الأدب بوصفه أداة للفعل والإنجاز والتغيير

تأثيرات الربيع العربي في لغة السرد

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يسير المنتج الإبداعي جنباً إلى جنب مع الحراك الاجتماعي، ربما يتخطاه أحياناً وربما يتأخر عنه بعض الوقت، لكنه دائماً يحلق في فلك هذا الحراك ويعبر عنه بطريقة جمالية، صحيح أن الكتابة الإبداعية في العالم العربي لم تطلق لنفسها العنان بعد في نهر الربيع العربي، رغم ظهور بعض الكتابات السردية والشعرية والنثرية هنا وهناك، إلا أنها تقف موقف المراقب والمترقب لما يجري في غير بلد عربي من تغييرات اجتماعية سياسية أطاحت بأنظمة استبدادية اعتقد الطغاة فيها أنهم خالدون.

 

"مسارات " فتحت هذا الملف من خلال سؤال حول تأثير الربيع العربي على فن السرد العربي طرحته على عدد من النقاد والكتاب والأكاديميين المشاركين في الدورة التاسعة لملتقى السرد العربي بالشارقة، فتفاوتت وجهات النظر ما بين مؤكد هذا التأثير وما بين مترقب له، بينما رفض البعض الإجابة عليه أصلاً.

 

سنوات الرصاص

الكاتب والناقد الدكتور سعيد بنكراد أكد أنه لا علم له بأي نوع من الحراك على هذا الصعيد، مع أنه أكد كذلك أن أي ظاهرة أدبية تحتاج إلى الوقت حتى تنخرط في الظواهر الاجتماعية، ويصبح لها إنتاجها الخاص المرتبط بتلك الظواهر، وقال: "ربما هناك أعمال تسجيلية ترصد وقائع بعينها تضمنها نص روائي.

ولكن أن تكتب الرواية بالمعنى الحقيقي، فهذا يتطلب وقتاً"، وقال: "صبرنا وقتاً طويلاً في المغرب على قمع النظام وانتظرنا من الستينات حتى بداية عام ألفين حتى بدأنا نكتب عن سنوات الرصاص، فظهرت مئات النصوص والأفلام، حول تجارب القمع والسجن وأقبية النظام، لذلك لا أعتقد أن التأثير سيكون مباشراً، ولن يفيد الأدب ولا الشعر في شيء أن يكون تسجيلياً".

 

ظاهرة جديدة

في الاتجاه عينه، يرى الناقد الأدبي فاضل ثامر ورئيس الاتحاد العام للكتاب والأدباء في العراق أن الربيع العربي هو ظاهرة جديدة ويعتقد أن تعامل الرواية والسرديات العربية مع المتغيرات الاجتماعية والسياسية لا يكون عادة سريعاً، ويقول:

"ربما نجد ذلك في الشعر، أما في الرواية فالمسألة تحتاج إلى عملية اختمار ونضج وتأمل، لأنه ستكون هنالك إعادة تشكل للوقائع والحوادث الاجتماعية بحيث يستطيع السارد، من خلالها أن يراقب ويفحص النتائج والدلالات والمتناقضات المتوقعة وغير المتوقعة في مسيرة الشخصيات وفي مسيرة الأحداث"، ولهذا يرى أنه من المبكر جداً الحديث عن تأثير الربيع العربي على الأدب، لكنه يعتقد بكل تأكيد أن الربيع العربي سيمد الرواية العربية بإحساس جديد بالوعي والتمرد والرغبة في التغيير، وسيحدث تغييراً في بنية الخطاب السردي لصالح الرواية العربية".

 

هضم الأحداث

الدكتور محمود الضبع يرى أنه مع الثورات العربية كانت هناك محاولات إبداعية جادة وسريعة باتجاه أن تحكي الثورات وتفاصيلها وأفكارها وتوجهاتها، غير أن هذه الأعمال لم تستطع بعد الوقوف على كتابة هذه الثورات وكتابة الربيع العربي، لأن ذلك يستدعي ويحتاج إلى وقت طويل نسبياً.

ويقول: "لعلنا نستعيد هنا ما حدث مع نجيب محفوظ عقب ثورة 23 يوليو 1952، حيث توقف لمدة ست سنوات كاملة قبل أن يستطيع كتابة عمل إبداعي مرة أخرى وبعد 8 سنوات تقريباً استطاع أن يكتب ثورة 23 يوليو، ما أقصده هنا هو أن الثورات لا يمكن كتابتها سريعاً، لأن الإبداع عملية هضم للأحداث وليس نقلها أو تصويرها كما هي، ولا يقتصر على نقل الأحداث حكائياً وسردياً، وإنما ينقلها بعد اختمارها وإعادة صياغتها".

 

طبيعة خطاب

ويؤكد الضبع أن الثورات العربية والربيع العربي قد أثرت على طبيعة الخطاب الأدبي نقدياً وأدبياً، لكنها لم تظهر بعد على النحو المرغوب أو كما يمكن أن تظهر عليه في غضون سنوات قليلة، لكنه يرى أن الزمن قد يقل نسبياً هذه المرة قياساً إلى ثورة 23 يوليو، لأن الإيقاع الزمني نفسه تسارع بفعل التكنولوجيا ووسائل الاتصال، وبفعل وجود شباب عظيم جداً في الوطن العربي قادر على الاستيعاب والكتابة بسرعة.

لكن لا خلاف على أن الربيع العربي قد غير لغة الخطاب والقضايا التي كانت سائدة قبل ظهور هذه الثورات، حيث كان الانشغال بالذات هو المهيمن على موضوع الكتابات الإبداعية لكن بعد أن حدثت الثورات واكتشف العربي ذاته، لم يعد يهتم كثيراً بكتابة الذات وأصبح يهتم بقضايا كانت قد فاتته.

لكن الثورات المشتعلة مثل الأحداث الدامية في سوريا، تشكل عامل إحباط ضد الكتابة، لأننا لا نستطيع أن نكتب دون أن يكتمل المشهد، هكذا، فإن المبدع قادم والأعمال قادمة".

 

بنية الرواية

حول إمكانية أن يصل هذه التأثير إلى بنية الرواية العربية، يؤكد فاضل ثامر أنه من غير الممكن الحكم على هذه الظواهر، ويقول: "في بعض التحولات الاجتماعية نعتقد أنه يجب أن تكون هنالك تغيرات جذرية في بنية الخطاب، حيث تبقى هذه افتراضات لا تستطيع أن تدقق فيها أو أن تحكم عليها ما لم تفحصها جيداً.

لكن لنقل أنها ستخلق نزوعاً نحو تجاوز الكثير من المحرمات والمسكوت عنه، ونحو كشف جديد أولاً للواقع الاجتماعي العربي ولحركة الشخصية ولوعيها وتحول الشخصية العربية من الموقف الهامشي السلبي إلى موقف إيجابي متمرد رافض وثوري حسب المستويات التي كشفت عنها التجربة العربية.

ولهذا أجد نفسي أكثر تفاؤلاً في أن هذه المرحلة ستدفع بالروائي العربي والسارد العربي عموماً إلى ممارسة جديدة لم تكن سابقاً في مركز اهتمامه، وستؤدي بالتأكيد إلى نتائج على مستوى تشكل الخطاب السردي والروائي لصالح الرواية العربية، لكن من المبكر الحديث عن هذه النتائج أو عن سماتها النهائية، هي مجرد استشراف وتوقعات نأمل أن تصدق هذه المرة".

وربما لن يتأخر الأمر إلى ست أو ثماني سنوات، كما حدث في ثورة 23 يوليو، ربما خلال عام أو عامين وربما بعد أن تكتمل بعض الثورات المشتعلة حتى الآن مثل الأحداث الدامية في سوريا ومناطق أخرى في الوطن العربي، حيث تشكل هذه الأحداث عامل إحباط ضد الكتابة، لأننا لا نستطيع أن نكتب دون أن يكتمل المشهد، هكذا، فإن المبدع قادم والعمال قادمون بعد أن سبقنا الغرب فيها ونحن نستعيدها الآن وسنحرق المسافات، هذه هي رؤيتي النقدية وليست حلماً".

 

نبوءة الأدب

يربط الأكاديمي والناقد السوداني الدكتور مصطفى الصاوي بين فن الرواية والربيع العربي ويقول: "ثمة نصوص سابقة قامت بالنبوءة، فقد ساهم الأدب لمدة طويلة جداً في هذا الاتجاه، بينما أثبت الربيع العربي شيء واحد، وهو أنه مهما طالت الأزمنة ، فإن مبدأ الحرية قادم وأن النص الأدبي لا ينفصم عن الحراك الاجتماعي.

حيث نعود في يومنا هذا إلى الرواية الواقعية في أعظم بهائها، نعود إلى الرواية التي تهتم بالآخر، نعود إلى المثقف العضوي، الأمر الذي تجلى في مصر وليبيا، حيث كان هناك ما يشبه العودة إلى الهم الجماهيري، وذلك تجلى في الموسيقى والأناشيد، التي كانت تستلهم الحراك اليومي، ما يؤكد أن الأدب الروائي لم يعد أدباً ذاتياً وما عاد أدباً نحكي فيه عنترياتنا، بل أصبح أدباً للفعل والإنجاز والتغيير"، حيث أفرز الربيع العربي ثلاثة مفاهيم أساسية هي الحرية والإنسانية والعدالة وسوف تعمل الرواية على تكريس هذه المفاهيم في الفترات المقبلة".

 

 

استشراف

 

هذه المرحلة ستدفع بالروائي العربي والسارد العربي عموماً إلى ممارسة جديدة لم تكن سابقاً في مركز اهتمامه، وستؤدي بالتأكيد إلى نتائج على مستوى تشكل الخطاب السردي والروائي لصالح الرواية العربية، لكن من المبكر الحديث عن هذه النتائج أو عن سماتها النهائية، هي مجرد استشراف وتوقعات نأمل أن تصدق هذه المرة".

 

 

 

وعي

 

الربيع العربي قد يمد الرواية العربية بإحساس جديد بالوعي والتمرد والرغبة في التغيير، وسيحدث تغييراً في بنية الخطاب السردي لصالح الرواية العربية".

 

Email