الكتابة للطفل همٌّ يؤرق المؤلف والناشر

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس من السهولة بمكان، الكتابة للأطفال. فكما يؤكد خبراء في مجال ثقافة الطفل، يشكل هذا النوع الإبداعي، ورطة حقيقية للمؤلف،ذلك في ماهية ما يكتبه، الكاتب للطفل، مطالباً بأن يحوز معارف علمية وإنسانية كثيرة، وكذا أن يمتلك الخبرة العلمية والميدانية للولوج في عالم الطفل، وأن يعرف طرق مخاطبته، في ظل التطور التكنولوجي الحاصل في محيطه.

 وأيضاً بالنسبة للناشرين، إذ إن إعداد كتب الأطفال، ينطوي على صعوبة بالغة، بفعل ما تحتاجه من مواصفات يفترض أنها السبيل لجعل العمل، جاذباً للقراءة، ومتناسباً مع قدرات الطفل العقلية والتعليمية والإدراكية.

يشرح الدكتور كمال الدين حسن، عضو لجنة ثقافة الأطفال في المجلس الأعلى للثقافة في مصر، والأستاذ في كلية رياض الأطفال، طبيعة الصعوبات التي تعترض طريق الكتابة والنشر الخاصين بعوالم الطفولة: "من خلال وجودي في عوالم الإبداعات المتخصصة بالطفولة، منذ 22 عامًا متواصلة، خلصت إلى أن أدب الطفل في مصر والعالم العربي، يتضمن العديد من الإشكاليات، وأهمها: الخلط بين مفهومي (الكتابة للأطفال) و(الكتابة عن الأطفال). إضافة إلى إشكالية محورها سؤال حيوي مفاده: ماذا نكتب للكبار عن الأطفال؟".

 

إشكاليات قائمة

ويحدد كمال الدين حسن، مفهوم كتابة الكبار للأطفال، بأنها تعني بالإبداع للطفل، فعندما يكتب المؤلف للطفل لابد أن يراعي عدداً من القواعد الجمالية والفنية، وكذا المراحل العمرية؛ ذلك لأن الكاتب في هذه الحالة، يوجد أمامه أكثر من مجموعة من الأطفال، يتعامل مع جميعها، بناء على اعتبارات ومنطلقات المراحل العمرية، فهناك أطفال المهد، وهذه فئة عمرية لها صفاتها ولها احتياجاتها الخاصة، وكذلك فئة أطفال الروضة (وهم أطفال من فئة الأعمار التي ما قبل المدرسة: ما بين ثلاثة إلى خمسة أعوام).

وهذه فئة مختلفة تماما، عن تلك التي تسبقها. والأطفال في الفئة العمرية، ما بين خمس إلى سبع سنوات؛ أي مرحلة الطفولة المتوسطة.

ومرحلة الطفولة المتأخرة، ما بين سبعة إلى 10 سنوات. وأخيراً، فترة المراهقة. ومن هنا يجب على الكاتب أن يراعي كل مرحلة عمرية، فيجيب على تساؤلاتها، ويراعي قدراتها الاستيعابية، ومن ثم يشبع حاجاتها.

ويخلص حسن، في هذا الصدد، إلى أن مفهوم الكتابة للطفل، يعني أن الجمهور المستهدف من الكتابة، هو الأطفال؛ ولذلك لابد من مراعاة قواعد إبداعية خاصة بأسلوب الكتابة واللغة المستخدمة والأسلوب الإخراجي والألوان المستخدمة، الى جانب أحجام الصور، وغيرها الكثير، حتى يستطيع أن يوصل أفكاره إلى الأطفال، بسهولة.

ويضيف: "أما عن المفهوم الثاني (كتابة الكبار عن الأطفال)، فهذا يعني أن محتوى الكتابة يتناول الطفل، ولكن الجمهور المستهدف من الكتابة، ليس بالضرورة الأطفال، ولكن في الغالب، يكون العمل مقدماً للمتعاملين مع الأطفال من الكبار، كالأبوين والمعلمين والأدباء والفنانين والإعلاميين، وسواهم".

ويتابع: "إن الإشكالية الثانية التي تواجه أدب الطفل وكتابات الكبار حول الأطفال، تكمن في جوهر التساؤل: ماذا نكتب للكبار عن الأطفال؟ ..

ونحن الآن أصبحنا في عالم معقد ومتداخل، ونجد أن الأبوين فيه، ليسا من يمثل قدوة الأبناء، ولم يعد الأدب الرسمي، ومعه طرق الوعظ والإرشاد التقليدية، الطرق المثلى لتوجيه الأطفال.. ولابد من أن نعي أنه هناك نوعان من الكتابات التي تُكتب للكبار عن الأطفال. الأول هو الكتب المقدمة للكبار عن عالم الطفولة من أساليب التربية ومراحل النمو الجسدي والنفسي للطفل والأساليب العلمية للتعامل مع الأطفال.

بينما النوع الثاني هو كتابات التربية "الوالدية"؛ أي تربية الآباء على كيفية التعامل مع الطفل، من خلال قصص مقدمة للكبار، توعيهم بما يدور في عالم الأطفال، وتشرح لهم كيف تتسبب مشكلات الكبار في إحداث أخرى مماثلة للصغار، من دون أن يشعروا، وأيضاً كيفيه بناء بيئة سوية، تؤثر إيجابياً في نمو الطفل".

ووسط ذلك، يذكر الأستاذ في كلية رياض الأطفال، أنه لابد من وجود كتابات في حقوق الطفل، كافة، بحيث لا تكون هذه الكتب، موجهة إلى الأطفال، وكذا لا مفر من أن تكون خاصة بالكبار، المسؤولين عن حماية الطفل. وعن إعطائه حقوقه وعن تعليم الطفل كيفية مطالبته بحقوقه وكيفية التمتع بها، مشيراً إلى أن هؤلاء الكبار، ليسوا فقط الأبوين، ولكن كلمة الكبار تشمل جميع المتعاملين مع عالم الطفولة.

 

أهداف أربعة

من جهته، يؤكد عميد معهد دراسات الطفولة في القاهرة، الدكتور عمر الشوربجي، أن الكتابة للطفل، تخضع إلى أحد أهداف أربعة، أولها وأكثرها بروزا، الهدف العقائدي الذي يركز على كيفية تعليم الأطفال، أسس دينهم وقواعده، وماهية الله عز وجل، وكذلك نعمه على الإنسان.

وأيضا: من هم الرسل، وما هي مهمتهم، ومن هم الملائكة؟.. وهكذا، ولكن هذا الهدف يجري الاهتمام به، بشكل كبير، مقارنة بباقي الأهداف الأربعة، فرغم أهميته، إلا أنه ليس الأهم، ويجب الاعتناء ببقية أهداف الكتابة للطفل.

ويوضح أيضاً، أن الهدف الثاني يتمثل في الجانب التعليمي، والذي ينمي لدى الطفل حب الاستطلاع ويجيب له عن العديد من التساؤلات التي تدور في ذهنه، بشأن العلم والعالم المحيط به.

ويضيف: "ينبغي في كتاباتنا، أن نعطي الهدف اهتماماً أكبر، بحيث نشجع حب الاستطلاع لدى الأطفال، ونكفل أن تزيد لديهم، الرغبة في التعليم، فهناك الكتب التي تتحدث عن علوم الفلك والفيزياء والأدب وقصص التاريخ، ولكن يجب علينا أن ننتج مؤلفات تهتم بالعلوم الحديثة، ذلك مثل: الكمبيوتر وعلوم التكنولوجيا، لتكون مناسبة لروح العصر الذي يعيش فيه الأطفال، فالأمي في زمننا هذا، أمي التكنولوجيا، وليس أمي القراءة والكتابة".

ويشدد الشوربجي، على أن الهدف الثالث للكتابة للأطفال، نفتقده تماماً في كتب الكبار حول الأطفال الموجودة حالياً، وهو الهدف التربوي، فالقدوة والمثل الأعلى، لم يعودا متوافرين أمام الطفل، وبذا نجد أن غالبية ما يعرض على الطفل، سواء في التلفزيون أو في السينما والكتب، يدور في فلك البطل الواحد، والشخصية الفردية، في حين لا يجد الطفل في ما يعرض أمامه، ما يعزّز قيمة الجماعة والاتحاد والتعامل مع المجتمع.. كيف أطلب من الطفل أن يكون اجتماعيا ومقدرا لقيمة الجماعة، بينما كل ما يعرض حوله، يكرس الفردية؟".

وأما عن الهدف الرابع، فيحصره بـ: الترفيهي، لافتا إلى انه ليس هدفا لذاته، ولكنه يندرج تحت أهداف أخرى، من أجل إخراج أعمال الطفل بقدر عالٍ من التشويق والإمتاع والترفيه، من خلال استخدام الألوان والصور والرسوم والحركة؛ وهو ما يجعل العمل أكثر جاذبية وإمتاعاً.

 

فجوة قائمة

ويوضح عميد معهد دراسات الطفولة، حول ما يكتب للأطفال ومدى تناسب تلك الأعمال مع عقولهم وروح العصر الذي يعيشون فيه، أن هناك فجوة لاتزال موجودة، بين العديد من الأشياء في عالمنا العربي، منها: الفجوة بين القادة والشعب، الفجوة بين العلم والتطبيق، الفجوة بين الكبار والصغار على مستوى الأسرة، الفجوة بين الكبار والصغار من كتاب الطفل.

ويشدد في هذا السياق، على ان النوع الأخير منها، يصنع عددا كبيرا من التشعبات التي تشتت مجهود الكتاب، ولا تجعلنا نستفيد من ثمرات مجهودهم..

كما أن كل مرحلة من مراحل الطفولة، لها احتياجاتها، بل إن أطفال العصر الذي نعيش فيه، لهم احتياجات مختلفة عن أطفال العصور السابقة.. فأطفال هذا العصر، أصبحوا يستخفون بقصص السندريلا والسنافر والسلاحف وغيرها.. إذ إن عقولهم أصبحت تطلب ما هو مثير وممتع، أكثر من هذه القصص، فالأعمال التقليدية لم تعد تتناسب مع روح العصر الذي يعيشون فيه".

ويختم الشوربجي حديثه، مشيرا إلى أننا إذا كنا نتكلم عن إبداع الطفل وكيفية تنميته، فلابد من تطوير أساليب التعليم القديمة، وكذا كل ما هو تقليدي، إذ إن هذه الوسائل أثبتت فشلها، وفقدت فاعليتها، مقترحا أن نجعل الأطفال يشتركون في ورش عمل يتعلمون من خلالها، القيم. أو أن نقيم لهم مسابقات بين المدارس، كي يشتركوا فيها.

 

لا أدب من دون موهبة

يبين الكاتب عبدالتواب يوسف، في حديثه حول القضية، أنه في حال كتب الكبار حول الأطفال، فذاك موضوع في غاية الأهمية، لأن الأطفال في هذا العصر، مختلفون تماما عن نظرائهم في العصور السابقة؛ نظرا إلى التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يعايشه الأطفال، حالياً. فلم يعد يجوز أن يربي الآباء أبناءهم، كما تربوا هم على أيدي آبائهم، ولذلك لابد أن تكون الكتابات مراعية هذا الجانب تماما. ويتابع: "كتبت العديد من المؤلفات عن الأطفال وللأطفال، ومنها: "دليل الآباء الأذكياء في تربية الأبناء" - عام 1980".

 

موهبة لا صناعة

 

يركز متخصصون عديدون، على أن أدب الطفل بشكل عام، يحوز سمات ومقومات متمايزة، إذ يتوقف على الموهبة، وبذا فإن كاتب الطفل لا يتم صناعته بل إنه وليد موهبة حقيقية، ومن دون الموهبة لن يوجد أدب أطفال، كما يجب في من يكتب للطفل، أن يكون محباً للأطفال، وأن يكون قارئاً جيدا. وأيضاً يكون لديه قاعدة واسعة من الثقافة والمعرفة، وملما بكل ما هو جديد في العالم، بشكل عام.

 

تنشئة ثقافية

 

يشدد الكاتب عبدالتواب يوسف، على تعلقه بالكتابة للأطفال، موضحا أنه رغم تقدمه في السن، مستمر في الكتابة حول الطفل، إيماناً منه بأهمية الكتاب في غرس الوعي لدى الآباء، عن كل ما يدور في عالم أطفالهم، وكذلك المساهمة في تربية الأبناء وتنشئتهم على القيم والمثل العليا.

Email