلى 35 حصاناً، وبما ان وزن السيارة لم يتعد ال585 كلغ، استطاعت الوصول إلى سرعة قصوى بلغت 135 كلم/س. وفي شهر أغسطس من العام 1948، برهنت على جدارتها في السباقات.

 "كوبيه"

"بورشه 356 كوبيه فرديناند".. تلك سيارة تبدو براقة جاذبة في المتحف بزواياه كافة، إذ سطرت بين تاريخها كيف انها سطرت فصلاً جديداً في مراحل تطور بورشه عام 1950. ذلك خاصة عندما تم الانتهاء من تصنيع أول سيارة "تايب 356" في قاعة التصنيع في شتوتغارت.

وبما ان بورشه اعتادت إطلاق كنية على سياراتها الاختبارية، أطلقت على النسخة المعروضة في المتحف، اسم "فرديناند" كهدية "لفرديناند بورشه"، بمناسبة ذكرى مولده الخامسة والسبعين، ذلك في الثالث من سبتمبر 1950. وخصصت هذه السيارة للاختبارات.

 3آلاف دولار

ونطلع في نموذج سيارة "بورشه 356 1500 سبيدستر"، في المتحف على حقائق عديدة حولها. إذ صنعت استجابة لطلب العملاء، بعد أن أراد المستورد الأميركي ماكس هوفمان، من بورشه، سيارة لا يقل ثمنها عن 3 آلاف دولار لسوقه.

وتمثل الجواب بسيارة "بورشه 356 سبيدستر" خفيفة الوزن، التي تألقت بتجهيزات مقتضبة،. ولقيت، حينها، إقبالاً كبيراً، في الولايات المتحدة الأميركية، واستخدمت في سباقات السيارات بشكل رئيسي ومنتظم.

 الصغيرة الشرسة

تشكل سيارة "بورشه 550 إيه سبايدر"، في نموذجها المعروض بالمتحف، قيمة جمالية كلاسيكية. ونتبين في سجل معلوماتها، انه لقبها الممثل الأميركي جايمس دين: "الصغيرة الشرسة".

دلالة على قوتها وشراستها في تلاؤمها مع رياضة السيارات. وكان قد تعرض دين، البالغ من العمر 24 عاماً، إلى حادث مميت وهو يقود سيارته "سبايدر"، أثناء توجهه إلى حلبة "ساليناس" في كاليفورنيا، عام 1955، وذلك بعدما اصطدم بسيارة أخرى مخالفة.

 أول سيارة مكشوفة

 "بورشه 911 إس 2.2 تارغا".. ذاك عنوان فريد لامع، في أجنحة المتحف. ونتعرف في بيانات نموذج السيارة، ضمنه، على انها الأولى المكشوفة والآمنة في العالم، وهي مخصصة للإنتاج التجاري، ففي أواسط الستينيات من القرن الماضي، واستجابة للقوانين الأشد صرامة في أميركا، ابتكر مهندسو بورشه نسخة من نوع" 911"، تتخذ فئة لها ما بين "الكوبيه" و"الكابريوليه"، تحت اسم "تارغا".

وسرعان ما اكتسبت بسقفها القوي القابل للنزع، قاعدة عملاء خاصة بها، وكما كان الأمر مع النسخة التقليدية، اشتملت النسخة "إس"، وتعني الرياضي الأكثر قوة، على قضيب خاص للحماية عند انقلاب السيارة.

 معارض

 يقيم متحف "بورشه"، معارض خاصة حول موضوعات محددة، مرات عديدة في العام الواحد، وتعكس هذه المعارض الخاصة، الذهول التي تضيفها علامة "بورشه" التجارية، لكنها تركز في المقام الأول على التنوع الكبير والقدرة العظيمة على الابتكار المرتبطة ببورشه، وتتمحور هذه المعارض حول مناسبات سنوية وطرز خاصة وموضوعات حالية. فعلى سبيل المثال سبق للمتحف أن أقام معارض خاصة احتفالاً بالذكرى المئوية لولادة فيري بورشه، ابن مؤسس الشركة فرديناند بورشه.

 تقنيات

 يعد متحف بورشه، مكاناً مثالياً للاستكشاف وإشباع نهم الأفراد المتعطشين للمعرفة، إذ إنه بمثابة صرح للتمعن بتاريخ السيارات وإرثها، عن كثب. ومن بين هذه السمات الفريدة، نتبين مدى تميز المرشد الصوتي الخاص بالأطفال الذين يزورون متحف بورشه، إذ يزودهم بمعلومات إضافية عن المعروضات، ومقاطع صوتية للأفلام التي تعرض كجزء من المعرض، كما يتضمن أيضاً، نسخة ترفيهية سهلة الفهم، تراعي الاحتياجات اللغوية، الخاصة بهم.

Email