بعد 25 يناير ثورة الكتاب المصري ترتطم بصخرة النشر

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تغيرات بالجملة، شهدتها المنظومة الثقافية في مصر، عقب ثورة 25 يناير، وخاصة في حقل النشر في خضم الصراع، وكذا المنافسة القوية، بين دور النشر الحكومية والخاصة، والتي أفرزت مجموعة جديدة من الكتب والأعمال الأدبية والروائية والقصصية وغيرها، في مختلف المجالات، ولكبار الكتاب، في الوقت الذي ظهر فيه كتاب شباب، ضمن المشهد الثقافي المصري، بصفة عامة.

 

يؤكد مثقفون مصريون، أن الكتاب المصري، خرج عقب الثورة من خانة تقوقــع محددة، ليرتـــع في براح الحرية، مزيحاً الستار عن سنوات طويلة عانى فيهـــا الخطوط الحمراء، التي عززها النظام السابق، وكانت كالقيود على رقاب المبدعين، تحد من ثورتهم الإبداعية، وتقلل من نتاجهم العملي. ويشدد متخصصون في المجـــال، على ان الثورة أسهمت بشكل مباشر، في فتح الباب على مصراعيه أمام المبدعين، لكن إشكاليات دور النشر الخاصـــة والحكومية، لا تزال تلوح في الأفق.

 

زوال الخطوط الحمر

يوضح الدكتور صلاح فضل، أستاذ النقد الأدبي في جامعة عين شمس، أن الثورة المصرية، كان لها جملة من التأثيرات الإيجابية على كل القطاعات.. وبالنسبة لقطاع النشر، قامت بإحيائه، عقب وعكاته التي ظل قابعاً فيها لفترات طويلة.

فبالرغم من كون ان هناك العديد من الكتب التي كانت تنشر قبل الثورة، إلا أن النظام السابق كان له حدود وتوجهات وأوامر، لا يحيد عنها الكاتب ولا الناشر، لكن بعد الثورة أصبح هناك جرأة الموهبة، وقد ظهرت نخبة شبابية موهوبة جداً، بالإضافة للكتاب والمثقفين المصريين، المعروفين بأقلامهم البناءة.

ويتابع صلاح فضل:

 

من أهم الكتب التي قرأتها عقب الثورة: ثورة التحرير.. أسرار وخفايا ثورة الشباب، للكاتب الصحافي السيد عبدالفتاح، عن دار الحياة للنشر والتوزيـــع، وهنــاك أيضاً: الثورة 2-0 للناشط السياسي، وائل غنيم، عن دار الشروق. وكذلك:

من الذي يصنع الأزمات في مصر؟ للروائي والكاتب إبراهيم عبدالمجيد، هل أخطأت الثورة المصرية؟ للروائي والكاتب علاء الأسوانـــي. ومجموعة مؤلفـــات غيرها لعدد من المبدعين المصريين.. وأمـــا بالنسبة إلى دور النشر، الحكومي منها والخاص، فإن الفرق الحقيقـــي بينها، أنها تسهـــم بشكل إيجابي في صنع الكتاب المصري.

وفي العمـــوم الصنفان كلاهما يكمل الآخر، كما أن لكل مزاياه، ولكل منها أيضاً، عيوبه، فلو نظرنا إلى دور النشر الحكومية، مثل دار الكتب والهيئة العامة للكتاب وهيئة قصور الثقافة والمؤسسات الصحافية، نجد أنها تهدف إلى أن تنشر لكل من كبر اسمه ولمع صيته، كما نجد أنها ملتزمة مادياً وأدبياً ووقتياً. لكن، وبالنسبة إلى دور النشر الخاصة.

وهي كثيرة جداً، فنتبين أن من بينها الكثير من غير المضمون أو الموثوق به، فهناك على سبيل المثال، دار نشر خاصة، نشرت 500 كتاب في عام واحد، جنت من ورائها الكثير من الربح، وقبل إعطاء المؤلفين حقوقهم اختفت وأغلقت أبوابها؛ ذلك لأن هدفها الأول كان الربح ثم الربح.

ويشير فضل إلى أن بعض دور النشر الخاصة يستغل المؤلفين، ولكن في الوقت نفسه، نجدها (دور النشر)، تفتح طريقاً مغلقة أمام الموهبـــة الشابة التي تبحث عن فرصة ضائعة بين جدران الدور الحكومية، كما أن الملتزم من دور النشر الخاصة، يسهم بدور كبير جداً، في إنعاش الثقافة المصرية، وسفيرها الكتـــاب المصري، لافتاً إلى أنه، وفي الأخير، لابد أن تهتم الدولة بالهيئات الثقافيـــة الخاصـــة بالنشر.

وأن تعطي هذه الهيئات جميع السبل والأدوات، وتوفر لها كل المقومات، وترصد لها ميزانية كبيرة لجعل المبدع يبدع، وليصبح قلبه مطمئنــــاً، ذلك كون عمله سينشر في مكان أمين، وأنه سيصـــل القارئ بشكل جيـــد ومحترم وغير مستفز.

 

العائد المادي

لا يتردد صاحب دار اليـــاسمين للنشر والتوزيع، الروائي إبراهيم عبدالمجيد، في تأكيد نقطة يجدها حيوية ومهمة في هذا الصدد، يبين معها أنه لابد من النظر إلى هدف الدور الخاصة للنشر. ويضيف:

«.. هناك دور نشر خاصة، مثل الدار التي أرأسها، تعتمد على النشر للشباب الواعد؛ ذلك لأنه مظلوم وحقه ضائع في جزئية النشر.. في كل المجالات، كالفنون والتاريخ والترجمات، ومن منطلق أن دور النشر الخاصة، تسهم بشكل كبير في عودة الحياة النقدية، ولكن في الوقت نفسه لا مفر لهذه الدور الخاصة، من أن تراعـــي الالتـــزام بالقوانين الموضوعة من اتحاد الناشرين.

وأن تختار المادة التي ستنشر بدقة وعناية، وتحمل على عاتقها نشر ما يفيد، وأن لا تنظر إلى العائد المادي بشكل أحادي.. وأما بالنسبة إلى المؤلف، فلا مناص من تمتعه بالقدرة على أن يفرق بين الناشر التاجر والناشر المبدع الذي يعي ما يقرأ، ووقتها سيساعد الناشر المؤلف على تحقيق حلمه بالنشر، وسيحقق لنفسه المال والاسم القوي».

ويدرج عبدالمجيد، مقارنة بسيطة في هذا السياق: «بالنسبة إلى دور النشر الحكومية، نتبين أنها أصبحت عاجزة يهيمن عليها موظفون لا علاقة لهم بالإبداع ولا بالأدب ولا بالفن، كما نجدهم، أحياناً، لا يعرفون من يكتب؟ وماذا يكتب؟ وفي كثير من الأحيان ذهبت كتب لبعض المؤسسات الحكومية، منذ سنوات، ولا أحد يعرف عنها شيئاً، وكلما ذهب مؤلفها ليسأل عنها، قيل له: (لم يأتِ دورك بعد).

 

أثر ونتائج

يختار المدير العام لدار رواق للنشر والتوزيع، هاني عبدالله، التطرق في حديثه عن موضوع التحقيق، إلى دور الثورة في ماهيات الحراك الثقافـــي، ومنه النشر. ويقول في هذا الخصوص: أحدثت ثورة 25 يناير في مصر، حراكاً ثقافياً كبيراً، وكان لذلك أثر كبير في عملية إصدار الكتب، خاصة الإصدارات التي تحدثت عن الثورة، وصفاً وتسجيلاً، ما بين يوميات ومقالات وتأريـــخ لها.. كما أن الثورة أسهمت في ظهور الكثير من الكتب السياسيـــة الخاصـــة ببعض الشخصيات، التي كــــان لها دور كبير فــــي مرحلة ما قبل الثــــورة وما بعدها.

ويتابع هاني عبدالله: تأثرت صناعة الكتاب لفترة محددة، عقب الثورة، وذلك مثلها مثـــل أي نشاط آخــــر. لكن، وبعد فترة وجيزة من الثورة، شهد الكتاب المصري بشكل عام، حالة من الرواج الجيد، فظهرت شرائــــح كـــثيرة من الشباب الكتّاب، حاملة أفكاراً مختلفة وجديــــدة، كما أن الثــــورة كانت سبباً في إخراج العديد من المواهب المكبوتة.. وأرى أن الرواية تحتل مكانها المتميز في سوق الكتــــاب المصري، حاليـــاً، كما كان قبل الثورة.

إلا أنـــه ازداد، أيضاً، الإقبـــال الكبير، على الكتب السياسية وكتب السير لبعض الشخصيات المعاصرة.. وبالنسبة إلى دار رواق، قدمـــت أخـــيراً العديد من الإصدارات، منها:

كتاب تاريخ في الظل لوليد فكري، رواية فاكهة محرمة لسارة البدري، رواية صندوق الدمى لشيرين هنائي، كتاب الرجاـــل من بولاق والنساء من أول فيصل لإيهاب معوض.

 

طرق مختلفة

ويشرح عبداللـــه، حال الكتـــاب، في كل من دور النشر الحكومية ونظيرتها الخاصة، مبيناً أنه لكل منهـــا طريق مختلفة. إذ تفصل وتفرق بين النوعين، سمات وخصائص كثيرة، وبذا فإن وجه المقارنة لــن يجدي شيئاً؛ ذلك كـــون دور النشر الحكومية، ذات منهج وخريطة موجهــــة ومحددة.

وأمـــا دور النشر الخاصة، فأرى أنها أسرع وأكثر حرية. وتـــرك بعض الكتاب والمثقفين الكبار وأصحــــاب الأسماء اللامعـــة، دور النشر الحكوميـــة، بفعل ما قامت به دور النشر الخاصة، من فعاليـــات ونشاطـــات ذكية في جذب هذه الأسماء إليهــا، خاصة عن طريق تقديم الطباعة الجيدة والالتزام المـــادي والمطبعي، وكذلك لأن الدور الخاصة، تكون، عادة، أحرص من الحكومية على الكتاب؛ لأنها بذلك، تسترجع أموالها المصروفــة عليـه. وأما أهم الكتب التي صدّرت بعد الثــورة، فغالبيتها مميزة، ذلك مثل:

مائة خطوة منذ الثـــورة.. يوميات من ميدان التحرير للقاص أحمد زغلـــول الشيطي، نســـاء من الميدان للدكتورة إيمان بيبرس (وهو صادر عن دار أخبار اليوم)، هل أخطــأت الثورة المصرية؟ للدكتور علاء الأسواني.

 

«بخي»

من جهته، يشدد الأديب يوسف القعيد، أن الكتاب المصري سيظل رائداً دائماً، وأن أحــداث الثورات أثــرت بشكل مباشــر في الحركة الثقافية، ليس فقـــط في مصر، بل بالعالم كله، العربي والغربي، فهناك أسمــاء كبيرة ولامعــة كتبت عن ثورة 25 يناير، من الكتاب المصريين والعرب والأجانب، إذن فحال الكتاب المصري والعربي بخير، وبدأ يستعيد مكانته المعروف بها منذ قديـــم الأزل.

وأمـــا عن دور النشـــر، فيوضح القعيـــد أن الحكومية منها لا تعنى بالانتماء للكاتب، وتخذل مؤلفيها على كل الأصعدة، فهـــي تتمتـــع بقدر كبير من الروتين، الذي هدفه الأول، وضع المعوقـــات أمـــام المؤلف.. وأما دور النشر الخاصة، فلديها مساحة من الحرية والفهم والوعي بما تحتاج إليه سوق الكتاب في مصر، وهكذا فإن هدفها هو الربح في المقام الأول، ولذا تجتهد في الطباعة والتوزيع، وتـــروج للكتاب بالشكل السليم، وتحرص على التعـــاون مع المؤلـــف الجيد أكثر من مرة.

 

تقييم إيجابي

تلفت مسؤول النشر بدار الكتـــب والوثائـــق القوميـــة، كريمة إبراهيم، في مستهل تعليقهـــا على دور وأهميـــة الكتاب بعد ثورة 25 يناير، إلى أن تقييم الكتاب المصري عقب الثورة إيجابي، إذ انتعش الكتــاب المصري، وذلك رغم تأجيل معرض الكتاب الذي يعد من أهم الأحداث الثقافيـــة في مصر والعالم العربي كله، كونه يساعد على انتشار الكتب وجمع الجمهور حولــه، كما أن هناك كتباً انبثقت من رحم الثورة، وأفكاراً جاء بها مثقفــون جدد، أثبتت أن مصر ستظل تولد لنا أدباء بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وتضيف:

أعتقد أن دور النشر الخاصة، تستغل المؤلف، وتكشف بنود عقدها معه، عن الكثير من التجـاوزات؛ وذلك لأن المصلحــة تكون للدار وليس للمؤلف أو للوسط الثقافي، وإذا توافرت الفرص في النشر الحكومي، لن تجد المؤلفين يذهبون إلى دور النشر الخاصة، لشروطهـــا المكلفـــة..

والدليل على هذا ما نجـــده مــن آلاف الكتـــب التي تمتـــلئ بهـــا هيئـــة قصور الثقافـــة والهيئة العامة للكتـــاب ودار الكتـــب القوميـــة، لكن الإمكــانـــات محدودة، ولا نستطيـــع أن نــرضـــي جميع الأطراف، وأذكر دائمــــاً رأي رئيس الهيئـــة العامـــة للكتاب، أحمد مجاهد، عندما قـــال إن دور النشر الخاصة خرجـــت عن هدفها الأساسي، وهــو نشـــر الثقافـــة.

ليكـــون هـــدفها الاستغـــلال والاحتكار واستنزاف المؤلف، مشبهاً دور النشر الخاصة بـالأفاعي السامـــة التي تبث سمهـــا في الوسط الثقافي، فكل من يستطيـــع أن يدفـــع الكثير ينشر ما يريد؛ ولذلك نجد كتب شعر لا تمت إلى الشعـــر بصـــلة، ونجد روايات هي أبعد ما تكون عــــن الروايـــة؛ لذا لابد من وضع أسس لدور النشر الخاصة؛ لأنها تسهم في إفساد الوسط الثقافي. أما عن أهـــم الكتب المؤثــــرة خلال الفترة الأخيرة عقب الثورة، فتقول كريمـــة إبراهيــــم، إن أبرز الكتب في هذا المجال:

زس : ز س .

 

الكتاب الشباب

يتوقع الروائي، إسماعيل حامد، أن تتلاشى أحلام الشباب وتضيع، إذا انتظروا الفرصة، كي ينشروا أعمالهم في دور النشر الحكوميــة، مؤكـــداً أنه ليس من العيب أن يسهـــم المؤلف بجزء من المال، مع دار النشر، على خلفية أن هناك عقداً، فمثل ما تقاسموا في نشر الكتاب يتقاسموا في الأرباح، وهذا دليل على المصداقية. ويتابع:

.. ليس كل دور النشر الخاصة سيئ، فهناك العديد من دور النشر ذات اسم قديـــم، وأخرجـــت للقراء مئـــات الكتب الجيدة.. وأنا شخصياً لست مع من يقف في طابور دور النشر الحكومية.

 

 

«لا عيب»

 

يتوقع الروائي، إسماعيل حامد، أن تتلاشى أحلام الشباب وتضيع، إذا انتظروا الفرصة، كي ينشروا أعمالهم في دور النشر الحكومية، مؤكداً أنه ليس من العيب أن يسهم المؤلف بجزء من المال، مع دار النشر، على خلفية أن هناك عقداً، فمثل ما تقاسموا في نشر الكتاب يتقاسموا في الأرباح، وهذا دليل على المصداقية.

 

 

تجاوزات

 

ترى مسؤول النشر في دار الكتب والوثائق القومية، كريمة إبراهيم، أن دور النشر الخاصة تعاني من جملة سلبيات. وتقول في هذا الشأن: أعتقد أن دور النشر الخاصة، تستغل المؤلف، وتكشف بنود عقدها معه، عن الكثير من التجاوزات؛ وذلك لأن المصلحة تكون للدار وليس للمؤلف أو للوسط الثقافي، وإذا توافرت الفرص في النشر الحكومي، لن تجد المؤلفين يذهبون إلى دور النشر الخاصة.

Email