التشكيليون العرب

إشكالية الحامل والمحمول

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

شكّل فن النحت وما زال، أحد الاختصاصات الرئيسة التي تُعنى بها كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، وذلك منذ تأسست كمعهد عالٍ للفنون الجميلة عام 1960، وكان يتبع يومها لوزارة التربية. في العام 1963 تحوّل المعهد العالي إلى كلية تابعة لجامعة دمشق، استمرت خلالها شعبة النحت فيها، بتأهيل وتدريب المواهب الفنية الشابة.

أسس شعبة النحت العام 1960 النحات العربي المصري أحمد أمين عاصم وترأسها أكثر من مرة، تلاه الفنان الليبي الأصل السوري الجنسية محمود جلال. عاد النحات عاصم أواخر ستينيات القرن الماضي ليرأس شعبة النحت من جديد، مُعاراً من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، وقد استقدم معه نخبة من النحاتين والاختصاصيين للتدريس فيها من بينهم النحات فاروق إبراهيم.

 

خبرات فنية

بعدها، تواترت الخبرات الفنيّة الوطنيّة السوريّة على إدارة الشعبة والتدريس فيها. وفي أواسط ثمانينيات القرن العشرين، تحولت «الشعبة» إلى «قسم» لحق به من التطورات ما لحق ببقية أقسام الكلية وهي: قسم الرسم والتصوير، قسم الحفر والطباعة، قسم الاتصالات البصرية، وقسم العمارة الداخلية، وقد صار خلال هذه الفترة، لكل قسم كادره الوطني من أعضاء الهيئة التدريسية، بل وزاد أحياناً على الحاجة، ما دفع إدارة الكلية لإعارة البعض منهم إلى عدد من كليات الفنون الجميلة في كل من الأردن، ليبيا، الإمارات العربيّة المتحدة، اليمن، السعوديّة، بعد أن كانت الكلية قد استعانت خلال العقدين الأولين من تأسيسها بالخبرات التدريسيّة العربيّة المصريّة، والفرنسيّة والبولونيّة والبلغاريّة والإيطاليّة.

 

أسس أكاديمية

يُدرس قسم النحت بكلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، التقانات المعروفة في هذا الفن كلها، ضمن الأطر والأسس الأكاديميّة السائدة والمتعارف عليها في أكاديميات الفنون العالميّة، وقد تمكن القسم من تخريج مئات النحاتين الشباب المزودين بالخبرة والمعرفة وما زال يؤدي هذه المهمة الوطنيّة والحضاريّة حتى اليوم. ورفد خريجو قسم النحت الحركة التشكيليّة السوريّة بدم جديد سرعان ما أورق حركة نحتيّة سوريّة راسخة وحاضرة بقوة هذه الأيام في الحراك التشكيلي وفي الحياة العامة السوريّة التي لا تزال حتى الآن بحاجة إلى المزيد منهمُ.

 

نحاتون جدد

وقد شهدت أروقة قسم النحت بكلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق مؤخراً، تخريج دفعة جديدة من طلبته بلغ عددهم ثلاثين نحاتاً ونحاتة، أنهوا دراستهم التخصصيّة فيه بمشروع تخرج دافعوا عنه أمام لجنة مؤلفة من أساتذة القسم، وقد تضمنت مشروعات تخرج الطلبة مئات الأعمال الفنية النحتيّة الكاملة التجسيم والبارزة والغائرة، منفذة من مواد وخامات النحت المختلفة من بينها: الحجر، الحجر الصناعي، الخشب، البرونز، الحديد بطريقة القص والجمع بوساطة اللحام، البوليستر..

والجبس، تناولوا فيها موضوعات إنسانيّة عديدة منها: التعابير الإنسانيّة المختلفة، الأنوثة، المجاعة، الأرواح الهائمة، المرأة الأفعى، الإنسان الآخر، الإنسان الشجرة، الانتظار، تكوينات فراغية، إعادة التكوين، القوة، الاحتواء، النفس والجسد، رقص الباليه، الأمومة... وغيرها من الموضوعات التي تشير عناوينها إلى نزوع الطلبة الواضح فيها، نحو الأدبيات والرومانسيات والموضوعات المركّبة، تعجز معها لغة الفن التشكيلي عن التعبير عنها كما يجب.

 

صياغات واقعية

اعتمد الطلبة في معالجتهم لهذه الموضوعات صياغات واقعيّة وواقعيّة مختزلة، وتكعيبيّة وتعبيريّة وقد غابت عنها التجريديّة. ماهى الخريجون في معالجاتهم بين الشكل المشخص المباشر الدلالة، وبين الرموز والإشارات الداعمة لتأكيد المعنى أو الفكرة، لكن مع ذلك ظلت جوانب عديدة من هذا المعنى، حبيس خيال وذهن الطالب ولم يسقط في الكتل الفراغيّة والمسطحات النافرة والغائرة، ما دفعه للإسهاب في الحديث عنه نظرياً لسد هذه الثغرة أو الفجوة.

 

إشكاليّة عربيّة

لا تقتصر على الطلبة الخريجين من أكاديميات الفنون العربيّة، وإنما تطول أغلبية الفنانين التشكيليين العاملين في حقول الفنون التشكيليّة العربيّة المعاصرة، الذين يجنحون دوماً في منجزاتهم البصريّة نحو الأدب والشعر والفلسفة والماورائيات والمقولات الفكريّة العميقة غير المنسجمة أو المتوافقة، مع لغاتهم التعبيريّة، لاسيما منها لغة النحت المحكومة بقوانين تقانية صارمة، بعضها له علاقة بموادها وخاماتها وبعضها الآخر، له علاقة ببنيتها كالارتكاز، والتوازن، والحركة، والملمس (التكنيك) والأسلوب، والصياغة.. وغيرها.

بمعنى أن هذه اللغة البصريّة الشائكة، غير قادرة على التجاوب مع المقولات الأدبيّة والفلسفيّة العميقة والتعبير عنها بالشكل الصحيح والسليم، خلافاً لبقية اللغات التعبيريّة الأخرى كالشعر، والأدب، والسينما، والتلفاز، والأغاني.. وغيرها.

 

تفكير سائد

هذا التوجه المسيطر على تفكير أغلبية الفنانين التشكيليين العرب المعاصرين مرده سببان: الأول هو أن العرب أمة الشعر، تُطربهم الكلمة أكثر من الشكل أو الصورة.

والثاني القطيعة التي استمرت نحو قرن وثلاثمائة عام، بين المتلقي العربي والفنون التشكيليّة، بتأثير تحريمها في صدر الإسلام لأسباب كانت موجبة يومها، لكن بعد مضي كل هذا الزمن الطويل، والوعي العميق الذي بات يتمتع به الإنسان المسلم الداخل في القرن الواحد والعشرين، من المفترض أن تكون الأسباب الموجبة هذه قد زالت منذ زمن بعيد، وتالياً اختفت كلياً، حتى عن التداول أو السجال، ما يحتم على العرب والمسلمين، ضرورة معاودة اتصالهم العميق والصحيح والواسع مع هذه اللغات البصريّة الحضاريّة الراقية، والتي باتت اليوم، المقياس الأبرز والأهم، لمدى تطور الشعوب والأمم وتقدمها.

 

مضامين وأفكار

على هذا الأساس، يبدو طبيعياً جنوح طلبة الفنون الجميلة العرب نحو المضامين والأفكار الأدبيّة، لكن الأكثر طبيعيّة وضرورة، اهتمامهم وتأكيدهم على اللغة التعبيريّة التي يشتغلون عليها، لأن المقررات العمليّة في هذه الاختصاصات هي الأساس والهدف والغاية، كونها تعنى بهذه اللغة، وتقاناتها، وأصولها، وقواعدها، وطرزها، وأحدث وسائلها.

أما المقررات الدرسيّة النظريّة كتاريخ الفن والحضارة وعلم الجمال والنقد الفني وعلم الألوان والتشريح الفني والمنظور والتذوق الفني وغيرها، فهي موضوعة لدعم المقررات الدرسيّة العمليّة وليس العكس.

 

انفصام الحامل والمحمول

إن عدم تمكن المزاول العربي للفنون التشكيليّة المعاصرة من وسيلة التعبير في اختصاصه، هو السبب الرئيس في انفصام الحامل والمحمول في عمله الفني، الأمر نفسه ينطبق على الشاعر والموسيقي والأديب والسينمائي الذين عليهم إدراك قواعد وأصول وأسرار مادة التعبير التي يشتغلون عليها، لكي يتمكنوا من التعبير بوساطتها عن أفكارهم ورؤاهم، وإلا ذهبت لغتهم في واد والمضامين التي أرادوا سكبها فيها في واد آخر.

 

مناهج

إن طالب التعليم الأساسي يمضي اثنتي عشرة سنة في تعلم قواعد اللغة ونحوها وعروضها ليتمكن في النهاية من وضع نص خال من الأخطاء الإملائيّة واللغويّة، والحالة نفسها تنطبق على طالب الفنون الجميلة الذي يمضي سنوات اختصاصه في الأكاديميّة ليتمكن من امتلاك لغة هذا الاختصاص والتعبير بوساطتها من دون أخطاء، وعما يريد من قضايا وأفكار تتناسب وطبيعة هذه اللغة وإمكاناتها التعبيريّة التي باتت محدودة القدرات، مقارنة بغيرها، نتيجة ارتدادها على نفسها، وتقلص مهامها وأدوارها، بسبب مزاحمة لغات بصريّة أخرى، حديثة ومتطورة لها، لاسيما بعد اختراع الكاميرا، والفنون العديدة التي ولدت من صلبها كالتصوير الضوئي، والسينما والتلفاز، والإنترنت.

 

إنصات المتلقي

حقيقة هذا القصور في اللغات التشكيليّة العربيّة المعاصرة، تبدو واضحة وجلية، عندما ينصت المتلقي للشروح والتفاسير المستفيضة التي يطلقها الفنان التشكيلي العربي عن أفكار ومضامين أعماله من دون أن يتمكن هذا المتلقي من قراءتها فيما رماه هذا الفنان فوق سطح لوحته، أو إعلانه، أو في كتله وتكويناته الفراغيّة وتزداد هذه القراءة صعوبةً وتعقيداً، إذا ما كانت لغة هذا الفنان تجريديّة غامضة ومغرقة في ذاتيّة صاحبها. عندها يُصبح هذا الفنان الشخص الوحيد القادر على إدراك مضامينها، هذا إذا كانت في الأصل حاضنة لمضمون ما!!.

 

إشكالية

تتجلى هذه الإشكاليّة بوضوح شديد في أعمال مشروعات تخرج طلبة الفنون الجميلة العرب الذين يُسهبون كثيراً في الحديث عن أفكارها ومضامينها، ويوجزون كثيراً في الحديث عن الوسائط والوسائل البصريّة التي استخدموها للتعبير عنها، وهذه الحالة لا تنسحب على اختصاص بعينه، وإنما تشمل الاختصاصات كلها، ما يستدعي إعادة النظر بالمناهج الدرسيّة العمليّة والنظريّة لكليات الفنون، والتوقف مطولاً عند الذين يقومون بتدريسها، ونوعيّة التأهيل العالي الذي تلقوه، إذ إن كليات الفنون الجميلة والتطبيقيّة هي كليات عمليّة تقوم على المحترفات والمختبرات المعنية بتدريس التقانات والمواد والخامات والوسائط البصريّة والاستخدام الأمثل لها، وهو ما يجب أن يلم به طالب الفنون ويدركه قبل أي شيء آخر!!

 

انفصام

عدم تمكن المزاول العربي للفنون التشكيليّة المعاصرة من وسيلة التعبير في اختصاصه، هو السبب الرئيس في انفصام الحامل والمحمول في عمله الفني، الأمر نفسه ينطبق على الشاعر والموسيقي والأديب والسينمائي الذين عليهم إدراك قواعد وأصول وأسرار مادة التعبير التي يشتغلون عليها، لكي يتمكنوا من التعبير بوساطتها عن أفكارهم ورؤاهم، وإلا ذهبت لغتهم في واد والمضامين التي أرادوا سكبها فيها في واد آخر.

 

صياغات

اعتمد الطلبة في معالجتهم لهذه الموضوعات صياغات واقعيّة وواقعيّة مختزلة، وتكعيبيّة وتعبيريّة وقد غابت عنها التجريديّة. ماهى الخريجون في معالجاتهم بين الشكل المشخص المباشر الدلالة، وبين الرموز والإشارات الداعمة لتأكيد المعنى أو الفكرة، لكن مع ذلك ظلت جوانب عديدة من هذا المعنى، حبيس خيال وذهن الطالب ولم يسقط في الكتل الفراغيّة والمسطحات النافرة والغائرة، ما دفعه للإسهاب في الحديث عنه نظرياً لسد هذه الثغرة أو الفجوة.

 

أمة الشعر

نزوع الفنان التشكيلي العربي المعاصر نحو المقولات الأدبيّة والفلسفيّة العميقة مرده أن العرب تطربهم الكلمة أكثر من الصورة التي غابت عن ثقافتهم مئات السنين.

 

لغة شائكة

تتحكم بلغة النحت جملة من القوانين التقانيّة الصارمة المتعلقة بموادها وخاماتها وبنيتها، ما يجعلها غير قادرة على التجاوب مع أفكار النحات وهواجسه.

 

نزوع نحو الأدب

يجنح غالبية الفنانين التشكيليين العرب في أعمالهم نحو الأفكار الأدبيّة والفلسفيّة غير المتوافقة والمنسجمة مع وسائل تعبيرهم.

 

ظاهرة عامة

لا يقتصر وجود الانفصام بين الشكل والمضمون على أعمال طلبة الفنون الجميلة العرب فحسب، بل وينسحب الأمر على المحترفين أيضاً.

Email