رواد الأدب كسبوا معركة الانتشار الجماهيري

مبدعون عرب في إسار الترويج الإعلامي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يشكل عامل دور العدد المحدود نسبياً، لرواد حركة النهضة الثقافية والابداعية عموماً، في العالم العربي، في بزوغ شهرتهم، سؤالاً محورياً في مضمون جوهر الحديث عن جيل المبرزين الكبار، أمثال: أحمد شوقي. فجميع هذه الأسماء نال حظاً وافراً من الشهرة والانتشار، لم يتح لجيل الأدباء الحالي، رغم تزايد وسائل الإعلام. فلماذا لم يلقَ هذا الجيل من الاهتمام، ما ناله جيل الرواد؟

 

يؤكد فريق من النقاد أن الحركة النقدية اهتمت بشكل كبير، في كل ما أنتجه الجيل القديم، فصارت هناك فاعلية وتفاعل واضح بين المتلقين والمبدعين، ما أتاح لأولئك الرواد جماهيرية كبيرة، ولكن تغييب الشعوب بالاهتمام بالرياضة والفن غير الهادف، وبالسلع الإعلانية الاستهلاكية، جعل من الثقافة ضحية الإهمال، حتى إن هناك الكثير من المواهب التي اندثرت جراء هذا الواقع.

 

المهمشون أبطال

تقول الأديبة فاطمة ناعوت، إن زمن تفرد الزعيم السياسي وأمير الشعراء والروائي الأعظم، إلى آخر تلك المسميات التي كانت في القرن الماضي، انتهى. وتضيف:

حتى ما كان يطلق عليه زمن الحداثة وما بعدها، انتهى أيضا، وغدا هناك قتل لفكرة الواحدية. وانتصر الفن لفكرة الجماعة، وفكرة تمجيد المهمشين لا البطل.. في الماضي كان الشاعر يكتب قصيدته عن صلاح الدين، أما شاعر اليوم فيكتب قصيدته عن الجندي المجهول الذي لا يعرفه أحد.

وعن السحاب والمرأة التي تبيع الجوارب في الطرق ومجنون أو مخبول القرية، وانعكس كل هذا على الكاتب، فالآن لم يعد لدينا أمير شعراء واحد، بل أصبح لدينا جموع من الشعراء، ولم يعد لدينا يوسف إدريس واحد، بل غدا لدينا عشرات يوسف إدريس. وتتابع فاطمة :

كذلك الصوت هو صوت المجموعة واختفى الفرد، وهــذه ظاهرة عالمية وليست مصرية فقط، فالانتصار الآن للقصيدة الجميلة مهما كان كاتبها، حتى لو كان مغمورا، ولم يعـــد الانتصار للكاتب المرموق وإن كتـــب نصا هزيلاً، وأراها ظاهرة صحية وإن تسلل عبرها مئات المبدعين غير الموهوبين.. إن النقـــاد ظلموا الفن والثقافة وتكاسلـــوا عن فرز الإبداع الجديد منه.

وإذا بحثنا عن نص جميل، كتبه شاب أو شاعرة صغيرة، ربما نجد دُررا مختبئـــةً في القش، فعلينا أن ننتبه إلى تغير اللحظة الزمنيـــة، ففي القديم كانت قصيدة أحمد شوقـــي تنشر على الصفحة الأولى في الأهـــرام، أما الآن، فالجرائد تحارب الثقافة على حساب صفحة الرياضة.

ومن الممكن أن تلغى صفحة الأدب أو الثقافة، فليس لها من منظورهم زبـــون، وهذه طبيعـــة اللحظة التي نحياها، والآن نجد لاعب الكرة والمغنية، أكــثر شهرة من الشاعر والمفكر، بالتزامـــن مع حالـــة الاندثار التي تعيشها المواهب العربية.

 

لون مميز

يشير الناقد الأدبي، الدكتور عبد المنعم تليمة، إلى أن المواهب الأدبية لم تندثر، ولكنه يرى أن عصر الرواد كان له لونه المميز. ويشرح رأيه: أحمد شوقي كان لونا منفردا، والآن باتت القاعدة تتسع، إذ أصبح هناك عدد كبير من المبدعين، وروح العصر نفسها اختلفت؛ لأن عصرنا الحالي صار يقبل تعدد الألوان والفنون والآداب.. كما أن النقد في الماضي كان يحتضن الإبداع؛ فما ان يُنتج الشاعر قصيدة والأديب رواية أو قصة، تجد النقد احتضنها ودرسها، وكان عدد النقاد قليلاً، وكذلك عدد المبدعين.

ويضرب تليمة مثالاً وهو زيادة عدد مبدعي عصرنا الحالي في جميع المجالات، وليس في الثقافة فقط. ويستشهد هنا بمجال الطرب:

إن النقد لا يتمكن من ملاحقة إبداعهــــم، فماجــــدة الرومي لها جمهورها، وكذلك هاني شاكر وعلي الحجار.. إلا ان ذلك لا ينفي أن السيـــدة أم كلثوم كانت لحنا منفردا ومتميزا.. إن الجمهور صار يستوعب جميع الأصوات الغنائية التي تعددت أيضًا؛ ففي الموسيقى، هناك جمهور لعمر خيرت، وآخر لعمار الشريعي أيضًا، وكذا كان للسنباطي والقصبجي جمهوريهما، وفي السينما بعد جيل هند رستم، نجد أجيالاً أخرى، مثل: سمية الخشاب ومنى زكي. ويعود الناقد الأدبي للحديث عن الأدب، مؤكدا أننا لا نستطيع أن ننكر أن المــواهب الأدبيـــة الآن، في ازدياد، ويضيف:

إن أعداد المبدعين تزايدت مع انتشار وسائل النشر، فأنا قادم من الإمــــارات وقابلت أعدادا من المبدعين والمبدعات من الكتـــاب والشعراء، لا تقل عظمتها عن جيل الرواد، والآن أقـــوم بالتحكيـــم في جائزة تتبع هيئة قصور الثقافة المصرية.

وتأتيني كل عشرة أيام، هدايا من الشعر والنثر والدراسات، لا أجد لها المساحة التي تستوعب كتابة دراسة نقدية عنها، في حين أن عصر الرواد، كما ذكرت من قبل، وهو بداية عصر النهضة الأدبية في مصر خلال مطلع القرن العشـــرين، كان النقـــد يستوعـــب أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وإبراهيم ناجي.

 

الجينات الوراثية

يتناول الشاعـــر المصري، الدكتـــور حسن فتح الباب، الموضوع المطروق، من جانب مغاير. إذ يقول:

إن الجينات الوراثيـــة لها أثر كبير في العملية الإبداعية، فإذا نظرنا في ميدان الشعر، نجد في الجاهلية أن الشاعر كعب بن زهير هو ابن الشاعر الكبير زهير بن أبي سُلمى، وكما نلاحظ أن كثيرا من الشعراء العرب ينتمون إلى عائلات أدبية، وهذه الملاحظة تنطبـــق على كل العصور، في الشرق والغرب.

وفي ميدان الموسيقى نجد أن الموسيقار النمساوي يوهان شتراوس لحن الدانوب الأزرق، وله ابن بمثل شهرته، وفي العصر الحديث نلاحظ هذه الظاهرة، فأنا مثلاً كان أبي شاعرا وقد ورثت عنه ذلك.. إن المواهب عادة تنطلق من الأب إلى الابن في الأسلوب، مع اختلاف البيئات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ويتابع :

إن العبقرية لا تتوقف على عامل الوراثة، ويجب على المبدع تطويرها، وأدلل على ذلك بالكاتب نجيب محفوظ الذي كانت موهبته وبداياته عادية، ثم طور نفسه بالقراءة ومعايشة نماذج من الشعب، مختلفة، حتى تمكن من تنمية موهبته وأصبح كاتبا كبيرا واستحق نوبل.

 

انتكاسة ثقافية

يوضح الدكتور حسام عقل، أستاذ النقد الأدبي في جامعة عين شمس، أن المرحلة التي تعيشها الثقافة العربية تختلــف اختلافــــا جذريا عن ما سبقها من مراحل، من حيث المشروع الوطني وطبيعة الترويج الاعلامي، ومن حيـث اهتمامات الشعوب. ويضيف:

نستطيع التأكيد على أن هناك تراجعا في المنظومة التعليمية في عدد من الدول العربية، فضلا عن دور ما نسميه بالفضاء الافتراضي أو الإنترنت، باعتبــاره وسيلـــة جديدة في نقل المعرفة وتحديد الأولويات وتكثيف معنى النجومية.. ففي مطلــع القرن الماضي، ومع صعود المشروع الليبرالي، كانـــت النخبة المثقفة هـــي الطليعة التي ترسم النموذج. وكانـــت الحالة التعليمية في الماضي تسمح بوجـــود مثقـــف يقظ، وهذا ما ينبغـــي أن يكون. ويستطرد:

إن الأدباء والفنانين والمثقفين هم طليعة المرحلة ونجومها المتألقة، فتألـــق هيكل والشرقــاوي ونجيب محفوظ وصلاح عبد الصبــور وتوفيق الحكيم وسعد الدين وهبة وغيرهم، ثم جاءت المرحلة السبعينيـــة مع ظهور عصــر الانفتاح وتسلط رأس المال وتراجـــع المشروع القومي وحدوث انقلاب في هرم الأولويــــات.

وهو ما تراجع معه معدل القراءة وسقطت الفنون أمام قاطرة رأس المال المكتسح، بل إن الخطاب السينمائي أيضا اختلف، ولم يعد الأديب والمثقف والفنان هو رجل المرحلة.

 وبعد استقطاب الإعلام توجه إلى نجوم الكرة والسياسة والفن الاستهلاكي والربحي، ولم يعد المثقفــــون قادرين على أن يكونوا درع الشعوب، على النحو الـــذي يستطيعـــون معـــه الدفاع عن الحريات المدنية المهانة أو العدالة الاجتماعية الضائعة. وبدأت تظهر المدارس السريالية والعبثية التي تأثر بها الأدباء العرب، فتضاعفت عزلتهم عن الجماهير، وتعاظمت الحواجز التي تفصلهم عن الناس، ومن ثم انهارت نجوميتهم فأصبح العمل الثقافي نخبويا.. والنخبوي لا يخاطب الشعوب.a

 

 

وسيلة جديدة

 

يوضح الناقد حسام عقل، أن المرحلة التي تعيشها الثقافة العربية تختلف اختلافا جذريا عن ما سبقها من مراحل، من حيث المشروع الوطني وطبيعة الترويج الإعلامي، ومن حيث اهتمامات الشعوب. ويضيف: نستطيع التأكيد على أن هناك تراجعاً في المنظومة التعليمية في عدد من الدول العربية، فضلًا عن ما نسميه بالفضاء الافتراضي أو الإنترنت، باعتباره وسيلة جديدة في نقل المعرفة وتحديد الأولويات، وتكثيف معنى النجومية.

Email