طنجة.. بوابة التاريخ والثقافات

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كانت طنجة المغربية، على مدى سنوات طويلة خلت، مدينة دولية، قبل أن يهاجر إليها الريفيون ويحتلون مراكزها. وكثيراً ما وصفت بأنها موئل الأدباء.. كما يُحكى أن شارع الكورنيش لم يكن يتجوّل فيه سوى الذين يرتدون ربطات العنق والقبعات الأنيقة، وكأنهم ذاهبون إلى حفلة تخص طبقات المجتمع الراقية.. ونجد أن كثيراً من أهالي طنجة يحلم في أن تعود المدينة، إلى سابق عهدها، حين كانت دولية الطابع، يقصدها التاجر والمفكر والسائح، من شتى بقاع الأرض.

تبقى طنجة، صفحات ألق مشرقة، في مضمون كتاب ثقافي تاريخي مفعم بالأحداث والسير، إذ تشخص بمخزونها الثقافي ومنجزها الحضاري، مدللة على مكانتها وقيمتها، فتطل مفعمة بمكونات غناها بينما تتكئ على خدي البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي. ويكلل ذلك، سمات فرادة مقوماتها الطبيعية الجمالية المتنوعة.

 

مقايضات على جانب الطريق

عندما تسير في شوارع طنجة، ترى على حافتي الطريق الفلاحات اللائي يعتمرن قبعات من القشّ، واقفات على حافتي الطريق، يحملن بأيديهنّ السلال المليئة بالتين البري والخوخ والعنب والإجاص.. ينتظرن سيارة تتوقف برهة لشراء سلال الثمار هذه.

كنت أندهش من رؤية الفلاحات، وخصوصا الصغيرات منهنّ، واقفات منذ الصباح وحتّى المساء، كالتماثيل الصامتة تحت أشعة الشمس الحارقة، لا يتحركن.. ربما فقط حين يستبدلن سلال الثمار بأخرى. وعندما تتوقف السيارات، تهرع الفلاحات، بسلالهنّ ويتزاحمن لغرض عرضها للبيع.

وهنا تحصل المقايضات على طرفي الطريق.. وفي أكثر الأحيان، بين أصحاب السيارات الفارهة والفلاحات الفقيرات! وهن يبعن سلال الثمار هذه بأي ثمن.. إن المهم لديهن، الحصول على الأموال. فهذا الشارع الإسفلتي الذي يمتد كالأخطبوط، سوقهنّ الوحيد. وبذا لا يفكرن بالذهاب إلى المدينة لبيعها.

 

حكاية عراقة

يتضمن كتاب "المدن المغربية" لمؤلفه إسماعيل العربي، وهو مؤلف جامع لكل ما كتبه الرحالة العرب، أمثال الهمذاني وأبي الفداء والقلقشندي وغيرهم، بعض المقتطفات عن طنجة. ويوضح الكتاب كيف أن أسلافنا كانوا يكتبون عن تجاربهم ببصيرة نافذة، وبشكل رائع لا يضاهيهم فيه المعاصرون !

تذكرنا طنجة أيضاً بابن بطوطة وطارق بن زياد! إذ استخدم الثاني هذه المدينة كقاعدة لفتح إسبانيا، بينما انطلق منها ابن بطوطة، إلى الصين وسمرقند. وكذا كانت هذه المدينة العجيبة، مثارا للنزاعات والخلافات على مدى قرون! فالفينيقيون والقرطاجيون عرفوها وخبروا ساحاتها.

كما احتلها البرتغاليون في عام 1471.. ثم أصبحت في القرن السابع عشر تحت السيطرة الإنجليزية، بعد زواج كاترين دي براغانس وشارلي الثاني. وبعد ذلك حاصرها مولاي إسماعيل من الأسرة العلوية، وفي عام 1688، أعادها المغاربة إلى سيطرتهم".

تتميز طنجة بكونها نقطة التقاء بين البحر الأبيض المتوسط من جهة، وبين القارة الأوروبية والقارة الإفريقية من جهة أخرى، ما جعلها محطة اتصال وعبور و تبادل الحضارات، منذ آلاف السنين. وهي مليئة بالكنوز التاريخية، التي تمتد إلى حضارات ما قبل التاريخ وحضارات الفنيقيين، التي ربطت اسم طنجة في أساطيرها العريقة باسم تينجيس زوجة آنتي ابن بوسايدون "إله البحر"، وغايا التي ترمز إلى الأرض.

ثم عايشت المدينة الفترة الرومانية التي أثرت على حياتها عميقاً.

مرّت طنجة، لاحقاً، بمرحلة من الركود، لكنها سرعان ما أثبتت حيويتها مع انطلاق الفتوحات الإسلامية لغزو الأندلس، على يد القائد الاسلامي، طارق بن زياد، سنة 711م، ثم من طرف المرابطين والموحدين الذين جعلوا من طنجة معقلا لتنظيم جيوشهم وحملاتهم.

وبعد ذلك تتالت على طنجة فترات الاحتلال الإسباني والبرتغالي والإنجليزي، منذ عام 1471 وإلى سنة 1684، وهي فترة تركت بصماتها حاضرة بالمدينة العتيقة، كالأسوار والأبراج والكنائس. كما تميزت المدينة واشتهرت كثيرا، خلال فترة حكم السلاطين العلويين، خصوصا المولى إسماعيل وسيدي محمد بن عبدالله.

فبعد استرجاعها من يد الاحتلال الإنجليزي سنة 1684 في عهد المولى إسماعيل، استعادت طنجة دورها العسكري والدبلوماسي والتجاري كبوابة لدول البحر الأبيض المتوسط.

وبالتالي عرفت نهضة عمرانية لافتة، فشيدت الأسوار والحصون و الأبواب. وازدهرت الحياة الدينية والاجتماعية، فبنيت المساجد والقصور والنافورات والحمامات والأسواق، كما شيدت الكنائس والقنصليات والمنازل الكبيرة الخاصة بالمقيمين الأجانب، حتى أصبحت طنجة عاصمة دبلوماسية تحتوي على عشر قنصليات، في سنة 1830، وكذا غدت مدينة دولية يتوافد عليها التجار والمغامرون.

 

معالم بارزة

تحتوي طنجة على الكثير من المعالم البارزة، منها: قصبة غيلان، والتي تقع على الضفة اليمنى لوادي الحلق، على الطريق المؤدية إلى مالاباطا شرق المدينة العتيقة. وبنيت حوالي العام 1664، و يرتبط اسمها باسم الخدير غيلان قائد حركة الجهاد الإسلامي ضد الاستعمار الإنجليزي الذي احتل مدينة طنجة، ما بين 1662 و 1684 م. وتتوافر القلعة على جهاز دفاعي محكم، هو عبارة عن سورين رباعيي الأضلاع، ومحصنين ببرجين نصف دائريين وبارزين، تتوسطهما أبواب عمرانية ضخمة.

وهناك أيضا، قصر القصبة أو دار المخزن، إذ تحتل هذه البناية موقعا استراتيجيا في الجهة الشرقية من القصبة استخدم في الدفاع عن المدينة. وبني قصر القصبة أو قصر السلطان مولاي إسماعيل، في القرن الثامن عشر، من قبل الباشا علي أحمد الريفي، على أنقاض القلعة الإنجليزية.

ويحتوي على مجموعة من المرافق الأساسية: الدار الكبيرة، بيت المال، الجامع، المشور، السجون، دار الماعز والرياض. وفي سنة 1938م، تحولت البناية إلى متحف إثنوغرافي وأركيولوجي لطنجة.

ولا يمكن للمدينة أن تعيش من دون مينائها، حيث تتراءى من بعيد البواخر البيضاء التي تنقل المسافرين والبضائع من جزيرة "الجزيراس" الإسبانية إلى طنجة، كما تشتهر فيه باخرة ابن بطوطة العملاقة.

ولا بد هنا، من تذكر هذا الرحالة الطنجي الذي زار الصين وسمرقند، قرابة 28 مرة، وألّف كتابه الشهير "رحلات ابن بطوطة". إنه منظر يجذب الانتباه، نراه في ميناء طنجة عندما تتوقف باخرة ابن بطوطة فيه لتفرّغ حمولتها من البشر والحديد.

فنشاهد آلاف الركاب، بأمتعتهم وبحقائبهم المزركشة، يحطون به الرحال، يومياً. هكذا هو الميناء.. يعجّ بالأجناس واللغات والألوان والصيارفة المتجولين في الشوارع الذين يقبلون كل العملات.. وتكون أنت دوماً الخاسر. رجل بثياب رثة يدخن سيجارة بلا فلتر، يفاجئك أحدهم: هل عندك بيزيتاس، فرنك، دويتج مارك، دولار؟! فتُصاب بالدهشة هنا.. فكل هذا يمكن تصريفه لدى هؤلاء الجوالون؟

وتزخر المدينة بالمقاهي التي تشكل العصب الحيوي فيها، مثل مقهى "باب المغرب"، المطلّ على ميناء طنجة، وغيرها من المقاهي التي بقيت مكاناً أليفاً للأدباء والكتّاب والشعراء، وخاصة الأجانب منهم، من أمثال: بول باولز، تنسي وليامز، جان جينيه. فهؤلاء كانوا يزورون طنجة على الدوام.

 

مرتع فكر وترفيه

إن مقاهي طنجة مرسومة جيدا في مخيلة روادها. فهي دائما تتوضع على المدرجات المرتفعة أو في الزوايا الخفية. في داخل هذه المقاهي لا تزال التقاليد الإسبانية سائدة، حيث يقدم النادل صحونا صغيرة، بحجم أطباق فناجين القهوة، مليئة بالسردين والفاصوليا والباقلاء والجزر المسلوق والبطاطا المقلية والزيتون والرزّ الأحمر وثمار البحر، مع المشروبات.

والمميز أن مقاهي طنجة وحاناتها لها تقاليدها وطقوسها التي اعتاد عليها روادها، فحين تسأل عن شخص معروف، ككاتب أو فنان ما، سيقولون لك في أي مقهى يجلس الآن، بالضبط.. وطبعاً، طنجة مدينة مليئةٌ بالفنانين والشعراء والكتاب من أميركا وأوروبا، وربما من اليابان أيضا.

ألم تعرف طنجة: ديلاكروا، تينسي وليامز، بول باولز ومحمد شكري ومحمد مرابط؟ وكذا مارتن سكورسسي الذي وجد بعض ديكورات فيلمه الأخير عن السيد المسيح في طنجة؟ أَلَمْ يُوصِ الكاتب الفرنسيّ الشهير جان جينيه، بأن يدفن في العرائش، ليكون قريباً من ذكرياته في طنجة؟

طنجة، مدينة كبيرة.. يعشقها المغاربة قبل الأجانب، كما يهيم بها أهلها قبل المغاربة أيضا. الطنجي أو الطنجية، كثيراً ما يُردّدون بأن مدينَتَهُم دولية تماماً مثل عيونهم الخضراء والزرقاء. وهي مربعة ومستطيلة ولولبيّة، مثل شكل كتابتها ـ طنجة ـ وهي مدينة قديمة، ومدينة أسواق بأزقة ضيقة.. توابل وخضار.. وأسواق حديثة للفيديو وثياب النساء والعطور المزيفة. حتى بعض صيدلياتها، القديمة والحديثة، إذ تَبيع عقاقير الأعشاب المنقرضة !

 

حياة نابضة بالحياة

تكمن فضيلة هذه المدينة في أن زائرها يشعر بأنه يعيش في مدينة منفتحة.. بواباتها تطِلّ على ملتقى بحرين شاسعين يتعانقان، عند قدمي المدينة، البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسيّ.. هل هي رغبة التقاء المياه الباردة والدافئة؟! لا أعرف، لكنني أعلم بأنها تتحول في نظر الباحث إلى إرث لمدن مختلفة. طنجة مشيدة على مدرجات، وتنتصب على تلة هائلة، تطلّ على مضيق جبل طارق.

تقرأ في وجهها، وأنت تمرّ بجوار الفلل والقصور والبنوك المهجورة والدوائر التي تركها الدبلوماسيون الأجانب الغابرون، خطوطاً كتبها البرتغاليون والإسبان والإنجليز والألمان. عاشت المدينة ما يقرب من نصف قرن كإحدى المدن الرمزية، الهلامية، في هَذا العَالَم.

هويتها خليط من أجناس متنوعة جاءت لتتنعم بشواطئ دافئة وشمس عامرة، تأخذك كل قصة من قصص هذه المدينة الساحرة إلى قلبها مباشرة، من دون أن تشعر بالفراغ الذي يفصل بين المدينة القديمة والمدينة الحديثة.

 

مدينة بلا قيود

التقيتُ بنادل مطعم "سولازور" المطلّ على البحر تماما، في طنجة.. رجُلٌ هَرِم تعلّم البرتغالية والفرنسية والإنجليزية والألمانية في هذا المطعم.. ومنذ أربعين عاماً وهو يشهد تحولات المدينة ويعرف جميع أسرارها. يعمل بصمت. متعته الوحيدة تقديم المأكولات اللذيذة إلى الزبائن.. ويتذكر جميع المشاهير الذين قدموا إلى المدينة. وإذا رآك مرة واحدة في مطعمه لا ينساك أبداً. على أيّة حال، تبقى طنجة تحمل شيئاً من ماضيها الدولي الغابر.

ومهما كانت، فالمدينة لا تستطيع أن تخضع لقوانين صارمة لأن الحياة فيها تجري بهدوء مثل حركة الأجرام الفضائية، غير عابئة بأحد! فلا تعرف كيف تأتي إليها السلع والبضائع الأجنبية من كل حدب وصوب. هنا تعثر على أفخر ماركات الملابس والعطور والآلات الكهربائية بسعر رخيص، لكنك تكتشف بأنها ليست الماركات الحقيقية بقدر ما هي ماركات مقلدة.

لكنها من دون شك، تشبع بعض نزوات البشر ممن يحلمون بالسفر. قصص وحالات متنوعة تصادفها وتختبرها في طنجة، فهذا صديق (مدرس)، مهووس بالحديث عن الصحافة، استحدث له مجلة، جاء أخيراً إلى طنجة، بحثا عن الإعلانات التي لا يجدها إلاّ فيها.. إذ تعج بالفنادق والشّركات والمؤسسات والحوانيت ومعامل صنع الأنسجة وتكرير مياه الينابيع.. ومكاتب المحاماة الدولية..

وغيرها من ما يشكل نسيج هذه المدينة العجيبة، والتي لا يمكن أن تجمع حياتها بين دفتي أكبر المجلدات! هنا يوجد خيط غير مرئيّ يجمع المدينة بالميناء، ورجال الجمارك بالمطاعم، والبورصة بالتجار، والصّيارفة بالأموال.

 

.. كحبات الرمان

طنجة مدينة كان يسميها المؤرخ الحسن بن محمد الوزان "طانجيه"، ويسميها البرتغاليون "طنجر" ويسميها الإسبان "طنخر". وشاع اسمها ذات مرة بـ "طانجيس".. لكن الألسن عادة ما تنطقها "طنجة". هي مزيج من كل تلك الألفاظ.. لأنّها تقبل من زائرها أن يناديها كما يحلو له. مدينة مركبة كحبات الرمان، وربما يتساءل أحد ما: "لِمَ طنجة بالذات؟".

فأقول له على الفور: في طنجة يعثر المرءُ على كل ما يرغب.. فيها أجزاء من نيويورك وباريس ومن بغداد والقاهرة.. وربما من إسبانيا أو من بكين. . فكل الناس الذين يتحركون في شوارعها وأزقتها غرباء، وإذا ما التقوا ففي ذهن كلّ واحد منهم آلاف التصورات عن الآخر. هي مدينة مدّت نفسها كثيراً لتلتصق بإسبانيا ولتنتهي بها إفريقيا وتبدأ من هناك أوروبا. إنها نقطة تماس بين عالمين.. الخارج منها يودع إفريقيا، والداخل إليها يودع أوروبا.. فهي آخر حدود إفريقيا عند الغرب.

للمدينة مظهر حورية مغرية إذا نظر إليها من البحر. وإذا اقتربت منها في الليل، تراها ترتعش على سفح جبل مدرج، وكأن بيوتها العالية مناطيد مُحلّقة في الفضاء. أهاليها يعملون في النهار أو يجلسون أمام الأبواب.

مدينتان في مدينة واحدة. البيوت الفارهة والفلل الأنيقة، بطرقاتها الضيقة، المكسوة بالأعشاب الخضراء والزهور.. ومن هنا تنظر بهدوء إلى طنجة الأخرى، ببيوتها الصغيرة ذات الجدران العتيقة، المتآكلة. هنا لا يعبق المكان إلاّ برائحة ابن بطوطة.. وذاكرة "جان جينيه". ومثلما عشقها، ذات يوم، رحالة صينيّ رسم خارطتها على أوراق البردي، وأطلقها في مخيلة الصينيين.. هي الصورة التي تنبثق في مخيلتنا وترن في آذاننا كمن يقرع الطبل: طنجة! طنجة!.

 

طنجة دائماً

إذا سألت أهالي طنجة عن السوق الكبيرة ستجدهم يشيرون بأصابعهم إلى الشوارع المنحدرة. وجل إشارتهم تقول لك: "السوق الكبيرة ليست بعيدة، أينما كنت في طنجة!". ويقول بعضهم: "نحن نأتي إلى هنا كلّ صباح لنعمل".

بينما يُجيبُك آخرون: "نحن نعود إلى هنا في الليل لننام!". دكاكينها تتحوّل في الليل إلى حيّ.. ومن سوق إلى سوق. وإذا مللت من السير في أزقتها، يكفي أن تنظر إلى بيوتها المعلقة على الجبال كالشّرفات المنقوشة وشوارعها المتسلقة مثل النباتات نحو السماء. من بعيد تتراءى لك مصابيح الفلل البعيدة الشاهقة، وتغريك بتسلق المدرجات الشاهقة.

 

طقوس وأزياء

المدينة العتيقة في طنجة، هي دائما المحطة الأولى للفلاحين الذين يهجرون قراهم عند الفجر، لجلب محاصيلهم إلى السوق الكبيرة.. قلب طنجة لا يأتي إليه الفلاحون فقط، بل جميع الأهالي تقريبا، سواء من المدينة القديمة أو من الأحياء الجديدة. ثمة رجال يرتدون "الجلاليب" الصوفية، ونساء يرتدين الأثواب الحمراء والبيضاء والمزركشة الألوان، يعتمرن، على الأغلب، قبعات من القشّ الأصفر الجاف.

وهنا يختلط الأهالي بمختلف شرائحهم وفئاتهم، مزيج من أصوات الشاحنات وسيارات الأجرة وأصوات بائعي الماء بقرابهم الجلدية وطاساتهم النحاسية. ثمة فلاح قادم يحمل غلاله على حماره الهرم، يقطع هذا المشهد الصاخب، فينظر إلى السائرين ويعرض عليهم بيع محاصيله بالجملة.

 

أسوار طنجة

تمتد أسوار طنجة على طول 2200 متر، مسيجة بذلك الأحياء الخمسة للمدينة العتيقة: القصبة، دار البارود، جنان قبطان، واد أهردان، بني إيدر. وبنيت أسوار المدينة على عدة مراحل، والتي من المحتمل جدا، أنها بنيت فوق أسوار المدينة الرومانية "تينجيس".

وتؤرخ الأسوار الحالية بالفترة البرتغالية (1471 ــ 1661)، إلا أنها عرفت عدة أشغال خاصة بالترميم وإعادة البناء والتحصين خلال الفترة الإنجليزية (1661 ــ 1684)، ثم فترة السلاطين العلويين الذين أضافوا عدة تحصينات في القرن 18، حيث دعموا الأسوار بمجموعة من الأبراج: برج النعام، برج عامر، برج دار الدباغ، برج السلام. كما فتحوا بها 13 بابا، منها: باب القصبة، باب مرشان، باب حاحا، باب البحر، باب العسة، باب الراحة وباب المرسى.

 

طنجة.. ماء الشعر

قال أحد الشعراء متغنيا بطنجة، ومتغزلا بجمالها وبهائها:

بطنجة عين ماء رمل

لذيذ ماؤه كالسلسبيل

خفيف وزنه عذب ولكن

يطير بشاربيه ألف ميل

وقيل هذا الشعر لوصف الماء المجلوب في قناة كبيرة فيها، سابقا. وبخار ماء القناة، كانوا يسمونه برقال، فهم يعتزون بشربه.

 

مدينة التجارة

في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ أصبحت لطنجة أهمية تجارية خارقة، فبات يسكن فيها معظم التجار والدبلوماسيين الأجانب، لأنها صعبة المنال من قبل أي معتد. وعلى أية حال، فمنذ عام 1923، تأسس في طنجة نظام المدينة الدولية واستمرّ حتى عام 1956. ومن ثم بدأ المغاربة بإدارة المدينة تحت إشراف مندوب خاص مرتبط بالإدارة المركزية. وهكذا عادت طنجة إلى أحضان أبنائها، بعد صراعات ومنازعات دولية دامت قرونا عديدة!

 

مساجد

تزخر مدينة طنجة بعدد من الجوامع المهمة، مثل الجامع الكبير الذي يقع على مقربة من سوق الداخل. وحوّل إلى كنيسة خلال فترة الاستعمار البرتغالي. وبعد استرجاعه في سنة 1684 عرف عدة أعمال ترميم وتوسيع خلال فترة حكم الأسرة العلوية. وتتميز هذه الأعمال والترميمات ببهائها وغنى زخارفها، حيث استعملت فيها فنون الزخرفة جميعها، من فسيفساء وزليج وصباغة ونقش ونحت وكتابة على الخشب والجبس.

ويحتوي الجامع الكبير على بيت للصلاة، مكون من ثلاثة أروقة متوازية مع حائط القبلة وصحن محاط من كل جانب برواقين. وبذلك فهو يعتبر نموذجا للمساجد العلوية المعروفة ببساطة هندستها. وكذلك جامع الجديدة الذي يُعرف باسم جامع عيساوة وأحيانا بمسجد النخيل، يقع أمام الزاوية العيساوية على زنقة الشرفاء.

 

قيمة

يشتمل مبنى السفارة الأميركية "متحف الفن المعاصر"، في طنجة، على خزانة عامة للكتب الإنجليزية وخزانة متخصصة في تاريخ المغرب العربي وقاعات أخرى للدراسة والبحث. ويعد المبنى فضاء مناسبا لاحتضان مجموعة من الأنشطة الثقافية والموسيقية بالمدينة.

Email