الكتابة الجديدة في مصر

هكذا يتم تدمير الثقافة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

"كتب معدودة، اللي قرأتها في حياتي، اللي اهتميت أقرا المقدمة بتاعتها، وبترن في ودني دلوقتي جملة سعيد صالح التاريخية (إيه يا جدعان هو اللي بنعمله في الناس هايطلع علينا ولا إيه؟)؛ لهذا ستكون هذه المقدمة أقصر ما يكون".. هكذا وبلغة تراوحت بين العامية تارة والفصحى أخرى، قدم المخرج المصري الشاب عمرو سلامة لكتابه "شاب كشك.. في رحلة البحث

عن الجادون"(حسب الأصل )، الذي لاقى رواجاً بين القراء، حتى بلغ عدد طبعاته اثنتي عشرة . وأخذت تشهد الساحة الثقافية، صدور كتب عديدة في هذا الاتجاه، تلقى شعبية منقطعة النظير، حتى في ظل إنجازها باللغة العامية، وعدم التزامها بالمعايير الحرفية الدقيقة للكتابة.

يدور موضوع كتاب عمرو سلامة المشار إليه، حول انطباعات ونصائح شخصية للمؤلف. ويعد، حالياً، واحداً من مجموعة كتب تصدرت قوائم المبيعات في القاهرة والمحافظات الأخرى، مؤلفوها شباب كفوا عن محاولة إثبات الموهبة في الكتابة عبر القنوات العادية، من قصة ورواية وشعر، فاختاروا لأنفسهم شكلاً جديداً من التعبير، بدأ بالكتابة الساخرة، ولم يلبث أن تحوّل إلى نوع من التداعي الحر للأفكار التي تشغل بال المؤلف، وكذا بال وفكر الكثير من أبناء جيله.

اللافت أن الصعود الكبير في أرقام المبيعات لتلك النوعية من الكتب، غدا أمرا رائجا ومتضاعفا، وهو ما يبعث على طرح التساؤلات، التي تبدو بديهية، في شأن العامل المشترك بين أبناء الجيل الجديد، الذي يوحد ويصهر مزاج القراء، فيفرز الإقبال على مثل تلك المؤلفات. ولنجد، بالتالي، أن كتّابا شبابا من أمثال: عمر سلامة وعمر طاهر وأحمد العسيلي وأحمد حلمي، أصبحوا يتربعون على عرش القراءة في بلاد نجيب محفوظ وخيري شلبي وإبراهيم أصلان.

 

عادية.. لا ليست كذلك

"ثمة أمور تبدو طبيعية لكنها ليست كذلك، فمثلاً أين تذهب الكهرباء حين تنقطع؟ ولماذا يخفض السائق صوت الراديو حين يشعر أنه ضل الطريق أو دخل شارعا مظلما؟".. هكذا يتساءل الكاتب عمر طاهر في كتابه الشهير "كابتن مصر".. أسئلة تبدو طفولية، ولكنها مطروحة. وأما عمرو سلامة، فيناقش مجموعة من الأمور والتفاصيل التي تحاول الأجيال الجديدة أن تهرب منها، أو أنها تخجل من طرحها، ولكنها تشكل شخصيتها في النهاية، ذلك مثل الوقوف عند كشك البقالة لتناول "التشيبس" وشرب البيبسي، كهواية مفضلة عند الأطفال في مرحلة ما.

وأيضاً، شراء بسكويت الشمعدان- في مرحلة ما من الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي- من أجل تجميع صورة الدراجة التي ينجح الجميع في تركيبها باستثناء صورة (الجادون) التي يبحث عنها الجميع دون جدوى، كما يحكي في كتاب "شاب كشك".

 تفاصيل عديدة تبدو بلا قيمة لدى البعض، إلا أنها تشكل شخصية أجيال جديدة بالكامل، كما يذكر مؤلفو الكتب من هذا النوع، لها موقف من الحياة والبشر، مشيرا إلى انه من الأسئلة الساذجة التي تفرض عليهم من قبل الآخرين، الأسئلة المتشابهة التي يطرحها الأقارب والآباء على الأطفال وهم صغار، مثل: تحب تطلع إيه لما تكبر؟ مين اللي جابلك الساعة الحلوة دي؟ بتحب مين أكتر ماما ولا بابا؟". وغيرها الكثير من الأسئلة التي يعلن كتاب هذه الأعمال رفضهم لها، وإعادة الأسئلة بشأنها في محاولة للإعلان عن شخصية خاصة متصالحة مع ذاتها، ومع الآخرين.

 

أفكار مختلفة ومبيعات عالية

لا يمكن حصر الأفكار التي تدور حولها الكتب الشبابية الأكثر مبيعا، فبالرغم من أن الموضوعات التي تناولتها في البدايات كما سبق وذكرنا- تنتمي إلى العموميات والانطباعات الشخصية، والتساؤلات الطفولية، إلا أنها مع الوقت أخذت تتبلور وتتحول إلى معالجة أفكار جديدة تتعلق بالشباب أيضاً، وبأنشطتهم وأفكارهم، من أمثلة تلك الكتب "الألتراس" لمؤلفه محمد جمال أو جيمي هود، والذي شكل إضافة مهمة للمكتبة العربية؛ لأنه الكتاب الأول من نوعه الذي يتناول ظاهرة "الألتراس" التي طفت على السطح بقوة بعد أحداث بور سعيد الدامية بين مشجعي نادي الأهلي ونادي المصري، كما يعطي فكرة عن مشجعي اندية كرة القدم في مصر الذين يتمتعون بدرجة كبيرة من الوعي السياسي، وكانوا من أوائل المؤازرين لثورة 25 يناير في ميدان التحرير.

وكذلك الأمر مع الكتابين اللذين أصدرهما المذيع والإعلامي أحمد العسيلي: "كتاب مالوش اسم"، "الكتاب الثاني"، إذ حظيا بدورهما، بنسب قراءة عالية، خاصة الأول منهما.

 

ستختفي مع الوقت

يرى الناقد، الدكتور حسين حمودة، أن الكتابة الجديدة التي دشنها الكتّاب الشباب في مصر ناجحة؛ لأنها كتابة عن الحياة اليومية، خفيفة الدم، وسهلة، وتأخذ الكثير في طريقة كتابتها من الإنترنت، وطريقة "التشات"، وتكمن جاذبية المسألة، من وجهة نظره، في أنها تعطي اهتمامًا كبيرًا بالمشاغل اليومية، بحيث يجد الناس أنفسهم فيها إلى حد ما، ولا يشعرون بأن هناك مسافة بينهم شخصيا، وبين كتّاب وكاتبات هذه المؤلفات؛ بمعنى أنهم يشعرون كما لو كانوا هم أنفسهم من قدم هذه الكتابة، وثمة ملحوظة في هذه الأعمال، تتمثل في أنها تلغي المسافة المفروضة، بين الكاتب من جهة، والقراء من جهة أخرى.

ويضيف حمودة: "هناك كتابات أدبية بالشكل المتعارف عليه، من قصة ورواية وشعر، يستمر تأثيرها، ويبقى، بينما جزء كبير من هذه الكتابات سينسى أو ربما يتلاشى بعد فترة قصيرة، ومبرر هذا أننا أمام ضوابط متنوعة في الكتابة نفسها؛ بمعنى أن جزءا من بعض الكتابات، يمثل عنصرا من عناصر التجارب الأدبية العابرة، مثله مثل بعض الأغنيات التي تنتشر انتشارا كبيرا جدا في وقت قصير، ومن ثم تختفي بعد ذلك".

 

وهم الكتاب الأكثر مبيعاً

يؤكد الناقد الدكتور محمد عبد المطلب، أن ظاهرة الكتاب الأكثر مبيعا، ما هي إلا وهم، لافتا إلى أن إعلان دار النشر المسؤولة عن الكتاب، تصدره لقوائم الكتب الأكثر مبيعا خدعة.

ويضيف : "الطبعات بها خداع، وليس هناك كثيرون يعرفون لعبة الطبعات، فمن الممكن أن أقوم بطباعة خمسين نسخة كطبعة أولى، ومثلها طبعة ثانية، لا يوجد ضوابط لعدد النسخ التي يفترض أن تضمها الطبعة الواحدة، ولعل أبلغ مثال على ذلك كتاب علاء الأسواني "عمارة يعقوبيان" حين صدر أرسل لي نسخة هدية، ولم يكد يمر شهر حتى وجدت الطبعة التاسعة من الرواية وقد صدرت، هذا مستحيل، وعلى هذا المنوال تجري الأمور الآن..

في رأيي أن الثقافة المصرية، والفن المصري الآن في حالة انهيار كامل، لو نظرنا إلى مرحلة الستينيات من القرن ال20، لوجدنا أنه كانت هذه المرحلة تنزل إلى مستوى الجماهير لترفعهم إلى مستوى الثقافة الحقيقية، في المسرح والسينما والشعر. وكذلك في الطرب والموسيقى وكل شيء.. الآن ما نلحظه في كل هذه الفنون، أنها تنزل إلى المستوى الجماهيري الأدنى لتقودهم إلى ما هو أدنى«. ويواصل الدكتور محمد عبد المطلب تحليله وتشريحه لجوانب هذه الظاهرة الادبية:

"شاب كشك.. ما الذي في هذا الاسم من صيغ جمالية أو فنية؟ أين الإبداع؟.. إن ترويج دور النشر لهذه الأشياء تدمير للثقافة، وخديعة الطبعات المتعددة، جريمة ترتكبها دور النشر؛ لأنها تريد تسويق منتجها الرديء، وللأسف، ستجد استجابة؛ ذلك لأن المجتمع في حالة انهيار مطلق، ويكفي أنني حين أقرأ الآن ما يكتب في الصحافة، أجد الصفحات، تحوّلت إلى فصل دراسي لموضوعات الإنشاء الرديئة، لعلها أردأ من تلك التي كنا نكتبها في المدرسة، حين كنا نكلف بوصف يوم مطير، أو صديق قابلناه بعد شوق أو رحلة إلى الريف، حالة عامة من الهزل، والتكرار، والملل.

ما نحن فيه الآن يبشر أن الثقافة المصرية آخذة في الانحدار، وستعلو عليها الثقافة العربية لأبعد درجة.. سينتهي الشعر المصري، والرواية والغناء والموسيقى والأفلام، إذا ظلت الحال على ما هو عليه، لأن الثورة المصرية العظيمة أظهرت أسوأ ما في الشعب المصري، وأخرجته إلى السطح".

 

بين السلب والإيجاب

يرى الناقد، الدكتور حسين حمودة، أن الكتابة الجديدة التي دشنها الكتّاب الشباب في مصر ناجحة؛ لأنها كتابة عن الحياة اليومية، خفيفة الدم، وسهلة، وتأخذ الكثير في طريقة كتابتها من الإنترنت، وطريقة "التشات"، وتكمن جاذبية المسألة، من وجهة نظره، في أنها تعطي اهتمامًا كبيرًا بالمشاغل اليومية، بحيث يجد الناس أنفسهم فيها، إلى حد ما، ولا يشعرون بأن هناك مسافة بينهم شخصياً، وبين كتّاب وكاتبات هذه المؤلفات؛ بمعنى أنهم يشعرون كما لو كانوا هم أنفسهم من قدم هذه الكتابة. وثمة ملحوظة في هذه الأعمال، حسب ما يوضح، تتمثل في أنها تلغي المسافة المفروضة، بين الكاتب من جهة، والقراء من جهة أخرى.

 

الألتراس

شكل كتاب محمد جمال أو جيمي هود، من بين نوعية المؤلفات في هذا الصدد، إضافة مهمة للمكتبة العربية؛ لأنه الكتاب الأول من نوعه الذي يتناول ظاهرة "الألتراس" التي طفت على السطح بقوة بعد أحداث بور سعيد الدامية بين مشجعي نادي الأهلي ونادي المصري،.

وكذلك الأمر مع الكتابين اللذين أصدرهما الإعلامي أحمد العسيلي: "كتاب مالوش اسم"، "الكتاب الثاني"، إذ حظيا بدورهما، بنسب قراءة عالية، خاصة الأول منهما، ذلك لما يتناوله من أفكار فلسفية عميقة، وبسيطة في الوقت نفسه.

ولم يخلُ الأمر من محاولات نسائية، بدأت مع الكتاب الشهير للمدونة غادة عبد العال "عايزة أتجوز" الذي حكت فيه ببساطة، المحاولات والمواقف التي مرت بها، في سبيل الحصول على عريس.

Email