الكتاب المزور

صداعٌ مزمن يؤرق الناشرين العرب

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبح الكتاب المزور، بمثابة صداع مزمن، يغزو فكر ورأس الناشرين، المصريين خاصة والعرب عامة، ذلك بعد أن بات مصدر تهديد حقيقي لصناعة الكتاب، والتي تمثل قوة ناعمة في العالم العربي، وتحديداً بالنسبة لمصر. وعلى الرغم من جهود رؤساء اتحاد الناشرين، المتعاقبين، غاية الحد من انتشار الظاهرة، لم يسلم الكتّاب من تزوير إبداعاتهم. فما هي أبرز أنواع تزوير الكتب؟ وما السمات المشتركة؟ وكيف يمكن مكافحتها؟

 

يقول رئيس مجلس إدارة دار الهلال، الكاتب الصحافي حلمي النمنم،: أصبحت القاهرة، أكبر مركز لتزوير الكتاب العربي، بعد بيروت، وهذا لم يبدأ مع ثورة يناير، كما يدعي البعض، ولكنه زاد كثيرا نتيجة الانفلات الأمني الذي عم البلاد، وأصبح التزوير يتم على مستويات عدة، أهونها الاعتداء على حقوق الناشر، فمن الممكن الوصول إلى أصحاب مصانع هذه الجريمة الفكرية، والتعامل معهم، لكن الأخطر في هذه العملية، الاعتداء على حق الكاتب.

ويضيف: الكثير من الكتاب تعرّض لعمليات سطو على كتبه، ومن بين هؤلاء: محمد حسنين هيكل، والذي ألّف كتابا في عام 1974، حول الحرب، تحدث فيه عن بعض الأسرار والأفكار، ولكن لم تتم إعادة طباعته مرة أخرى، مع نفاد كميته، وهو ما استغله بعض الناشرين المزورين، وأعادوا طبعه، فكتبوا عليه: (الكتاب الممنوع لهيكل، بعد 40 عاماً من المنع). وطبعاً، هذا ما لم يحدث.

ويشير حلمي النمنم، إلى أن أشكال التزوير عديدة، تبدأ بإعادة طبع الكتب كما هي، بما عليها من أسماء دار النشر، والمؤلف، وهناك شكل آخر للتزوير، يتم فيه تغيير اسم المؤلف، إما بحذفه تماما، أو بوضع اسم آخر.

كما يرصد رئيس مجلس إدارة دار الهلال، في حديثه، بعض السمات المشتركة للكتب المزورة. وأهمها: الطباعة الرديئة، الحروف المتآكلة، عدم وضوح الصور، الشكل غير المريح للعين، فقدان بعض الصفحات. ويتابع: جميع الكتب المزورة يباع على الرصيف.. كيف وصلنا إلى هذه الحالة؟ فأحدث الكتب المزورة: كتاب في الشعر الجاهلي، إذ كانت قد أعادت الدار المصرية اللبنانية، نشره، قبل فترة، ولكن أعاد المزورون نشره بدورهم، ليس بالعنوان الجديد، ولا النسخة المنقحة التي قدمتها الدار، وإنما بناء على النسخة القديمة، ولم يكلف أحد نفسه، عبء كتابة مقدمة تقول إن هذه هي النسخة القديمة.

ويختم النمنم: النشر هو القوة الناعمة لمصر في العصر الحديث، ودخول التزوير بهذا الشكل يؤثر في هذه القوة، وعلى أوضاع دور النشر وأحوال القراءة.

 

تزوير إرادة المبدع

ومن جهته، يصف الروائي بهاء طاهر، تزوير الكتب، بأنه تزوير لإرادة الكاتب، مؤكدا أنه شخصيا تعرّض إلى أكثر من واقعة تزوير. ويتابع : كنت ضحية للتزوير، إذ نشرت كتابا لدى دار نشر أجنبية، قامت بدورها، بإعادة نشر الكتاب، من دون إذن مسبق مني. والنسخة تلك التي نشرتها، مسيئة إلى حد كبير، ولم ينقذني إلا الناشر محمد رشاد، الذي أكد أن ما حدث اعتداء على حق المؤلف، واستعان بنص القانون، وبكافة الأسانيد التي أثبتت أن هذا اعتداء، وهو ما أفادني في قضيتي ضدهم، لكنه للأسف لم يمنع الخسارة المادية.

ويحكي طاهر عن معاناته القديمة مع قضية التزوير: كنت قد اصطدمت بقضية التزوير منذ عشرات السنين، كما عانى من المشكلة، الأديب سهيل إدريس، وسألني عن اقتراحي لتفادي تزوير الكتب، ولم أعلم بماذا أجيب وقتها، فقدمت حلاً هو من أفشل الحلول، يتمثل في أن يتم ترقيم الكتب بشهادات رسمية. فقال، إن هذا واحد من أفشل الحلول، ولا أزال لا أعلم ما الذي ينبغي أن يتم كي نتخلص من هذه العادة السخيفة.

وفي السياق نفسه، يقول رئيس اتحاد الناشرين المصريين، السابق، محمد رشاد( مالك الدار المصرية اللبنانية): صناعة الكتب تتعرّض لوعكة كبرى، حاليا، رغم أننا لم نكن بحاجة إلى المزيد من المعاناة مع مزوري الكتب.. ويمكننا أن نرى ما آلت إليه أوضاع النشر في مصر والعالم العربي بالنظر إلى ما يحدث في اليوم العالمي للكتاب.. فلا شيء.

يمر اليوم كأي يوم آخر، بلا معارض، وبلا حفلات توقيع خاصة، أو احتفالات. وهذ في حين أن أكثر الدول المتقدمة تتوقف عند هذا اليوم، وتعتبره يوما مهما؛ لتشجيع القراءة وصناعة الكتاب، فجهاتها المعنية تقدم خصومات محددة على الكتب، وعروضا متنوعة.

وتزين المواصلات في هذا الإطار، ويجري تنظيم حفلات التوقيع، حتى إنهم اختاروا يوم وفاة كل من: سرفانتس وشكسبير؛ كي يكون :اليوم العالمي للكتاب؛ ذلك كي لا ننسى هؤلاء العظماء وغيرهم، ممن أثروا البشرية.. أما نحن، وبعد أن كنا نطبع أكثر من 25 ألف نسخة من كتاب الأطفال الواحد، أصبحنا نطبع ألفين أو ثلاثة على أقصى تقدير، وكذلك الكتب الكبرى لا يتعدى عدد النسخ منها، الألفي نسخة، رغم زيادة عدد السكان والمتعلمين.

ويضيف رشاد: بعد أن كانت مصر تكافح التزوير في الدول الأخرى، وعقب أن قمنا قبل ذلك بحرق ثلاث سيارات من الكتب المزورة، أصبح التزوير آفة نكافحها في بلدنا، والمزورون لا يشكلون ظاهرة جديدة، بالعكس، الجميع بات يتعرّض للتزوير، بمن فيهم الراحل نجيب محفوظ، والذي بلغت الوقاحة بمزور كتبه أن يعرض عليه 50 جنيهاً عن كل كتاب، لكن محفوظ رفض أن يأخذ منه شيئا، وبعد ذلك تطور التزوير، وأصبح له رجاله ولم يعد بالأبيض والأسود كما كان، فقد استفاد المزورون بتقدم تقنيات الطباعة، وأصبح التزوير يتم للكتب الملونة، بما فيها من أطالس وقواميس ومعاجم.

ويتابع: ثمة أماكن بعينها، معروف أنها لتزوير الكتب في مصر، ومن ثم بيعها. ومن بينها سور الأزبكية، والذي خرج عن دوره وأصبح بؤرة للكتاب المزور، حيث إن بعض المكتبات هناك تزوِّر، وبعضها تبيع الكتاب المزور، وأيضا يوجد الكتاب المزور مع باعة الصحف، وبائعي الكتب عند سور نادي الزمالك، وسوق النبي دانيال في الإسكندرية.

ولعل أبرز حوادث التزوير التي تمت أخيرا، والتي توضح حجم المشكلة، كتاب طبعته دار الشروق لمحمد حسنين هيكل، وتسلّمته من المطبعة يوم الخميس، فطرحته في السوق يوم الجمعة، وكان موجودا في أسواق الكتب المزورة، يومي الأحد والإثنين.

وعن أنواع التزوير يقول رشاد: هناك أنواع عديدة من التزوير؛ أولاً: إعادة طبع الكتاب كما هو. ثانيا: الإيقاع بين دور النشر وبعضها البعض، عبر وضع اسم دار نشر أخرى على الكتاب المزور لإلصاق التهمة بها. ثالثا: حذف اسم المؤلف تماما، أو وضع اسم آخر. وأما أخطر أنواع التزوير فيكون بوضع اسم الكتاب على كتاب آخر، ليس هو المقصود.

بمعنى أن يبحث المزورون عن أكثر الكتب مبيعا، ويجمعون مقالات للكاتب أو لغيره من شبكة الإنترنت ويعيدون نشرها تحت اسم الكتاب الرائج للكاتب، على أنه هو الكتاب المذكور، وهو ما ينفّر القراء من الكاتب، ويجعلهم يكوّنون وجهات نظر سلبية عنه، وهناك نوع آخر من التزوير، يتم عبر إعادة نشر الكتب المترجمة، من دون إذن المترجم أو المؤلف، والغريب أنهم بعد أن كانوا يبيعون كتبهم بأسعار متدنية للغاية، أصبحوا يبيعون الكتب المزورة بأسعار مقاربة للكتب الأصلية، وأحيانا بالسعر نفسه.

يشدد رئيس اتحاد الناشرين المصريين، المهندس عاصم شلبي، على أن ظاهرة تزوير الكتب وتزييفها، انتشرت بشكل واسع بعد ثورة 25 يناير، نتيجة استغلال المزورين للانفلات الأمني، وعدم وجود ضباط المصنفات الفنية في سوق الكتاب بشكل مكثف، وهو ما أفرز بروز شكاوى متعددة ترد إلى الاتحاد من الناشرين المصريين والعرب، والكثير من المؤلفين.

ويضيف شلبي: بادر الاتحاد إلى اتخاذ إجراءات تصاعدية، بدأت تحديدا في شهر يونيو عام 2011، وكانت أول ضبطية تقوم بها مباحث المصنفات الفنية، هي لكتب مزورة موجودة في إحدى شركات الشحـــن؛ كان يمهد لتصديرها إلى دولة السودان، وتـــم التحفـــظ على الشحنـــة وتحريــر محضر بالواقعة، في شهر أغسطس عام 2011..

إن الحملة التي شنَّها الاتحاد ضد الكتب المزورة، أثارت غضب أصحاب المكتبات في سور الأزبكية، ولكنهم عادوا ليؤكدوا أن الاتحاد ومجلس إدارته، ليس لديهم أي مشكلة مع أصحاب المكتبات في سور الأزبكية، ولا يرغبون في المساس بهم، بل إن الاتحاد يقــدر الدور المهــــم لسور الأزبكيـــة في نشر الوعي الثقـــافي، ولكن مشكلتنـــا هي في الكتب المزورة، أيا كان مكانها، سواء في سور الأزبكية أو في أي مكتبة في ربوع مصر. ولكنهم أكدوا أيضاً أن هناك عدداً من مكتبات سور الأزبكية تزور كثيراً من الكتب، أو تساعد المزورين على توزيع كتبهم المزورة. وهو ما يحاربه الاتحاد.

 

إجراءات عملية

 

تحاول جهات عديدة التصدي لقضية الكتب المزورة، ولكن جميع الجهود في هذا الصدد، لا يكفي لردع الظاهرة والقضاء عليها تماماً. واللافت محاولة اتحاد الناشرين المصريين، التركيز، وبشكل واسع، على متابعة الكتب المزيفة، التي يجري تداولها في الأسواق على أنها الكتاب الأصلي، وبناءً عليه صدرت توصية لدار الكتب، بعدم إصدار أرقام إيداع أو ترقيم دولي لأي كتاب مزيف أو مزور، كما لا يتم إصدار أي أرقام لأي ناشر من دون تقديم عقد المؤلف والمترجم، للحد من هذه الظاهرة، وأن يحصل فقط على ترقيم دولي كل من له الحق قانوناً، في الحصول على هذا الترقيم، طبقًا للقانون، إما أن يكون مؤلفاً أو ناشراً.

 

كتب مزيفة

 

أفرد مؤتمر اتحاد الناشرين المصريين، طبقاً لما يذكره رئيس الاتحاد، عاصم شلبي، توصيات خاصة في شأن أرقام الإيداع، غاية محاربة الكتاب المزيف وليس المزور والمنسوخ، وهي الظاهرة التي انتشرت في الآونة الأخيرة بنقل بعض فصول من كتاب مؤلف مشهور، وإضافة بعض الموضوعات نفسها، المتعلقة بالموضوع المأخوذة من شبكة المعلومات وصناعة كتاب جديد بعنوان مشابه تماماً، لعنوان الكتاب الأصلي، ووضع اسم مؤلف مشابه للمؤلف الأصلي، مع تعديل حرف أو حرفين، خاصة في الكتب المترجمة عن كُتّاب أجانب، ومن ثم الحصول على رقم إيداع وترقيم دولي لكتاب جديد مزيف، ليس له مؤلف ولا مترجم.

Email