كنوز مكنونة في جوف الأرض وأعماق البحار

الجواهر.. جمال المتعة وعظمة الثروة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجواهر مصطلح ملتبس، يشير إلى أكثر من معنى، فهو من جهة يعني الأجسام المستخرجة من الأحجار الكريمة، بأشكال هندسيّة معينة، اعتماداً على بنيتها الداخليّة التي غالباً ما تكون على هيئة بلورات ذات أشكال غير منتظمة، ومن جهة ثانية، يدل على الثروة والتحف وحلي الزينة.

 وتنشأ وتتشكل الجواهر( Jewels) من الأحجار الكريمة، ضمن أوساط سائلة أو مصهورة في حيز محدد، وهي في أيامنا، مهمة وذات أثمان مرتفعة، لاستخدامها في صناعة الحلي والجواهر، ولكونها تتمتع بخصائص وصفات فيزيائيّة عالية جداً، كما تُستخدم في بعض الصناعات الدقيقة والمهمة.

 

خضعت الجواهر لدراسات مستفيضة، وهي متنوعة وعديدة وتستخرج من صخور الأرض، أو من بعض الكائنات الحيّة، وبعد معالجتها تدخل في صناعة قطع الزينة والحلي، ضمن أشكال وتصاميم مصنوعة من الذهب أو الفضة أو البلاتين، الأمر الذي يكرس من جمالها، ويرفع من أثمانها. ومن أنواعها: الألماس، الكوارتز، التورمالين، العقيق، الزفير (السفير) الزيركون، الفيروز، الياقوت، اللؤلؤ، حجر الأمازون، الكهرمان، الزمرد، اللازورد، التوباز.

 

ميزات

يعد الألماس أكثر الجواهر انتشاراً وشهرةً واستعمالاً في مجال الجواهر الثمينة، الخاصة بالزينة والحلي، وهو فلز يتركب من كربون حر عديم اللون، أو بألوان متباينة، شفافة أو عاتمة، ويفوق بقساوته جميع المواد المتوافرة في الطبيعة. وبعد الألماس يأتي الزيركون، وهو عديم اللون وشفاف أيضاً، حين يكون صافياً، أو ربما تشوبه ألوان صفراء وبرتقالية وحمراء وخضراء. ويتمتع بقساوة عالية، وهو ضد الحموض باستثناء حمض كلور الماء الذي يذوب فيه. وينشأ الزيركون ويتشكل ضمن الصخور الناريّة المتحولة.

أما الكوارتز فيوجد في الطبيعة على هيئة بلورات موشوريّة سداسيّة أو ثلاثيّة المقطع العرضي، والنوع الصافي منه عديم اللون. أما الياقوت فمنه الأحمر والأزرق، وقساوته تأتي بعد الألماس مباشرةً. ويأتي عقبه الزمرد الذي يتلون باللون الأخضر الفاتح حين يكون صافياً، ثم الفيروز أو التركواز ويتمتع باللون الأزرق الفاتح، واللازورد الذي يوجد على هيئة بلورات مكعبة أو اثني عشريّة، ويتمتع بلون أزرق قاتم، أو أزرق سماوي أو بنفسجي أو أزرق مخضر. وكذلك التوباز الأصفر أو الدخاني أو الأخضر أو الأزرق.

وأيضاً الوردي أو الأحمر والأوبال الأبيض الحليبي. وهناك اللؤلؤ الذي عبارة عن أجسام صلبة كرويّة أو بيضويّة، تتمتع بسطوح ملساء لامعة صدفيّة، ويُستخرج من كائنات محاريّة من ذوات المصراعين المنتسبة إلى الرخويات، وأخيراً الكهرمان الذي يمثل صمغا متحجرا أفرزته أشجار الصنوبريات المنقرضة التي ازدهرت في الدور الجيولوجي الثالث. وهو يتميز بقلة قساوته، وأما ألوانه فتتأرجح بين الأصفر والأصفر المحمر أو الدخاني. وكانت الجواهر تعالج في السابق يدوياً، وبأدوات بسيطة، أما اليوم، فيستعمل في معالجتها الليزر والحاسوب.

 

استعمالات

غالبية الجواهر تستعمل في صناعة حلي الزينة (وغالبيتها للنساء)، ومنها: الأساور، الخواتم، العقود، الأقراط، الخلاخل، التيجان، بكلات الصدر .. وغيرها.

ومن جانب آخر، تدخل بعض الجواهر (كالألماس) في صناعات مهمة، وتُقاس بها ثروات الشعوب والأمم، لذلك كانت ولا تزال، مهوى الأفئدة والأبصار والمطامع، والهدايا الأغلى للنساء والملوك، والهدف الأول والرئيس للصوص والمستعمرين.

ورغم ما تمثله الجواهر بحد ذاتها، من ثروة مادية كبيرة في قيمتها، صغيرة في حجمها وخفيفة في وزنها، يأتي الصائغ الفنان ليزيدها قيماً ماديّة وجماليّة فوق قيمها، وليحيطها بثروة ثانية من الذهب أو الفضة، ما يجعل منها ثروة في إهاب ثروة، الأمر الذي يضاعف من ثمنها وأهميتها، ويكرس من إدهاشها، ويُغري المقتدرين على امتلاكها، والمحرومين على سرقتها.

والفاتحين المستعمرين على وضع اليد عليها، إذ لطالما شكّلت الجواهر المتميزة التي تُرصع التيجان والعقود والخواتم والأساور والسيوف وكراسي الحكم والصلبان والأقراط والتحف المتنوعة المشغولة بموهبة وخبرة وجماليات رفيعة ومدهشة، أحد الأسباب الرئيسة لغزو بلد لآخر، كما كانت ولا تزال، مقياساً لثروة الشعوب والأمم، والمخزون الاستراتيجي من ميزانياتها التي تصرف عند الحاجة، أو يُحتفظ بها كداعم أساس لميزانياتها من العملة.

 

تاريخ طويل

يبدو أن الإنسان اكتشف الجواهر مبكراً، بدليل ورودها في كتب التاريخ والأساطير والحكايا العائدة لعهود موغلة في القدم، حيث تحدثت كتب كثيرة (بما فيها الكتب الدينيّة) عن أنواعها المختلفة، والناس الذين امتلكوها، وعن أشهرها وأغلاها وأجملها. وكذا عن تنقلها بين الملوك والمتنفذين والدول. وكذلك أبرز عمليات السطو عليها والطرائق والحيل التي رافقت هذه العمليات. أو عن الحروب الطاحنة التي دارت بين الشعوب والدول للحصول عليها.

ارتبطت الجواهر برجال الحكم من ملوك وأمراء ورؤساء ومتنفذين ورجال دين وأثرياء. ونتيجة لقيمتها الماديّـــة والفنيّة والجماليـــّة والدلاليّة، تفنن من يمتلكها بطرائق وسبل حمايتها، وبالحفاظ عليها، وبإخفائها بعيداً عن أعين الحساد والطامعين وأياديهم. ومن هذه الوسائل، ابتكار خزائن متينة ومخفيّة لوضعها فيها، أو إدخالها المتاــحف. وتأمين شبكة حماية متطورة لها، لإبعادها عن السرقة والأخطار والحوادث وتأثير عوامل الجو المختلفة عليها، ما جعل منها مصدر قلق دائم لمالكيها.

ورغم كل الدمار والحروب والخراب المتعدد الأسباب والمظاهر، تمكنت حواضن كثيرة للجواهر: كالتحف والحلي والمشغولات اليدويّة الذهبيّة والفضيّة والبرونزيّة، من حمايتها والحفاظ عليها، بحيث وصلت إلى وقتنـــا الحالي، بكامل خصائصها الماديّة والجماليّة، حتى ولو كان عمر بعضها يتجاوز آلاف السنين، الأمر الذي أضاف إلى قيمها الماديّة والفنيّة، قيماً جديدة: تاريخيّة ووثائقيّة، ضاعفت من أثمانها، وزادت من أهميتها، ومن مطامع الآخرين فيها.

Email