فن الفيديو وسائطيات بـصريـة تغزو عالم الفنون

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كغيره من الفنون البصريّة، ولد (فن الفيديو) من رحم (الكاميرا) التي أثارت حين اختراعها العام 1839 سجالاً متشعباً طاول وسائل تعبير تقليديّة عديدة، وهذا السجال ما زال قائماً حتى الآن، رغم التداعيات الهائلة لهذا الاختراع على اللغات التعبيريّة التقليديّة، وعلى مجالات حياتيّة عديدة.

 

رغم الإنجازات الخارقة التي أحدثتها (الكاميرا) في حياتنا، غير أن الهاجس القديم ـ الجديد، للصورة الضوئيّة لإثبات وجودها الفاعل والحيوي، في حقول الإبداع التقليدية، كالفنون التشكيليّة والشعر والموسيقى والأدب، لا يزال هو الشغل الشاغل، ما زال إصرارها على تحقيق ذلك، الموقف العدائي المتشنج الذي جوبهت به، منذ بداياتها، من قبل مزاولي ضروب الإبداع التقليديّة.

ونعتهم لها بالبرودة والآلية والمحدوديّة، ومن ثم قيامهم بطردها من معهد (أبوللو)، الذي كان بمثابة جمهوريّة الإبداع آنذاك، بل لقد ذهب الشاعر الفرنسي المعروف (بودلير) لاعتبارها ملجأً للفنانين الفاشلين عندما قال: (إن صناعة التصوير الضوئي هي ملجأ كل الفنانين الفاشلين الكسالى الذين لا يملكون أيّة موهبة، والذين يتكاسلون عن إتمام عملهم).

 

ميكانيكية المشهد

وأضاف مؤكداً، أن على التصوير الضوئي أن يقوم بوظيفته الحقيقية ألا وهي خدمة العلوم والفنون. أي أن يخدم الطباعة والنسخ اللذين لا يتطلبان أي إبداع، بل عليه مرافقة النصوص الأدبية. ويتساءل (براكمان): هل التصوير الضوئي هو فن؟ أنا لا أعتقد. ليكون هناك فن على العمل أن يخرج من يد الفنان المنتج للرسم. ويذهب (بارتيه) للتأكيد بأن الصورة تختلف عن الرسم، لأنها عمل تسجيلي خال من أي إشارة.

فهي عبارة عن خادم مخلص للطبيعة. إنها تسجل المشهد بشكل ميكانيكي، والتسجيل الميكانيكي هو حرفي، ويعتمد فقط على الكادراج، بينما الرسم هو عبارة عن إشارة ورمز غير طبيعي، يلمح إلى وجود الأشياء. واعتبر (شاميغلوري) آلة التصوير الضوئي بدون روح، وأن عمل المصور الضوئي هو عمل ميكانيكي بحت.

 

الصورة الضوئية

بالمقابل، انبرى عدد من الرسامين والشعراء والموسيقيين والأدباء، للدفاع عن الصورة الضوئيّة، ومنهم الرسام المعروف (ديلاكروا) الذي أكد أن التصوير الضوئي هو أكثر من نسخ، انه مرآة الشيء. إن التفاصيل التي لا تجدها في الرسم العادي، والتي كانت مهملة، فهي تظهر بوضوح بفضل آلة التصوير الضوئي، وبفضل معاني هذه التفاصيل، يصل الفنان إلى المعرفة الكاملة لبناء الشيء. إن الظل والنور يحتفظان بكامل حقيقتهما في الصورة الضوئيّة. أي بدرجة قساوتهما أو عذوبتهما، كما علينا ألا ننسى أن التصوير الضوئي، يسعفنا في عملية الغوص في أسرار الطبيعة وترجمتها.

 بل ذهب البعض الآخر، للتأكيد أن الصورة الضوئيّة، برهنت منذ زمن بعيد، أنها قادرة على تلخيص وتحوير وتبسيط الطبيعة، مثلها مثل الرسم واللوحة الزيتيّة أو المائيّة، والمنحوتة والمحفورة المطبوعة، بدليل أن صور (مان ري) ومدرسة (الدادا) برهنت منذ العام 1922 أن الصورة الضوئيّة ليس هي دائماً تكراراً حرفياً للطبيعة. إن صور (موهولي ناجي) المنفذة عام 1926 ذات أسلوب سوريالي، وتحوير خيالي للواقع.

 

تجاذبات

هذه التجاذبات بين رافض ومؤيد، للصورة الضوئيّة، دفعت المشتغلين في حقولها، إلى السعي الجاد والمتواصل، للبحث والتجديد، في تقاناتها، والعمل على تطويرها وإخراجها من مفهوم الفن الآلي البارد، أو الحرفة، أو الفن التطبيقي، بل والتطلع بكل ثقة، للوصول إلى صالات عرض الفن التشكيلي، ومنافسة الفنون التقليديّة الأخرى، على مهامها ووظائفها، ومن ثم إثبات قدرتها على الإبداع والابتكار، مثلها مثل أي فن آخر.

 

مسيرة فنية

والحقيقة المؤكدة حالياً، أن مسيرة الصورة الضوئيّة على هذا الصعيد، لم تتوقف منذ ولادتها وحتى اليوم، إذ إنه من النادر أن يمر يوم دون أن تطالعنا بإضافة جديدة، ما يُؤكد أن الإبداع الحقيقي ليس وقفاً على الوسائل التقليديّة، وإنما يمكن اجتراحه بكل الوسائل الجديدة المتاحة، إذا ما قادتها موهبة حقيقية، بغض النظر فيما إذا كانت وسيلتها قلم أو ريشة أو إزميل ومطرقة أم آلة صماء !!

 

(الفيديو آرت)

فن الفيديو أو (الفيديو آرت) واحد من أحدث الفنون البصريّة المتحدرة من صلب أسرة الصورة الضوئيّة، وهو فن طامح للتعبير عن هواجس الإنسان المعاصر وتطلعاته، بلغته الخاصة المتكئة على ما ينداح عنه عالم الاتصالات و(الميديا) من التقانات الحديثة للسينما والتلفاز والحاسوب ومراحل ولادة الصورة الضوئيّّة الثابتة والمتحركة، كالتقطيع، والمونتاج، والإخراج، وكل ما هو متصـــل بالفيديو، إضافـــة إلى استفادته من الفنون التعبيريّـــة التقليديـــــّة كالفنون التشكيليّة والموسيقى.

 

الشرارة الأولى

تُرجح غالبية الدراسات، أن فن الفيديو بدأ خطواته الأولى مع (نام جون باك Nam Jun Paik)، عندما قام بتصوير البابا بول الخامس، خلال مسيرة له في مدينة نيويورك خريف العام 1965. في نفس يوم الزيارة، وفي أحد مقاهي المدينة، أدار (باك) الأشرطـــة التي صوّرهــا، فكانـــت بدايـــة ولادة هذا الفـــن المتعاظـــم الانتشار، كوسيلـــة تعبير فنيّــــة حديثة، تطمح للوصول إلى مكنونات النفس البشريّـــة وعكسهـــا من خـــــلال الصورة والصوت والموسيقى، اعتماداً على أجهزة تعميم الصورة، ووسائـــل الاتصـــال الحديثــــة كالتلفـــاز والحاســـوب.

 

مقاطع تلفزيونية

وفي إشارة إلى بدايات أبعد لمسيرة فن الفيديو، يؤكد (فورست) على أنه في العام 1959 قام الألماني (فولف فوستيل Wolf Vostell) بدمج مقاطع تلفزيونيّة في عمله الفني (نظرة ألمانيّة Deutscher Ausbilk) الــــذي يُشكّل جزءاً من سلسلة أعمال شهدتها صالة متحف برلين، وعلى الأرجح أن يكون هذا العمل الفني الــــذي يحمــل روح فن الفيديو، الأول من نوعه الذي يستخدم جهاز التلفـــاز لهذا الغـــرض. من جانب آخر، قام (فوستل) في العام 1963 بتجهيز محيط فني في صالة (سمولن Smolin) بنيويـــورك، جمع فيه غالبية خصائص ومقومات فن الفيديو، اعتماداً على جهــاز التلفاز أيضاً.

 

ميزات فنية

معروف أنه قبل دخول آلة التصوير المتحركة، ميدان التصوير والاتصالات، كانت الوسيلة المتاحة أمام الفنانين هو فيلم 8 ملم وفيلم 16 ملم، مع ذلك لم توفر آلة التصوير المتحركة هذه، ميزة إعادة المشاهد السريعة التي وفرتها فيما بعد، تكنولوجيا الشرائط الحديثة.

وبناءً عليه، وجد العديد من الفنانين في الفيديو قدرات وإمكانات تفوق إمكانات وقدرات الأفلام التقليديّة، الأمر الذي أرضى طموحاتهم الفنيّة، وأتاح لهم إمكانيات مفتوحة للابتكار والإبداع، لا سيما بعد تعاظم الاختراعات في عالم التكنولوجيا المتعلقة بهذا المجال، وهو ما وفر لهم حرية التعاطي مع صور الفيديو، والانطلاق بها إلى آفاق مفتوحة.

تجارب متتالية

بعد ذلك، تتالت التجارب الفنية التي يمكن نسبها لفن الفيديو، منها تجربة (بيتر كامبوس Peter Campus) المعنونة بـ(رؤية مزدوجة) جمع فيها بين صور الفيديو بوساطة مزاجّة الكترونيّة، أفرزت صوراً متنافرة ومشوهة. وحاول (جونس Jones) إنجاز عمل فني ضمّنه تسجيلات مختلفة، وعرضه بطريقة عموديّة غير مألوفة. ولعل أول عمل من فن الفيديو، يُعرض على عدة شاشات كان لـ(إيرا شنايدر Ira Schneider). نُفذ هذا العمل بوساطة تسع شاشات تلفزيونيّة.

أول الأمر، جمع هذا العمل بين صور حيّة لزوار صالة العرض، ومقاطع من إعلانات تجاريّة ترويجيّة تلفزيونيّة، وبين لقطات من أشرطة مسجلة مسبقاً. عُرضت هذه المادة، بطريقة التتابع والتناوب، من تلفزيون إلى آخر، ضمنت إيقاع مدروس ومتقن.

 

مشاهد وحوارات

وفي استوديوهات (سان جوزيه ستيت San Jose State) بدأ عام 1970 (ويلوبي شارب Willoughby sharp) سلسلة من الأعمال الفنية دعاها (فيديو فيوز) ضمّنها مشاهد فيديو لحوارات مع عددٍ من الفنانين أجريت في سنوات مختلفة منهم: (بروس ناومن Bruce Nauman) أجري عام 1970، و(جوزيف بويز Joseph Beuys) أجرت عام 1971، و(فيتو أكومسي Vito Accomci) أجريت عام 1973، و(كريس بودن Chris Buhden) أجريت عام 1973، و(لاويل دارلينغ Lowell Darling) أجريت عام 1974، و(أوبنهايم دينيس Oppenheim Dennis) أجريت عام 1974.

 

أعمال الجسد

في العام 1970 قام (شارب) برعاية معرض حمل عنوان (أعمال الجسد) شارك فيه معظم الفنانين السابقي الذكر، أقيم في متحف (توم ماريوني Tom Marioni) في كاليفورنيا.

وهذه الأيام، ينقسم فن الفيديو إلى نوعين: النوع الأول يعتمد شاشة واحدة، أو عدة شاشات، وهو أقرب إلى التلفاز. والنوع الثاني يعتمد المحيط، أو أجزاء منفصلة، تُعرض بشكل مستقل.

أي دون مزاوجة مع غيرها من الوسائط، أو تجمع بينها وبين وسيطة اتصال بصري أخرى كالنحت، والنوع الأخير، أكثر شيوعاً واستخداماً في هذا الفن حالياً، وبدأ يميل إلى الجمع بين وسائط اتصال بصرية عديدة، ويؤدى بأكثر من أسلوب أو صياغة.

 

إسهامات معاصرة

والحقيقة، بدأت تتوالد، وبشكل دائم ومتواصل، إسهامات معاصرة وجديدة، في إنجاز فنون الفيديو، بعضها عن طريق الجمع بين أجناس مختلفة من الفنون البصريّة كالعمارة، والتصميم، والنحت، والفن الالكتروني، والفن الرقمي وبين فنون الفيديو. كما أن ثورة الفيديو الرقمي، وفرت مجالات واسعة، لتطوير هذه الفنون، وخوض غمارها بحرية وسلاسة.

يضاف إلى ذلك، بأن إمكانيــة التحكم بالتكنولوجيا وقيادتها بدقة، سمح للكثير من الفنانين، العمل بالفيديو، وإنجاز عروض تفاعليّة تنهض بشكل أساسي على الفيديو، وهي منوّعة ومختلفة وسائل ووسائط التنفيذ. بعضها يتكئ، وبشكل كامل، على بيئة مُعالجة، أُنجزت دون كاميرا أو فيديــو، لكنها قادرة على التجاوب مع حركات المتلقين، أو عناصر أخرى، تم توفيرها لهذا الغرض. كما أصبح الانترنت هو الآخر، من الوسائط المستخدمة والمتحكمة، بعروض فن الفيديو الذي (كما يبدو) لا يزال في أول الطريق.

 

 

 

خطوة مواكبة

 

قام الفنان الفرنسي (فريد فورست Fred Forest) العام 1967 بخطوة مواكبة، حيث استخدم آلة التصوير، في إنجاز ما يمكن تسميته، بدايات أولى لفن الفيديو، ذلك لأن (فورست) يؤكد أنه سبق (باك) بعدة أسابيع من قيام هذا الأخير، بتصوير مسيرة البابا، بحصوله على آلة تصوير الفيديو التي لم تكن توفرت بين أيدي الناس قبل العام 1967.

 

 

 

ثورة

 

ثورة الفيديو الرقمي، وفرت مجالات واسعة، لتطوير هذه الفنون، وخوض غمارها بحرية وسلاسة. يضاف إلى ذلك، بأن إمكانية التحكم بالتكنولوجيا وقيادتها بدقة، سمح للكثير من الفنانين، العمل بالفيديو، وإنجاز عروض تفاعليّة

 

فن حديث

 

فن الفيديو أو (الفيديو آرت) واحد من أحدث الفنون البصريّة المتحدرة من صلب أسرة الصورة الضوئيّة، وهو فن طامح للتعبير عن هواجس الإنسان المعاصر وتطلعاته، بلغته الخاصة المتكئة على ما ينداح عنه عالم الاتصالات و(الميديا) من التقانات الحديثة للسينما والتلفاز والحاسوب ومراحل ولادة الصورة الضوئيّّة الثابتة والمتحركة، كالتقطيع، والمونتاج، والإخراج، وكل ما هو متصل بالفيديو، إضافة إلى استفادته من الفنون التعبيريّة التقليديّة كالفنون التشكيليّة والموسيقى.

Email