مدارات تاريخية

معاهدة 1930 والاستقلال «الوهمي» للعراق

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

على مر العصور.. لم تسلم أرض الرافدين من أطماع القوى الكبرى. وإذا كانت تلك الأرض التي هي مهد الحضارات وموطن الثروات الطبيعية والبشرية، قد ابتليت بغزو أنجلو أميركي مر عليه الآن أكثر من خمس سنوات ولم تنته فصوله بعد، فقد ابتليت في الماضي وبالتحديد في بدايات القرن العشرين باستعمار تفنن في السطو على أراضي الغير بوسائله الماكرة والمخادعة. انه الاستعمار البريطاني الذي خطط للسطو على العراق كجزء من تركة الإمبراطورية العثمانية التي حملت في أواخر أيامها لقب الرجل المريض.

وجرى توزيع التركة مناصفة مع فرنسا طبقا لاتفاقية سايكس بيكو. وكانت المنطقة (أ) الزرقاء وهي العراق من نصيب الانجليز حسب هذا الاتفاق الاستعماري الذي كان العرب لا يعلمون عنه شيئا، بل كانوا غارقين في تحالفهم مع بريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى للخلاص من ذاك الرجل المريض. تاريخ العراق حافل بالكفاح والنضال ضد الانجليز الذين عادوا في ثوب جديد تحت مسمى تحرير العراق من نظام صدام حسين والخلاص من أسلحة دماره الشامل التي لا أثر لها حتى الآن في أرض الرافدين. والحديث عن معاهدة 1930 بين العراق وبريطانيا التي يوافق اليوم مرور 78 عاما على إبرامها، لابد من استهلاله بأحداث الحرب العالمية الأولى التي أسفرت عن سقوط الإمبراطورية العثمانية وانتصار بريطانيا وحلفائها.

فقد دخل الانجليز أرض الرافدين بدءا بالبصرة من نوفمبر 1914 عند نشوب تلك الحرب، وفي منتصف يونيو من العام التالي دخلوا مدينة العمارة ثم الناصرية. ولم يفلحوا في الوصول إلى بغداد إلا في بدايات عام 1917، وقبل أن ينتهي عام 1918 الذي شهد نهاية الحرب الأولى كان الشمال العراقي وبالتحديد الموصل في قبضة الانجليز. وسميت تلك الفترة بالاحتلال البريطاني الأول للعراق. وهي فترة لم يشعر فيها الانجليز بأمن ولا استقرار. فقد شهدت أرض الرافدين إحدى ثوراته الكبرى ضد الاستعمار، ألا وهي ثورة العشرين التي أكدت مقاومة الشعب العراقي للاحتلال الذي كان قد أعلن الانتداب في 25 ابريل عام 1920. وهو الأمر الذي رفضه العراقيون مطالبين بحق الشعب في أن يحكم نفسه بنفسه.

اندلعت الثورة في الثلاثين من يونيو 1920 للتعبير عن استياء أبناء الرافدين من مماطلات الاحتلال الذي لم يستجب لمطالبهم. قاوم أبطال العراق قوات الانجليز المدججين بالسلاح. أعلنت بريطانيا الانتداب في 25 ابريل 1920طبقا لقرار الحلفاء خلال مؤتمر سان ريمو، فرفضه الشعب العراقي وطالب بعقد مؤتمر عراقي منتخب يقرر شكل الحكم والحاكم في العراق.

وعندما ماطالت بريطانيا في استجابتها لهذا المطلب وعملت على اضطهاد الشعب العراقي ثار العراقيون، واندلعت الصدامات بين الثوار والقوات البريطانية. انطلقت الشرارة خلال شهر رمضان الذي وافق مايو من عام 20، اذ خرجت المظاهرات من مساجد بغداد واشتعلت الثورة التي انتشرت إلى العديد من المناطق العراقية على مدى خمسة أشهر.

واضطر الاحتلال إلى التفاوض مع قيادات الثورة، وكان من ثمار الثورة إعلان العراق دولة عربية مستقلة في الثالث والعشرين من أغسطس 1921، وانتخب فيصل الأول ابن الشريف حسين أمير مكة في استفتاء عام ملكاً على العراق، وشهد العام نفسه تأسيس جيش عراقي كان ضباطه ممن خدموا في الجيش العثماني ومنهم نوري السعيد رئيس الوزراء في فترة الثلاثينات والذي تولى رئاسة الحكومة 14 مرة، انتهت بقتله خلال ثورة يوليو58.

كما شهد العام نفسه ـ 1921 ـ أول حكومة عراقية برئاسة عبد الرحمن النقيب، ولكنها كانت حكومة تخضع في الغالب لنفوذ الانجليز اذ انتشر في أجهزتها جيش من المستشارين البريطانيين الذين كانوا يحركون الوزارات طبقا لمصالح بريطانيا.

وفي حين لم يرض الشعب العراقي بهذا الاستقلال الصوري، إلا أن البلاد فرضت عليها معاهدات تراعى فيها المصالح الاستعمارية، فكانت معاهدة التحالف بين البلدين عام 1922. ثم معاهدة عام 1926 ومعاهدة عام 1927 التي أمنت مصالح بريطانيا في العراق.

وبحكم أن الطرف القوي هو الاحتلال البريطاني، فقد جاءت معاهدة 13 يونيو 1930،التي وان كانت تعترف من خلالها بريطانيا بحقوق الاستقلال والسيادة الشكلية، إلا أنها أدخلت العراق في دائرة الاستعمار البريطاني. بموجبها احتفظ الانجليز بعدد من القواعد الجوية العسكرية.

وفرضت بريطانيا سيطرتها على شؤون العراق السياسية والعسكرية والاقتصادية، وبالتالي جردت الاستقلال من معانيه. فرضت هذه المعاهدة التي تعد من أهم الاتفاقيات بين البلدين، تقديم التسهيلات والمساعدات اللازمة لبريطانيا في حالة الحرب. وحصلت بريطانيا على قاعدتين في البصرة وفي غرب الفرات.

تلك المعاهدة التي وقعها رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد والسير فرنسيس هنري همفري المندوب السامي البريطاني في العراق، هي باختصار الأساس في الاعتراف بالعراق كعضو في المجتمع الدولي طبقا للتوصية التي رفعتها بريطانيا إلى عصبة الأمم لقبول بغداد عضوا فيها. وقيل في التوصية إن العراق يتمتع بكامل السيادة والاستقلال، ولكن الأمر كله مجرد كلام معسول، فقد كانت أرض الرافدين لا تتمتع لا بسيادة ولا استقلال فعلي.

إضاءة

معاهدة 30، لم تكن نهاية مسلسل المعاهدات والاتفاقات التي فرضت على العراق من جانب بريطانيا. فقد كان العراق مع اشتعال الحرب العالمية الثانية على موعد مع شكل ثان من الاحتلال البريطاني، وهو الذي صاحب ثورة العراق بقيادة المناضل رشيد عالي الكيلاني عام 1941. ففي 2 مايو 1941 قامت الثورة ضد الوجود البريطاني بقيادة الكيلاني، وتم تشكيل حكومة جديدة بعد هروب نوري السعيد خارج العراق، ولكن لم تستطع الثورة الاستمرار في المقاومة.

وتم التوقيع على هدنة مكنت بريطانيا من استعادة السيطرة على العراق، وتم تشكيل حكومة موالية لبريطانيا برئاسة جميل المدفعي الذي استقال وخلفه نوري السعيد، وفي يناير 1943 أعلنت العراق الحرب إلى جانب بريطانيا وحلفائها على دول المحور.

حسن صابر

Email