عندما تقابله تشعر للوهلة الأولى بأنك تعرفه منذ زمن بعيد، لهدوئه وطيب معاملته، وبمجرد الحديث معه تستشف عمق تجربته في عمله والحياة عموما. كان رفيقا لوالده عند خروجه للسوق، ورفيقا لسمو الشيخ أحمد بن سعيد، رئيس مؤسسة مطارات دبي رئيس شركة طيران الإمارات، اثناء زيارته العديد من الدول لتوقيع اتفاقيات التعاون الثنائية.

ويعود بنا جمال الحاي، عضو المجلس الوطني النائب الأول للرئيس ـ الاستراتيجية، في هيئة الطيران المدني بدبي، إلى ستينات القرن الماضي، التي شهدت ولادته في «منطقة الراس» بالقرب من سوق الذهب، فيقول: ما زال بيتنا الأول قائما حتى اللحظة يواجه تحديات الزمن، يحتوي بين جدرانه تراث اجدادنا. كانت بيوت حمد بن الفطيم، وبن دلموك، والسجواني وبن غباش ملاصقة لبيتنا، وكانت المكتبة العامة تقع مقابل بيتنا المطل على الخور، وما زلت اذكر سيارة وزارة الإعلام عندما كانت تأتينا كل خميس في العام 1967 ويتجمع حولها اهالي الفريج لمشاهدة ما تعرضه من أفلام وثائقية وقديمة.

ورغم المساحة الشاسعة المحيطة بنا إلا أن منطقة الراس كانت صغيرة نسبيا، وعدد سكانها قليل وكذلك عدد العبرات التي تعمل في الخور. كنت دائما ارافق والدي اثناء خروجه سيراً على الأقدام إلى السوق القريب، كان رحمه الله محبوبا من الجميع يسلم على الناس ويشاطرهم الأحاديث، ومن خلال ذلك تعلمت الكثير، فقد اقتربت منه ومن هموم الناس وتعلمت كيف يبني العلاقات ويحافظ عليها. كان جدي «نوخذة» ويمتلك عددا من السفن التي تسافر في رحلات الغوص ثم الى الهند لبيع اللؤلؤ، ولكن والدي قبل وفاته لم يستمر في هذا المجال وفضل التجارة مع البحرين والسعودية، ثم انتقل للعمل في العقار وبقي فيه، وقتها طلب الشيخ راشد بن سعيد رحمه الله من والدي العمل في حكومة دبي، فكان عضوا في لجنة الجنسية والجوازات، فكان احد المسؤولين عن تحديد مستحقي الجنسية، وعضوا في لجنة المحتاجين التابعة لبلدية دبي. ومع مرور الوقت كانت البلاد تكبر، واشترى الوالد سيارة «لاند كروزر» من الفطيم بنحو 28 ألف درهم، واذكر انه احضر لها سائقا وكنا فرحين جدا بها.

درست الابتدائية في مدرسة عمر بن الخطاب التي تقع حاليا في «فريج المرر»، كانت غرفها ومختبراتها بسيطة ومزودة بمراوح وليس أجهزة تكييف، أما المناهج فكانت تأتينا من الكويت حتى اعلان الاتحاد، وكان المدرسون خليطا من جنسيات عربية متعددة جلهم من مصر والأردن والعراق، وكان الطلاب يذهبون إلى بيوتهم مشيا وبعضهم يستخدم الدراجات الهوائية والبعض الآخر الباص أو السيارة، أما نحن فكنا نستخدم سيارة والدي، وبعد ذلك انتقلت الى مدرسة المهلب التي تحولت فيما بعد الى ثانوية عامة.

بعد الثانوية راودتني فكرة دراسة العلوم السياسية، خاصة وان الدولة، في ذلك الوقت، كانت في مرحلة النشوء، وتحتاج الى كوادر سياسية قادرة على ادارة شؤونها الداخلية والخارجية، إلا انني تحولت عنها بعد نصيحة من خالي حمد بن الفطيم بدراسة إدارة الأعمال والتجارة، وشجعني على ذلك توجه العديد من رفاقي الى العلوم السياسية.

وبالفعل التحقت بجامعة الإمارات حديثة التأسيس ودرست الإدارة العامة والاتصال الجماهيري، وتعلمت الطرق المثلى للاتصال وبناء العلاقات الاجتماعية. كانت الحكومة تشجعنا على التعليم بشتى الطرق، تصرف لنا معاشات شهرية وتؤمن لنا كافة احتياجاتنا من مأكل ومسكن وغيرهما. ورغم حداثة الجامعة إلا انها استقطبت نخبة من الكوادر العلمية لتغطية تخصصاتها المختلفة.

بعد تخرجي في العام 1982 عملت في القطاع المصرفي لمدة عام وشهرين، كنت اطمح خلالها في مواصلة دراستي، وحصلت على منحة من وزارة التربية والتعليم، وتوجهت مع بعض الرفاق الى الولايات المتحدة الأميركية، درست الإنجليزية في كلية سان دييغو، ثم التحقت ببرنامج الماجستير، ولكن رغبة والدي بالعودة منعتني من الاستمرار.

وبعد عودتي التحقت بدائرة الطيران المدني واحببت العمل فيها لعلاقتي المتأصلة بالسفر والطيران، حيث كان الوالد رغم امكانيات السفر المحدودة يسافر بنا كل عام الى الهند ونقضي فيها شهرين، وأنا في سن العاشرة (السبعينات) كان مطار دبي مبنى واحدا للقادمين والمغادرين معا، وبجانبه برج المراقبة وموقف سيارات الدفاع المدني، ولم يكن ينتشر فيه رجال الأمن، ولصغر المبنى كان المسافرون ينتظرون خارجه، وكان عدد الطائرات بسيط والحركة لا تتعدى الرحلتين اسبوعيا.

وعندما بدأت العمل في دائرة الطيران المدني عام 1985، كان المطار قد شهد نقلة نوعية وأصبح فيه امن وسوق حرة، رغم انه كان نفس المبنى الذي انشئ عام 1971، وأذكر أن عدد الرحلات المجدولة لم يتجاوز 60 رحلة، وعدد المسافرين لم يكن يتجاوز 7 ملايين سنويا.

لكن تأسيس طيران الإمارات عام 1986، واعتماد دائرة الطيران المدني لسياسة الأجواء المفتوحة احدث نقلة نوعية في المطار، وتنامت الرحلات وحركة الطيران في المطار. صعدت مراتب السلم الوظيفي، وواكبت عملية التطور المتصاعد لأداء المطار والدائرة التي فازت بجوائز تميز عدة.

وانتهى بي الأمر منذ عام 2005 رئيساً للمجلس التنفيذي لدائرة الطيران المدني، وهو أعلى سلطة تنفيذية، وقد سمح لي موقعي بمرافقة سمو الشيخ أحمد بن سعيد في زياراته المتعددة لدول مختلفة لتوقيع اتفاقيات ثنائية للنقل الجوي، وقد وقعت اتفاقيات مع نحو 25 دولة، الى جانب مقابلة العديد من رؤساء الدول والوزراء.

ولشدة حبي للطيران، حصلت على رخصة خاصة للطيران، وقطعت شوطا كبيرا في هذا المجال وتعرفت على الطيران المدني، وشاركت كثيرا في العمل التطوعي، في مهرجان دبي للتسوق ومعرض دبي للطيران وغيرهما، وقد عمق ذلك من علاقاتي الاجتماعية، وحاليا أسعى جاهدا لأزرع في نفوس ابنائي الثمانية ما تعلمته من والدي من صدق وامانة وحب الآخرين وعدم التفريق بين الناس.

يقول أبو خالد، الذي لم يتوقع حصوله على أعلى الأصوات في انتخابات المجلس الوطني التي شكلت مرحلة جديدة في حياته: لطالما أردت خوض الحياة السياسية بعد التقاعد، ولكن الانتخابات غيرت كل القواعد ترددت في خوضها كثيراً لدرجة انني كنت آخر المرشحين، ولا انكر أن دخولي المجلس الوطني حقق طموحي، واتمنى ان أنجح في خدمة وطني، وللحقيقة أنا سعيد بوجودي في المجلس خاصة وإنه يتيح لي الفرصة للاطلاع على القضايا الاجتماعية والمساهمة في حلها، مستفيداً من الخبرة التي اكتسبتها في عملي، لقد كانت الانتخابات تجربة فريدة في تاريخ الإمارات، وارتأيت وضع بصمتي فيها من خلال جمع كل البرامج الانتخابية في كتاب واحد.

وبسؤال أصدقائه عنه، قال حسين الشعفار، عضو المجلس الوطني: اكن له كل الاحترام، وبحصوله على اعلى الأصوات اثبت انه محل ثقة الجميع، فهو انسان خدوم ولا يسكت عن الظلم ابدا، وهذا ما قربه من الناس، أما مهدي آل رحمة، رئيس قسم التدريب في وزارة التربية والتعليم فقال: هو اعز من أخ، وأعتبره الأقرب الى قلبي، فأنا اعرفه منذ ايام الدراسة الأولى، ورغم السنوات لم يتغير ابدا، فهو دائم الابتسامة والتواضع ولا يفرق بين أحد من الناس، وهو غني النفس ومخلص لأبعد الحدود، وفي عمله هو الرجل المناسب في المكان المناسب لقدرته على الإدارة الاستراتيجية.

إضاءة

تأسست دائرة الطيران المدني عام 1971، وهي الجهة الحكومية التي تتولى الإشراف على إدارة وتنسيق كافة الأمور المتعلقة بالعمليات المدنية للمطار بما في ذلك حقوق النقل وأذون التشغيل والتدريب على الطيران والمناطق الحرة والشحن، وتشمل ادارتها مطار دبي بأقسامه الفرعية وهي قرية دبي للشحن، و المنطقة الحرة، وفندق دبي الدولي، ونادي دبي للطيران، وتقع الدائرة ضمن مسؤوليات سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس مؤسسة مطارات دبي رئيس شركة طيران الإمارات.

ونظرا لتطور دبي، بدأت الدائرة بإنشاء مطار آل مكتوم الدولي في جبل علي وسيكون الأكبر في العالم، وسيبدأ العمل فيه عام 2012 بطاقة استيعابية تصل الى 120 مليون مسافر سنويا.

غسان خروب